هل تستطيع إيران تحقيق الاستفادة القصوى من وراء الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون؟

علي عاطف

 

جنبًا إلى جنب مع مساعي تعزيز علاقاتها مع دول الشرق في إطار سياسة “التوجه نحو الشرق” التي تنتهجها حكومة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، انضمت إيران بشكل رسمي ودائم إلى عضوية منظمة شنغهاي للتعاون في الرابع من يوليو الجاري. وهي خطوة استغرقت سنوات حتى تصل طهران إلى العضوية الدائمة والكاملة في هذه المنظمة. ومع ذلك، فعلى الرغم من الميزات والثمار الاقتصادية المتوقعة من وراء هذا الانضمام الإيراني، فإنه لا تزال هنالك تحديات قد تواجه إيران في سبيل تعظيم الاستفادة من عضويتها في المنظمة.

حلول بديلة: خطوة طال انتظارها

بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في مايو 2018، بدأ صانعو القرار في الجمهورية الإسلامية يقتنعون أن الارتكان إلى اتفاق نووي دولي، أيًا كان اسمه أو توقيته، لن يكون مفتاح الحل للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد؛ إذ رجّح المسؤولون الإيرانيون أن تجربة “خطة العمل الشاملة المشتركة-JCPOA” منذ 2015 وحتى ذلك التاريخ لم تحقق لطهران النتائج المرجوة، خاصة على النواحي الاقتصادية، وباتوا حذرين في الوقت نفسه من أن بإمكان أي طرف في الاتفاق النووي في وقت لاحق الخروج منه على غرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ما قادهم بالتالي إلى التخطيط لتنمية الاقتصاد المحلي بطرق أخرى.

وتمثلت هذه الحلول البديلة في اللجوء إلى الانفتاح الاقتصادي على الدول الحليفة، ودول الشرق الأوسط والدول الشرقية بوجه عام، وذلك عن طريق عقد اتفاقات اقتصادية تجارية كبرى معهم أو تحقيق انفراجة سياسية أولًا تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي بشكل غير مباشر أو تعزز في النهاية مسارات التعاون الاقتصادي معهم.

ومن أجل هذا، سارت إيران في أكثر من درب في وقت واحد؛ فعقدت اتفاقيات اقتصادية مع دول كبرى مثل الصين وروسيا، وتقاربت مع دول آسيا الوسطى اقتصاديًا، إلى جانب النواحي السياسية والثقافية، ومن ثم توجهت إلى تهدئة العلاقات المتوترة مع دول الخليج العربي. ولم تُستثن دولُ أمريكا اللاتينية من هذا المضمار.

وبالتوازي مع ذلك، توجهت إيران في مسار آخر إلى ضمان عضويتها في منظمات اقتصادية دولية على رأسها منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة دول البريكس (BRICS). ويأتي هذا الخيار ضمن أبرز الرؤى والحلول التي تراها طهران لتحقيق انفراجة اقتصادية محلية، في ظل العقوبات الهائلة التي تواجهها منذ عقود جنبًا إلى جنب مع اقتصاد راكد.

ولذلك، سعت إيران منذ عام 2021 إلى نيل العضوية الدائمة والكاملة في المنظمة بعد انضمامها إليها في وقت سابق بصفتها عضوًا مراقبًا عام 2005. وفي 2020، عكفت طهران على إنجاز إجراءات العضوية وإعداد العدة لتصديق الحكومة على لائحة الانضمام إلى منظمة شنغهاي، وهو ما نال موافقة الحكومة لاحقًا في العام نفسه، ومن ثم موافقة الدول الأعضاء الثمانية في شنغهاي على انضمام إيران الدائم “لاحقًا” إلى المنظمة.

وفي 15 سبتمبر 2022، وقّع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مع الأمين العام للمنظمة، جانج مينج، على مذكرة تعهدات العضوية الدائمة لطهران في المنظمة، معلقًا بعدها “لقد دخلنا الآن مرحلة جديدة من شتى أشكال التعاون الاقتصادي والتجاري والترانزيت والطاقة وغيرها”، مؤكدًا أن الأمين العام لمنظمة شنغهاي قدم تهانيه بمناسبة انضمام إيران الدائم للمنظمة، واصفًا التوقيع على الوثيقة بأنه “تطور مهم”.

كيف ستجني إيران ثمار الانضمام إلى منظمة شنغهاي؟

يُعد انضمام إيران إلى التكتلات الاقتصادية، سواء إقليمية أو دولية، من أبرز سُبُل تخطيطها الاقتصادي المستقبلي؛ إذ إن حصولها على عضوية منظمة شنغهاي للتعاون يضمن لها الاندماج في منظمة اقتصادية تتضمن دولًا كبرى مثل: روسيا، والصين، والهند، إلى جانب دول آسيا الوسطى وأسواقها ومواردها الغنية.  وفي هذا السياق، يُتوقع أن تجني إيران ثمار الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون على النحو التالي:

  1. تعزيز التبادل التجاري الخارجي:

من المتوقع أن يفتح انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون الباب واسعًا أمامها من أجل رفع معدلات التبادل التجاري مع أعضاء هذه المنظمة. وتتمتع الدول الأعضاء (الصين – روسيا – الهند – أوزبكستان – قيرغيزستان – باكستان – طاجيكستان – كازاخستان) بميزات تخصها. فعلى سبيل المثال، تُعد الصين من أكبر الدول الصناعية حول العالم وتملك أسواقًا ضخمة في الداخل والخارج، ويمكن لعلاقات إيرانية متنامية على الناحية الاقتصادية معها أن تشكل فرصة كبرى للجمهورية الإسلامية في سبيل تطوير اقتصادها وأسواقها، خاصة وأن بكين وطهران قد وقعتا في مارس 2021 على اتفاقية استراتيجية شاملة للتعاون قد تمثل هي الأخرى عاملًا مساهمًا في دفع التعاون الاقتصادي إلى الأمام خطوات عما هو قائم بالفعل.

وتُعد روسيا هي الأخرى منفذًا اقتصاديًا مناسبًا لإيران، على الرغم من الحرب الجارية مع أوكرانيا والأزمة ذات الصلة مع الغرب منذ فبراير 2022. وقد عقدت إيران عدة اتفاقات اقتصادية ثنائية معها أيضًا خلال العامين الماضيين. ما يعني أن الأرض ممهدة لتطوير التعاون سواء بشكل ثنائي أو في إطار منظمة شنغهاي. أما دول آسيا الوسطى، فإنها تملك أسواقًا جيدة للغاية في الوقت الراهن تستطيع إيران استغلالها جيدًا، وعلى وجه الخصوص في ظل وجود موارد ضخمة بها.

  1. تعزيز التقارب السياسي مع المعسكر الشرقي:

يعزز انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي من التقارب الإيراني القوي مع المعسكر الشرقي الممثل في روسيا والصين في مقابل الدول الغربية، ما يمنحها مزيدًا من الدعم السياسي لهذه البلدان في مواجهة خصومها. يعني هذا أن عضوية إيران في شنغهاي قد تمنحها في الوقت ذاته مظلة سياسية داعمة على المستوى الدولي قد يثمر في ملفات سياسية بعينها. ولا تمنح هذه العضوية إيران دعمًا اقتصاديًا وسياسيًا فحسب، بل ودعمًا عسكريًا وأمنيًا كذلك، في ظل العلاقات ذات الصلة بين مختلف دول هذا التكتل سواء في الوقت الحالي أو تلك القائمة منذ سنوات والتي تعززت بالتالي بين إيران وهذه الدول (خاصة مع روسيا والصين) خلال الآونة الأخيرة.

ج- عدم الاضطرار إلى تقديم تنازلات كبرى في المفاوضات النووية:

إن احتمالات تعزيز انضمام طهران إلى منظمة شنغهاي للتعاون للاقتصاد الإيراني في المستقبل ستعني تقليل حاجتها إلى تقديم تنازلات كبرى فيما يتعلق بالملف النووي والمفاوضات ذات الصلة في فيينا والتي انطلقت في أبريل 2021 وتوقفت في شهر سبتمبر الماضي؛ إذ إن تحقيق معدل تبادل تجاري مرتفع من ناحية مع أعضاء هذه المنظمة وتوفير دعم سياسي أكبر من جانبها لإيران من ناحية أخرى سيمنح إيران أرضية أقوى للتفاوض، وسيقلل من إصرارها على التوصل للاتفاق بغية ثماره الاقتصادية التي ترمي إليها بشكل رئيس.

ما التحديات التي تواجه تحقيق إيران الاستفادة القصوى من عضوية منظمة شنغهاي؟

على الرغم من الفرص التي تمنحها العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون لإيران والسابق الحديث عنها، فإن بعض التحديات قد تواجه إمكانية تحقيق طهران الاستفادة القصوى من وراء هذه العضوية، وهي ما نوردها فيما يلي:

  1. العقوبات الدولية القائمة على إيران:

لعل من أبرز العوائق التي قد تحول دون تحقيق إيران الاستفادة القصوى من وراء انضمامها لمنظمة شنغهاي للتعاون هي تلك العقوبات الدولية القائمة عليها منذ سنوات طوال؛ إذ إن هذه العقوبات سوف تشكل عائقًا كبيرًا أمام توسيع إيران حجم تجارتها مع دول منظمة شنغهاي مثلما هو الحال عليه خلال السنوات الأخيرة عند الحديث، مثلًا، بشأن تحديات التبادل التجاري بين إيران والصين أو بينها وبين روسيا.

  1. المشكلات التي تواجه أعضاء تكتل شنغهاي:

على الرغم من الأهمية الاقتصادية البارزة لمنظمة شنغهاي للتعاون، واستحواذ أعضائها على 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإن هناك مشكلاتٍ تواجه هذه الدول الأعضاء في المنظمة قد تؤثر على إمكانية توظيف إيران جميع طاقات المنظمة لخدمة مصالحها الاقتصادية القومية؛ فإلى جانب الحالة الاقتصادية غير الجيدة لدول آسيا الوسطى، فإن الاتحاد الروسي من الناحية الاقتصادية يعاني من عقوبات غربية واسعة على إثر اندلاع الحرب بين موسكو وكييف وما تبعها من توترات كبرى بين موسكو والغرب. وعلى غرار صعوبة توصل إيران إلى اتفاقية اقتصادية طويلة الأمد مع روسيا بسبب تلك الحرب الدائرة، فإن الأخيرة قد تمنع تحقيق هذه الاستفادة القصوى المُشار إليها.

ومن جانب آخر، فإن السنوات الأخيرة قد أظهرت أن التبادل الاقتصادي بين بكين وطهران ليس في أحسن حالاته، خاصة في ظل توجه الصين إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الضفة الغربية للخليج العربي، وهو أمر قد سبب بعض الانزعاج في إيران. ولا يُتوقع كذلك أن تُقدم بكين على تحقيق انفراجة كبرى في العلاقات الاقتصادية مع إيران في ظل توتر علاقات الأخيرة مع الولايات المتحدة وأوروبا؛ ذلك لأنه برغم توتر العلاقات بين بكين وواشنطن إلا أن الأولى قد لا تُقدم على عمل اقتصادي كبير يعزز بشدة من التوترات السياسية مع الولايات المتحدة وأوروبا، وعلى وجه الخصوص بعد اضطراب العلاقات بين طهران والغرب فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية.  ومن جانب آخر، فإن عدم تنفيذ بنود اتفاقية الـ 25 عامًا بين إيران والصين على أرض الواقع حتى الآن قد يعزز من وجاهة هذه الفرضية.

ج- حالة البنى التحتية والموانيء في إيران:

تحتاج البنى التحتية في إيران اللازمة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من عضوية منظمة شنغهاي للتعاون إلى تحديث كبير من حيث الطرق والمواصلات والموانيء البحرية. وقد أثير هذا الملف حين الحديث بين إيران وبعض الدول الأخرى المعنية بشأن البدء في مشروعات كبرى مثل مشروع “شمال-جنوب” المقرر أن يمتد من مدينة سان بطرسبرج الروسية على بحر البلطيق شمالًا إلى مياه المحيط الهندي جنوبًا.

الاستنتاج

برغم التحديات التي قد تواجه إيران بغية الاستفادة القصوى من وراء الانضمام مؤخرًا إلى منظمة شنغهاي للتعاون بشكل دائم، فإن هذه العضوية تظل فرصة كبيرة لإيران على الصعيد الاقتصادي يمكن أن تحقق إيران من ورائها مكاسب اقتصادية سوف يختلف حجمها طبقًا لإمكانية تذليل تلك التحديات المُشار إليها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المكاسب لن تكون فقط اقتصادية، بل سياسية وأمنية ودفاعية أيضًا في ظل تقارب قائم في علاقات هذه الدول منذ سنوات خارج إطار المنظمة ذاتها بشكل ثنائي.

 

.

رابط المصدر:

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M