هل تستطيع واشنطن مساعدة أفريقيا في ملفات التغيرات المناخية؟

د. عمر الحسيني

 

بدأت فعاليات القمة الأمريكية الأفريقية يوم الثلاثاء 13 ديسمبر طبقًا لجدول أعمالها المعلن ما بين 13 إلى 15 ديسمبر من عام 2022. تسعى القمة إلى صناعة حالة من التعاون المثمر لأطراف القمة، وذلك في أعقاب المشاركة الأمريكية بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن في مؤتمر المناخ رقم 27 الذي انعقد بمدينة شرم الشيخ في شهر نوفمبر الماضي.

كانت القمة قد خرجت بعدة نتائج إيجابية، أبرزها نجاح الإدارة المصرية في التوصل إلى اتفاق تاريخي بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار؛ لتعويض الدول النامية، ومنها الدول الأفريقية، عن الآثار السلبية للتغيرات المناخية والمسببة لخسائر مادية ضخمة، بل وبشرية أيضًا بسبب الكوارث البيئية.

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية استعدادها لبحث سبل الدعم للدول الأفريقية في عدة نواحٍ، منها تلك المتعلقة بالتغيرات المناخية وقطاعات أخرى للحماية وتشجيع التنمية. وبالتوازي، صرح الرئيس الأمريكي في أول أيام القمة عن نواياه بتعميق العلاقات مع المنطقة. ومن المتوقع أيضًا أن يعلن بايدن خلال القمة دعم الاتحاد الأفريقي لانضمامه لمجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم كعضو دائم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن القمة ستعنى بملفات أخرى بجانب جهود التنمية ومجابهة التغيرات المناخية، مثل فرص التوسع في التعاون الدفاعي مع الدول الأفريقية، وذلك بعد أن أصدرت الولايات المتحدة وثيقة استراتيجية جديدة لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في أغسطس الماضي، مؤكدة على أهمية المنطقة.

وضع التغيرات المناخية الحالي في أفريقيا

تمثل أفريقيا من 2٪ إلى 3٪ فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ولكنها تعاني بشكل غير متناسب من النتائج؛ إذ تضمنت تقارير حالة المناخ في أفريقيا المتزامنة مع تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية IPCC، خلال عامي 2021 و2022، معلومات علمية موثوقة عن اتجاهات درجات الحرارة ومؤشرات المناخ الأخرى، وأوضحت، بشكل قاطع، كيف أن الطقس المتطرف وتغير المناخ يقوضان صحة مواطني أفريقيا وسلامتهم، وكذلك الأمن الغذائي والمائي، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالدول الأفريقية.

تشير التقديرات إلى أن ندرة المياه المرتفعة تؤثر على حوالي 250 مليون شخص في إفريقيا، ومن المتوقع أن تؤدي إلى نزوح ما يصل إلى 700 مليون شخص بحلول عام 2030. ومن غير المرجح أن تتمكن 80% من البلدان الأفريقية من إدارة موارد المياه على نحو مستدام بحلول عام 2030؛ فقد أصبح مناخ أفريقيا أكثر دفئًا مقارنة بالمتوسط ​​العالمي منذ عصور ما قبل الثورة الصناعية 1850-1900. وبالتوازي، سيكون ارتفاع مستوى سطح البحر على طول السواحل الأفريقية أسرع من المتوسط ​​العالمي، مما قد يسهم في زيادة وتيرة وشدة الفيضانات الساحلية والتعرية، والملوحة في المدن المنخفضة.

تأتي النتائج المباشرة لتلك الظواهر السلبية في صورة تغيرات في المسطحات المائية القارية بما له من تأثيرات كبيرة على قطاع الزراعة والنظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي، وبالتالي تهديدًا لمستوى المعيشة الخاص بملايين المواطنين بالدول النامية بأفريقيا. بجانب أن زيادة معدلات درجات وموجات الحرارة، والفيضانات الواسعة، والأعاصير المدارية، والجفاف لفترات طويلة؛ سيؤدي إلى خسائر في الأرواح، وأضرار في الممتلكات، وتشريد السكان، بما يقوض قدرة أفريقيا على الوفاء بالتزاماتها لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وأجندة الاتحاد الأفريقي 2063.

حصل 40% فقط من السكان الأفارقة على إمكانية الوصول إلى أنظمة الإنذار المبكر لحمايتهم من تأثيرات الطقس المتطرفة وتغير المناخ. لذلك، تحتل أفريقيا الأولوية القصوى، بناءً على طلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لضمان الوصول الشامل إلى الإنذارات المبكرة في السنوات الخمس المقبلة. وتتعاون في نفس الصدد القارة الأفريقية، حيث قامت أكثر من 40 دولة أفريقية بمراجعة خططها المناخية الوطنية لجعلها أكثر طموحًا، وإضافة التزامات أكبر للتكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره، مع التركيز على أنشطة الطاقة والزراعة والنفايات واستخدام الأراضي والغابات.

أهمية قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا

جدد رئيس الولايات المتحدة جو بايدن جونيور وإدارته التزاماتهم وعقد مناقشات تتعلق بالاقتصاد العالمي والديمقراطية والحوكمة وتغير المناخ والصحة والأمن والمرأة والشباب والتعليم خلال القمة في واشنطن. فوفقًا لتقارير موثوقة مختلفة رصدتها الدبلوماسية الحديثة قبيل القمة، كانت من أهم الأولويات إعلان بايدن الدعم الأمريكي لقبول الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين كعضو دائم.

سيمكّن الانضمام إلى مجموعة العشرين أفريقيا من فرصة مناقشة القضايا الملحة، والتحديات القائمة، والسبل الممكنة لتحقيق التنمية المستدامة في جميع أنحاء أفريقيا، خاصة تلك المعوقات المتعلقة بملف المناخ. وأتت هذه الخطوة المهمة، بعد أن طلب رئيس الاتحاد الأفريقي ورئيسي السنغال وجنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا وماكي سال، من بايدن توسيع مشاركتهما في مجموعة العشرين، علمًا بأن جنوب أفريقيا كانت الدولة الأفريقية الوحيدة العضوة بالمجموعة.

وقررت إدارة بايدن النظر بجدية في مستقبل قانون النمو والفرص الأفريقي AGOA الذي ينتهي في عام 2025. حيث كان حجر الأساس للعلاقات التجارية بين المنطقتين منذ إقرار التشريع في عام 2000. تشمل إعادة النظر مناقشة كيفية العمل معًا لتحسين وتعزيز التعاون الاقتصادي، والتوسع في التجارة والاستثمار، وبالطبع دعم التكامل الاقتصادي الإقليمي. وكل هذه الملفات تصب بشكل مباشر في مشروعات مجابهة والحماية إزاء التغيرات المناخية والتعاون في إطار أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي.

جهود تعاونية للتكيف مع المناخ والانتقال العادل للطاقة

أعلن الرئيس بايدن أثناء مؤتمر الأطراف بمصر COP27 في نوفمبر 2022، عن خطط الولايات المتحدة لتوفير أكثر من 150 مليون دولار في شكل تمويل جديد للتكيف والمرونة. وشدد على التزام الولايات المتحدة بمساعدة البلدان والمجتمعات الضعيفة في أفريقيا على التكيف مع تأثيرات تغير المناخ وإدارتها كجزء من عمل الاستعداد في جميع أنحاء القارة الأفريقية.

فمنذ يناير 2021، خططت إدارة بايدن لتوفير 1.1 مليار دولار على الأقل لدعم الجهود التي تقودها أفريقيا لدعم الحفاظ على البيئة والتكيف مع المناخ والتحول العادل للطاقة. تشمل هذه الاستثمارات مشاريع البنية التحتية في إطار الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار.

تنوي القمة الخروج بفرص واضحة لمزيد من المبادرات الناجحة مثل ما سبق من تاريخ تعاوني بين الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأفريقية، مثل الحال في مبادرة طاقة أفريقيا Power Africa، والتي تمكنت من منع 6.2 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل حرق 6.8 مليار رطل من الفحم.

فمنذ عام 2013، ساعدت Power Africa في توفير إمكانية الحصول على الكهرباء لما يقرب من 165 مليون شخص في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. استثمرت إدارة بايدن الحالية 193 مليون دولار لدعم المبادرة، كما تخطط لتوفير 100 مليون دولار أخرى في السنة المالية 2023. بالإضافة إلى ما سبق، تعتزم المبادرة تسهيل صفقات تصل إلى 350 مليون دولار في غضون السنوات الخمس الأولى.

وتعتزم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المساهمة كذلك بمبلغ 10 ملايين دولار في أفريقيا للمرافق والصناديق التي تجمع مستثمري القطاع الخاص والمانحين معًا؛ لدعم الحلول المناخية واسعة النطاق في الأسواق الناشئة والحدودية. وكذلك اعتمدت مبادرة طاقة أفريقيا دراسة جدوى سابقة ممولة من الوكالة الأمريكية للتجارة والتنمية لدعم غير مباشر من مؤسسة تحدي الألفية بتوفير قرض بقيمة 25 مليون دولار لإنشاء أول محطة للطاقة الشمسية في جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا وتحديدًا بمالاوي. تشمل المحطة نظام تخزين طاقة البطارية المتصل بالشبكة، والذي سيساعد في ضمان إمدادات يمكن الاعتماد عليها وتقليل الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي.

دعم لمواجهة التغيرات المناخية بمختلف مناطق أفريقيا

شملت العديد من المبادرات والمشروعات الأخرى مشروعات مجابهة والتكيف للتغيرات المناخية بكينيا والمغرب وموزمبيق ونيجيريا وغانا وغيرها من الدول. فعلى سبيل المثال، وفرت اتفاقيات مؤسسة تحدي الألفية الموقعة في وقت سابق من عام 2022 مع حكومتي ليسوتو وملاوي أكثر من 110 مليون دولار لتمويل التكيف تجاه التغيرات المناخية. واستثمرت وكالة التجارة والتنمية الأمريكية ما يقرب من 4 ملايين دولار لدعم انتقال عادل للطاقة عبر العديد من البلدان الأفريقية.

شملت هذه الاستثمارات منحة قدرها مليون دولار للمساعدة في تطوير محطة طاقة الكتلة الحيوية بقدرة 25 ميجاوات في كوت ديفوار؛ بهدف توفير تحويل المخلفات الزراعية إلى طاقة نظيفة، وتخفيف البصمة الكربونية لقطاع القطن المزدهر في البلاد. كذلك شملت 857 ألف دولار لدعم الدراسات الهندسية والبيئية التكميلية لتنفيذ محطة كهرومائية بقدرة 27 ميجاوات في سيراليون، واستثمارًا بقيمة مليون دولار لتطوير وتجريب موقع لتخزين الطاقة على نطاق المرافق، والذي يمكن أن يقلل انبعاثات الكربون بما يقدر بنحو 26 ألف طن متري من غازات الاحتباس الحراري سنويًا.

يبدو أن القمة الأمريكية الأفريقية الفريدة من نوعها تهدف إلى خلق حالة جديدة من التجانس بين إدارة بايدن والقارة الأفريقية، خاصة بعد اهتمامها بواحدة من أهم القضايا التي تهدد متطلبات التنمية في أفريقيا، ألا وهي قضية المناخ. وتساعد الولايات المتحدة في هذا بحكم مسؤوليتها التاريخية كونها واحدة من أكبر مصدري الانبعاثات الكربونية عالميًا.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74563/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M