هل سينتهي عصر النفط قبل أن ينتهي النفط؟

د. أحمد سلطان 

 

ما الذي يحرك ويتحكم في مستقبل العالم؟ قد تأتى إجابات معظم الناس بأنه الماء أو الهواء، والبعض سيذهب مباشرة إلى الطاقة والنفط. “العصر الحجري لم ينته بسبب عمليات نقص الحجارة، وعصر النفط سينتهي قبل أن ينتهي النفط”، جملة قالها وزير النفط السعودي السابق أحمد زكى يماني في السبعينيات، وأصبحت منذ ذلك الوقت بمنزلة بوصلة عالمية يهتدي بها خبراء وصانعو القرار عندما يتعلق الأمر بقضايا الطاقة والنفط.

ومن الواضح أن هذه المقولة الشهيرة أصبحت على وشك الظهور في صورة واقعية بغض النظر عن اتخاذ قضية التغيير المناخي وتبعاتها على عصر استخدام الوقود الأحفوري أو التقليدي؛ إذ تشير أحدث التقديرات العلمية والجيولوجية بشأن ما يتعلق بمدى وفرة النفط والقدرة على تحمل تكلفة استخراجه إلى أن العالم سيضطر قريبًا إلى تخفيض استهلاكه كمصدر للطاقة. ومع هذا تتعالى يوميًا الأصوات القائلة إن العالم لا يستطيع السير نحو نفاد النفط، لكن زيادة الطلب المتوقعة تهدد إمكانيات الاعتماد عليه كمصدر حيوي وضروري للطاقة.

مدخل

في الخمسينيات من القرن الماضي وبالتحديد عام ١۹٥٦ استشرف الدكتور الأمريكي وعالم الجيولوجيا المعروف ماريون كينج هوبرت مستقبل النفط في العالم من منظوره الخاص. ومن خلال نظرية ذروة الإنتاج التي تسمى نظرية قمة هوبرت، استنتج هوبرت أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة الأمريكية سيبلغ ذروته بحلول عام ١۹٦٥، وكحد أقصى عام ١۹٧٠. ولكن هذا لم يحدث على أرض الواقع بأي شكل من الأشكال حيث كان العقد الأخير استثنائيًا في صناعة النفط الأمريكية، بل وارتفع إنتاجها بما يقارب نسبة ١٤٤٪.

مما لا شك فيه أن العالم كان وما زال وسيبقى متعطشًا طوال دورة الحياة المستمرة لجميع أنواع ومصادر الطاقة دون استثناء، فالعالم ينمو في شتى المجالات بشكل ملحوظ وسريع، والنمو السكاني والصناعي في الدول الناشئة خير شاهد على ذلك، وبصفة عامة فإن أي نمو سكاني واستهلاكي يقابله نمو واضح وسريع في الطلب على الطاقة والتي لها تطبيقات واستخدامات كثيرة جدًا. ولذلك فإن موضوع أمن الطاقة العالمي وموثوقية الإمدادات ليست قضية هامشية، بل قضية جوهرية وحيوية وترتقي لتصبح قضية وجودية.

تاريخ صناعة النفط

النفط الخام هو نوع من الوقود التقليدي أو ما يطلق عليه الأحفوري، وهو عبارة عن منتج بترولي طبيعي يتكون من سلاسل الهيدروكربون والمواد العضوية، والتي يمكن عن طريقة مجموعة من العمليات تكريرها لإنتاج مجموعة مختلفة ومتعددة من المنتجات البترولية، بما في ذلك الديزل والبنزين ووقود الطائرات. وبدأت عمليات تداول واستهلاك المنتجات البترولية منذ ما قبل عام ١٩٠٠ ولا يزال يلعب الوقود الأحفوري دورًا حيويًا في الاقتصاد العالمي ومتدفقًا في شرايين دول العالم واقتصادها. وتأتي هذه الأهمية الاستراتيجية بمسؤولية كبيرة متمثلة في أن سعر النفط يمكن أن يؤثر إلى حد هائل على اقتصادات الدول بصفة خاصة وعلى الاقتصاد العالمي بصفة عامة.

يعود تاريخ صناعة النفط إلى سنوات عديدة مضت، ففي عام ١٨٤٧ تم حفر أول بئر نفط تجاري في أذربيجان. والولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أكبر منتج للنفط في العالم ازدهرت فيها صناع النفط بعد حوالي ١٢ عامًا من أول اكتشاف للنفط في ولاية بنسلفانيا في البداية. وفى بداية الأمر كان الطلب على النفط منخفضًا جدًا، ولكن بعد فترة قصيرة تم البدء في حفر أول بئر تجاري قادر على الإنتاج بمعدلات كبيرة في ولاية تكساس، حيث أنتج لأول مرة في تاريخ صناعة النفط أكثر من ١٠٠ ألف برميل من النفط في اليوم. أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد تم اكتشاف النفط لأول مرة في أوائل القرن العشرين وبالتحديد في إيران، وبعد عام ١٩٠٨ توسعت مشاريع وعمليات الحفر على نطاق واسع.

الانتقال الرابع للطاقة وتبعاته على عصر النفط

تاريخ عصر انتقال الطاقة طويل ويرجع إلى القرن التاسع عشر، حيث الانتقال الأول للطاقة عندما حل الفحم مكان الكتلة الحيوية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. والانتقال الثاني ارتبط بضرورة التوسع في استخدام النفط، من ٣٪ عام ١۹١٥ إلى ٤٥٪ عام ١۹٧٥. والانتقال الثالث أتى مع انتشار ظهور والتوسع في استخدامات الغاز الطبيعي الذي ارتفعت نسبة مشاركته من ٣٪ في عام ١۹٣٠ إلى أكثر من ٥٠٪ في عام ٢٠٢٠.

لذلك فإن مرحلة الانتقال الرابع للطاقة بالتوسع في استخدامات مصادر متنوعة للطاقة المتجددة سوف تتم مثلما حدث في العصور الماضية، على حساب مصادر الطاقة التي سبقته، وعلى رأس تلك المصادر الطاقة التقليدية، أو ما تعرف بالطاقة الأحفورية (الفحم والنفط والغاز)، بالمرتبة الأولى على حساب الفحم والنفط.

ويظهر ذلك جليًا، من خلال عمليات التوسع والإحلال في صناعة السيارات التي تستخدم المحرك الكهربائي بدلًا من محرك الاحتراق الداخلي الذي لا تزال تستخدمه معظم السيارات الآن. وعملية التحول هذه سوف تتوسع بصورة كبيرة في المستقبل القريب، والتوقعات جميعها تشير إلى أن نصيب السيارات التي تعتمد على الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء سوف يصل بحلول عام ٢٠٤٠ إلى أكثر من ٤٥٪ من إجمالي السيارات المستخدمة، وهو تحدٍ خطير لصناعة النفط إذا ما أخذنا بعين الحسبان أن وسائل النقل المختلفة هي على رأس مستهلكي الطاقة عالميًا.

العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة

العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة (المتجددة وغير المتجددة) عبارة عن علاقة تكاملية، وليس من المنطق أو الحكمة ما يسمى محاولات التهميش أو التحييد لأي مصدر من هذه المصادر تحت أي ذريعة، بل إنه من الضرورة الملحة عمل الجميع -خاصة متخذي القرار في صناعة الطاقة- العمل على رفع كفاءة الإنتاج والاستهلاك لجميع مصادر الطاقة المختلفة.

إن مزيج الطاقة أصبح من الضروريات الأساسية للمحافظة على المصادر النابضة منها، وللمحافظة على أمن الطاقة العالمي والمستقبلي والمحاط بالعديد من المخاطر، وأهمها شح الطاقة وتكلفة إنتاجها وانعكاساته الكارثية، فالعلاقة تكاملية لو نظرنا إليها بصورة أكثر شمولية وبعين أكثر إنصافًا، أي عين تنظر إلى المستقبل بتحدياته وآماله بمسؤولية والتزام نحو توفير طاقة بشكل آمن ومستدام.

التوجه العالمي نحو عالم نظيف

الوصول إلى صافي صفر انبعاثات في مدد زمنية مختلفة هو التوجه العالمي المعلن، بل يتم تأكيده من جانب كثير من دول العالم بين الحين والآخر، فمنهم من صرح بالوصول إلى هذا الهدف بحلول عام ٢٠٥٠، ومنهم قبل ذلك أو بعده.

وهذا توجه في منتهى الأهمية والإيجابية، ولكن يتطلب بذل المزيد من الجهد الكبير، وضرورة تكاتف الجميع، وجدية في السعي إلى تحقيق ذلك. إن التحول إلى الطاقة المتجددة مهم جدًا، ولكن يجب أن يتم وفق إطار زمني مدروس وعملي يتفق مع قضية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة يوميًا، ونمو هذا الطلب المطرد؛ حتى لا يواجه العالم في المستقبل أزمة، أو بمعنى أدق فجوة هائلة لا يمكن إغلاقها بين عمليتي العرض والطلب، وفتقًا لا يمكن رتقه.

ضرورة مواصلة ضخ الاستثمارات في مجال الطاقة

شهدت أسواق النفط العالمية كثيرًا من المتغيرات، وواجهت أيضًا كثيرًا من التحديات خلال العامين السابقين بسبب جائحة كورونا، حيث انخفض الطلب على النفط ومشتقاته بصورة قياسية بسبب الحظر الكلي أو الجزئي الذي سنته جل الدول. إن إغلاق كثير من الأنشطة الاقتصادية، وتقييد السفر، الذي أدى بدوره إلى انخفاض الطلب على وقود الطائرات وغيرها يعد من العوامل التى هوت بأسعار النفط إلى مستويات تاريخية.

وهناك العديد من الأصوات المتناقضة، والتي بدأت تعلو بمطالبة منتجي الوقود الأحفوري، وعلى رأسها متخذي القرار في صناعة النفط، تارة بخفض الإنتاج عندما انهارت الأسعار تحت ذريعة حماية البيئة من التلوث، ومن المنبر ذاته منادية بزيادة الإنتاج عندما ارتفعت الأسعار. الجدير بالتنويه أنهم يضربون بقضية تغير المناخ والبيئة عرض الحائط عندما يلامس الموضوع مصالحهم الشخصية ومصالح شعوبهم، وليس هذا جديدًا ولا مستغربًا، والشواهد التاريخية كثيرة في هذا الصدد.

وإذا ما أخذنا بعين الحسبان التغيرات الأخيرة وتبعات الجائحة والأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة، فإن من متطلبات هذا التنويع الاستثمار في قطاعات مستقبلية كالطاقات المتجددة وتقنياتها، بدلًا من الاستمرار في ضخ الأموال بأسواق المال والعقارات والسياحة. ويمكّن ذلك من توفير ملايين الوظائف، والإسهام بشكل فعال في تقليص نسبة البطالة التي تتضخم بصورة هائلة ومرعبة، والتي تصل في صفوف الشباب العربي إلى أكثر من ٢٠٪، فضلًا عن أنها تنهي حالة القلق لتقلبات أسعار الغاز والنفط، والتي لم تشهد الاستقرار على مدى العقود الماضية.

لذا، فإن الاستثمار في مجال مصادر الطاقة المتجددة أصبح حلًا ضروريًا وجذريًا على المدى الطويل وأكثر جدوى من مثيله في الطاقات الأحفورية. وإذا كانت مثل هذه المصادر المتجددة مهمة حتى للدول النفطية الكبرى، فإنها أكثر أهمية للدول العربية غير النفطية التي تمتلك مقومات نجاح الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة على صعيد توافر الظروف المناخية والأيدي العاملة الماهرة في مجال الطاقة المتجددة.

ومن هنا يمكننا الاستفادة والاستنارة من التجارب المصرية والأردنية والمغربية في مجال الاعتماد على الطاقة الشمسية، فقد نجح كل منهم في القيام بمشاريع طاقة شمسية ورياح رائدة تغطي أكثر من ٢٥٪ من استهلاك الطاقة الكهربائية في السوق المحلية، وتُعد نسبة كهذه من النسب الجيدة التي تم تحقيقها على المستوى العالمي.

فالمهم أن يعي المهتمون جيدًا والمطالبون بضرورة عملية تقويض صناعة المنبع، وعلى رأسها صناعة النفط، أن الظروف التقنية والطبيعية التي تؤثر على إمدادات الوقود الأحفوري تنسحب أيضًا على صناعة الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والنووية وطاقة الرياح وغيرها. وعليه، فإن تنويع مصادر الطاقة هو الخيار الاستراتيجي الأمثل لحماية أمن الطاقة العالمي، لا بتقويض صناعة المنبع ووقف الاستثمارات الجديدة في أنشطة التنقيب، العلاقة بين مصادر الطاقة علاقة تكاملية، وستبقى للأبد حقيقة هذه العلاقة.

C:\Users\agawad\Desktop\الشمسسس.png

وختامًا، لا تزال الطاقة المتجددة تكافح من أجل إثبات وجودها ومكانتها، وأنها البديل الأمثل للطاقة التقليدية، وهذا الكفاح نابع من أن التبريرات في التحول وضخ الاستثمارات في الطاقة المتجددة يأتي أساسًا من فكرة أخلاقية واجتماعية ورؤية واضحة، وهي ضرورة المحافظة على البيئة ومواجهة التغيرات المناخية، ويبقى السؤال الأهم من سينتصر في النهاية؟

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/68321/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M