أزمة العلاقات المغربية-الفرنسية: هل طوى البلدان صفحة الخلاف؟

  • مثَّلت زيارة وزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورنيه للرباط، مؤشراً مهماً على تجاوز الأزمة في العلاقات المغربية-الفرنسية، وبخاصة مع إعلانه دعم بلاده لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء. 
  • يُرجَّح أن تحافظ باريس على جوهر الموقف الفرنسي من نزاع الصحراء، الذي يدعم مخطط الحكم الذاتي ويراه مهماً وجديراً بالثقة دون اعتباره الحل الوحيد الواقعي والنهائي، مراعاةً لاعتبارات العلاقات مع الجزائر. 
  • مع ذلك، فإن الدبلوماسية الفرنسية ستنزع في الغالب إلى اعتماد خطاب تصالحي تجاه المغرب مع مساعدته في تخفيف الضغوط الأوروبية عليه، وتشجيع الاستثمار الاقتصادي والثقافي الفرنسي في المناطق الصحراوية المغربية.

 

في أول رحلة لوزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورنيه إلى أفريقيا والمغرب العربي، زار الرباط يومي 25 و26 فبراير 2024، مُعلناً ضمنياً انتهاء أزمة حادة وطويلة في العلاقات المغربية-الفرنسية. وعلى الرغم من التصريحات الإيجابية المتبادلة بين وزيري الخارجية المغربي والفرنسي في المناسبة، فلا يزال ملف العلاقات بين البلدين يشوبه بعض الغموض.

 

خلفيات الأزمة بين المغرب وفرنسا 

شكّلت فرنسا دوماً الحليفَ الغربي الرئيس للمغرب، رغم بعض المصاعب العابرة التي مرت بها العلاقات بين البلدين، خصوصاً عام 1965 في سياق ملف اختطاف الزعيم المعارض المهدي بن بركة، وعام 1990 إثر صدور كتاب “صديقنا الملك” للكاتب الفرنسي جيل بيرو. وكانت فرنسا سبَّاقة إلى دعم مشروع المغرب للحكم الذاتي في الصحراء عندما قدمه الملك محمد السادس في 11 أبريل 2007 إلى الأمين العام للأمم المتحدة. فخلال زيارته للمغرب في أكتوبر 2007 عبّر الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي عن دعمه لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط، من دون الاعتراف صراحةً بسيادة المغرب على الصحراء.

 

بيد أن العلاقات بين البلدين عرفت أزمة حادة خلال فبراير 2014 عندما استدعى القضاء الفرنسي عبد اللطيف الحموشي مدير المخابرات المغربية للتحقيق في شكوى تقدم بها مغاربة مقيمون في باريس يتهمونه بممارسة التعذيب ضدهم. وردّ المغرب على هذا الإجراء بإيقاف التعاون القضائي مع فرنسا، إلا أن الأزمة سُوّيت، وجرى توشيح الحموشي بوسام جوقة الشرف الفرنسي في السنة الموالية، وتقرر استثناء المغرب عملياً من الاختصاصات القضائية الكونية للمحاكم الفرنسية.

 

وعادت أجواء التوتر إلى العلاقات بين البلدين في سبتمبر 2021 عندما نشرت الصحافة الفرنسية اتهامات للمغرب بالتجسس على هواتف كبار المسؤولين الفرنسيين، بمن فيهم الرئيس إيمانويل ماكرون عن طريق برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس، وهو ما دفع المغرب لرفع دعاوى قضائية ضد وسائل الإعلام تلك. ومع أن هذه الاتهامات لم تؤكدها رسمياً الحكومة الفرنسية، إلا أن معلومات تسربت عن محادثة حادة بين الملك محمد السادس والرئيس ماكرون في الموضوع انتهت إلى تعليق المحادثة من جانب الملك المغربي، الذي أكد لنظيره الفرنسي زيف الاتهام لكن الأخير لم يُلقِ لذلك النفي آذاناً صاغية، ما أدى إلى القطيعة بين الزعيمين. وفي الشهر نفسه (سبتمبر 2021)، قررت وزارة الخارجية الفرنسية تخفيض نسبة التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف، بما أدى إلى تدهور سريع في العلاقات بين البلدين، وإن كان الإجراء قد أُلغي في ديسمبر 2022.

 

وبعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء في ديسمبر 2020، أصبح الموقف الرسمي المغربي هو الضغط على الدول الحليفة والشريكة من أجل السير في الطريق ذاته، وهو ما أكده الملك محمد السادس في خطابه في 20 أغسطس 2022، مُعتبراً أن “ملف الصحراء هو النظّارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”. وفي الخطاب وجّه العاهل المغربي النقد إلى بعض الأطراف الحليفة التي تتبنى مواقف غامضة من الملف، بما اعتُبر إحالة صريحة إلى فرنسا، فوفق عبارات الملك محمد السادس: “ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”. وهكذا سعى المغرب إلى ممارسة نفس الضغوط الدبلوماسية التي مارسها على إسبانيا، التي أعلنت في مارس 2022 دعمها الواضح والكامل للرؤية المغربية في ملف الصحراء. وسارت ألمانيا في الاتجاه نفسه في أغسطس 2022 بعد أشهر من توتر العلاقات بينها وبين المغرب.

 

وبعد القطيعة الدبلوماسية التي حدثت بين المغرب والجزائر في أغسطس 2021، عملت فرنسا على الحفاظ على موقف متوازن في روابطها مع البلدين، بما حال دون امتثالها للمطالب المغربية بخصوص ملف الصحراء. وهكذا تواصل تردِّي العلاقات بين البلدين طوال عام 2023، فسحب المغرب سفيره في باريس في 19 يناير، ولم يُعين خلفاً له إلا في أكتوبر من السنة نفسها. وتزامن هذا الانسحاب مع قرار للبرلمان الأوروبي يُندد بتراجع حرية الصحافة في المغرب، واتهمت أوساط مغربية بعض الأوساط الفرنسية المقربة من الرئيس ماكرون بالضلوع فيه. واستمرت الأزمة مع الهزة الأرضية العنيفة التي عرفتها مراكش في سبتمبر 2023، عندما رفض المغرب المساعدة الفرنسية في مواجهة الآثار المدمرة للزلزال، وامتعض من مخاطبة الرئيس ماكرون المغاربة مباشرة للتعبير عن التضامن معهم في المحنة (يختص الملك بعُرف الخطاب المباشر للشعب المغربي).

 

شكّلت فرنسا دوماً الحليف الغربي الرئيس للمغرب، رغم بعض المصاعب العابرة التي مرت بها العلاقات بين البلدين (AFP)

 

آفاق تسوية الأزمة 

ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات على إمكانية تجاوز الأزمة الحادة التي عانت منها العلاقات المغربية-الفرنسية، ومن أبرزها تبادل السفراء بين البلدين في نهاية العام الفائت، وتصريح السفير الفرنسي في الأمم المتحدة الداعم لمخطط الحكم الذاتي في أكتوبر الماضي، وزيارات كبار المسؤولين الفرنسيين إلى الرباط مثل وزير المالية وقائد الشرطة. وفور تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة، أعلن وزير الخارجية المعين ستيفان سجورنيه أن الرئيس كلفه بتنشيط العلاقات مع المغرب، على الرغم من أن تعيين الوزير لم يُنظر إليه بارتياح في المغرب. وكان استقبال السيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون أخوات الملك الثلاث في 19 فبراير بباريس خطوةً رمزية جلية على عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين.

 

وهكذا تندرج زيارة وزير الخارجية الفرنسي سجورنيه في هذا الاتجاه، وصرّح فيها بوضوح بدعم فرنسا لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء، مشيراً إلى احتمال الإقدام خطوة أخرى في هذا الاتجاه، بما قد يُفهم منه أن فرنسا قد تحذو حذو الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا في الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.  إلا أن الوزير الفرنسي لم يستخدم بوضوح العبارات الدالة على التغير الفعلي في موقف بلاده من ملف الصحراء، بما قد ينطوي على احتمالين:

 

  • إما الحفاظ على جوهر الموقف الفرنسي من نزاع الصحراء، الذي يدعم مخطط الحكم الذاتي ويراه مهماً وجديراً بالثقة دون اعتباره الحل الوحيد الواقعي والنهائي. ولذا فإن أي تطور محتمل في هذا الموقف سيظل ضمن هذا السقف، مراعاةً لاعتبارات العلاقات مع الجزائر.

 

  • وإما الايحاء بالتغيير الفعلي، وترك الإعلان الصريح للرئيس ماكرون الذي قد يزور المغرب في أجل قريب، بما من شأنه أن يُنهي فعلياً الأزمة العالقة مع المغرب، مع ما لهذا الخيار من تكاليف باهظة على الروابط بين فرنسا والجزائر.

 

ويبدو أن الاحتمال الأول هو الأرجح في الوقت الراهن، وإن كانت الدبلوماسية الفرنسية ستنزع في الغالب إلى اعتماد خطاب تصالحي تجاه المغرب مع مساعدته في تخفيف الضغوط الأوروبية عليه، وتشجيع الاستثمار الاقتصادي والثقافي الفرنسي في المناطق الصحراوية المغربية.

 

خلاصة

بعد ثلاثة أعوام من التوتر الحاد بين المغرب وفرنسا، شكّلت زيارة وزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورنيه للرباط فرصةً لتنشيط الروابط بين البلدين اللذين تجمعهما مصالح مشتركة وثيقة.
وهكذا أعلن سيجورنيه أن بلاده تدعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء، وقد تتقدم في سياسة مؤازرة المغرب في هذا الملف الحيوي الذي هو محور عمل الدبلوماسية المغربية. ويبدو أن الأزمة بين البلدين قد تم تجاوزها بالفعل، وستكون مواقف فرنسا المقبلة من موضوع الصحراء هي المحدّد الأساسي في تقويم مستقبل هذه العلاقات.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/azmat-alalaqat-almaghribia-alfaransia-hal-tawa-albaldan-safhat-alkhilaf

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M