أزمة قيادة: حركة الشباب المجاهدين الصومالية بعد تصفية الرجل الثاني

صلاح خليل

 

أعلنت الحكومة الفيدرالية الصومالية، في 3 أكتوبر 2022، مقتل القيادي عبد الله نذير، الاسم الثاني في تسلسل القيادة والخليفة المحتمل لزعيم حركة الشباب المجاهدين أحمد ديري الملقب بأبي عبيدة نتيجة لغارة جوية في إقليم جوبا الوسطى في جنوب البلاد، نفذتها القوات الصومالية وحلفاؤهم الدوليون الذين يعملون معهم لمحاربة حركة الشباب في منطقة شرق أفريقيا. وفي وقت سابق، كان نذير يشغل منصب مسئول الدعوة في الحركة، بالإضافة إلى رئيس مجلس شورى الجماعة، ومسئول شئونها المالية، ويعتبر من أخطر عناصر التنظيم ويتمتع بعلاقات قوية مع الجماعات الإرهابية التي تنشط في شرق القارة الأفريقية.

وعلى الرغم من أهمية هذه العملية بالنسبة لمواجهة التنظيم، غير أن الحركة تمكنت من استعادة السيطرة على منطقتين هما “موقوكوري – ويسو” في ولاية هيرشبيلي. وكانت معارك شرسة دارت في الأيام الماضية بين القوات الفيدرالية والمليشيات القبلية من جهة وحركة الشباب من جهة أخرى خلفت وراءها الكثير من الخسائر في الأرواح بين الطرفين، مما دفع القوات الفيدرالية الصومالية للانسحاب من تلك المناطق والتمركز في كل من (محاس – بولوبردي). وتعد هذه هي المرة الثانية التي تفشل فيها العمليات العسكرية ضد حركة الشباب في ولايتي (غلمدغ -هيرشبيلي)، نتيجة للخلافات الكبيرة التي حدثت بين قيادات القوات المتحالفة التي تشارك القوات الفيدرالية الصومالية لمحاربة الجماعات الإرهابية والقرصنة في السواحل الصومالية.

مواجهة محتدمة بين القوات المشتركة وحركة الشباب

تعتمد الحكومة الصومالية الجديدة برئاسة حسن شيخ محمود على أربعة محاور رئيسية في سياستها الجديدة لمحاربة حركة الشباب بصفة خاصة، والعنف التطرف في الصومال بصفة عامة، تتضمن العمليات العسكرية المشتركة مع قوات التحالف، وإعادة صيغة الخطاب الديني الوسطي لمنع الفكر المتطرف، وشل القدرات الاقتصادية للحركة، والتضييق الإعلامي على الحركة، ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعي التي تنشر مواد مؤيدة لحركة الشباب.

وفي ظل المعارك الجارية بين الجيش الصومالي من جهة وحركة الشباب من جهة أخرى، أعلنت الحكومة الصومالية أن القوات العسكرية مع حلفائها كبدا حركة الشباب خسائر كبيرة في 8 من أكتوبر 2022، في منطقة (جنالي) بإقليم “شبيلي السفلي” بالقرب من العاصمة مقديشو، قتل فيها “محمد نور شري” المسئول الأول للحرة في الإقليم، بالإضافة إلى 13 فردًا من الحركة.

ويتوقع أن يؤدي انسحاب القوات المتحالفة من المنطقتين لفرض خطر كبير على جميع القبائل التي كانت تشارك قوات الحلفاء في محاربة حركة الشباب المجاهدين، كما سيؤدي الانسحاب إلى هجمات انتقامية من قبل الحركة الشباب ضد القبائل بحجة التواطؤ مع القوات المتحالفة، فضلًا عن عدم مشاركة القبائل مستقبلًا في العمليات العسكرية خوفًا من رد فعل الحركة الشباب ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، مما يعني أن ثمة بوادر بفشل القوات المتحالفة في حربها ضد الحركة.

كما أعلنت الحكومة الصومالية، في 4 أكتوبر 2022، أنه تم القبض على عبد الصمد ليبان محمد، مسئول حركة الشباب في مدينة (دوسمريب) عاصمة ولاية غلمدغ، الذي يشغل منصب مسئول قاعدة البيانات والمعلومات لحركة الشباب في دائرة وسط الصومال. وجاءت عملية القبض عليه بمشاركة الجيش الصومالي والمليشيات القبلية اللذين يعملان معًا للحد من نفوذ حركة الشباب الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ولايات مختلفة من البلاد.

من ناحية أخرى، نفذت الشرطة الإثيوبية حملات شرسة ضد مقاتلي حركة الشباب المتواجدين في المنطقة الحدودية بين البلدين، وشرطة “ليو” الخاصة بالإقليم الصومالي في شرق إثيوبيا تشن حملة مداهمات في منطقة (بيد) في الداخل الإثيوبي، خوفًا من أن تتمكن الحركة من وجود مرتكز لها في العمق الإثيوبي. وفي يوليو 2022، قادت حركة الشباب قتالًا عنيفًا مع شرطة الإقليم الصومالي في المناطق الواقعة على طول الحدود بين الدولتين، ومنذ ذلك الحين تنفذ الحكومتان الصومالية والإثيوبية دوريات مشتركة على طول الحدود بينهما تحسبًا لتنفيذ الحركة هجمات انتقامية في البلدين.

ضغوط أمريكية متزايدة على حركة الشباب

تزايد نشاط حركة الشباب بعد فترة طويلة من الهدنة، جاء متزامنًا مع إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أن المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي مايك هامر يتوجه إلى كينيا وجنوب أفريقيا وإثيوبيا في أكتوبر الجاري. تأتي الزيارة ضمن الجهود الدبلوماسية الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي بهدف الحد من زيادة النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، ووقف الأعمال العدائية بين الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا وجبهة تحرير تيجراي ودعم جهود الوساطة التي يقودها الاتحاد الأفريقي، وتقديم المساعدة الإنسانية للمتضررين من النزاع القائم في شمال إثيوبيا، فضلًا عن نية الولايات المتحدة تقديم حزمة من المساعدات الإنسانية والمالية إلى كينيا لمساعدتها في موسم الجفاف الذي يضرب البلاد من أكثر من سنة.

وفي ظل المساعي الحثيثة التي تعمل من خلالها الإدارة الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي بهدف مزيد من التمركز في المنطقة، افتتحت الولايات المتحدة في 8 من أكتوبر مركز تدريب بحريًا بتمويل أمريكي بهدف دعم برامج بناء القدرات للقوات البحرية الصومالية. أما الغرض الآخر فهو مركز مهم للولايات المتحدة الأمريكية لمراقبة القواعد الصينية والروسية في جيبوتي وخليج عدن.

وبينما يتواجد في الصومال عدد من القوات الأمريكية الخاصة التي تشارك في الحرب على حركة الشباب من خلال غارات بواسطة طائرات مسيرة، فإن الولايات المتحدة تكثف جهودها السياسية وتفرض مزيدًا من العقوبات من أجل القضاء على الحركة، حيث وضعت قياداتها على قائمة العقوبات خلال الفترة الأخيرة، وبينما تواجه حركة الشباب ثورة شعبية في ولايات هيرشبيلي وغلمدغ وجنوب الغرب، فإن الدعم الأمريكي كان له دور بارز في سيطرة سكان هذه المناطق عليها وطرد حركة الشباب منها.

ملامح الاستراتيجية الجديدة لحركة الشباب

تأتي التطورات الأخيرة بما قد تفرضه من أزمة في المستوى القيادي داخل حركة الشباب في وقت تشهد فيه الحركة سلسلة من التطورات على المستوى الاستراتيجي. حيث تعتمد حركة الشباب المجاهدين في الصومال على حصولها على عتاد عسكري ضخم، وكذلك تعتمد على وحداتها المختلفة وفرقها المتنوعة، والمخصصة لاستهداف السيارات المدرعة والدبابات، وغيرها من الأسلحة الحديثة. وتستفيد حركة الشباب من عدة مصادر للدخل على المستويين، الداخلي كالقرصنة، الخطف، الابتزاز الشركات المحلية، منظمات الإغاثة، وفرض إتاوات على القبائل والمزارعين، وتحصيل مبالغ مالية في نقاط التفتيش. وقد طالت الاتهامات العديد من الحكومات الأفريقية، والدول الغربية بتمويل حركة الشباب المجاهدين في الصومال عبر مسارات غير مباشرة أبرزها تهريب السكر عبر الحدود الكينية، وهو مخطط الذي اتهمت فيه بعض عناصر القوات الكينية. وقد حققت حركة الشباب أرباحًا كبيرة، مكنتها من الإنفاق على التسليح ودعم المقاتلين، فضلًا عن أنها تتمتع حاليًا بفائض كبيرة من الميزانية.

تستفيد الحركة من الصراعات الدولية والإقليمية، حيث يتم توظيف الحركة لبث الاضطرابات وعدم الاستقرار في هذه المنطقة، إذ تشهد منطقة القرن الأفريقي منذ ظهور حركة الشباب تفاعلات دولية وإقليمية في ظل المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى، كالصين، وروسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى فإن المنطقة تعد مسرحا لصدام والصراع المستمرين، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في كل من الصومال وإثيوبيا، وكينيا، بفضل الفواعل الداخلية كحركة الشباب والتنظيمين الدولة الإسلامية والقاعدة.

وتلجأ الحركة إلى سلاح الهجمات الانتحارية حيث شهدت مدنية (بلدوين) في وسط الصومال، في 3 من أكتوبر 2022، تفجيرات انتحارية نفذتها حركة الشباب المجاهدين، أدت إلى مقتل 20 شخصًا وإصابة أكثر من 30 بجروح مختلفة نتيجة للمادة المستخدم في التفجيرات.

كما تحتل الحركة على التمركز في وسط وجنوب الصومال وسط العشائر والقبائل، حيث من مقراتها المختلفة تعتمد على تنفيذ عملياتها من خلال التعاون والتنسيق مع بعض عشائر القبائل الصومالية مقابل الحماية وعدم دفع الجزية. وتتراوح تقديرات عضوية حركة الشباب بين 25 ألف مقاتل حاليًا، كما أن الحركة تجبر بانتظام المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال، إلى الانضمام إلى صفوفها فيما يضم الآخرون طوعيًا غالبًا لأسباب مالية وقيادية.

ومع ذلك فالمكونات الداخلية والفصائل المختلفة داخل الحركة لديهم أهداف مختلفة، الحركة كتنظيم تسعى إلى غاية كبرى تتمثل في السيطرة على النظام السياسي في الصومال في محاكاة لتجربة طالبان في أفغانستان، لتكون نواة للتوسع في مجال أكبر في شرق القارة الأفريقية. ولكن ثمة انقسامات كبيرة بين القيادات داخل التنظيم، خاصة أولئك المتمسكين بالقومية الصومالية وذوي الأهداف العابرة للحدود.

خلاصة

على الرغم من الحملة الكبيرة التي تقودها القوات الحكومية بمشاركة قوى إقليمية ودولية ضد حركة الشباب، غير أن الحركة ما تزال مؤثرة في المشهد الصومالي إلى حد بعيد، ولا سيما في ظل اتجاه العناصر المتشددة من تنظيم القاعدة وداعش إلى الانتقال إلى القارة الأفريقية كملاذ آمن وبيئة مواتية لنشر أفكار التنظيم وتحقيق الأهداف، فضلًا عن الصراع بين القوى الكبرى والتنافس الإقليمي يخلق مساحة أمام الحركة للمناورة والتحرك، فضلًا عن توفير التمويل والسلاح، هذا ناهيك عن البيئة الحاضنة التي تمد الحركة بالعناصر، ومع ذلك فإن هناك إرادة صومالية للتخلص من الإرهاب باعتباره يعطل مشروع الدولة في القرن الأفريقي، وفي ظل الاستراتيجية الأمريكية التي تدعم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي فإن المتوقع أن تشهد الحركة ضغوطًا مكثفةً وتضييقًا على حركتها وعلى عملية التمويل وعلى الحصول على السلاح اللازم، فضلًا عن أن الغضب الشعبي الذي أزاحها عن بعض المناطق قد يتزايد وقد يلقى دعمًا داخليًا وخارجيًا بما يحدّ من قدرات الحركة وتأثيرها في المستقبل.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/21448/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M