إيقاع التغيير المحسوم سلفاً: لِمَن سيُصوِّت التشاديون في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

  • أعلنت الحركة الوطنية للخلاص، في تشاد، دعمها لترشيح رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد إدريس ديبي، للاستحقاق الرئاسي المقبل. وتذهب كل المؤشرات إلى أنه سيتجاوب إيجابياً مع هذه المبادرة.
  • تبدو حظوظ محمد إدريس ديبي في الحصول على المركز الأول في الانتخابات المقبلة مرتفعة، نظراً لتمتعه بقاعدة شعبية وسياسية وعسكرية واسعة داعمة له. كما أن حظوظ سوكسيه مسرا، رئيس الحكومة الحالي، تبدو قوية في الحصول على المركز الثاني. 
  • من المتوقع أن تُفضي الانتخابات التشادية المقبلة إلى استمرار الائتلاف الحالي في إطار حكومة وطنية موسعة تعمل على استكمال الحوار الوطني الداخلي واستمالة الأطراف الراديكالية المعارضة.

 

على الرغم من أن موعد الانتخابات الرئاسية في تشاد المقررة في العام الجاري 2024 لم يُحدَّد بدقة، إلا أن الأجواء المبكرة للسباق الرئاسي بدأت بالفعل بترشيح “الحركة الوطنية للخلاص” (الحزب الحاكم في عهد الرئيس السابق إدريس ديبي) رئيس السلطة العسكرية الانتقالية، الجنرال محمد إدريس ديبي، للانتخابات المقبلة.

 

تُسلِّط هذه الورقة الضوء على أجواء الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشاد، وتستشرف فرص نجاح الرئيس الحالي محمد إدريس ديبي، وموقع المنافسين المحتملين له.

 

السياق العام للانتخابات الرئاسية

بعد الاستفتاء الدستوري في 17 ديسمبر 2023 وما حققه من نجاح واسع (قرابة 85% من نسبة القبول)، بدأت التحضيرات العملية للانتخابات الرئاسية المقررة في السنة الجارية، والتي ستُنظَّم على الأرجح في أبريل أو مايو 2024، أي قبل موسم الأمطار الذي يحُول دون حُسْن سير الاقتراع في بعض مناطق البلاد. وإذا كانت المعارضة طالبت في السابق بعدم ترشُّح أيٍّ من أفراد المجلس العسكري الانتقالي، إلا أن الدستور الجديد فسح المجال أمام ترشُّح الجنرال محمد إدريس ديبي للانتخابات المقبلة. وفي 13 يناير 2024 أعلنت الحركة الوطنية للخلاص، الحزب الذي أسسه الرئيس السابق إدريس ديبي ، دعمها لترشيح رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد إدريس ديبي للاستحقاقات الرئاسية المقبلة.

 

ومع أن الرئيس محمد إدريس ديبي لم يعلن بعد قبوله هذا الترشيح، إلا أن كل المؤشرات تدل على أنه سيتجاوب إيجابياً مع هذه المبادرة، وإن كان من المتوقع أن يحظى بدعم أحزاب وتشكيلات سياسية أخرى، حتى لا يبدو مرشح النظام السابق وحده. ومع اقتراب موعد الانتخابات، ستعمل السلطات الانتقالية على وضع الآليات التنظيمية للسباق الرئاسي، وفي مقدمتها تعيين أعضاء “الوكالة الوطنية لتسيير الانتخابات”، وهي الجهاز الإداري المستقل المكلف بتنظيم الانتخابات وضمان شفافيتها ونزاهتها، وتعيين أعضاء المجلس الدستوري في مقاييسه الجديدة الذي هو الحكَم في كل النزاعات الانتخابية، بالإضافة إلى مؤسسة وسيط الجمهورية والمجلس الأعلى للمجموعات المستقلة والمشيخات التقليدية.

 

وطالب مرصد الهيئات المراقبة للانتخابات من جمعيات أهلية ومنظمات مدنية بإبعاد كل الشخصيات السياسية والحزبية عن وكالة تسيير الانتخابات وتعيين أفراد مستقلين فيها قادرين على ضمان صدقية الاستحقاقات المقبلة. ولا شك أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون لحظة تحوُّل نوعي في مسار الأزمة السياسية التشادية، ومحطة مهمة في مسار إعادة البناء الدستوري والمؤسسي الذي انطلق بعد اغتيال الرئيس السابق إدريس ديبي (20 أبريل 2021).

 

المرشحون المحتملون

على رغم أنَّه من المبكر رسم خريطة الترشيحات للانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنَّه من الراجح أن تتقدم للاستحقاقات المقبلة أربع شخصيات بارزة هيمنت مؤخراً على المشهد السياسي في تشاد:

 

1) محمد إدريس ديبي، 40 سنة. اُختيرَ لخلافة والده إدريس ديبي في أبريل 2021 على رأس مجلس عسكري انتقالي في خرق واضح لأحكام الدستور التي تنص على ترتيب وضع انتقالي برئاسة رئيس مجلس الشيوخ. وفور تنصيبه، حلّ البرلمان والحكومة وعلَّق الدستور وعيَّن أفراد المجلس الانتقالي في سبتمبر 2021، وشرع في أغسطس 2022 في حوار سياسي شامل بدأ من الدوحة واستمر في نجامينا ليخلص إلى تمديد المرحلة الانتقالية سنتين مع السماح بترشح أعضاء المجلس الانتقالي للسلطة. ينحدر من جهة الأب من قبيلة الزغاوة ومن جهة الأم من قبيلة القرعان، وهما قبيلتان محاربتان لهما امتداد واسع في السودان وليبيا، وهو متزوج من بنت الرئيس التشادي السابق غوكوني ودي.

 

2) ألبرت باهيمي باداكي، 57 سنة، رئيس حكومة سابق في عهد الرئيس الراحل إدريس ديبي (2016- 2018) ورئيس حكومة مُعيَّن من المجلس العسكري الانتقالي في مايو 2021. شارك مرات عدة في حكومات الرئيس السابق إدريس ديبي قبل أن ينتقل إلى المعارضة. زعيم حزب “التجمع الوطني من أجل الديمقراطية في تشاد – الوعي”، وشارك في الانتخابات الرئاسية الماضية، وآخرها انتخابات 2021 التي حصل فيها على المركز الثاني. ودعا إلى مقاطعة الاستفتاء الدستوري الأخير، لكن ليس من المستبعد أن يشارك في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

 

3) صالح كِبزابو، 76 سنة، صحافي معروف ورئيس حزب “الاتحاد الوطني من أجل الديمقراطية والتجديد”. عُيِّن وزيراً عدة مرات في حكومات إدريس ديبي وتولى حقيبة الخارجية، وشارك في استحقاقات رئاسية عدة وحصل على المركز الثاني في انتخابات 2016، وكان يُعدّ زعيم المعارضة في السنوات الأخيرة من عهد إدريس ديبي. وعُيِّن في أكتوبر 2022 رئيساً لحكومة المجلس العسكري الانتقالي، وتبنَّى التصويت الإيجابي على الدستور الجديد.

 

4) سوكسيه مسرا، 40 سنة، اقتصادي وسياسي معروف، أسس في أبريل 2018 حركته النشطة “المحولين”، ووقف بشدة ضد ترشح الرئيس السابق إدريس ديبي سنة 2021، وتزعم الحركة الاحتجاجية ضد المجلس العسكري الانتقالي وطالب بحلِّه، وقاطع مع حلفائه من ائتلاف “وقيت تم” جلسات الحوار الوطني وتعرَّض مناصروه لقمع شرس في أكتوبر 2022. بعد هذه الأحداث خرج من تشاد، وصدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية، لكنه عاد إلى البلاد في نوفمبر 2023 إثر وساطة ناجحة من الرئيس الكونغولي فيليكس تشسكدي. دعا الى التصديق على الدستور الجديد، وعُيِّن مطلع يناير الجاري رئيساً للحكومة.

 

التوقعات

يبدو أن حظوظ محمد إدريس ديبي في النجاح في الانتخابات المقبلة مرتفعة، بالنظر إلى وجود قاعدة شعبية وسياسية واسعة داعمة له، فضلاً عن دعم المؤسسة العسكرية. كما أن الأوساط الفرنسية التي لها تأثير قوي في المعادلة التشادية الداخلية ستؤيد على الأرجح بقاءه في السلطة. ومن المتوقع أن يفوز في الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية، على رغم ما سيتولّد عن هذا الفوز من تحديات ومصاعب مستقبلية، في مواجهة النشاط الاحتجاجي للقوى السياسية الداخلية والحركات المسلحة الخارجية.

 

وبينما من الصعب تحديد مراكز المرشحين الآخرين، لكن حظوظ رئيس الحكومة الحالي سوكسيه مسرا تبدو قوية في الحصول على الموقع الثاني، وقد تُفضي الانتخابات إلى استمرار الائتلاف الحالي في إطار حكومة وطنية موسعة تعمل على استكمال الحوار الوطني الداخلي واستمالة الأطراف الراديكالية المعارضة.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/estihqaq-mhswm-slfan-liman-syuswwit-alttshadiuwn-fi-alaintikhabat-alriyasia-almuqbila

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M