اتجاه ثابت: استثمار التنظيمات الإرهابية للكوارث الطبيعية

تقى النجار

 

يُعد تسليط الضوء على العلاقة بين الكوارث الطبيعية والظاهرة الإرهابية طرحًا مهمًا في الدراسات الأمنية، إذ يتفق هذا الطرح مع رؤية مدرسة كوبنهاجن في العلاقات الدولية والتي تدور حول توسيع مفهوم الأمن ليمتد إلى قطاعات وقضايا مختلفة، لا سيما مع وجود انعكاسات سلبية للكوارث الطبيعية تخلق نقاط ضعف في المجتمعات تستغلها التنظيمات الإرهابية. ومن ثم تسعى هذه الورقة إلى بحث تلك العلاقة سعيًا لإيضاح مجالات التأثير والتأثر بينهما، وذلك بالتركيز على أبرز الكوارث الطبيعية التي شهدها المجتمع الدولي مؤخرًا، وكيفية تعاطي التنظيمات الإرهابية معها.

زلزال سوريا وتركيا

استهدف الزلزال الذي وقع في 6 فبراير 2023 مناطق واسعة جنوب تركيا وشمال-غرب سورية، وتسبب في كارثة إنسانية حملت تداعيات متعددة على أمن المناطق محل الحدث، وفي هذا السياق تباينت ردود أفعال التنظيمات الإرهابية في تعاطيها مع الزلزال، لا سيما وأنه وقع في مناطق خاضعة لنفوذ بعضها، كــــ”هيئة تحرير الشام”، التي شرعت في اتخاذ بعض الإجراءات بغرض تقديم نفسها كفاعل رئيسي في المشهد.

إذ عقد “محمد الجولاني” (زعيم هيئة تحرير الشام) مؤتمر صحفي في إدلب 8 فبراير2022 من أجل استعراض الإجراءات التي اتخذتها الهيئة تجاه تداعيات الزلزال، حيث أعلن عن تشكيل لجنة استجابة طارئة لإدارة الأزمة، وتناول دورها في تنظيم عمل الفرق التطوعية وحملات التبرع وتسهيل عمل فرق الدفاع المدني.

وتبعه بعد ذلك مؤتمر صحفي آخر في 9 فيراير2023، تحدث فيه “الجولاني” عن إطلاق المرحلة الثانية من عمل لجنة الاستجابة الطارئة، حيث أعلن أن هذه المرحلة ستشمل تسهيل دعم ودخول وحماية الفرق الطبية والإغاثية، مع التأكد من الإخلاء الكامل للمباني المدمرة، بجانب توفير مساكن بديلة لمن فقدوا مساكنهم، وصرف مساعدات مادية ونقدية للمتضررين.

أما فيما يتعلق بتعاطي تنظيم “داعش” مع الأحداث، فقد وظف الحدث في سياقين؛ السياق الأول وهو سياق دعائي، إذ جاءت افتتاحية النبأ في العدد 377 الصادر في 9 فبراير 2023، تحت عنوان “وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا “، حيث ركزت على نقطتين رئيسيتين؛ يتعلق أولها بالتوضيح أن هدف الزلزال هو تخويف العباد ليعودوا إلى ربهم. وينصرف ثانيها إلى التأكيد على أن كثرة الزلازل من علامات يوم القيامة.

أما السياق الثاني فهو سياق عملياتي، إذ أستغل التنظيم تحول موارد الدول السورية لمواجهة تداعيات الزلزال، وذلك عبر تهريب عناصره من ناحية، بجانب تعزيز نشاطه من ناحية أخرى، حيث فر نحو20 عنصرًا من عناصره من أحد السجون شمال غربي سوريا في 7 فبراير 2023، بعد افتعال عصيانًا مدنيًا بعد الزلزال. كذا نفذ “مذبحه البادية” في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي وسط سوريا في 12 فبراير 2023، والتي اسفرت عن مقتل 53 شخصًا.

وقد اختلف تعاطي تنظيم “القاعدة” والمجموعات المرتبطة به عن نهج كل من “هيئة تحرير الشام” وتنظيم “داعش”، فلم  يعمل التنظيم على تقديم دعم  فعلى لضحايا الزلزال، كذا لم يسع إلى استغلال الحدث من أجل تصعيد عملياته، بل اقتصر تفاعله مع الحدث على  اتباع نهج قائم على تقديم التعزية والمواساة للضحايا، حيث أصدر تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم “القاعدة” في سوريا بيانًا بعنوان “تعزية ومواساة بالزلزال” في 11 فبراير 2023، بهدف تقديم التعازي والمواساة إلى ضحايا الزلزال، مؤكدًا على كون الزلزال عبرة وعظة وآية من آيات الله تهدف إلى صلاح حال العباد، مشيرًا إلى أن الذنوب والمعاطي من أسباب الابتلاءات والتوبة منها من أسباب رفعها.

كذلك هدف بيان تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في 19 فبراير 2023، الذي جاء تحت عنوان “تعزية وتذكير.. أن ربكم يستعتبكم فاعتبوه”، إلى تقديم التعزية للضحايا في سوريا وتركيا إثر الزلزال الذي تعرضوا له، ودعا عوام المسلمين إلى تقديم المساعدة للضحايا في سوريا وتركيا.

وفي السياق ذاته، أصدرت القيادة المركزية لتنظيم “القاعدة” في 20 فبراير 2023 بيانًا تحت عنوان “عزاء ودعاء ودعم لإخواننا المسلمين في تركيا والشام” بهدف إظهار التعاطف الشديد مع ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا، مع التأكيد على إن الزلزال ما هو إلا انذار إلهي واختبار من الله، كذا توجيه الدعوة لكافة المسلمين من أجل تقديم العون للمتضررين.

ويمكن القول إن هناك 3 أنماط لتعاطي التنظيمات الإرهابية مع الزلزال قائمة جميعها على توظيف الأزمة لكن كلًا على حسب أهدافه؛ فالنمط الأول هو نمط بديل للدول، وممثل في هيئة تحرير الشام، حيث سعت إلى تقديم نفسها كنموذج بديل للدولة عبر تشكيل لجنة استجابة طارئة للأزمة، وذلك بهدف تأكيد شرعية وجودها من ناحية، وتعزيز شعبيتها بين السكان من ناحية أخرى.

أما النمط الثاني فهو نمط انتهازيه الأزمة، وممثل في تنظيم “داعش”، إذ عمل التنظيم إلى استغلال الزلزال بتحرك دعائي استعراضي متمثلًا في تنفيذ “مذبحه البادية “مستهدفًا تأكيد الوجود والقدرة على التهديد في ضوء التراجع التي حظي به في معاقله الرئيسية مؤخرًا.

 بينما كان النمط الثالث، نمط النصح والتوجيه، وممثل في تنظيم “القاعدة” والمجموعات المرتبطة به، واقتصر تعاطيه على اصدار بيانات تحتوي على رسائل تعزية للضحايا بجانب دعوات للعودة إلى الله على خلفية قناعات التنظيم بأن الزلازل ما هو إلا ابتلاء من الله، وهذا التعاطي يتسق مع رؤية التنظيم لذاته باعتباره حركة نخبوية مسئولة عن توجيه ونصح الأمة إلى الإسلام الصحيح طبقًا لقناعته.

جائحة كورونا

شهد النظام الدولي في مطلع عام 2020 حالة من الارتباك الصحي والأمني على خلفية تفشي جائحة كورونا، الأمر الذي انصرفت تداعياته إلى أمن الدول والمجتمعات، حيث سعت التنظيمات الإرهابية إلى استغلال تداعيات الجائحة من أجل تعزيز نشاطها، وقد تباين تعاطي الأخيرة مع الجائحة في ضوء تباين أهدافها ودوافعها.

إذ تعامل تنظيم “داعش” مع فيروس “كورونا” ببرجماتية شديدة، فقد عمل على توظيف الفيروس على المستوى الإعلامي والعملياتي واللوجيستي؛ فعلى المستوي الإعلامي سعى إلى مهاجمه خصومه عبر تصوير تفشي الفيروس كغضب من الله، حيث أشارت مقالة في العدد 220 من صحيفة النبأ،  الصادر في 6 فبراير 2020 ، جاءت تحت عنوان “إن بطش ربك لشديد”، إلى أن انتشار الوباء في الصين مرتبط بممارسات الأخيرة تجاه التنظيم. كذلك سلطت افتتاحية العدد 223 من صحيفة النبأ، الصادر في 27 فبراير 2020، التي جاءت تحت عنوان “ظل من تدعون إلا إياه”، الضوء على تفشي الفيروس في مدينة “قم ” الإيرانية، ولفتت إلى إن هذا الوباء عقاب إلهي من الله لمن يعبدون غيره.

اما على المستوي العملياتي، فقد دعا عناصره إلى استغلال تداعيات الجائحة للقيام بعمليات إرهابية، فجاءت افتتاحية العدد 226 من صحيفة النبأ، الصادر في 19 مارس 2020، تحت عنوان “أسوء كوابيس الصلبيين” لتحث عناصره على القيام بعمليات ارهابية داخل المدن الأوروبية استغلالًا للضغط الذي تتعرض لها الأخيرة على المستويين الطبي والأمني. كذا حرص التنظيم على تصعيد عملياته في مختلف ولاياته ولا سيما العراق وسوريا، حيث سجلت زيادة في نشاطه بالتزامن مع تصاعد الإصابات فيهما وذلك في شهور مارس إبريل ومايو واستمر هذا التصاعد حتى نهاية نوفمبر عام 2020. (انظر الشكل البياني 1)

(الشكل البياني 1)

إما على المستوى اللوجيستي، فقد استغل التنظيم الوباء لجني الأرباح، إذ أسس أحد أنصاره في تركيا موقعًا على الإنترنت وصفحات مبيعات على شبكة فيسبوك لبيع أقنعة الوجه، وغيرها من معدات صحية، ثم قام بتحويل أرباح المبيعات للتنظيم، فتحول الوباء إلى مصدر مالي له.

وقد اتبعت “هيئة تحرير الشام” نهجًا مختلفًا عن نهج تنظيم “داعش”، إذ عملت حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة منذ 14 مارس 2020 إلى تقديم إرشادات وقائية للمقيمين في مناطق نفوذها من أجل التعامل مع الجائحة، وقد تضمنت هذه الإجراءات القيام بحملة على الإنترنت، وأخرى على الأرض بهدف نشر المعلومات حول الإجراءات الاحترازية، هذا بجانب إنشاء لجنة استجابة للطوارئ للتنسيق بين جميع وزاراتها، في 23 مارس من العام ذاته.

كذلك أطلق “يحيي بن طاهر الفرغلي” (القاضي الشرعي والعسكري للهيئة) فيديو في 22 مارس 2020، بعنوان “إرشادات شرعية للتعامل مع فيروس كورونا”، أكد فيه على أن تعامل المؤمن يختلف عن تعامل الكافر مع الإصابة بالأوبئة، فالابتلاء للمؤمن هو نعمة، وأن كل المصائب بالنسبة له خير. أما عن كيفية الوقاية من هذا المرض، فقد أشار إلى العلاج النبوي والعلاج القرآني سواء بالرقية الشرعية أو الحفاظ على أذكار الصباح والمساء.

وبالانتقال إلى القيادة المركزية لتنظيم “القاعدة” نجد أنها اتبعت نهجًا قائمًا على التوجيه والإرشاد، حيث أصدرت بيانًا في 31 مارس 2020، تحت عنوان “السبيل لخروج البشرية من بطن الحوت: وصايا ومكاشفات بشأن وباء كورونا”، وركز البيان على محوريين أساسيين؛ يتعلق أولهما بالتأكيد على أن سبب هذا الوباء هو البعد عن منهج الله وانتشار الفجور والرذيلة في بلاد المسلمين. وثانيهما هو توجيه دعوة الغرب إلى الدخول في الإسلام على خلفية كون الإسلام دين وقائي نظيف، يحرص على وقاية معتنقيه من جميع الأوبئة.

وفي سياق مختلف، جاء تعاطي حركة “الشباب الصومالية” والتي تعد أحد التنظيمات التابعة لتنظيم “القاعدة”، مع الجائحة أكثر تفاعلًا من تحرك القيادة المركزية للتنظيم، إذ أصدرت الأولى بيانًا في 13 مايو 2020، أعلنت فيه تشكيل لجنة لمتابعة الجائحة في الأقاليم الإسلامية في الصومال، وافتتاح مركزا لعلاج مرضى “كوفيد-19” في البلاد. كذلك أصدرت بيانًا أخر في 31 مارس 2021 تحذر فيه من أخد لقاح أسترازينيكا الخاص بكورونا، حيث استشهدت بقيام 12 دولة أوروبية في منتصف مارس 2021 بتعليق اللقاح بعد مخاوف حول كونه مرتبط بجلطات دموية نادرة.

وبتحليل المعطيات سالفة الذكر، يمكن القول إن هناك تباين في تعاطي التنظيمات سالفة الذكر مع الجائحة في ضوء اختلاف دوافعها وأهدافها وسياقها، الأمر الذي يمثل تكرار لمشهد تفاعلهم مع أحداث الزلزال التي تمت تناولها سابقًا، وتجدر الإشارة إلى تشابه تعاطي “هيئة تحرير الشام” مع تداعيات الزلزال مع تعاطي حركة “الشباب الصومالية” تجاه جائحة كورونا، وذلك على خلفية سعي كل منهما إلى تقديم نموذج يعزز من شرعيتهما ويكسبهما الشعبية في مجتمعاتهما المحلية.

التغييرات المناخية

 تعد قضية التغييرات المناخية من أبرز التحديات الراهنة التي تواجه المجتمع الدولي، حيث أسفرت على تداعيات انعكست على الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء، إذ تساهم في تعزيز نشاط التنظيمات الإرهابية، بفعل ما يترتب عليها من تغيرات على الموارد الطبيعية؛ حيث ينجم عنها عدد من الظواهر، كالتصحر، وارتفاع مستوى البحار، وجفاف المياه، الأمر الذي يزيد من عدم الاستقرار السياسي، ما يوفر مساحةً تنشط فيها التنظيمات الإرهابية.

وبصفة عامة استثمرت التنظيمات الإرهابية في التداعيات السلبية للتغيرات المناخية عبر ثلاث آليات، يتعلق أولها باستخدامها لمهاجمه الخصوم، حيث تبنها بعض التنظيمات في الخطابات الموجهة لأنصارها؛ ففي عام 2010 على سبيل المثال، صدر تسجيل صوتي لزعيم تنظيم القاعدة آنذاك “أسامة بن لادن”، ليتهم الولايات المتحدة بالتسبب في الأزمة المناخية التي يعاني منها العالم، وربط “بن لادن” بين ظاهرة الاحتباس الحراري والتقدم الاقتصادي للولايات المتحدة، في محاولة منه لانتقادها وتشويها.

وينصرف ثانيها إلى استغلالها كعامل محفز للنشاط، إذ لعبت التغيرات المناخية دورًا في ظهور تنظيم “داعش” في سوريا. حيث ساهم الجفاف وندرة المياه، والنمو السكاني السريع، في الهجرة من الريف للمدن المكتظة بالسكان. ومع زيادة معدلات البطالة، وزيادة التنافس على الموارد، وتصاعد التنافس بين سكان المناطق الحضرية والنازحين المحرومين على الموارد، تأججت الانقسامات العرقية والاجتماعية والسياسية الموجودة بالفعل.

تزامن ذلك المشهد مع الفوضى وعدم الاستقرار الناجم عن القتال بين الحكومة والجيش السوري الحر، ما أتاح الفرصة للتنظيمات الإرهابية ولا سيما “داعش” من السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية. وبالتالي يمكن القول إن التغيرات المناخية ساهمت -بالتضافر مع مؤشرات الهشاشة السورية- في تصاعد نشاط تنظيم “داعش”.

ويتصل ثالثها بتوظيفها في التجنيد، وذلك عبر استخدام الحوافز الاقتصادية لتمويل المواطنين الذين فقدوا مصادر رزقهم بفعل التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، وفي هذا السياق يبرز نموذج تنظيم “بوكو حرام” الذي أحسن استغلال التداعيات السلبية المرتبطة بجفاف بحيرة تشاد، واستثمر في الفراغ الأمني الناتج عن تراجع سلطة الدول، ووظف انعدام الأمن، والافتقار إلى الفرص الاقتصادية.

 فقد قدم التنظيم نفسه في البداية كمدافع عن الشريعة الإسلامية، حيث اجتذب الفقراء والعاطلين عن العمل، وقدم وجبات غذائية، وسهل قروض الأنشطة التجارية الصغيرة؛ بهدف استغلال الاحتياجات المالية للأفراد في محاوله منه لملء الفراغ الناتج عن تراجع سلطة الدولة من ناحية، وتجنيد تابعيه عبر تقديم تسهيلات وحوافز اقتصادية من ناحية أخرى.

وفي مرحلة لاحقة بعد تغلغله داخل المجتمعات المحلية، تغيرت استراتيجيات عمله، حيث عمد إلى استخدام العنف والإكراه، وعمليات الاختطاف. وبالتالي يمكن القول إن الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن انكماش بحيرة تشاد لعبت دورًا مهمًا في تأجيج عنف التنظيم الذي يعد أحد أكثر التنظيمات الإرهابية دموية في العالم وإفريقيا.

ملاحظات أساسية

في ضوء ما تقدم، هناك جُملة من الملاحظات الأساسية، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

الملاحظة الأولي: تُشير إلى السردية التي تتبناها التنظيمات الإرهابية حول الكوارث الطبيعية، فنجد أنها اتفقت جميعها على كون الكوارث الطبيعية لا سيما الزلازل والأوبئة غضب إلهي، لمعاقبة الذين يخالفون تعاليمه، حيث استهدفت من هذا الطرح ترهيب المجتمعات من أجل إطفاء الشرعية على ممارساتها من ناحية، واجتذاب مزيد من العناصر للانضمام إلى صفوفها من ناحية أخرى.

الملاحظة الثانية: تنصرف إلى تغيير العقل الإرهابي، فعلى الرغم ما يتميز به عقل التنظيمات الإرهابية من رشادة، ما يدفعها إلى تجنب العمليات الإرهابية في ظل الكوارث الطبيعية، حتى لا تخسر التعاطف معها، غير أن بعضها في الوقت الحالي لم يتميز بتلك العقلانية في التفكير، ولا سيما تنظيم “داعش”، إذ شرع في تصعيد نشاطه إبان الزلزال والجائحة.  وفي محاولة لتفسير ذلك السلوك يمكن القول إنه يسعى دائمًا إلى البروباجندا الدعائية، إذ يمارس أقصى درجات العنف والتوحش من أجل تعزيز صورته الجهادية.

الملاحظة الثالثة: تتركز على سعى التنظيمات الإرهابية إلى تقديم نفسها كبديل للدول في أوقات الكوارث الطبيعية، إذ تسهم الكوارث الطبيعية في هشاشة الدول وتراجع سلطاتها، نتيجة لزيادة التحديات وتفاقمها، ما يدفع الأولى إلى محاولة ملء الفراغ الناجم عن الانهيار الأمني، وذلك عبر توفير الخدمات الأساسية لاكتساب الشرعية والثقة بين السكان.

الملاحظة الرابعة: تتمثل في تغيير الأولويات الأمنية للدول، ففي أوقات الكوارث الطبيعية تتراجع أولوية التهديدات الإرهابية لدى الدول لصالح التحديات والأوضاع الناجمة عن الأولي، بعبارة أخرى تتحول موارد الدول إلى عمليات الوقاية والإغاثة وتنخفض الميزانيات المخصصة لعمليات مكافحة الإرهاب، ما ينعكس بشكل مباشر على نشاط التنظيمات الإرهابية سواء عبر التجنيد أو تنفيذ العمليات أو استغلال تراجع شرعية الدول وتقديم نفسها كبديل.

الملاحظة الخامسة: تشير إلى التداعيات السلبية للكوارث الطبيعية على التنظيمات الإرهابية، فعلى الرغم من أن هناك العديد من الأطروحات التي تؤكد أن الأولى قد تنتج استجابة غير كافيه من الدول وتؤدي إلى تفاقم مظالم اجتماعية، ما ينعكس بدور على تعزيز نشاط الثانية، إلا أن هناك تداعيات سلبية قد تنعكس على تلك التنظيمات في الوقت ذاته.

 فعلى سبيل المثال، قد يحمل الزلازل التي شهدته سوريا، تأثيرات سلبية على “هيئة تحرير الشام”، لا سيما وان إدلب التي تسيطر عليها الأخيرة من أكثر المناطق المتضررة هناك، فقد يتسبب الزلازل في تغيير جغرافي في المنطقة ينصرف إلى تأثر خطوط الأمداد والتمويل الحدودية التي تتيح انتقال الأسلحة للهيئة، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، تجادل بعض التحليلات أن القيود على حرية الحركة والسفر التي فرضتها الجائحة ساهمت في  تقييد حركة عناصر التنظيمات الإرهابية ومثلت عامل حائل لنشاط بعضهم.

مجمل القول، انعكست الكوارث الطبيعية التي شهدها المجتمع الدولي في الأونة الأخيرة على نشاط التنظيمات الإرهابية، حيث تباين تعاطى الأخيرة لها طبٌقا لجملة من المحددات؛ يتعلق أولها بأهدافها المرحلية، وينصرف ثانيها إلى طبيعية السياق المحلي الذي تتواجد فيه، ويتصل ثالثها بقوة أو ضعف الدول التي تستهدفها، ويدور رابعها حول الإجراءات والتحولات المرتبطة بالأولى. لكن هذا الطرح لا ينفي سعيها إلى توظيف الكوارث الطبيعية طبقًا لرؤيتها الذاتية لدورها وسياقها في المرحلة الراهنة، بما يعكس مرونتها وقدرتها على التكيف من ناحية، ويؤكد على ضروه توسيع مفهوم الأمن بما يتسق مع هذه التحديات من ناحية أخرى.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33103/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M