الأسرى المدنيون.. عبء أم رصيد

هل الأسرى من المدنيين الإسرائيليين لدى حركة حماس هم رصيد لها أم عبء عليها؟ القلق على مصير الأسرى الأجانب، والحرص على أمنهم وتأمين إطلاق سراحهم هو أحد أسباب الجهود التى تبذلها دول عدة لتأخير الهجوم البرى الإسرائيلى، وإن كان هذا لم يمنع الطيران الإسرائيلى من قصف القطاع بوحشية لا تميز بين الفلسطينيين والأسرى الإسرائيليين والأجانب. الضغوط التى يمارسها أهالى الأسرى المدنيين الإسرائيليين على حكومتهم هى إحدى نقاط الضعف وأسباب انقسام الائتلاف الحكومى الإسرائيلي. الإفراج المتقطع عن الأسرى هو ورقة ضغط لمقايضة الأسرى المدنيين بدفعات، ولو صغيرة، من المساعدات الإنسانية.

لقد ألحق قتل وأسر المدنيين ضررا بالغا بسمعة المقاومة وصورتها، فجرى وصفها بالوحشية، وألصقت بها تهمة الإرهاب،والتى تصر إسرائيل وآخرون على توجيهها لها منذ سنوات. تطلق حماس أسرى مختارين بعناية لتأكيد حسن نياتها، ونفى الاتهام بالهمجية الذى يوجهونه ضدها. حديث الأسيرة الإسرائيلية المسنة المطلق سراحها لوسائل الإعلام ترك انطباعات إيجابية عن المقاومة، على عكس ما يروجه الإعلام الإسرائيلي. ماذا لو خرج كل الأسرى المدنيين الإسرائيليين والأجانب وقالوا كلاما طيبا عن حماس والمقاومة، وكيف يمكن لهذا أن يغير فى ديناميات الصراع وموازين القوى؟

كرر الزعيم الحمساوى خالد مشعل عدة مرات القول إن حركته غير مهتمة بالاحتفاظ بالأسرى المدنيين، وأنها مستعدة لإطلاق سراحهم جميعا لولا القصف الإٍسرائيلى المتواصل الذى يمنع ذلك. فى حديث القائد الفلسطينى إشارة إلى أن الأسرى المدنيين يمثلون عبئا على المقاومة تتمنى لو تخلصت منه. ماذا لو أن حماس لم تقم بأسر المدنيين الإسرائيليين والأجانب من الأساس؟ ماذا لو أن هجوم المقاومة الذى تم تخطيطه وتنفيذه فى السابع من أكتوبر بإحكام واحترافية تجنب إيذاء المدنيين بقدر المستطاع، مركزا جهده على القواعد العسكرية ومحطات الموساد المحيطة بغزة، والتى حصلت منها المقاومة على كنوز استخباراتية لا تقدر بثمن.لقد وجهت المقاومة إهانة بالغة لجيش ومخابرات إسرائيل عندما نجحت فى اختراق الجدار الأمنى الحدودى، والدخول بأعداد كبيرة إلى إسرائيل، ومهاجمة قواعد عسكرية ومقار استخبارات ومراكز شرطة، دون أن ترصدها أجهزة الاستخبارات ومراكز الاستشعار العالية التقنية. كشف «طوفان الأقصى» عن التراخى وتدهور الكفاءة فى أجهزة الدفاع والأمن والاستخبارات الإسرائيلية، وهذا كفيل بإحداث انقلاب سياسى فى إسرائيل، يضع مؤسسات الحكم والأمن والدفاع فى مرمى نيران الشعب والمعارضة. ماذا لو أن المقاومة اكتفت بما تيسر لها من قتلى وأسرى من العسكريين الإسرائيليين، وتجنبت قدر المستطاع قتل وأسر المدنيين بغرض دق أسفين بين المدنيين والعسكريين الإٍسرائيليين ومنع توحدهم.التركيز على الأهداف العسكرية وتجنب مهاجمة البلدات والتجمعات السكانية كان له أن يغير ويضاعف الأثر السياسى «لطوفان الأقصى» لصالح المقاومة وفلسطين.

ماذا لو أن مقاتلى حماس عندما اجتاحوا الجدار الفاصل ودخلوا إلى إسرائيل، فصادفوا مدنيين فى بيوت وحفلات ومراكز تجارية، وبدلا من قتل البعض وأسر البعض الآخر، أطلقوا سراحهم جميعا، بعد أن وزعوا عليهم منشورا يشرح لهم معاناة الفلسطينيين المزمنة، ورغبتهم فى إنهاء الاحتلال والحصار، والعيش فى سلام وكرامة فى دولتهم المستقلة، وحدثتهم عن ديننا وقيمنا التى تمنعنا من الاعتداء على غير المحاربين. لو سارت الأمور بهذا الشكل فإن الأثر العسكرى والنفسى للاجتياح يكون قد تحقق، ويزيد عليه أثر أخلاقى وسياسى، فكل إسرائيلى أنقذت المقاومة حياته وأطلقت سراحه سيعود ليحكى روايته، ليكسب الشعب الفلسطينى سبعمائة سفير ينقلون وجهة نظره إلى قلب مجتمع إسرائيل وإلى العالم أجمع، بدلا من أن يتحول الأسرى والقتلى المدنيون إلى عبء يدفع ثمنه المقاومة والمدنيون، وتوظفه إسرائيل لتبرير تقتيل وتهجير أهل غزة. بالطبع لم يكن التصرف بهذه الطريقة ليؤدى إلى تحرير فلسطين أو إقامة الدولة الفلسطينية حالا، لكنه خطوة فى الاتجاه السليم على طريق طويل، وبالتأكيد فإنه كان ليضع المقاومة والفلسطينيين فى موقف أفضل فى الصراع الدائر الآن.

كان يمكن للأمور ان تسير بهذا الشكل أو بأى شكل آخر مشابه، فالمهم هنا هو تأكيد أهمية امتلاك المقاومة استراتيجية دعائية وإعلامية موجهة للمجتمع الإسرائيلى والمجتمع الدولي. لقد نجحت الحركة الصهيونية وإسرائيل فى سرقة وطن يملكه شعب آخر، بعد أن شردت أصحاب الأرض وأجبرتهم على الرحيل، بينما العالم يشاهد ويبدى إعجابه وتقديره للنجاح الإسرائيلي. لم تنجح إسرائيل فى ذلك فقط لأنها امتلكت جيشا قويا محترفا، ولكن أساسا لأنها امتلكت آلة دعاية جبارة، زيفت الحقائق بشكل تام.

رسالة المقاومة تحتاج إلى أن يتم نقلها مرات ومرات قبل أن تبدأ فى إنتاج آثارها المرجوة. الإلحاح والتنوع والتكرار بلا ملل ضرورى جدا لإحداث تأثير فى الرأى العام فى إسرائيل والعالم. من الضرورى اختراق المجتمع الإسرائيلى بالدعاية والإعلام، ومن المهم أن يسمع الإسرائيليون خطاب التعايش والسلام القادم من المقاومة، حتى لا تبدو لهم المقاومة كما لو كانت محض عمل عسكرى لا يستهدف سوى الانتقام والقتل. موجة التطرف اليمينى الراهنة فى إسرائيل تمنع الناس هناك من الاستماع إلى أى رأى مخالف، ومن المهم اختراق هذا الحاجز السميك. الإعلام والدعاية هما الجسر الذى يجب على الكفاح المسلح عبوره من أجل إسباغ المعنى والمغزى والهدف على البندقية. مقاتلة العدو وحدها لا تكفى، فمن الضرورى أن يفهم من نقاتلهم السبب الذى نفعل ذلك من أجله.

 

المصدر :

الأسرى المدنيون.. عبء أم رصيد

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M