الأمة الناطقة والأمة الساكتة

إن العلاقة المتبادلة بين المرجعية والامة تتطلب ثنائية واسعة في الصفات بينهما ، فكما ان الامة الاسلامية لا تتبع الا قيادة اسلامية و الامة – الشيعية  – لا تتبع الا مرجعية شيعية ( وبالعكس ) فكذلك الامة الناطقة لا تتبع الا المرجعية الناطقة والامة الساكتة لا تتبع الا المرجعية الساكتة .
وبغض النظر عن مصداق كل عنوان فهذا لا يهمنا الآن ، ولكن ما نريد ان نصل اليه هو ان هذا التقسيم لم يأت من فراغ وانما جاء نتيجة للواقع ، فالامة الناطقة – التي كانت خير امة اخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما وصفها الله عز وجل في قرآنه الكريم – لا تقبل بقيادة غير ناطقة لانها لا تتماشى ومبادئها  ، فتخطط لولادة قيادة ناطقة تحقق غايتها وتنفذ افكارها وتوصلها الى الهدف الذي تصبو اليه .
وبما ان القيادة الحقيقية تولد من رحم الامة فتعرف آلامها وآمالها فعندما تكون الامة ناطقة تولد القيادة الناطقة فتسعى لانجاز تطلعات الامة التي ولدتها ، وما دامت الامة ناطقة تبقى شاهدة على قيادتها ومرجعيتها فإذا تخاذلت او تراجعت القيادة عن مهامها ووظائفها واصبحت غير ناطقة سحبت يدها من دعمها لتسحب البساط من تحتها لانها خرجت عن مسارها ، هذا طبعا مع فرض بقاء الامة محافظة على مبادئها الاصيلة وناطقيتها .
اما اذا خرجت الامة عن مبادئها وناطقيتها مع بقاء المرجعية ناطقة ستكون حينها – القيادة – شاهدة فتوجه الامة وتحذرها وتنبهها وترشدها وتأمرها بالمعروف وبمصاديقه وتنهاها عن المنكر وعن مصاديقه وتعطيهم الدروس التي يمكن ان يستفيدوا منها في تصحيح مسيرهم والآليات التي يمكن ان يستخدموها للوصول الى الغايات الاسلامية كي تنقلها من حيز التنظير الى حيز التطبيق .
اما الامة الساكتة فهي التي تسكت عن الحق وعن تطبيقه وتسكت عن الظلم ولا تسعى الى محاربته ، وحتى لو بينت الحق فإنها لا تضع آليات وسبل لتطبيقه وبيان الحق وكيفية الابتعاد عنه ، وهي عموما متخاذلة خاضعة خانعة متكاسلة متقاعسة اما قصوراً وجهلاً او تقصيراً واسرافاً ، وفي افضل احوالها فان صالحيها ومتقيها ومتورعيها يلتزمون بشكليات الدين مثل اللحية والمحابس والمسبحة الـ101 السوداء ويتفوه ببعض الكلمات الروحانية مثل مولاي وغيرها ، اما ان يفكر احدهم بأن يصلح حاله وحال المجتمع او يأمر بالمعروف او ينهى عن المنكر فهذا ليس من شأنه لأنه من شأن غيره كرجال الدين ، فإذا كان رجال الدين من تلك الامة – اي الساكتة – هم اصلاً لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فكيف بعوام الناس ؟!
هذه الامة ترى من شأنها ان تتمتع بالحياة ولذائذها اما ما يتعلق بالدين فهذا من اختصاص الاخرين – أيا كان هؤلاء الاخرين – المهم انه لا يتعب نفسه او يعكر مزاجه او ينفق من ماله او يتأخر بناء بيته او يصعد سيارة موديل تأخر موديلها سنتين او ثلاث سنوات او او او او ، فهذا ليس من شأنه لأن الدين ليس دينه وإنما دين المعممين وبعض المتخلفين الذين لم يسافروا للخارج ليروا التطور الحقيقي فبقي بهذه الأساطير التي أكل عليها الدهر وشرب .
فمثل هذه الامة لا نتوقع منها ان تختار قيادة صالحة فضلا عن تختار قيادة مصلحة ، وهذا امر طبيعي لأن الامة الفاسدة ترى في القيادة الصالحة والمصلحة عدوة لها لأنها تتعارض مع توجهاتها الفاسدة وتطلعاتها الإفسادية ، فتلجأ الى قيادة تتناسب ومبادئها وأفكارها ، فإما أن تختار قيادة فاسدة – وربما مفسدة – وهذا في الاعم الاغلب في حالة القيادات غير الدينية ، اما عند اختيار القيادة الدينية فيختارون قيادة قد لا تكون فاسدة والغياذ بالله لان من النادر ما تكون المرجعية كذلك ، لذا تختار – اي الامة الساكتة –  قيادة ساكتة متقاعسة حتى لا تغير من حياتهم البعيدة عن الدين شيئا ولا تؤثر عليها ولا تتأثر بها ، وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد ، فهي في الوقت الذي تكون فيه متحللة ومتميعة ومؤدلجة ومنحرفة عن دين الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، في الوقت نفسه فهي ترجع الى مرجعية دينية حتى تماشي الواقع المتدين في العراق الذي نشط في تسعينات القرن الماضي والذي جاء نتيجة دماء المؤمنين الرساليين وتضحياتهم من العلماء وابناء الامة عموما ، وللاسف كانت القيادة الساكتة غطاء لمثل هؤلاء من دون ان تبين لهم ذلك ومن دون ان تحدد من يريد ان يرجع اليها من الناحية العملية ، ونتيجة لهذا الغطاء – الذي جاء تعمدا او غفلة من قبل المرجعية – نجد الوضع العام الذي تسيطر عليه مثل هذه القيادات ونتيجة لوجود امة ساكتة متكاسلة ان هذا الوضع هو في الأسوأ في كل المجتمعات القريبة والبعيدة على وجه الكرة الارضية .
ان صفة ( الناطقية ) صفة ايجابية ويود الجميع ان يتصف بها لذلك نرى من يلصقها بنفسه لصقاً ظلماً وعدواناً ، ونسى اولئك او تناسوا ان من يتصف بهذه الصفة الشريفة تقع عليه مسؤوليات الإصداح بالحق والمطالبة به ونشر العدل وتهيئة الوضع الإيماني لاستقبال منقذ البشرية سلام الله عليه ، واصلاح الوضع العام من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الدينية ، وعند وجود اي خلل او تراجع او سلبيات في المجتمع المسلم فتقع على عاتق ( الامة الناطقة ) لانها وعت ما يريده الله جل وعلا منها ومن المجتمع وعليها ان تنقذ الآخرين كي يكون الدين لله ، طبعا ًوهذه المسؤولية كل بحسبه فليس من المعقول ان تكون مسؤولية المرجعية – التي تعتبر ناطقة – كمسؤلية احد الأفراد من الامة سواء الناطقة وغير الناطقة .
فبذلك تتحمل المرجعية الناطقة اعلى المسؤوليات ومن ثم افراد الامة الناطقة كل بحسب مستواه العلمي والفكري والثقافي والايماني ونفوذه السياسي والاجتماعي ، من ذلك نعرف ان المرجعية او الامة حتى تكون ناطقة تقع عليها مسؤوليات كبيرة ، فالمسألة ليست مسألة مناصب ولا هي صفة تشريفية بل هي صفة تكليفية تقع على من ينتمي لهذه الامة او من يريد ان ينتمي لهذه الامة ، ومن لا يجد في نفسه القدرة على ان يتحمل هذه المسؤولية التي تتناسب مع موقعه الديني و الاجتماعي والسياسي فعليه ان لا يقحم نفسه في ذلك لان هذا سيورطه وليس له في ذلك ناقة ولا جمل .
اما صفة السكوت والتكاسل فهي صفات مذمومة تحاول كل جهة ان تدفعها عن نفسها وهي واقعة فيها لا محال ، وأيما مجتمع يعاني من تدهور في شتى المجالات فاعلم ان الامة التي تعيش في ذلك المجتمع هي امة ساكتة متكاسلة متقاعسة انتجت وايدت قيادات دينية وسياسية واجتماعية ساكتة متقاعسة متكاسلة – ان لم نقل منحرفة وفاسدة – وهذا ما أشارت اليه الاية الكريمة : (( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) ، فاذا غيروا ما بانفسهم واصبحوا صالحين بل ومصلحين فسوف لن تروق لهم القيادة الساكتة والفاسدة والمنحرفة فإن لم تكن هناك قيادة صالحة ومصلحة فسوف تبدأ بانتاج قيادة جديدة تقوم بمسك زمام امورهم وايصالهم الى ضفة الصلاح ،اما اذا كانت القيادة المصلحة موجودة فسوف يلتفوا حولها ويؤيدوها ويدعموها ويكونوا جنودا بيدها فيقضون سوية على الانحراف فيتغير ما بقومهم كما ذكرت الرواية .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M