الأمن الغذائي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية

كَنزي سيرِج

 

يُعد الغذاء وخصوصًا السلع الغذائية الأساسية (الاستراتيجية) حالة خاصة، حيث إن هذا السوق لا يتم معاملته بقوانين الاقتصاد البحتة. ويرجع ذلك إلى طبيعته ففي نهاية الأمر إنه غذاؤنا. وبالتالي تتميز السلع الغذائية الأساسية بطلب غير مرن على المدى القصير والطويل، في حين أن العرض يكون غير مرن على المدى القصير، ولكن هناك احتمالية لبعض السلع الغذائية الأساسية أن يكون لها عرض أكثر مرونة على المدى الطويل. على سبيل المثال، الأرز. وبالتالي تحتاج دراسة السلع الغذائية الأساسية إلى الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى والتي تشمل الأمن والعلاقات الدولية، والبيئة، والطاقة، وغيرها. يناقش هذا المقال العوامل المؤثرة على المعروض من السلع الغذائية الأساسية، وأثر الحرب الروسية الأوكرانية على الغذاء عالميًا.

أولًا: العوامل المؤثرة على المعروض من الغذاء

يتأثر المعروض من الغذاء بعدة عوامل والتي تشمل، أولًا: الاضطرابات السياسية والاضطرابات على الحدود بحيث تؤثر على قدرة المزارع على الوصول إلى أرضه وزراعتها، وقدرته على الوصول إلى المدخلات التي تساعده على الإنتاج والتي تزيد من كفاءة الأرض وتزيد من الإنتاج. ثانيًا: التحديات المناخية التي تؤثر بشكل كبير على إمدادات السلع الغذائية بحيث تحتاج كل سلعة إلى مناخ معين. وبالتالي، مع تغير المناخ ليكون أكثر جفافًا، على سبيل المثال، تنخفض إنتاجية السلع الزراعية التي تحتاج مناخًا معاكسًا لذلك. ثالثًا: أسعار النفط الخام. تكون العديد من السلع الزراعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، وبالتالي مع زيادة تكلفة الطاقة ترتفع تكلفة إنتاجها وقدرة المزارع على تحمل هذه التكلفة أثناء الزراعة وقدرته على تحقيق ربح في مرحلة الحصاد والبيع، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الأسعار.

وعلى الرغم من أن سعر السلع بناء على الاقتصاد يعتمد على العرض والطلب؛ إلا أن السلع الغذائية الأساسية هي سلع استراتيجية يجب تتدخل الحكومات لضمان توفرها للجميع. وبالتالي، تفرض العديد من الدول، وخصوصًا الدول ذات معدلات الاستهلاك المرتفعة، بسبب عدد السكان المرتفع كما هو الحال لدى دول آسيا مثلًا، العديد من السياسات التي تشمل فرض حد على التصدير. يكون هذا الحد على التصدير في حالة أن السعر العالمي أعلى من السعر المحلي، فبالتالي يتجه المزارعون أو التجار إلى التصدير لتحقيق مكاسب أعلى، وهو ما قد يخلق نقصًا في العرض في السوق المحلي. هذا بالإضافة إلى أن المنتجات الزراعية غالبًا ما ينتج عنها منتجات رئيسية ومنتجات ثانوية، وبالتالي في كثير من الأحيان يؤثر تصدير المنتجات الزراعية في صورتها الأولية على العديد من الصناعات داخل الدولة والتي ترفع من قيمة المنتج الأولي بشكل كبير وتزيد من العائد إذا تم تصدير المنتجات التي دخلت عملية التصنيع.

إضافة إلى ذلك، تعد السلع ذات الطلب غير المرن مثل السلع الزراعية تحوطًا جيدًا ضد التضخم، حيث إن الزيادة في السعر تكون أعلى من الانخفاض في الطلب (والذي في حالة السلع الغذائية الأساسية بالكاد ينخفض). وبالتالي، في حالة عدم اليقين كما هو الحال حاليًا مع معاصرة الأزمات المتعددة من الحرب الروسية الأوكرانية وأزمات سلاسل التوريد؛ تتجه الدول والتجار إلى التخزين للحفاظ على قيمة مواردهم، الأمر الذي من المحتمل أن يخلق مجاعات في العديد من الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، وبالأخص الدول ذات النسب المنخفضة من الاكتفاء الذاتي من الغذاء.

وبالتالي، تتجه الدول ذات كميات المخزون المنخفضة إلى عمل علاقات دولية لتقليل المخاطر، والتي تشمل المخاطر المتعلقة بالأمن الغذائي، وعمل خطط بديلة والتي تشمل الاتجاه نحو منتجات أقل في الجودة والقيمة الغذائية للحد من الجوع. لذلك، تعمل الدول في الوقت الحالي على زيادة مخزوناتها من السلع الاستراتيجية، وهو ما يخلق زيادة في الطلب في الوقت الحالي، وبالتالي الأسعار. الأمر الذي يؤدي إلى قدرة الدول ذات الدخل المرتفع على زيادة مخزوناتها والحصول على حصة أكبر من السلع الغذائية الأساسية، في حين أن الدول ذات الدخل المتوسط أو المنخفض قد لا تستطيع الحصول على احتياجاتها الأساسية الحالية مع زيادة الطلب الذي من المحتمل أن يزيد من الأسعار. أما بالنسبة إلى التخزين الذي يتم من خلال التجار فهو ما يعتبر احتكارًا للمنتج، وهو فعل تمنعه العديد من الدول ومن ضمنها مصر.

ثانيًا: تأثر الغذاء بالحرب الروسية الأوكرانية

يلعب الاتحاد الروسي وأوكرانيا دورًا حاسمًا في الاقتصاد العالمي لأنهما مصدران رئيسيان للنفط الخام والغاز الطبيعي وخامات المعادن المختلفة.. إلخ. وبالإضافة إلى ذلك، فكلاهما لاعبان رئيسيان في القطاع الزراعي العالمي لأنهما مُنتِجان رئيسيان للقمح، والأسمدة، وزيوت الطعام. وبذلك، فأي تخفيض في الكميات المصدرة من تلك السلع سيؤدي إلى أزمة عرض حول العالم تؤدي إلى التضخم ومضاعفة التأثير على الأفراد.

ومن المرجح أن يؤدي خفض الصادرات أو المعروض في السوق العالمي أو ارتفاع أسعار الأسمدة إلى أزمة في المعروض من المنتجات الغذائية. ويرجع ذلك إلى أن العديد من المنتجات الزراعية تعتمد بشكل أساسي على الأسمدة لرفع الجودة والكمية المنتجة. ويعتبر الاتحاد الروسي موردًا رئيسيًا للأسمدة ومغذياته (النيتروجين والفوسفات والبوتاسيوم). ويمكن أن يؤثر عدم استقرار الروبل الروسي والعقوبات المفروضة على روسيا، خاصة الإجراءات المتعلقة بالقطاع المصرفي والتجارة، على التجارة لأن التعاملات البنكية ستكون أكثر صعوبة. وبالإضافة إلى ذلك، تحظر دول مختلفة دخول السفن من الاتحاد الروسي أو المرور عبر أراضيها. هذا بالإضافة إلى انعدام الأمان في النشاط الاقتصادي في أوكرانيا وانقطاع التيار الكهربائي.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19551/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M