الانتخابات الهندية: توقعات بفوز “مودي” وتحديات أمام ولايته الثالثة

تشهد الهند منذ يوم 19 إبريل الجاري منافسة محتدمة  في الانتخابات العامة  في نسختها الثامنة عشرة، والتي تعد الأكبر والأطول  في تاريخ الانتخابات العامة الهندية، وتعد الممارسة الديمقراطية الأكبر  في العالم، حيث فتح نحو مليون مركز اقتراع هندي أبوابه لاستقبال نحو 968 مليون ناخب لانتخاب أعضاء البرلمان الهندي “لوك سابها”، الذي يتنافس  على  الفوز بمقاعده العديد من الأحزاب الهندية. وتجرى هذه الانتخابات  على  سبع مراحل على مدار 6 أسابيع،  على  أن تعلن النتائج يوم 4 يونيو القادم.

وهناك توقعات بحظوظ أوفر لفوز رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندار مودي بهذه الانتخابات وبقائه  في قمة السلطة الهندية لولاية ثالثة،  في ظل ما يتمتع به من شعبية كبيرة بعد ولايتين زاد خلالهما من النفوذ السياسي والدبلوماسي والثقل الاقتصادي للهند، ووسط مساعيه وحزبه “بهاراتيا جاناتا” الحاكم بتحقيق الأغلبية البرلمانية وتحقيق انتصار  على المعارضة يفوق ما حققاه  في الانتخابات التشريعية عام 2014، وعام 2019، وفي خضم أصعب اختبار سياسي لقوى المعارضة الهندية  في ظل استمرار انحسارها، وفي مقدمتها حزب “المؤتمر الوطني الهندي” الذي تأسس عام 1885، وحكم البلاد لنحو 54 عامًا من بين 76 عامًا مضت منذ استقلال الهند.

تجيب هذه الدراسة  عن  التساؤلات بشأن سير العملية الانتخابية، وأبرز ملامح المشهد الانتخابي، وما هي أبزر التحديات والأولويات لولاية “مودي” الثالثة حال فوزه  في الانتخابات؟.

أولًا: العملية الانتخابية، والنظام الانتخابي:

  1. سير العملية الانتخابية:

بدأت الهند عملية التصويت  في هذه الانتخابات يوم 19 أبريل، وتستمر  على  مدار 44 يومًا على أن تنتهي المرحلة النهائية من الانتخابات  في 1 يونيو، لتبدأ عملية فرز الأصوات  في كل أنحاء البلاد  في 4 يونيو المقبل، وعادة ما تعلن النتائج  في اليوم نفسه. لذا؛ تعد هذه الانتخابات تحديًا لوجيستيًا كبيرًا للهند، لامتداد الاقتراع لنحو 6 أسابيع،  في نحو مليون مركز اقتراع فُتح ليستقبل نحو 968 مليون ناخب مدعوين للمشاركة  في هذه الانتخابات، على سبع مراحل.

وفقًا للدستور الهندي، يحق لكل مواطن بلغ سن الثامنة عشرة أن يدلي بصوته  في الانتخابات، وخلال الانتخابات السابقة عام 2019، كان عدد الناخبين نحو 900 مليون ناخب فقط، شارك منهم  في الانتخابات نحو 615 مليون ناخب بنسبة إقبال بلغت وفقًا للجنة الانتخابات الهندية نسبة 67%، أما في هذه الانتخابات فيحق لنحو 968 مليون شخص بالهند التصويت، منهم نحو 20 مليون ناخب يدولون بأصواتهم للمرة الأولى وتتراوح أعمارهم ما بين 18: 29، لذا؛ يشكل الشباب شريحة انتخابية مهمة في الهند؛ إذ إن نحو 40% من الهنود لم تتجاوز أعمارهم 25 عامًا، لذا؛ يهتم “مودي” باستقطاب فئة الشباب للمشاركة  في هذه الانتخابات لما يمثلونه من قوة انتخابية.

وتشكل المرأة كذلك عاملًا مهمًا  في هذه الانتخابات؛ إذ أصبحت قوة رئيسة  في التصويت  في الانتخابات الهندية، نظرًا لتزايد نسب تصويتها خلال الانتخابات السابقة وخاصة عام 2019، وتجدر الإشارة إلى ارتفاع عدد النساء المسجلات للتصويت بمقدار 40 مليونًا منذ الانتخابات السابقة 2019، لتشكل المرأة نحو 48% من عدد الناخبين بهذه الانتخابات، أي ما يعادل 471 مليون ناخبة، فيما يشكل الرجال نحو 497 مليون ناخب.

وتجدر الإشارة هنا إلى الاهتمام الذي يوليه “مودي” وحزبه بالكتلة التصويتية للمرأة، كما يسعى إلى زيادة نسبة تمثيل المرأة  في البرلمان والتي بلغت  في برلمان عام 2019، نحو 15% فقط من مقاعد البرلمان، لذا؛ تبنت حكومته  في سبتمبر الماضي مشروع قانون يهدف لتخصيص ثلث مقاعد البرلمان للنساء، ومع ذلك يتطلب تطبيق هذا القانون عدة سنوات.

  • أبرز المتنافسين  في الانتخابات:

تعد الهند دولة ديمقراطية قائمة  على  التعددية الحزبية، ويوجد بها نحو 2660 حزبًا سياسيًا مسجلًا، وعلى الرغم من انخراط عدد كبير من الأحزاب  في المارثون الانتخابي، حيث تتنافس ستة أحزاب على المستوى الوطني، و57 حزبًا على مستوى الولايات، و2597 حزبًا صغيرًا سمح لهم بالمشاركة رغم عدم استيفائهم لشروط الاعتراف بهم رسميًا من قبل لجنة الانتخابات الهندية، إلا أن التنافس الانتخابي المحتدم ينحصر بين أكبر حزبين  في الهند وتحالف كل منهما السياسي مع كتلة من الأحزاب السياسية؛ وهما حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم (BJP)، وحزب “المؤتمر الوطني الهندي” المعارض.

فيخوض حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم “هندوسي”، بزعامة ناريندار مودي، التحالف الوطني الديمقراطي “NDA”، والذي تشكل منذ عام 1988، ويسيطر  على  الحكومة الاتحادية بجانب رئاسته للحكومات الإقليمية في 17 ولاية هندية. أما تحالف المعارضة بزعامة حزب المؤتمر، هو “التحالف الوطني التنموي الشامل للهند” “إنديا”، فقد انضم له نحو 20 حزبًا سياسيًا بهدف تشكيل جبهة قوية لمنافسة حزب “بهاراتيا” جاناتا وتحالفه.

ويعاني تكتل المعارضة الهندية “التحالف الهندي الوطني التنموي الشامل” “INDIA”، من خلافات داخلية تهدد وحدته وقدرته على منافسه حزب “بهارتيا جاناتا” وتحالفه، وتظهر هذه الخلافات جليًا  في عدم توافقهم على تسمية مرشحهم لرئاسة الحكومة حتى الآن  في حال فوزهم  في الانتخابات الجارية، وإرجائهم الأمر لما بعد نهاية الانتخابات، ومع ذلك ترجح توقعات تسمية راهول غاندي رئيس حزب المؤتمر حال فوز المعارضة بالأغلبية، وفي السياق نفسه تظهر الخلافات الداخلية  في تكتل المعارضة  في خلافاتهم بشأن تقاسم مقاعد البرلمان.

ومن جانب آخر، يرى تحالف المعارضة أن بقاء حزب “بهاراتيا جاناتا” في سدة الحكم سيؤدي إلى تراجع التزام الهند الراسخ بالديمقراطية والتعددية والعلمانية، لذا؛ رفع شعارًا انتخابيًا هو “إنقاذ الديمقراطية“. ويتهم تحالف المعارضة حزب “بهاراتيا جاناتا” بالتضييق  على  المعارضة، واستخدام أجهزة الدولة لقمعها، بهدف التأثير  في فرصها  في الفوز بالانتخابات، هذا إلى جانب الترويج لتراجع الديمقراطية وتبنيه للمعتقد الديني لأغلبية الهنود على حساب الأقليات لاسيما الأقلية الإسلامية، والتي يبلغ عددهم نحو 220 مليون مسلم، ويمثلون أكبر أقلية  في الهند.

  • النظام الانتخابي: 

وفقًا للدستور، تعد الهند جمهورية فيدرالية، تتكون من 28 ولاية، و7 أقاليم اتحادية تخضع للحكومة الهندية المركزية، حيث تتبع الهند نظامًا فيدراليًا وحكومةً برلمانية ديمقراطية،  ويشترك  في السيادة كل من الحكومة المركزية وحكومة الولاية، إلا أن الحكومة المركزية تحظى بسلطات أوسع بكثير  في مختلف المجالات، فيما يعد منصب الرئيس منصبًا فخريًا، ويتألف البرلمان الهندي “السلطة التشريعية”، من مجلسين وهما: “راجيا سابها” وهو مجلس الشيوخ، و”لوك سابها”، وهو مجلس النواب.

ويتكون “راجيا سابها” من 245 عضوًا، وهو هيئة دائمة يعمل لمدة 6 سنوات متتالية وينتخب معظم نوابه بطريقة غير مباشرة من الولاية والمشرعين الإقليميين؛ وفقًا لعدد السكان في كل ولاية.

أما “لوك سابها”، أي بيت الشعب أو مجلس النواب، فيمثل الغرفة السفلية للبرلمان الهندي ويتكون من 545 عضوًا، يجري انتخابهم بالاقتراع العام المباشر ما عدا عضوين يعينهم رئيس البلاد إذا رأى أن المجتمع الهندي لم يكن ممثلًا على نحو كاف. وتمتد ولاية المجلس لمدة 5 سنوات، ويختار كل ناخب مرشحًا واحدًا فقط من بين الأسماء المرشحة للانتخابات في كل دور، ويعلن من حصل على أكبر عدد من الأصوات فائزًا، على أن يقوم الحزب الفائز بأغلبية بسيطة من مقاعد المجلس والتي تبلغ 273 مقعدًا أو أكثر بتسمية رئيس الحكومة، والذي يضطلع بمهمة تشكيل الحكومة وإدارة شؤون الدولة، وفي حال عدم تمكن أي حزب من الحصول على هذه الأغلبية، يتعين على رئيس الدولة أن يطلب من حزب الأكثرية تشكيل ائتلاف مع أحزاب أصغر.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن حزب “مودي” حصل  على  أغلبية ساحقة  في انتخابات عام 2019، إذ فاز بـ 303 مقاعد، بإجمالي عدد مقاعد له ولتحالفه السياسي بـ 353 مقعدًا، فيما حصل منافسه حزب “المؤتمر”  على  52 مقعدًا، بإجمالي له ولتحالفه السياسي بـ 91 مقعدًا. وعلى الرغم مما تشير له أغلب التوقعات واستطلاعات الرأي لفوز “مودي” وحزبه  في هذه الانتخابات، فإن نسبة هذا الفوز ستعني الكثير لمستقبل البلاد، لاسيما إذا تخطت ثلثي مقاعد البرلمان كما يسعي لها “مودي” وتحالفه حيث يسعيان للحصول على 400 مقعد، حيث تمكن هذه الأغلبية من تعديل دستور البلاد العلماني.

وهي المخاوف والانتقادات التي تثيرها المعارضة بشأن مستقبل البلاد وتقويض العلمانية  في مقابل مشاريع أيديولوجية قديمة تهدف لتعزيز القومية الهندوسية على حساب الأقليات وبشكل خاص الاقليات المسلمة، مثل القانون المدني المثير للجدل الذي يهدف إلى توحيد عدد من القوانين بما فيها المتعلقة بالزواج والطلاق التي تختلف بين الأديان، وكذلك الجدل الذي أثاره مؤخرًا تطبيق تعديل قانون المواطنة لعام 2019، هذا إلى جانب خطاب “مودي” الانتخابي بعد أيام من بدء الانتخابات، والذي أثار الكثير من الجدل، حيث اعتبرته المعارضة “خطاب كراهية”، وتقدمت بشكوى للجنة الانتخابات الهندية بهذا الشأن.

  • مراحل التصويت: 

تتم الانتخابات  على  سبع مراحل، ولدى بعض الولايات يوم واحد للتصويت، بينما الولايات الأكثر اكتظاظًا بالسكان  في الشمال أوتار براديش، والولايات الشرقية لبيهار والبنغال الغربية والتي يقدر عدد سكانها مجتمعة بـ 475 مليون نسمة، ستصوت على مدى سبعة أيام.

وبدأت المرحلة الأولي من الانتخابات في 19 أبريل الجاري للتصويت على 102 مقعد، فيما تبدأ المرحلة الثانية في 26 أبريل للتصويت على 89 مقعدًا، والمرحلة الثالثة في 7 مايو المقبل للتصويت على 94 مقعدًا، والمرحلة الرابعة في 13 مايو للتصويت على 96 مقعدًا، والمرحلة الخامسة في20 مايو للتصويت على 49 مقعدًا، والمرحلة السادسة في25 مايو للتصويت على 57 مقعدًا، والمرحلة السابعة في1 يونيو للتصويت على 57 مقعدًا، على أن تعلن النتائج يوم 4 يونيو المقبل.

  • عملية التصويت:

تتم عملية التصويت إلكترونيًا عبر أكثر من مليون مركز اقتراع في هذه الانتخابات؛ بزيادة قدرها نحو 1.2%  في عدد المراكز مقارنة بالانتخابات السابقة في عام 2019، وذلك لضمان أن يتمكن كل ناخب من الإدلاء بصوته في الانتخابات،د. ووفقًا للدستور الهندي ولجنة الانتخابات الهندية، المسافة القصوى التي يجب أن يقطعها الناخب للإدلاء بصوته هي 2 كيلو متر فقط، على ألا يتجاوز عدد الناخبين في كل مركز اقتراع نحو 1500 ناخب، لذا؛ تطلبت هذه العملية الاستعانة بنحو 15 مليون مسؤول اقتراع وطاقم أمني أثناء انتخابات 2024، من بينهم موظفون في قطاعات عامة أخرى تم تكليفهم للعمل بمراكز الاقتراع بشكل مؤقت.

إذ سيسعى موظفو الانتخابات لنقل بطاقات التصويت بشتى الطرق وسيسافر بعضهم   عبر الطرق الوعرة بين الجبال والقوارب والجمال والقطارات والمروحيات حسب طبيعة كل منطقة للناخبين، لضمان الوصول لكل مواطني الهند وسلامة عملية التصويت، فمثلًا خلال انتخابات عام 2019 سار موظفو الانتخابات نحو 500 كيلو متر في الجبال الوعرة لإقامة مكتب اقتراع لناخب واحد في محافظة أروناشال براديش في شمال شرق الهند، وعلى سبيل المثال في هذه الانتخابات سيتم إنشاء مركز اقتراع في قرية مالوجام Malogam النائية بولاية أروناشال براديش لكي تدلي امرأة واحدة بصوتها.

وتعتمد الهند على التصويت الإلكتروني، عبر أجهزة التصويت الإلكتروني “EVM” وهي أجهزة غير مرتبطة بالإنترنت لمنع العبث في نتائج الانتخابات، حيث يقوم كل ناخب قبل دخول حجرة التصويت لاستخدام جهاز التصويت الإلكتروني بغمس إصبعه في الحبر الملون لمنع ازدواجية التصويت، كما يوجد مسار ورقي لتأكد الناخب من أن صوته تم تسجيله، فبمجرد إدلاء الناخب بصوته الكترونيًا تتم طباعة ورقة اقتراع تحتوي على رقم تسلسلي واسم ورمز المرشح المختار من قبل الناخب وتظهر للناخب من خلال شاشة زجاجية لمدة 7 ثوان ليتحقق الناخب من اختياره ثم تسقط في  الصندوق (Voter Verifiable Paper Audit Trail) “VVPAT”، ووفقًا لأغلب التقديرات قد تتجاوز تكلفة هذه الانتخابات نحو 14.2 مليار دولار.

ثانيًا: أبرز التحديات الداخلية التي تواجه “مودي”  في الولاية الثالثة

حقق ناريندار مودي خلال فترة حكمه طفرة اقتصادية ضخمة، حيث تصاعدت وتيرة نمو الاقتصاد في عهده، وقفز أربعة مراكز عالمية، لتحتل الهند المرتبة الخامسة بين دول مجموعة العشرين بناتج محلي إجمالي نحو 3.39 تريليونات دولار عام 2022، والذي يمثل نسبة 3.37% من الناتج المحلي العالمي البالغ 100.56 ترليون دولار لنفس العام. فوفقًا للبنك الدولي، شهد الناتج المحلي الإجمالي للهند صعودًا على مدار السنوات العشر الماضية، فيما عدا عام 2020 بسبب أزمة فيروس كورونا.

وصاحب ارتفاع قيمة الناتج المحلي الإجمالي تحسنًا  في معدلات النمو الاقتصادي، حيث بلغ معدل نمو الاقتصاد عام 2013 نحو 6.4%، وارتفع إلى 8.3% عام 2016، ثم تراجع بسبب ازمة كورونا، ليحقق نموًا مرة أخرى عام 2021 / 2022 بنسبة 9.1%، وعام 2022 / 2023 بنسبة 7.2%، هذا إلى جانب انتهاج “مودي” لعدد من السياسات الاقتصادية التي عززت من نمو الاقتصاد الهندي، ومن أبزرها زيادة الإنفاق الحكومي على البنية الأساسية، ودعم الصناعة المحلية ومنح الحوافز لقطاع الصناعة، وخاصة التوسع في قطاع الصناعات التحويلية والذي يشكل 17% من الاقتصاد الهندي، هذا إلى جانب نمو قطاع البناء والتشييد بأكثر من 9%، وزيادة نمو الاستثمار الأجنبي، وغيرها.

ومع ذلك؛ على الرغم من هذه الطفرة الاقتصادية التي حققها “مودي” فإنه يواجه  في حال فوزه  في هذه الانتخابات تحديات بارزة وملحة، تتعلق بثالوث ارتفاع معدلات البطالة والفقر وعدم التكافؤ الاقتصادي بجانب استكمال تطوير البنى التحتية اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار.

  1. خفض معدلات البطالة وتوفير فرص عمل كافية:

يستغل تحالف المعارضة طريقة تعاطي حكومة حزب “بهاراتيا جاناتا” مع مشكلة ارتفاع معدلات البطالة، لمهاجمة سجل “مودي” الاقتصادي، على الرغم من الطفرة الكبيرة التي حققها في مجال التصنيع المحلي وجذب الاستثمارات المباشرة والاستثمار في تطوير البني التحتية، حيث يواجه الاقتصاد الهندي تحديًا كبير وصعوبات لتوفير وظائف لملايين الشباب الذي يدخلون سوق العمل سنويًا. ووفقًا لاستطلاع رأي لـ  CSDS-Lokniti  كانت البطالة والأسعار مصدر قلق بالنسبة لما يقرب من نصف الناخبين.

لذا؛ يشكل توفير المزيد من فرص العمل المطلوبة في ظل ارتفاع معدلات البطالة في الهند وخاصة بين الشباب تحديًا كبيرًا ومشكلة رئيسة وملحة “لمودي” وحكومته إذا ما فاز بالولاية الثالثة؛ نظرًا لتزايد النمو السكاني  في الهند وارتفاع نسب الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنويًا، هذا إلى جانب معاناة الهند من ارتفاع معدلات البطالة لاسيما بين الشباب وكذلك النساء؛ حيث بلغ معدل البطالة في مارس 2024 نحو 8.01%، فيما بلغ  في ديسمبر 2023 نحو 8.23% مسجلًا أعلى مستوى له  في 16 شهرًا، وفقًا لبيانات مركز مراقبة الاقتصاد الهندي”CMIE“.

حيث بلغت نسبة البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20: 24 عامًا نحو 44.9%، فيما انخفض معدل مشاركة المرأة  في القوة العاملة من 25% عام 2014 إلى 24% عام 2022، لذا؛ تعد معدلات البطالة بين الشباب  في الهند أعلى من المستويات العالمية، فيبلغ معدل البطالة بين الشباب الهنود ما بين  الحاصلين على شهادة جامعية أكثر من 29%، أي ما يقرب من تسعة أضعاف أولئك الذين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة.

ومع ذلك لا يجب إغفال حقيقة أنه برغم استمرار ارتفاع معدلات البطالة، اجتهدت حكومة “مودي” في خلق فرص العمل حيث ارتفعت معدلات المشاركة  في القوة العاملة، إلى 40.48%  في ديسمبر 2023، مسجلة أعلى مستوى  في 12 شهرًا، كما ارتفع معدل العمالة  في ديسمبر إلى 37.1% وهو أعلى مستوى منذ يناير 2022، وذلك وفقًا لتصريحات ماهيش فياس المدير التنفيذي لمركز مراقبة الاقتصاد الهندي.

لذا؛ سيتعين على حكومة مودى القادمة إيجاد وسائل لتعزيز الاستثمار وإنعاش الصناعة وتأمين فرص عمل جديدة، وخلق مناخ داعم للمشاريع التجارية، والنمو الاقتصادي بشكل أسرع من معدله الحالي من أجل استيعاب الملايين من الشباب الذين ينضمون للقوة العاملة سنويًا، وتحقيق تعهداته بالوصول بالهند إلى الدولة المتقدمة عام 2047.

  • خفض معدلات الفقر وتحقيق التكافؤ الاقتصادي:

وفقًا لتقرير “رؤية عامة” للبنك الدولي عام 2023، استطاعت الهند من خلال معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة أن تخفض من حدة الفقرة بنسبة 50%، وانخفضت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع من 18.7% في عام 2015 إلى 12%  في عام 2021، وارتفع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي عام 2022 إلى 2380 دولارًا، بعد أن كان 1500 دولار عام 2013، وتجدر الإشارة هنا لتوسع حكومة “مودي”  في سياسات الرعاية الاجتماعية للتخفيف من حدة الفقر، والتي من أبرزها منح الحبوب الغذائية “القمح والأرز” مجانًا خلال فترة كورونا ولمدة 5 سنوات والتي يستفيد منها أكثر من نحو 813 مليون شخص، هذا إلى جانب إنشاء أكثر من 500 مليون حساب مصرفي للفقراء، مما أسهم  في توجيه تحويلات الرعاية الاجتماعية للمستفيدين.

وعملت حكومة “مودي” كذلك  على  ضمان حصول جميع المواطنين على وقود الطهي الحديث والكهرباء والمياه المنقولة عبر المواسير والسكن والرعاية الصحية وخدمات الشمول المالي، وتكشف البيانات الرسمية عن النجاح الذي حققته هذه البرامج.

ووفقًا لمؤشر الفقر متعدد الأبعاد العالمي “MPI” الصادر  في يوليو 2023، شهدت الهند انخفاضًا ملحوظًا في معدلات الفقر، حيث خرج نحو 415 مليون شخص من الفقر في غضون 15 عامًا فقط، حيث كان نحو 645 مليون شخص يعيشون  في فقر متعدد الأبعاد  في الهند عام 2005/2006 ، وانخفض هذا العدد إلى حوالي 370 مليونًا  في عام 2015/2016 ، لينخفض لنحو 230 مليونًا  في 2019/2021.

إلا أنه برغم الازدهار الاقتصادي الذي شهدت الهند، وعلى الرغم من البيانات الدولية التي توضح استمرار انخفاض نسب الهنود الذين يعيشون في فقر مدقع خلال عهد “مودي”؛ فإن نسبة كبيرة من سكان البلاد مازالوا يعيشون  في فقر، وعوائد الازدهار الاقتصادي الذي شهدته الهند تصيب قلة من فئات المجتمع فيما يعاني آخرون من معضلة عدم التكافؤ الاقتصادي وتفاوت قيمة دخل الفرد، ونصيبه من الثروة، إذ ترجع ضآلة نصيب الفرد من الدخل القومي بالهند للكثافة العالية للسكان.

ورغم التحسن البادي  في متوسط دخل الفرد، وكذلك الاستمرار  في تحقيق معدلات نمو عالية، فإن ثمة تحديًا كبيرًا يواجه “مودي”، يتمثل  في عدم التكافؤ الاقتصادي واتساع فجوة التفاوت المالي بين المواطنين. حيث تحتل الهند المرتبة 147 عالميًا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022؛ وفقًا للبنك الدولي، ويعيش أكثر من 34 مليون من مواطنيها على أقل من 2.15 دولار  في اليوم.

وفي السياق نفسه، ينعكس التفاوت في الدخل في تحد آخر يتمثل  في سوء التغذية لدى نسبة كبيرة من السكان، وبخاصة الأطفال الذين تصل نسبة التقزم بين من هم أقل من 5 سنوات منهم إلى 35.5%، مما يعزز من أهمية قضية عدالة توزيع الثروة، بجوار تحدي استمرار تحقيق معدلات نمو مرتفعة، لذا؛ يشكل هذا الملف تحديًا كبيرًا وملحًا أمام “مودي” في ولايته الثالثة.

ثالثًا: أولويات “مودي” وحكومته  في الولاية الثالثة

حقق “مودي” خلال فترة حكمه على مدار عشر سنوات العديد من الإنجازات، ففي عام 2013، قبل توليه السلطة، حدد بنك مورجان ستانلي الهند ضمن مجموعة من اقتصادات الأسواق الناشئة الضعيفة “الخمس الهشة”، لكن بعد مرور عشر سنوات من حكم “مودي” أصبحت الهند واحدة من أسرع الاقتصادات الكبيرة نموًا في العالم؛ ففي الفترة 2014: 2022 نما الناتج المحلي الإجمالي للهند بمتوسط قدره 5.6% من حيث معدل النمو السنوي المركب، ليصبح الاقتصاد الهندي من أسرع الاقتصادات نموًا  في العالم.

ووفقًا لموقع الإحصاءات “ستاتيستا”، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للهند نحو 3.73 تريليونات دولار خلال عام 2023، فيما تذهب التوقعات لأن يبلغ نحو 4.1 تريليونات دولار  في 2024، وخلال أعوام 2025 و2026 و2027 نحو 4.5 و4.9 و5.4 تريليونات دولار على التوالي.

وفي هذا الصدد، نجد “مودي” يؤكد خلال حملته الانتخابية أن الهند ستصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم خلال الفترة الثالثة لولايته، وخلال خطابه بعيد الاستقلال العام الماضي قدم مودي تعهدًا طموحًا بأن تصبح “الهند اقتصادًا متقدمًا بحلول عام 2047، عندما تحتفل بمرور مائة عام على تأسيسها”، كما يركز في حملته الانتخابية على استعراض إنجازاته في تحقيق النمو والحد من الفقر وتطوير البنى التحتية، واستعرض خططه الاقتصادية لتعزيز اقتصاد الهند، وعزمه اتخاذ العديد من القرارات التي من شأنها مساعدة الاقتصاد  على  النمو بوتيرة أسرع.

وقبل إجراء الانتخابات العامة، التقى “مودي” بحكومته لمناقشة خارطة الطريق لتحقيق “فيكسيت بهارات” أو الهند المتقدمة بحلول عام 2047، بالإضافة لجدول أعمال أول مائة يوم للحكومة في الولاية الثالثة حال فوزه في الانتخابات. وعلى الرغم من عدم نشر أي تفاصيل أو خطط بهذا الشأن، إلا أن أغلب التكهنات تشير إلى أن خارطة الطريق تحتوي على مخطط شامل يتضمن رؤية وطنية وأهدافًا ونقاط عمل واضحة المعالم، وتشمل أهدافها مجالات مثل النمو الاقتصادي، وأهداف التنمية المستدامة، وتسهيل ممارسة الأعمال التجارية، واستكمال تحسين البنية التحتية، والرعاية الاجتماعية، والتقدم التكنولوجي، والتي تأتي ضمن الوعود المتضمنة في خطاب حزب “بهاراتيا جاناتا” والتي تعكس استمرار سياسات “مودي” السابقة. ومن أبزر القطاعات المتوقع أن تحظى بأولوية “مودي”  في الولاية الثالثة ما يلي:

  1. دعم الصناعة المحلية:  

ركز “مودي” خلال فترة حكمه  على  دعم الصناعة الوطنية، وأطلق عام 2014 مبادرة “صنع  في الهند”، ليصبح قطاع الصناعة  في الهند واحدًا من أهم القطاعات الجاذبة للاستثمارات المباشرة بين دول العالم، حيث تستهدف الهند تنمية وتقوية القطاع الصناعي لينافس نظيره الأمريكي والصيني، بحيث تصبح الهند مركزًا صناعيًا واعدًا  على  الصعيد الدولي، هذا إلى جانب الأهداف الأخرى مثل زيادة معدل الصادرات الهندية وكذلك خلق المزيد من فرص العمل والتي تشكل تحديًا كبيرًا للحكومة الهندية.

لذا؛ تستهدف حكومة “مودي” زيادة نسبة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي للهند لتصل لنحو 25% بحلول عام 2025، ومن المتوقع نمو التصنيع الذي يمثل 17% من الناتج المحلي الإجمالي الهندي بنحو 6.5% خلال العام المالي الجاري، مقابل نمو بنسبة 1.3%  خلال العام الماضي.

وتزامنًا مع تزايد وتيرة الإنفاق على التنمية في البنى التحتية لاسيما الطرق والموانئ والمطارات،اتخذ “مودي” العديد من الخطوات والحوافز لجذب الشركات العالمية لتأسيس مصانع في الهند، ومن أبرزها Apple Inc وSamsung Electronics Co ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الهند قامت هذا العام بتخفيض التعريفات الجمركية على العديد من مكونات الأجهزة المحمولة لتعزيز الإنتاج ومنح الصادرات القدرة على المنافسة، فيما دعت قطاعات صناعية أخرى لتخفيض رسوم استيراد مكونات الإنتاج ومنها المنسوجات والجلود والسلع الهندسية.

وتعمل الهند على إبرام اتفاقيات تجارية مع المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج لتعزيز الصناعة المحلية وخلق فرص العمل، وتحقيق هدف ناريندرا مودي بزيادة قيمة الصادرات الهندية إلى تريليون دولار بحلول عام 2030، حيث وصلت مباحثاتها التجارية مع المملكة المتحدة إلى مراحلها النهائية، بينما تستمر مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، كما وقعت الهند اتفاقًا تجاريًا مع أستراليا والإمارات، ووقعت اتفاقًا آخر مع بلدان رابطة التجارة الحرة الأوروبية “سويسرا والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين”، والذي يتضمن استثمارات لهذه الدول الأربعة بالهند تصل إلى 100 مليار دولار على مدى 15 عامًا.

لذا؛ في إطار دعم “مودي”  لمشروعه الاقتصادي “صنع  في الهند”، لزيادة التصنيع المحلي، ونمو الصادرات وخلق فرص العمل، يشير تقرير صادر عن بنك”UBS” يو بي إس لتوقعاته بقيام حكومة “مودي”  في الولاية الثالثة بتعزيز الصناعة بقوانين جديدة طموحة، وإصلاحات ضريبية، وحوافز جديدة، واتفاقيات تجارية، وإصلاحات في مجال توطين الصناعة والرسوم والتعريفات الجمركية لتعزيز سهولة ممارسة الأعمال التجارية والإنفاق الرأسمالي الخاص وكذلك جذب الاستثمار الأجنبي.

ووفقًا لتصريحات وزيرة المالية نيرمالا سيتارامان أن عددًا من الإصلاحات لدعم الصناعة المحلية ستتصدر أولويات جدول أعمال حكومة “مودي” في ولايتها الثالثة، حيث ستشمل هذه الإصلاحات جميع عناصر الإنتاج، بما في ذلك “تغيير قوانين حيازة الأراضي للصناعة، والعمالة – حيث توجد قوانين للعمل تم إقرارها ولكن لم يتم تنفيذها بعد قد تدخل حيز التنفيذ، مما يسهل على الصناعة توظيف الأشخاص وخلق المزيد من فرص العمل، هذا إلى جانب الحديث عن خطة حوافز مرتبطة بالوظائف لقطاع التصنيع وكذلك قطاع الخدمات، فضلًا عن البنية التحتية العامة، والبنية التحتية الرقمية، ودعم رأس المال”، ستتصدر أولويات جدول أعمال حكومة “مودي”  في ولايتها الثالثة.

فيما يشير أرفيند فيرماني-عضو وكالة Niti Aayog لصنع السياسات الحكومية-، إلى أن حكومة “مودي” ستستهدف القطاعات الموجهة للتصدير، والتي تواجه رسوم استيراد عالية مما يضر بقدرتها التنافسية، كما ستركز على تحسين خطط الحوافز المرتبطة بالإنتاج، وتحديد القطاعات التي يمكن خفض الرسوم الجمركية فيها.

  • الصعود للعالمية  في مجال تكنولوجيا المعلومات وصناعة الرقائق:

تهدف حكومة “مودي” إلى جعل الهند مركزًا عالميًا لتصنيع الإلكترونيات، وتركز بشكل خاص  على  صناعة أشباه الموصلات، إذ تُعد الهند قوة ناشئة  في صناعة أشباه الموصلات، كما تعطي الهند أهمية كبري لأولوية الاستثمار في أشباه الموصلات نظرًا لخلقها للعديد من فرص العمل ذات القيمة المضافة العالية والأجور المرتفعة، بجانب تقليل حجم الاستيراد لمنتجات أشباه الموصلات. ووفقًا لتصريحات أشويني فايشناو، وزير الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات والسكك الحديدية والاتصالات في الهند، تسعى حكومة “مودي” إلى أن تكون الهند من بين أكبر خمسة منتجين لأشباه الموصلات  في العالم خلال الأعوام الخمس المقبلة.

وتتجلى أجندة “مودي” للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتحقيق النمو الاقتصادي  في الدفعة الكبيرة التي يقدمها لدعم صناعة أشباه الموصلات، ودعم وتشجيع المصنعين على إنشاء مصانع  في الهند، وقد أطلق “مودي”  في ديسمبر عام 2021 برنامجًا حكوميًا استراتيجيًا لتطوير النظام البيئي لإنتاج أشباه الموصلات وشاشات العرض، وهو البرنامج الذي مُنح دفعة كبيرة، بتدشين “مودي” مؤخرًا في مارس الماضي، حجر الأساس لثلاثة مشاريع لأشباه الموصلات بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 1.250 مليار روبية، نحو 14.8 مليار دولار.

على أن يبدأ الإنتاج بهذه المصانع خلال 100 يوم، وستكون مخصصة للإنتاج والتجميع وسيتم بناؤها في ولايات جوجارات، وفي دوليرا وساداناند، وفي آسام،  في ماريجاون، لذا؛ تمنح حكومة “مودي” أولوية كبيرة لتصنيع أشباه الموصلات بها من خلال العديد من الحوافز والمزايا، كما ستعمل الحكومة أيضًا على تشجيع الصناعات المساعدة الأصغر حجمًا لبناء نظام بيئي كامل لأشباه الموصلات في الهند.

ومن المتوقع أيضًا أن تركز حكومة “مودي” خلال الولاية القادمة على صناعة الفضاء والتي نمت بشكل سريع خلال الفترة الماضية حيث أصبحت الهند واحدة من أربع دول فقط هبطت مركبتها الفضائية على سطح القمر وأول دولة تصل إلى القطب الجنوبي له، وبأقل تكلفة عن باقي الدول. ويوظف “مودي” هذه الميزة للترويج لصناعة الفضاء الخاصة  في الهند، وتشجيع العالم على الاستثمار فيها، لاسيما وأن كلفة برنامج الفضاء الهندي أقل كثيرًا من كلف الدول الغربية.

وفي سياق متصل، ستمنح حكومة مودي الأولوية لمنح العديد من المزايا لتشجيع الشركات الناشئة الصغيرة، بجانب التركيز على تقديم دعم أكبر لقطاعات التكنولوجيا الأخرى مثل الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، وقد وافقت حكومة “مودي” مؤخرًا على تمويل لتوفير رأس المال للشركات الناشئة وجذب أفضل المواهب، من بين خطط أخرى لصناعة الذكاء الاصطناعي في الهند، كما تهدف الحكومة إلى إضافة بنية تحتية لحوسبة الذكاء الاصطناعي.

  • استكمال مشروعات البنية التحتية:

البنية التحتية هي العمود الفقري للتجارة المحلية والدولية والإنتاج الصناعي والزراعي، إذ تُعد الإطار التنظيمي والمادي الأساسي اللازم لتشغيل الشركات بنجاح، وتسهيل حركة النقل والتصدير، هذا إلى جانب أهميتها لجذب الاستثمار الأجنبي لاسيما الشركات العالمية الضخمة، وقد استهدف “مودي” فور توليه الحكم 2014، استراتيجية ضخمة لتطوير البني التحتية  في الهند  في إطار هدفه لتعزيز نمو اقتصاد الهند وزيادة الصادرات وجذب الاستثمارات، وتحسين الخدمات اللوجستية وتحسين سهولة ممارسة الأعمال التجارية.

لذا؛ بالنسبة “لمودي” يعد تحسين البنى التحتية لاسيما شبكة الطرق والسكك الحديد والتي تتضمن الربط بالموانئ والمطارات، وغيرها أمرًا شديد الأهمية، فعلى الرغم من الطفرة التي حققها مازالت الكلفة اللوجستية للنقل تفوق معدلاتها  في بلدان أخرى مما يشكل أعباء أكثر وصعوبة  على  المصدرين الهنود للمنافسة العالمية، هذا إلى جانب استمرار معدلات الزيادة السكانية الهائلة  في الهند والتي تتطلب زيادة تطوير البنى التحتية والتوسع  في تغطية العديد من المناطق الحضرية، إذ من المتوقع أن يزيد عدد سكان مدن الهند من 498 مليون نسمة إلى ما بين 850 و900 مليون نسمة بحلول عام 2050.

لذا؛ من المتوقع أن تستمر استراتيجية تعزيز البنية التحتية في اكتساب أهمية كبيرة لدى “مودي” في ولايته الثالثة، فوفقًا لتصريحات رئيس وزراء الهند “سيتم تسرع وتيرة تنفيذ مشاريع البنية التحتية عدة مرات في السنوات الخمس المقبلة لجعل الهند ثالث أكبر اقتصاد  في العالم”، لذا؛ يتوقع أن تزيد الحكومة الإنفاق على البنية التحتية لنحو 10 تريليون روبية هندية “120.5 مليار دولار”، أو أكثر من 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي  في العام الحالي، مع زيادة متوقعة لنسبة 20%  في العام المالي  2024/25.

وفي السياق نفسه، وانطلاقًا من أهمية البنية التحتية كمفتاح للازدهار والنمو الاقتصادي المستدام، من المتوقع أن تظل السكك الحديدية والطرق السريعة على رأس جدول أعمال حكومة “مودي”، وهو ما يعني تعزيز النمو لجميع القطاعات ذات الصلة مثل المعادن والفلزات وغيرها، وتزامنًا مع مواصلة حكومة “مودي” تعزيز قطاع السكك الحديدية، فإنها ستحاول أيضًا تصدير قطارات “فاندي بهارات السريع” المصممة والمصنعة محليًا، مما يعزز النمو المستدام لقطاع السكك الحديدية المرتبط بالتصدير.

  • دعم الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة:

تعهدت الهند خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ ” COP 21″، عام 2015، أنها بحلول عام 2030، ستخفض مستوى الانبعاثات الكربونية  في اقتصادها بنسبة تتراوح ما بين 33: 35%، كما تعهدت في قمة المناخ “COP 26” عام 2021، للوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2070، وذلك عبر دعم الحكومة للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، هذا إلى جانب إجراء العديد من الإصلاحات والسياسيات لتحقيق هذا الهدف.

كما عملت حكومة الهند على زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وزيادة قدراتها من الطاقة المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، هذا إلى جانب إدخال تعديلات على قانون ترشيد استهلاك الكهرباء الصادر بنهاية عام 2022، والذي نص على وضع حد أقصى لانبعاثات الكربون واستهلاكه من قبل كبار المستهلكين، كما أعلن “مودي” قبيل إجراء الانتخابات عن مشروع للطاقة الشمسية على أسطح المنازل، فيما يتعهد حزب “بهاراتيا جاناتا” بدعم انتقال صناعة السيارات في الهند إلى تصنيع السيارات الكهربائية.

وقد ارتفع حجم الاستثمارات بقطاع الطاقة المتجددة في الهند بأكثر من 125% على أساس سنوي، ليصل إلى 14.5 مليار دولار في العام المالي 2022، وارتفع حجم الاستثمارات الأجنبية التي جذبها قطاع الطاقة المتجددة  في الهند بشكل كبير، واحتل مركزًا بين أكبر خمسة قطاعات حصلت على تمويلات استثمارية أجنبية خلال عام 2023.

وفي هذا الصدد؛ نلاحظ أن الإصلاحات الحكومية خلال عهد “مودي” أدت إلى تحسين ظروف استثمارات الطاقة المتجددة، إلى جانب خفض تكاليفها بنسبة كبيرة، لذا؛ من المتوقع أن يكون التركيز الرئيسي لمودي وحكومته في الولاية الثالثة المحتملة هو الاستمرار  في دعم قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية وصناعة المركبات الكهربائية، هذا إلى جانب دعم الاستثمار في مشروعات تقنيات الطاقة المتجددة مثل الهيدروجين الأخضر، وأنظمة بطاريات تخزين الكهرباء والرياح البحرية.

بجانب إطلاق المزيد من الإصلاحات لجذب المزيد من الاستثمارات من شركات الطاقة المتجددة المحلية والعالمية، والتي تشمل مخطط ممر الطاقة الخضراء، وخطط الحوافز المرتبطة بالإنتاج وخصخصة شركات توزيع الكهرباء الحكومية، حيث تهدف الهند إلى دمج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع في شبكة الكهرباء بحلول عام 2030؛ وزيادة قدرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى 280 و140 جيجا واط على التوالي بحلول عام 2030، وهو ما يتطلب استثمارات تراكمية تبلغ 155 مليار دولار للطاقة الشمسية و86 مليار دولار للرياح بين عامي 2020 و2029.

علاوة على ذلك؛ تهدف الهند للوصول لسعة إنتاجية من الهيدروجين الأخضر تتجاوز 5 ملايين طن سنويًا بحلول عام 2030؛ مما يؤدي لتوفير أكثر من 0.6 مليون فرصة عمل وخفض ما يقرب من 50 مليون طن سنويًا من انبعاثات الغازات الدفيئة.

وأصدرت الحكومة سياسة جديدة للسيارات الكهربائية لجذب المستثمرين العالميين الكبار  في هذا القطاع للسوق الهندية، وأعلنت عن تعريفات ميسرة لشركات صناعة السيارات الكهربائية العالمية مثل تسلا، ومنها تخفيض الرسوم الجمركية، كحافز لإنشاء مصانعها في السوق الهندي، لذا؛ سيعمل مودي على الاستمرار في هذه السياسيات وتقديم المزيد من الحوافز لكبار المستثمرين العالميين في هذا القطاع للاستثمار في السوق الهندي، هذا إل جانب الاستمرار في التوسيع في البنية التحتية للشحن وإنتاج البطاريات.

وختامًا: يرى العديد من الناخبين أن ناريندار مودي يقود الهند للأمام ويعمل على تحقيق التنمية المستدامة للهند، فيما تشير أغلب التوقعات واستطلاعات الرأي لترجيح فوز “مودي” بولاية ثالثة، لكن تبقى قضية حجم المشاركة في الانتخابات، وعدد المقاعد الذي سيحصل عليها حزبه وتحالفه السياسي مثار العديد من التكهنات والتوقعات بشأن مستقبل الهند خلال السنوات القادمة، ففي حال فوز مودي وحزبه بأغلبية ساحقة في البرلمان تعادل ثلثي البرلمان أو أكثر، سيمكنهم هذا من تعديل الدستور الهندي، كما سيسهل عليهم الاستمرار  في تنفيذ اجندة الإصلاح الاقتصادي، والاستمرار في سياساتهم بأريحيه دون اعتراضات معوقة من المعارضة بداخل البرلمان.

وفي ظل التحديات التي تواجه حكومة “مودي” لاسيما المتعلقة بالبطالة والفقر وتحقيق العدالة  في توزيع الدخل، والاستمرار في تنفيذ استراتيجيات تطوير البنى التحتية، هذا إلى جانب الوفاء بالتعهدات الطموحة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي بأن تصبح الهند ثالث اقتصاد في العالم بحلول عام 2027، وتصبح دولة متقدمة في بحلول عام 2047، سيحتاج الاقتصاد الهندي النمو بشكل أسرع من معدله الحالي من أجل تحقيق هذه الأهداف والعمل  على مواجهة التحديات الملحة.لذا؛ يتوقع أن يقوم مودي حال فوزه في الانتخابات بولايته الثالثة، بالعمل نحو المزيد من التقدم  في مجال الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات وصناعة أشباه الموصلات، واستمرار دفع السياسات نحو تعزيز التصنيع المحلي وزيادة الصادرات، مع توقع تزايد الإصلاحات بشأن التحول إلى الطاقة النظيفة، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية “الرقمية والمادية”، هذا إلى جانب الدفع بمبادرات تستهدف أكثر الشباب والفقراء والنساء والمزارعين.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/81466/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M