التصحر.. مشكلة تزداد حدتها بسبب التفريط

حيدر الحيدر الاجودي

شغل مفهوم التصحر تفكير الباحثين المهتمين، فهي مشكلة بيئية عالمية، تسببها الممارسات البشرية العشوائية والعوامل الطبيعية الى حد ما، وقد اصاب التصحر حوالي ثلث مساحة الكرة الارضية ويؤثر على حياة سدس سكانها، فمعظم بلدان العالم مهددة بالتصحر لأن عملية تدهور الاراضي يمكن ان تنتشر بسرعة كبيرة كالنار في الهشيم الى الاراضي المجاورة لها، والتصحر حسب تعريف اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة التصحر هو: “تردي الأراضي المنتجة في المناطق القاحلة او الجافة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، هذا التردي ينتج عن عدة عوامل منها التغيرات المناخية والانشطة البشرية”.

 اسباب التصحر

يعتبر التصحر مشكلة معقدة ومتداخلة حيث يشترك في صنعها مجموعة من الاسباب التي تتباين بين اسباب بشرية من ناحية وطبيعية من ناحية اخرى، ويمكن القول ان التصحر مشكلة بشرية بالدرجة الاولى، لذلك يطلق على المناطق المتصحرة (صحراء الانسان)، وان الطبيعة لوحدها غير مسؤولة عن تكوينها، وليس ادل على ذلك ان العوامل الطبيعية لم تتغير تغيرا جوهريا خلال هذا القرن الذي شهد تزايد حدة التصحر واتساع دائرته بشكل واضح في كثير من البيئات، فالبيئة خلقها الله تعالى متوازنة وقادرة على مواجهة الاستخدام البشري طالما ظل هذا الاستخدام في صورة سليمة وغير ضاغطة.

ومع ذلك يمكن القول بأن مسببات التصحر تنقسم الى مجموعتين:

 المجموعة الاولى: اسباب بشرية

حيث توجد العديد من هذه الاسباب التي تؤدي الى خلق مشكلة التصحر وتزايدها منها:

– الزيادة السكانية السريعة: تشير الاحصاءات السكانية الى ان معدلات النمو السكاني في المناطق الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة، وبصفة خاصة في الدول النامية تتراوح بين 2-4% سنويا اي بمعدل يبلغ في المتوسط 2.5% سنويا وهو معدل نمو سكاني مرتفع له القدرة على مضاعفة عدد السكان في هذه المناطق في فترة زمنية قياسية تتراوح ما بين 20-30 سنة، وهو معدل نمو سريع يفرض نفسه بشدة على موارد هذه المناطق الحيوية بما يعجل ببروز مشكلة التصحر وانتشارها واشاعتها، اذ يضطر السكان مع ضغط متطلباتهم الاساسية المتزايدة من غذاء ووقود ومساكن الى توسيع دائرة نطاق استخداماتهم الريفية وتكثيفها مما يدفعهم هذا الامر –بالضرورة- الى التحرك نحو مناطق جديدة اكثر ما تكون هامشية تشتد فيها درجة حساسية هذه النظم لأي ضغط استغلالي حتى لو كان محدودا على مواردها الحيوية مما يجعلها هدفا للتصحر السريع خاصة مع اي ذبذبة مطرية.

– الرعي الجائر: والمقصود به تحميل المراعي الطبيعية بأعداد كبيرة من الحيوانات التي لا تتفق وطبيعة المرعى، والذي يؤدي الى اختفاء الحشائش المفضلة للحيوان، والرعي الجائر لمدة طويلة يؤدي الى تدهور البيئة، ويتبع ذلك تدمير شامل للغطاء النباتي، وبمجرد ان يزال الغطاء النباتي يحدث الخراب الدائم، نظرا لان التربة بدونه تتعرض للتعرية بسرعة حيث يؤدي تعريتها من جراء الرعي المفرط الى مضار غير مباشرة كذلك، منها تدهور قيمة موارد المياه السطحية نتيجة لما يصيبها من جراء ارسابات الوحل والطين المنجرفة اليها من المنحدرات المتعرضة للرعي والتعرية، وضعف القدرة البيولوجية للبيئة على التعويض او التجديد.

– الاستخدام الزراعي السيء للأراضي: ويعني استخدام الاراضي للأغراض الزراعية بما لا يتناسب مع قابليتها الانتاجية ويتمثل ذلك في عدة مجالات منها: (أ) الزراعة المكثفة وغير السليمة، اي بمعنى تكثيف الاستخدام الزراعي او تحميل التربة بمحاصيل (كما ونوعا) تفوق قدراتها البيولوجية. (ب) زراعة الاراضي الهامشية او المناطق الحدية، وهو ما يطلق عليه الضغط الزراعي بمعنى التوسع في مناطق الزراعة المطرية على حساب ارض المرعى، وهي عادة ما تكون في مناطق هامشية بالنسبة للنشاط الزراعي حيث تمتلك قدرات انتاجية بيولوجية محدودة لا تقوى على مواجهة الزراعة لعدة سنوات متتالية، والمحصلة الطبيعية لهذا التوسع الزراعي في مثل هذه المناطق حدوث ضغط على مكونات البيئة الحيوية فيها والتعجيل بتدهور التوازن الايكولوجي واشاعة التصحر. (ج) استخدام الاراضي الزراعية لإقامة المنشآت الصناعية والاقتصادية والسكنية.

– قطع الاشجار وتدمير الغابات: وهو فعل اخر للإنسان يؤدي الى التصحر نتيجة قطع الاشجار لاستعمالها في الوقود والبناء وفي صناعة المعدات الزراعية، كما تستعمل الاوراق والاغصان الرقيقة في غذاء الحيوان، اما الفروع والاغصان الغليظة فيصنع منها الفحم كما تستعمل في اقامة مصدات الرياح حول المزارع، كما ادى استغلال جديد للأخشاب الى كميات هائلة من الحرارة يتم الحصول عليها من حرق الاخشاب.

المجموعة الثانية: اسباب طبيعية

بعد عرض الاسباب البشرية التي لها التأثير الأكبر في إحداث التصحر لما يسببه الانسان من جراء تصرفه غير السليم او عدم ترشيده عند التعامل مع الموارد الطبيعية في الزراعة والرعي او قطع الغابات، فأن الاسباب الطبيعية وخاصة المناخية اصبحت بدورها مساندة لعملية التصحر وتتمثل هذه الاسباب الطبيعية في كل من:

– الظروف المناخية: المناخ على مدى زمني طويل مر بتغيرات متعددة استجابة لتغيرات في المؤثرات الخارجية والداخلية في المنظومة الجوية وتتمثل المؤثرات الخارجية في تبدلات تحدث في الطاقة الشمسية الواردة الى سطح الارض، حيث تتسبب دورة زاوية ميل محور دوران الارض حول نفسها، ودورة الحضيض الشمسي، ودورة البقع الشمسية في تباين كمية الطاقة الشمسية من فترة الى اخرى، اما المؤثرات الداخلية فتتمثل في ثوران البراكين ونشاطات الانسان المؤدية الى تبدل خصائص سطح الارض والغلاف الجوي ومن ثم المناخ، والمناطق التي تقع في دائرة التصحر، يجعل تغييرات المناخ منها مناطق ذات نظام ايكولوجي هش سريع الحساسية لأي ضغط ولو محدود على عناصر البيئة الحيوية ومنها قلة الامطار وتذبذبها.

– زحف الرمال: يلعب هذا السبب دورا مهما في اشاعة التصحر، لما يسببه من تناقص في القدرات البيولوجية للأراضي الزراعية او اختفائها نهائيا، وتدمير المراعي وتحويلها الى بحار من الرمال المتحركة وطمر الآبار، ويتأتى غبار الصحاري ورمالها من تعرية الرياح للترسبات المروحية والاخاديد والشعب الموجودة في الصحاري، فالمناخ يتفاعل مع مواد السطح فيزيائيا وكيماويا وعضويا، بمعنى تأثير تفاعل الانسان وطريقة استغلاله للأراضي نباتيا وحيوانيا وتصبح معرضة لفعل الرياح.

نتائج التصحر

تتولد عن التصحر نتائج خطيرة تطال حياة السكان الاقتصادية والاجتماعية والتوازن البيئي، الا ان هذه النتائج تكون اكثر خطورة في الدول النامية من غيرها، ومن هذه النتائج ما يلي:

– الخلل الفادح في الامن الغذائي: ان تدهور خصوبة الاراضي يؤدي الى نقص في الانتاج الزراعي النباتي والحيواني، مما يؤدي الى نقص كبير في توفير المواد الغذائية لسكان تلك المناطق التي اصابها التصحر، وبالتالي تأثيرها على المناطق المجاورة لها والتسبب بأزمات غذائية نتيجة العرض والطلب دون تعويض.

– التأثيرات الاجتماعية: يؤدي تدني المردود الزراعي او فشله وتدهور المرعى وزحف وتشكيل الكثبان الرملية ونضوب مصادر المياه الى هجرة السكان من مناطق عيشهم سواء هجرة مؤقتة او دائمية وهذه الهجرة تزيد الضغط على استثمار الموارد الطبيعية في الاماكن التي تكاد لا تقدر على تلبية السكان المحليين مما يؤدي الى التنافس بين النازحين والمقيمين ويؤدي ذلك الى خلق مشاكل اجتماعية جديدة.

– اختلال التوازن البيئي: يضم المحيط الحيوي وحدات يربط بينها توازن بيئي دقيق بين الكائنات الحية (الانسان والحيوان والنبات) وعناصر غير حية (التربة والماء والهواء) وطاقة وقوى (طاقة الشمس وقوى الرياح والمياه الجارية والامواج والتيارات البحرية) ويجمع بين هذه العناصر عمليات بيئية وحيوية تنظم العلاقات بينها وتستوفي الترابط بينها في اطار من التوازن الذي يحافظ على النظام البيئي وصحته، وعندما تتعرض هذه النظم البيئية الى تخلخل نتيجة تدخل الانسان فأنها ستؤدي الى الاخلال بهذا التوازن ويكون هش سريع الانهيار والاضمحلال.

– استنزاف الموارد الطبيعية: في حالة تعرض اية منطقة الى التصحر، فأن هذا يعني البدأ بإستنزاف مواردها الطبيعية المتمثلة بالمياه والتربة والنبات والمراعي، فالماء تنحسر كمياته وتسوء نوعيته (تصبح رديئة غير صالحة للاستعمال) بما فيها سقي المزروعات، كما ان التربة تخسر وتصبح غطاء رقيقا يسهل جرفه وتزيد ملوحتها فتكون عنصرا ضارا للنبات.

من الاسباب التي اوردناها البشرية والطبيعية التي لها التأثير في ازدياد حدة التصحر، قد اصبحت هذه المشكلة تهدد الحياة الاجتماعية والاقتصادية بشكل مخيف، لكون البيئة اصبحت متدهورة بسبب تعرضها للانجراف الهوائي ووجود الكثبان الرملية المتحركة التي اصبحت العنصر الاساسي الذي يشكل خطرا كبيرا على البلاد مهددا كافة المناطق السكنية والمشاريع التنموية والطرق.

 

.

رابط المصدر:

https://www.mcsr.net/news779

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M