التكيف مع التحديات: “داعش” من عملية “كايلا مولر” إلى زلزال سوريا

تقى النجار

 

مثلت عملية مقتل “أبو بكر البغدادي” (زعيم تنظيم داعش السابق) في أكتوبر 2019، والتي حملت اسم “كايلا مولر”، تحديًا كبيرًا واجه التنظيم حيث تصاعدت الأطروحات التي تبنت توقعات تؤكد نهاية التنظيم وتفككه، غير أنه استطاع تجاوز هذا التحدي وغيره من تحديات أخرى متعلقة باستهداف قياداته، فقد نجح بفضل مرونته وقدرته على التكيف في الحفاظ على نشاطه، وكذا عمل على استغلال الأزمات والتحديات التي تواجه الدول من أجل تعزيز نفوذه، إذ تبنى حوالي (2959) عملية خلال عام 2020، مقارنة بحوالي (2700) عملية خلال عام 2021، وحوالي (2015) عملية خلال عام 2022.

وعلى الرغم من تراجع عدد العمليات التي تبناها التنظيم بين (2020-2022) إلى أن هذا لا يشير إلى تراجع تهديده، ففي الوقت الذي شهدت معاقله الرئيسية تقلص نفوذه، فقد تمكن من توسيع نشاطه في ساحات أخرى. ومن ثم يستدعي هذا المشهد تفكيك ملامحه عبر استعراض نشاط تنظيم “داعش” في مرحلة ما بعد “البغدادي” في الفترة من (2020-2022) سعيًا لتقديم قراءة لمسارات عمله في المرحلة القادمة.

نشاط “داعش” بين (2020-2022)

يُمكن الوقوف على أبرز ملامح نشاط تنظيم “داعش” بين (2020-2022) عبر استعراض عملياته في مناطق نفوذه المختلفة، وذلك على النحو التالي:

الشرق الأوسط:

أعلن تنظيم “داعش” تبنيه ما يقرب من (1424) عملية في العراق خلال عام 2020، وتركز معظمها في محافظة ديالى التي شهدت حوالي (493) عملية، تلتها محافظة كركوك التي شهدت حوالي (239) عملية، ثم محافظة الأنبار التي شهدت حوالي (169) عملية، ومحافظة صلاح الدين التي شهدت حوالي (126) عملية

وذلك بالمقارنة بحوالي (1113) عملية تبناها التنظيم خلال عام 2021 في العراق، حيث تركزت في محافظة كركوك التي شهدت حوالي (305) عملية، تلتها محافظة ديالى التي شهدت حوالي (292) عملية، ثم محافظة صلاح الدين التي شهدت حوالي (145) عملية، ومحافظة الأنبار التي شهدت حوالي (124) عملية.

في حين تبنى حوالي (487) عملية خلال عام 2022، وتركزت معظمها في محافظة كركوك التي شهدت حوالي (193) عملية، تلاها محافظة ديالى التي شهدت حوالي (122) عملية، ثم محافظة الأنبار التي شهدت حوالي (53) عملية، ومحافظة صلاح الدين التي شهدت حوالي (29) عملية (انظر الشكل 1). وبصفة عامة، استهدفت معظم عمليات التنظيم في العراق بين (2020-2022) قوات الجيش العراقي، والحشد الشعبي، والحشد العشائري، بجانب عدد من المسئولين الحكوميين.

وقد ذكر التقرير الحادي والثلاثين لفريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات المعني بتنظيمي “داعش” و”القاعدة “الصادر عن الأمم المتحدة في فبراير 2023 أنه على الرغم من تراجع وتيرة الهجمات في العراق في عام 2022 عن العامين الماضيين، إلا أنه حافظ على قدرته على تنفيذ هجمات هناك، ولفت التقرير إلى أن زعيم التنظيم الحالي في العراق “أبو خديجة العراقي”(عبد الله مكي مصلح الرفيعي) يتبع استراتيجية الاختفاء النسبي بهدف إعادة البناء والتعافي مما تكبده من خسائر.

شكل (1)

أبرز عمليات “داعش” في العراق بين (2020-2022)

أما في سوريا فقد تبنى التنظيم ما يقرب من (581) عملية خلال عام 2020، حيث تركز معظمها في محافظة دير الزور التي شهدت حوالي (385) عملية، تلاها محافظة الرقة التي شهدت حوالي (52) عملية، ثم محافظة الحسكة التي شهدت حوالي (38) عملية، ومحافظة حمص التي شهدت حوالي (37) عملية، وذلك مقارنة بما يقرب من (366) عملية تبناها في سوريا خلال عام 2021، تركز معظمها في محافظة دير الزور التي شهدت حوالي (193) عملية، تلتها محافظة الرقة التي شهدت حوالي (54) عملية، ثم محافظة حمص التي شهدت حوالي (42) عملية، ومحافظة الحسكة التي شهدت حوالي (42) عملية

بينما تبنى حوالي (277) عملية خلال عام 2022، تركز معظمها في محافظة دير الزور التي شهدت حوالي (161) عملية، تلاها محافظة الرقة التي شهدت حوالي (58) عملية، ثم محافظة الحسكة التي شهدت حوالي (38) عملية، ومحافظة حوران التي شهدت حوالي (15) عملية. (انظر الشكل 2).

وبصفة عامة استهدفت معظم عملياته هناك بين (2020-2022) قوات سوريا الديمقراطية، وقوات النظام السوري، بجانب عدد من المدنيين المتعاونين مع القوات الأمني. وقد لفت التقرير سالف الذكر إلى أن هناك انتشار للخلايا التابعة لتنظيم في مختلف أنحاء سوريا بما في ذلك الجنوب السوري، وأكد التقرير على استمرار أهمية البادية السورية بالنسبة له، إذ تعد ساحة للتدريب وإعادة توحيد صفوفه.

شكل (2)

أبرز عمليات “داعش” في سوريا بين (2020-2022)

وبالنسبة لليبيا تبنى التنظيم حوالي (9) عمليات خلال 2020، بالمقارنة بحوالي (4) عمليات خلال عام 2021، وبحوالي (3) عمليات خلال عام 2022، وفي الوقت الحالي يواجه تحديات في ليبيا على خلفية الضربات التي وجهه لمواقعه في الجنوب الليبي، والتي أسفرت عن القضاء على عدد من قياداته، وقد لفت التقرير ذاته إلى قيام زعيمه الحالي في ليبيا “عبد السلام درك الله” بتغيير استراتيجية انتشار التنظيم في الجنوب الليبي، حيث قسم عناصره إلى 6 خلايا رئيسية تتكون من 30 أو 40 فردًا، وتنتشر في مدن في الجنوب بما في ذلك فزان وسبها ومرزق وأم الأرنب وأوباري وغدوة والفقهاء فضلًا عن وجوده في بعض المناطق الجبلية كالجبل الأسود، وجبال أكاكوس وذلك سعيًا إلى التكيف مع السياق الحالي.

وبالانتقال إلى المشهد في اليمن، نجد أن التنظيم تبنى حوالي (66) خلال عام 2020، بينما لم يستطع تنفيذ أي عملية في اليمن خلال عام 2021، فحين أنه تبنى حوالي عملية واحدة هناك خلال عام 2022. (انظر الشكل 3). وبصفة عامة يشهد وضع التنظيم في اليمن تراجع على خلفية استمرار نفوذ تنظيم “القاعدة”، حيث تتواجد عناصر الأول في شكل خلايا نائمة في محافظتى البيضاء وعدن، بينما تتواجد قياداته في ملاذات امنة في شبوة ومأرب.

شكل (3)

أبرز عمليات “داعش” في الشرق الأوسط بين (2020-2022)

أفريقيا:

صَعّد تنظيم “داعش” من عملياته في أفريقيا في ضوء توجهه الاستراتيجي بإعادة التموضع في ساحات جديدة، حيث عزز من نشاط “ولاية غرب أفريقيا” بتبنيه عدد من العمليات في الدول الواقعة في منطقة الساحل منها (مالي، ونيجيريا، والنيجر، والكاميرون، وتشاد) إذ تبنى حوالي (393) عملية خلال عام 2020، مقارنة بحوالي (483) عملية خلال عام 2021، وحوالي (544) عملية خلال عام 2022. كذلك أعلن عن تأسيس “ولاية الساحل” في مارس 2022، والتي تبنت حوالي (19) في العام ذاته. ويشير تقرير الأمم المتحدة سالف الذكر إلى زيادة قوه ومرونة التنظيم في غرب أفريقيا، ناهيك عن سعيه إلى التمدد عبر توسيع نطاق هجماته لتشمل منطقة غاو والضفة الغربية لنهر النيجر، ومناطق أخرى باتجاه شمال بوركينافاسو.

وفي سياق متصل، عمل التنظيم على إثبات وجود “ولاية وسط أفريقيا” عبر زيادة تهديد موزمبيق والكونغو الديمقراطية وذلك بتبنيه حوالي (91) عملية خلال عام 2020، مقارنة بحوالي (185) عملية خلال عام 2021، وحوالي (189) عملية خلال عام 2022، بالإضافة إلى اعلانه عن تأسيس “ولاية موزمبيق” في مايو 2002، والتي تبنت حوالي (127) عملية في العام ذاته. ما يمثل تهديد لموارد الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، والتي تعتبر ثالث أكبر احتياطيات في أفريقيا، حيث اكتسبت أهمية جديدة نتيجة لتعطيل صادرات الغاز الطبيعي الأوكراني بسبب الغزو الروسي.

كذا هدف إلى استمرار نشاط “ولاية الصومال” وذلك بتبنيه حوالي (30) عملية خلال عام 2020، مقارنة بحوالي (40) عملية خلال عام 2021، وحوالي (33) عملية في الصومال خلال عام 2022 (انظر الشكل 4). وبصفة عامة، يتمركز التنظيم في الصومال في بونتلاند، غير أنه لا يمتلك القدرة على السيطرة على مساحات واسعة بسبب نفوذ حركة الشباب الصومالية.

شكل (4)

أبرز عمليات “داعش” في أفريقيا بين (2020-2022)

آسيا:

تعد أفغانستان ساحة نفوذ رئيسي لتنظيم “داعش”، حيث يقدم نفسه باعتباره العدو الرئيسي لحركة طالبان. وعليه، تبنت “ولاية خراسان” حوالي (88) عملية خلال عام 2020، مقارنة بـ (365) عملية خلال عام 2021، وحوالي (220) عملية خلال عام 2022، ومؤخرًا وسع من عملياته تجاه أهداف روسية وصينية، بهدف تصوير طالبان بأنها غير قادرة على توفير الأمن. وبصفة عامة تتمركز الخلايا الأساسية له في مقاطعات كونار ونانغارهار ونورستان الشرقيى في أفغانستان، بجانب وجود خلية كبيرة في كابول. وعلى صعيد موازٍ، استمر في محاولات التواجد في باكستان، حيث تبنى حوالي (13) عملية خلال عام 2020، مقارنة بحوالي (15) عمليه خلال عام 2021، وحوالي (18) خلال عام 2022 (انظر الشكل 5)

شكل (5)

أبرز عمليات “داعش” في آسيا بين (2020-2022)

خطابات “داعش” بين (2020-2022)

أصدر تنظيم “داعش” خلال الفترة من (2020 -2022) 6 خطابات رئيسية على لسان محدثيه الرسميين في الفترة سالفة الذكر هما: أبو حمزة القرشي، وأبو عمر المهاجر على الترتيب، إذ شهد عام 2020 إصدار ثلاثة خطابات، فجاء الأول تحت عنوان “دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها” في 27 يناير 2020، بالتزامن مع إعلان “خطة السلام الأمريكية”، حيث ركز على نقطتين رئيسيتين؛ يتعلق أولهما بتأكيده على استمرار “خلافته” المزعومة على الرغم من التحديات التي تعرض لها في الآونة الأخيرة (وذلك في إشارة إلى مقتل البغدادي). وينصرف ثانيهما إلى إعلانه تدشين مرحلة جديدة من الإرهاب، من خلال دعوة أنصاره إلى استهداف إسرائيل، حيث حاول إضفاء الشرعية على الفعل الإرهابي، عبر توظيف قضية مهمة في العالم الإسلامي، هي قضية “القدس”.

أما الثاني، فجاء تحت عنوان “وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار” في 28 مايو 2020، ومن خلاله حاول التنظيم استعراض ملامح خطواته القادمة في وقت تصاعدت فيه عملياته في مختلف ولاياته، حيث تناول ثلاثة موضوعات رئيسية؛ يتعلق أولهما بإظهار الابتهاج والشماتة لتفشي فيروس “كورونا” في الغرب، وتصويره على أنه “انتقام من الله”. وينصرف ثانيهما إلى تهديد حكومة “مصطفى الكاظمي” في العراق، متوعدًا الأخيرة ” بمواجهة مفتوحة” بعد انسحاب القوات الأمريكية. ويتصل ثالثهما بالصراع بين “داعش” و”القاعدة”، ولا سيما في منطقة غرب أفريقيا.

وورد الثالث تحت عنوان “فاقصصِ القصص لعلهم يتفكرون” في 18 أكتوبر 2020، وذلك بالتزامن مع ذكرى مقتل “أبي بكر البغدادي”، وتطرق إلى ثلاث نقاط رئيسية؛ يتعلق أولهما بدعوة أنصاره إلى استهداف المصالح الاقتصادية في دول الخليج، كذا استهداف المصالح الاقتصادية للدول الأوروبية في أفريقيا. وينصرف ثانيهما إلى إرسال رسائل دعم لأفرعهه المختلفة في أفريقيا وآسيا. ويدور ثالثهما حول البيعات الجديدة التي قامت بها جماعات إرهابية للزعيم الجديد للتنظيم “إبراهيم الهاشمي القرشي”

بينما شهد عام 2021 إصدار خطاب واحد تحت عنوان ” وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين” في 22 يونيو 2021، وقد ركز على ثلاث نقاط رئيسية؛ يتعلق أولهما بالتأكيد على بقاء دولة الخلافة على الرغم من الحملات العسكرية التي استهدفت عناصرها. وينصرف ثانيهما إلى القيام بالثناء على عناصره في المناطق المختلفة كالعراق وسوريا وخراسان والصومال وليبيا. ويتصل ثالثهما بتوجيه النداء لكل فروعه من أجل العمل على تحرير عناصره القابعة في السجون.

في حين شهد عام 2022 إصدار خطابين، إذ جاء الأول تحت عنوان “قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم” في 17 إبريل 2022، حيث ركز على على ثلاث نقاط رئيسية؛ يتعلق أولهما باستمرار التوجه الاستراتيجي للتنظيم المتعلق بالتموضع في أفريقيا، وينصرف ثانيهما إلى دعوة عناصره إلى استهدف السجون بهدف تحرير اتباعه، ويتصل ثالثهما بتحريض اتباعه على استغلال انشغال الدول الأوروبية بالحرب في أوكرانيا والتوسع في عمليات “الذئاب المنفردة” هناك.

أما الثاني فجاء بعنوان “واعتصموا بحبل الله جميعًا“، في 13 سبتمبر 2022، وقد تناول نقطتين رئيسيتين؛ يتعلق أولهما، بالتأكيد على أن أولوية التنظيم في الوقت الحالي هي تحرير أسراه. وينصرف ثانيها إلى توجيهه دعوات للانضمام لصفوفه، إذ ركزت تلك الدعوات على بعض المناطق التي له تواجد فيها منها العراق وسوريا واليمن، وعدد من الدول في شرق آسيا، وأفريقيا.

وبتحليل الخطابات الستة سالفة الذكر، يمكن القول إن هناك عدد من الرسائل الرئيسية التي حملتها هذه الخطابات؛ أولها، التأكيد على بقاء دولته المزعومة حتى مع الضغط الأمني والعسكري التي تتعرض له، إذ لازال يروج لمصطلح “باقيه” الذي دشنه منذ بداية تأسيسه. ثانيها، إيصال رسائل لعناصره سواء بغرض الثناء على نشاطهم أو بغرض توجيههم لاستهداف دول بعينها. ثالثها، التركيز على قضية تحرير الأسرى، حيث تُعد تلك القضية أولوية من أولوياته، فلم يخل خطاب من خطاباته الستة من الإشارة إليها. رابعها، توظيف الأزمات، حيث انتهز تفشي جائحة كوفيد-19 لتعزيز نشاطه، مستغًلا الضغط الأمني والصحي من ناحية، بجانب دعوته لعناصره لاستهداف الدول الأوروبية على خلفية انشغالها بالحرب في أوكرانيا من ناحية أخرى.

ملاحظات أساسية

في ضوء ما تقدم، هناك جُملة من الملاحظات الأساسية، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

الملاحظة الأولى: تُشير إلى انخفاض مدة القيادة لزعماء تنظيم “داعش”، حيث شهد التنظيم عدد من الضربات استهدفت قياداته المركزية بداية من “أبو بكر البغدادي” في أكتوبر 2019، مرورًا بـــ”إبراهيم الهاشمي القرشي” في فبراير 2022، وصولًا إلى “أبو الحسن الهاشمي القرشي” في نوفمبر 2022.

وبالنظر إلى فترة قيادة كل منهما للتنظيم نجد أن “البغدادي” استمر في قيادة التنظيم من يونيو 2014 إلى أكتوبر 2019 اي نحو 5 سنوات، ثم نصب “أبو إبراهيم القرشي” من أكتوبر 2019 إلى فبراير 2022 ليستمر قرابة عامين، وجاء “أبو الحسن القرشي”، ليقود التنظيم من مارس 2022 إلى نوفمبر 2022 ليظل في المنصب نحو ٩ أشهر فقط، كأقصر مدة قضاها زعيم للتنظيم في منصبه. الأمر الذي يعكس ضعف إمكانات التنظيم الأمنية في الوقت الحالي وعجزه عن توفير الحماية اللازمة لزعمائه.

الملاحظة الثانية: تنصرف إلى الغموض المحيط بالقيادة المركزية لتنظيم “داعش”، فمنذ تنصيب “إبراهيم الهاشمي القرشي” اتبع التنظيم استراتيجية قائمة على إخفاء هوية قياداته سعيًا لحمايتهم من أي هجوم أو استهداف. واستمر هذا النهج كتكتيك دائم مع كل من “أبو الحسن الهاشمي القرشي” الزعيم السابق، و”أبو الحسين الهاشمي القرشي” الزعيم الحالي، إلا أن التقرير الحادي والثلاثين لفريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات المعني بتنظيمي “داعش” و”القاعدة ” الصادر عن الأمم المتحدة في فبراير الجاري أشار إلى أن زعيم التنظيم السابق لديه اسمين مستعارين هما ” عبد الرحمن العراقي” و”سيف بغداد”، وأن هويته الحقيقية هي “نور الدين عبد الإله مطني”، أما بالنسبة للزعيم الحالي، فقد أكد التقرير على غياب أي معلومات متاحة حول هويته الحقيقية باستثناء كونه عراقي الجنسية

الملاحظة الثالثة: تُشير إلى التماسك الداخلي لتنظيم “داعش”، فعلى الرغم من تعاقب ثلاث قيادات على إدارة التنظيم في فترة زمنية وجيزة، ناهيك عن حالة الغموض التي تحيط بهم، إلا أن حالات البيعة من قبل معظم أفرعه توضح أن شبكة التنظيم لا زالت متماسكة، وقادرة على الاحتفاظ بترابطها الداخلي، وذلك على خلفية ما تتميز به من مرونة وتكيف، فلم يتم رصد بوادر انقسامات أو تفكك داخل معظم فروع وشبكات التنظيم، ولكن هذا لا ينفي عدم وجود خلافات داخلية في بعض الولايات.

الملاحظة الرابعة: تتبلور حول تركيز تنظيم “داعش” على استراتيجية تحرير الأسري، حيث تُعد تلك القضية أولوية من أولوياته، فلم يخل خطاب من خطاباته الرئيسية التي إصدارها في الفترة بين (2020-2022) من الإشارة إليها، حيث يسعى التنظيم إلى تعويض التراجع في صفوفه بهدف استعاده نفوذه من ناحية، بجانب زيادة رصيده الدعائي، وذلك عبر تنفيذ وعوده المتعلقة بتحرير عناصره وأتباعه من ناحية أخرى. ومن أبرز العمليات التي نفذها التنظيم تجاه السجون في الفترة سالفه الذكر، هجومه على سجنين “كانجباي” المركزي في منطقة “بيني” شرقي الكونغو في أكتوبر 2020، و”ننجرهار” المركزي شرق أفغانستان في أغسطس 2020. كذلك استهدف كل من سجن “غويران” في مدينة الحسكة السورية في يناير 2022، و”كوجي” الواقع في أطراف العاصمة النيجيرية في يوليو 2022، و”كاكوانجورا” شمال شرق الكونغو الديمقراطية في أغسطس 2022.

الملاحظة الخامسة: تدور حول الفئات العسكرية المكونة لتنظيم “داعش”، حيث كشف الجنرال “مايكل كوريلا” (قائد القيادة المركزية الأمريكية) في22 ديسمبر 2022 أن التنظيم في الوقت الراهن يتكون من ثلاث فئات عسكرية؛ أولهما “القيادات الحرة”، وهم الجيل الحالي الذي يملك حرية الحركة من قادة وعناصر التنظيم ولازال قادر على شن الهجمات. ثانيهما “القيادات المحتجزة”، وهم القيادات والعناصر المتواجدة في سجون العراق وسوريا، حيث يوجد في السجون العراقية حوالي (10 ألف) عنصر، ويوجد ما يعدلهم في سجون سوريا. وثالثهما “الجيل القادم”، وهم الأطفال المتواجدون في مخيم “الهول”(شمال شرق سوريا)، ويتجاوز عددهم أكثر من (25 ألف)، وهؤلاء معرضون لخطر اعتناق الفكر الداعشي، ومن ثم، يتم اعتبارهم الضمان الأيديولوجي والبيولوجي لاستمرار نفوذ التنظيم. وعليه، يتطلب هذا المشهد ضرورة تعامل المجتمع الدولي مع معضلة مخيم “الهول”، ذلك عبر بذل المزيد من الجهود، وتفعيل السياسات، وتقديم المساعدات الإنسانية، وطرح رؤى وحلول قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

الملاحظة السادسة: تتركز على جغرافيا عمل تنظيم “داعش” في المستقبل، فعلى الرغم من انخفاض عملياته في معاقله الرئيسية إلا أن هذا لا يعني تراجع تهديده. إذ تشير التقديرات إلى إن التنظيم في العراق يتبع استراتيجية الكمون المؤقت بهدف بناء هياكله، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، مثل تصعيد التنظيم من عملياته في سوريا مع مطلع 2023، مؤشرًا على رغبته في تأكيد وجوده. وعليه، فمن المرجح أن تشهد المعاقل الرئيسية للتنظيم خلال عام 2023 مستوي متوسط لنشاطه مقارنة بما تعرضت له خلال الأعوام السابقة.

وبالانتقال إلى الساحل الأفريقي، نجد أن الهدف الاستراتيجي للتنظيم في أفريقيا ليس التواجد فقط بل التمدد العملياتي والجغرافي، وذلك على خلفية استمرار الإشكاليات السياسية والأمنية والبيئية المركبة في الدول الساحل، بما يوفر سياقات حاضنة لنشاط التنظيمات الإرهابية. وفي ضوء ذلك الطرح، من المتوقع إن تشهد دول الساحل تصاعد تهديد التنظيم في عام 2023 مقارنة بما تعرضت له خلال الأعوام السابقة ولا سيما وأن “ولاية غرب أفريقيا” تبنت أكبر عدد من عمليات التنظيم بما يقرب من (544) عملية خلال العام الماضي، وذلك رغبة من التنظيم في تعزيز نفوذه الجهادي في المنطقة.

وفيما يتعلق بتواجد التنظيم في آسيا، نجد أن القيادة المركزية له تنظر إلى أفغانستان باعتبارها قاعدة للتمدد لمساحات جغرافية أوسع تستطيع من خلالها تهديد البلدان المجاورة في وسط وجنوب آسيا، فمع سيطرة “طالبان” على الحكم، صَعّد التنظيم من عملياته في أفغانستان بهدف إثبات فشل “طالبان” في تحقيق الاستقرار، وعلى الرغم من تراجع العمليات التي تبانها في أفغانستان في عام 2022 بمقارنة بعام 2021، إلا أن هذا لا يعني تراجع تهديده، فمن المرجح استمراره في تصعيد عملياته خلال 2023 داخل الأراضي الأفغانية.

الملاحظة السابعة: تُشير إلى الصراع الجهادي بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في الساحل، إذ تميزت العلاقة بينهما في منطقة الساحل بالاستثنائية؛ حيث التعايش المشترك والتمدد بلا صراع، وذلك على عكس التناحر السائد بينهما في كل من: العراق، وسوريا، واليمن. غير أنه وبمطلع عام 2020، شهدت منطقة الساحل الأفريقي عدة اشتباكات بينها، والتي تطورت إلى قتال، ثم تحولت إلى حرب شاملة واستمر هذا المشهد إلى حتى نهاية 2022، وذلك على خلفية الصراع حول النفوذ والموارد والمقاتلين. ومن المحتمل، استمرار الصراع الجهادي بينهما خلال عام 2023، في ضوء تمسك كل منهما بأهدافه ومصالحه.

ويُجادل البعض بأن الصراع بين التنظيمات الإرهابية يُعد مشهدًا إيجابيًا لمكافحة الإرهاب، غير أن من الممكن أن ينخرط التنظيمان في عملية تسمى “المزايدة”، يهدف كل منهما إلى إظهار قدرة أكبر على محاربة المنافسين عبر تصعيد الهجمات الإرهابية. الأمر الذي ستنصرف تداعياته إلى الوضع الأمني ​​المضطرب في منطقة الساحل من خلال زيادة مستويات العنف.

الملاحظة الثامنة: تنصرف إلى استغلال تنظيم “داعش” للكوارث، فقد اتسم تعامل التنظيم مع فيروس “كورونا” بالبراجماتية الشديدة، حيث عمل على توظيف الجائحة على المستوى الإعلامي والعملياتي واللوجيستي. فعلى المستوى الإعلامي، سعى إلى مهاجمة خصومه عبر تصوير تفشي الفيروس كغضب من الله، اما على المستوى العملياتي، دعا عناصره إلى استغلال تفشي الفيروس للقيام بعمليات إرهابية، أما على المستوى اللوجيستي، إستغل الوباء لجني الأرباح، إذ أسس “مورات تشاكار” (أحد أنصار التنظيم في تركيا) موقعًا على الإنترنت لبيع أقنعة الوجه، وغيرها من معدات صحية، ثم قام بتحويل أرباح المبيعات للتنظيم فتحول الوباء إلى مصدر مالي للتنظيم.

وفيما يتعلق بالزلزال الذي شهده سوريا في 6 فبراير 2023، فقد استغلال التنظيم تحول موارد الدولة لمواجهة تداعيات الزلزال، وذلك عبر تهريب عناصره من ناحية، بجانب تعزيز نشاطه من ناحية أخرى، حيث فر نحو20 عنصرًا من عناصره من أحد السجون شمال غربي سوريا في 7 فبراير الجاري بعد افتعال عصينًا مدنيًا بعد الزلزال. كذا نفذ هجومًا في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي وسط سوريا في 12 فبراير الحالي، وأسفر عن مقتل 53 شخصًا. وبصفة عامة تتبنى التنظيمات الإرهابية على وجه العموم وتنظيم “داعش” على وجه الخصوص “فقه استغلال الأزمات” حيث تسعى إلى توظيف الأزمات المختلفة من أجل توسيع نشاطها، وتعزيز نفوذه، وتصعيد عمليتها.

مجمل القول، تمكن تنظيم “داعش” من التكيف مع التحديات التي تعرض لها سواء على مستوى فقدان القيادات أو على مستوى الضربات العسكرية التي تعرض لها، حيث أتاح له هيكله التنظيمي المرن استيعاب الضغط الذي مورس عليه وانتقاله إلى جغرافيا جديدة حاضنة لنشاطه، فعلى عكس ما يتعرض له من تراجع لنفوذه في العراق وسوريا، لا تزال فروعه الأخرى قوية، لا سيما في منطقة الساحل بأفريقيا وجنوب آسيا. وبالتالي، توفر حالة عدم الاستقرار السياسي، بجانب تفشي المظالم الاجتماعية في الدول شهدت صعوده في فترات لاحقة، فضلًا عن تحول استراتيجيات الدول الكبرى نحو للتركيز على تهديدات أمنية مختلفة عن التهديدات الإرهابية، الفرصة للتنظيم من أجل تعزيز نفوده وإعادة بناء هياكله التنظيمية.

 

 

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/32894/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M