الحرب التجارية وأثرها على عملات السلع: الدولار النيوزلندي نموذجًا

اعداد : أ. بسنت جمال – باحثة اقتصادية -كلية اقتصاد وعلوم سياسية جامعة القاهرة

 

تُعرف الحرب التجارية على إنها قيام دولتين أو أكثر بفرض رسوم جمركية أو حواجز تجارية على بعضها البعض ردًا على حواجز تجارية أخرى، وتعتبر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين من أهم الحروب الموجودة على الساحة الاقتصادية العالمية في الفترة الحالية، حيث إنها لا تضر البلدين المتحاربتين فحسب، بل إنها تؤثر على معدلات النمو العالمية وعلى أسواق النفط وكذلك على الدول ذات الصلة بالصين والولايات المتحدة.

وبعد عقد 11 جولة من المحادثات التجارية رفيعة المستوى بين البلدين، لا تزال الحرب التجارية مشتعلة بينهما حتى مع بداية ظهور إشارات على التهدئة من كلا الطرفين.

ويجدر الإشارة إلى أن عملات السلع، تعتبر من فئات العملات الأكثر تضررًا من تلك الحرب، حيث تعرف عملات السلع بإنها العملات التي يكون سعر صرفها مرتبط بشكل كبير بسعر سلعة أو مجموعة من السلع تُعد مهمة لاقتصاد مصدر العملة، مثل الدولار الكندي وعلاقته بالنفط، والدولار الاسترالي وعلاقته بالذهب، وأخيرًا الدولار النيوزلاندى وعلاقته بالسلع عمومًا.

وسوف نستعرض في هذا المقال، أهم محطات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتأثيرها على الدولار النيوزلندي كعملة رئيسية من عملات السلع.

* محطات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين:

بدأت الحرب التجارية الأمريكية الصينية في يناير 2018 وذلك مع إعلان واشنطن عن فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الألواح الشمسية المستوردة من الصين و20% على الغسالات المنزلية، ولكن لم تقف الولايات المتحدة عند هذا الحد بل فرضت جمارك بنسبة 25% على واردات الحديد و 10% على الألومنيوم، وأخيرًا 25% على الفولاذ، وذلك في الثامن من مارس.

وهذا ما دفع الصين يوم 22 مارس إلى إصدار قائمة تضم 128 سلعة أمريكية فرضت عليها رسومًا تتراوح بين 15 و25%، وبالفعل تم تطبيق هذه الرسوم يوم 2 أبريل، ومن ثم تصاعدت النبرة التحذيرية للولايات المتحدة التي نشرت يوم 3 أبريل لائحة بمنتجات صينية يمكن فرض رسوم عليها، رداً على النقل القسري للتكنولوجيا والملكية الفكرية الأمريكية، وردت بكين بقائمة واردات مكونة من 106 سلعة أمريكية تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار.

ولكن لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، حيث دعت الإدارة الأمريكية يوم 5 أبريل إلى فرض جمارك على بضائع صينية أخرى تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار، ولم تصمت الصين عن هذه الدعوة، حيث أعلنت في نفس اليوم عن إنها بدأت بالفعل بوضع إجراءات مضادة للإجراءات الأمريكية، وأنها ستستهدف بضائع تقدر قيمتها بحوالى 100 مليار دولار.

وفي يوم 6 يوليو، قامت الصين والولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية في نفس الوقت، حيث فرضت الأولى رسومًا على بضائع بقيمة 34 مليار دولار مثل بعض المنتجات الزراعية، والبحرية والسيارات، أما الثانية فقدت فرضت رسوم على بضائع تبلغ قيمتها 34 مليار دولار كالسيارات والأقراص الصلبة ومكونات الطائرات، واستمرت البلدان على النهج نفسه حينما فرضت واشنطن يوم 23 أغسطس رسومًا جديدة على منتجات صينية بقيمة 16 مليار دولار، وفي الصين، بدأ تطبيق رسوم بنسبة 25% تستهدف 16 مليار دولار من البضائع الأمريكية، كما فرضت الإدارة الأمريكية في 24 سبتمبر رسومًا جمركية نسبتها 10% على 200 مليار دولار من الواردات الصينية، وردت بكين برسوم جمركية على سلع أمريكية تبلغ 60 مليار دولار.

وبحلول شهر ديسمبر، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الصيني، شي جينبينغ، عن هدنة، حيث أجلت واشنطن ولمدة 90 يومًا زيادة الرسوم الجمركية من 10% إلى 25% على 200 مليار دولار من الواردات الصينية، ومن جانبها، تعهدت بكين بشراء كمية كبيرة من المنتجات الأمريكية، وعلقت لـ3 أشهر الرسوم الإضافية المفروضة على السيارات وقطع غيار السيارات الأمريكية كما سمحت باستيراد الأرز الأمريكي.

ولكن انتهت الهدنة يوم 10 مايو 2019، حيث زادت الولايات المتحدة رسميًا الرسوم الجمركية على 200 مليار دولار من الواردات الصينية، كما أصدر ترامب يوم 15 مايو مرسومًا يمنع شركات الاتصالات الأمريكية شراء معدات من شركات أجنبية في إجراء يستهدف شركة هواوي الصينية، وبحلول الأول من يونيو زادت الصين التعريفات الجمركية على منتجات أمريكية بقيمة 60 مليار دولار، وأعلنت بكين أنها تعد لائحة سوداء بالشركات الأجنبية غير الموثوق بها.

وفي 21 يونيو، أضافت الولايات المتحدة الأمريكية 5 شركات ومؤسسات صينية تكنولوجية كبرى أخرى إلى “القائمة السوداء” بالإضافة إلى شركة “هواوي” منها شركة “sugon” المصنعة للكمبيوترات الفائقة، و3 مؤسسات تابعة لها، وكذلك معهد التكنولوجيات الكمبيوترية “Wuxi Jiangnan”.

وفي قمة مجموعة العشرين يوم 29 يونيو، أعلن الرئيسان الصيني والأمريكي عن هدنة جديدة مع تعهد واشنطن بعدم فرض رسوم إضافية وإعلان ترامب أن مفاوضات التجارة ستستأنف، وبالفعل تم استئناف المفاوضات هاتفيًا وخلال لقاءات عُقدت يومي 20 و 31 يوليو في شنغهاي.

ولم تساعد هذه المفاوضات على وقف الحرب المتصاعدة حيث أعلنت الإدارة الأمريكية، يوم 1 أغسطس عن فرض رسوم جمركية إضافية تبلغ 10% على سلع صينية تبلغ قيمتها 300 مليار دولار، اعتبارًا من الأول من سبتمبر، مبررة بذلك أن الصين لا تفي بتعهداتها بشراء المنتجات الزراعية الأمريكية، ولكن سرعان ما سعى، ترامب، لتهدئة وتيرة الحرب حين أعلن يوم 13 أغسطس عن إرجاء تطبيق هذه الرسوم إلى 15 ديسمبر.

وقد صنفت الولايات المتحدة الأمريكية الصين كدولة تتلاعب بسعر صرف العملة، يوم 6 أغسطس، مشيرة إلى أنها ستعمل مع صندوق النقد الدولي للقضاء على الميزة غير العادلة التي اكتسبتها الصين من خلال خفض اليوان مقابل الدولار إلى الحد الأدنى منذ ديسمبر الماضي.

وفي 23 أغسطس أعلنت بكين عن فرض رسوم جمركية على منتجات أمريكية بقيمة 75 مليار دولار، وردت واشنطن على الفور بدعوة الشركات الأمريكية على إيجاد بدائل لإنتاجها في الصين، وقررت الإدارة الأمريكية أن تزيد اعتبارًا من الأول من أكتوبر الرسوم الجمركية لتصبح 30% بدلًا من 25%، على سلع صينية بقيمة 250 مليار دولار.

وقد بدأت الصين والولايات المتحدة في 1 سبتمبر فرض رسوم جمركية إضافية على سلع إحداهما الأخرى، حيث فرضت الأولى رسومًا نسبتها 5% على النفط الخام الأمريكي، بينما بدأت الثانية بفرض رسوم نسبتها 15% على الواردات الصينية التي تتجاوز قيمتها 125 مليار دولار.

وبمرور الأيام، بدأت وتيرة الحرب تهدأ مرة أخرى مع إعلان الصين يوم 11 سبتمبر عن دفعتها الأولى من الإعفاءات الجمركية لـ 16 نوعًا من المنتجات الأمريكية، وفي اليوم الذي تلاه، أعلن، ترامب، أنه سيؤجل تطبيق زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية بقيمة 250 مليار دولار من 1 أكتوبر لـ 15 أكتوبر.

كما افادت تقارير أن المسؤولين في الإدارة الأمريكية ناقشوا إمكانية إبرام اتفاق تجاري مؤقت مع الصين بما يؤدي إلى تأجيل او إلغاء بعض الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على السلع الصينية في مقابل التزام الصين بحقوق الملكية الفكرية وشراء المنتجات الزراعية الأمريكية.

وأخيرًا، قاد نائب وزير المالية الصيني، لياو مين، وفدًا تجاريًا إلى واشنطن يوم 18 سبتمبر، قبيل محادثات رفيعة المستوى مقررة في أكتوبر، مما يعطي انطباعًا أن وتيرة الحرب التجارية ستهدأ الأيام المقبلة.

* نبذة عن الدولار النيوزلندي:

تم إصدار الدولار النيوزلندي في عام 1967 بدلًا من الجنيه النيوزلندي، ويعتبر من أهم عشر عملات في سوق الفوركس، ويلقب بالكيوي ويعود هذا اللقب إلى طائر الكيوي الذي يُعد الرمز الوطني للبلاد ويظهر على عملة الدولار النيوزلندي.

وترجع قوة الدولار النيوزلندي كعملة أساسية من عملات السلع إلى النمو الاقتصادي الذي تشهده نيوزلندا، حيث إنها تعتمد على الصناعات الأساسية والتجارة الدولية مع اليابان والصين واستراليا والاتحاد الأوروبي.

* أثر الحرب التجارية على الدولار النيوزلندي:

أسهمت الحرب التجارية بشكل عام في تعزيز التوقعات التي تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي مما ساعد العديد من البنوك المركزية حول العالم على الاتجاه نحو خفض معدل الفائدة لمواجهة إشارات تباطؤ النمو الاقتصادي وهو ما يؤثر سلبًا على قيمة العملات.

وبالنظر إلى عام 2019؛ سنجد أن البنك الاحتياطي النيوزلندي اتبع نهج تثبيت أو خفض سعر الفائدة على مدار أربع اجتماعات متتالية، ففي الاجتماع المنعقد يوم 27 مارس، قرر البنك الإبقاء على سعر الفائدة عند 1.75%، وهو ما أثقل على كاهل الدولار النيوزلندي الذي انخفض أمام الدولار من مستوى 0.6913 إلى 0.6795، وفي ظل ضعف توقعات النمو العالمي تنبأت الأسواق ان يتجه البنك للخفض في الاجتماعات المقبلة، وقد كانت تلك التوقعات صحيحة حيث قرر البنك يوم 8 مايو خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتصبح 1.5% وهو ما أدى إلى تعرض زوج النيوزلندي دولار إلى ضغوط بيعية مكثفة وصل بعدها إلى مستوى 0.6526، وكان ذلك أدنى مستوى منذ يوم 1 نوفمبر 2018، أما بالنسبة لاجتماع يوم 26 يونيو؛ فقد أبقى البنك على أسعار الفائدة عند 1.5% ولكنه لمح إلى امكانية الاتجاه لمزيد من التخفيض في الاجتماعات المقبلة، وهو ما حدث بالفعل في الاجتماع المنعقد يوم 7 أغسطس، حيث أعلن البنك عن خفض بمقدار 50 نقطة أساس لتصبح 1%، في محاولة لتحفيز الاقتصاد، ما أدى إلى تراجع الدولار النيوزلندي أمام الدولار الأمريكي بأكثر من 2% عند مستوى 0.6378، وهو أدنى مستوى له منذ يناير 2016.

وعلى الرغم من هدوء وتيرة الحرب التجارية في الأيام القليلة الماضية إلا أن الأسواق تتوقع أن يتجه البنك الاحتياطي النيوزلندي لمزيد من الإجراءات التسهيلية في الاجتماعات المقبلة، وخاصة بعد قرار الاحتياطي الفيدرالي يوم 18 سبتمبر بخفض معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس عند 2%، وكذلك اتخاذ البنك المركزي الأوروبي قرار الإبقاء على معدل الفائدة دون تغيير عند المستويات الصفرية يوم 12 سبتمبر.

والجدير بالذكر أن الدولار النيوزلندي استقبل عام 2019 بانخفاضات قوية وذلك بعد مرورعام منهك من الحرب بين أقوى اقتصادين في العالم، حيث سجل زوج النيوزيلندي دولار تراجعًا في شهر يناير ليصل عند مستوى 0.6735.

ومع التركيز على أهم محطات الحرب التجارية سنجد أن زوج النيوزلندي دولار سجل ارتفاعات قوية يوم 27 يونيو في ظل التفاؤل السائد في الأسواق حيال الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين على خلفية اللقاء المحتمل بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الصيني خلال قمة مجموعة العشرين في اليابان، حيث ارتفع من مستويات 0.6594 إلى مستويات 0.6693.

وبالانتقال إلى محطة أخرى، سنجد أن الأسواق قد تزعزت يوم 23 أغسطس بعد التصعيد الحادث بين بكين وواشنطن وهو ما يفسر الركود الحادث للدولار النيوزلندي ولكن سرعان ما تحسنت شهية المخاطرة بعد تصريح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن الصين على استعداد لتجديد المفاوضات، حيث صرح نائب رئيس الوزراء الصيني، ليو هي، أن تصعيد الحرب التجارية لا يفيد الصين أو الولايات المتحدة أو باقي دول العالم.

وهذا ما نتج عنه ارتفاع زوج النيوزلندي دولارعند مستوى 0.6379، وانخفض زوج اليورو نيوزلندي من 1.7454 إلى 1.7424، وأخيرًا ارتفع زوج النيوزلندي ين من 66.97 ليصل إلى مستويات مرتفعة عند 67.52.

ويدلل ما سبق على مدى تأثر الدولار النيوزلندي بأي تصريح أو تطور يخص الحرب التجارية، لأنه، وكما تمت الإشارة من قبل، عملة سلع تتأثر بتلك الحرب، ومن ناحية أخرى مع حدوث أي تطور سلبي في وتيرة الحرب التجارية يلجأ المستثمرون لشراء عملات الملاذ الآمن كالين الياباني أو الفرنك السويسري مما يترتب عليه بالضرورة تكثيف الضغوط البيعية على العملات الأخرى والتي يعتبر الدولار النيوزلندي واحدًا أساسيًا منها.

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=62654

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M