الحسين والصلاة … وجهان لعملة واحدة الحلقة الثانية

ربما يتفاجأ صاحب الأفق الضيق عندما يسمع آية من القرآن تذم المصلين بقوله تعالى ( ويل للمصلين ) ، ولكن من يفهم الدين بفكر واعي يعرف أن الدين منهج عملي لا نظري ، لا يريد من الإنسان أن يكون ظاهراً مؤمناً وباطناً فاسقاً ، بل ويحذّر من ذلك ويعتبر من كان ظاهره مؤمناً وباطنه فاسقاً منافقاً الذي قد تصل به العقوبة الى أن يكون في الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله ، ففي سورة (المنافقون) يبين الباري أن المنافقين صادقون في كلامهم بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله ولكنه جل وعلا يشهد أن المنافقين لكاذبون ، لأنهم كاذبون في داخلهم مع صدقهم في ظاهرهم .
من هذه المقدمة نريد أن نفهم الحسين عليه السلام وشعائره وما يرتبط به كما فهّمنا القرآن التعامل مع الصلاة والمصلين وفق الأساس الذي انطلقنا منه وهو أن ( الحسين والصلاة … وجهان لعملة واحدة ) التي اشتقت من حديث الثقلين المعروف ، فذم المصلين على لسان الخالق يفسح المجال لذم من ارتبط بالحسين ظلماً وزوراً ، لأن المصلين المذمومين في القرآن لصقوا أنفسهم بالصلاة ظلماً وزوراً , والقرآن لم يذم المصلين الذين حافظوا على الصلاة وحدودها ، بل مدح مقيمي الصلاة أي مجسديها في حياتهم اليومية ومدح الخاشعين وغير ذلك من المدح ، لذا علينا أيضاً أن نمدح المرتبطين بالحسين عليه السلام من خطباء ورواديد وأصحاب ومواكب وزوار وغيرهم ممن جسدوا مبادئ الحسين وثورته .
وكما أن للصلاة مستويات تختلف باختلاف المصلين فكذلك لشعائر الحسين عليه السلام مستويات باختلاف القائمين بها ، فالصلاة كحد أدنى هو ما مذكور في الرسالة العملية ، بحيث أن المصلي يمكن أن تكون صلاته صحيحة إذا طبّق ما مذكور من أحكام فقهية في الرسالة العملية حتى وإن كذّب وحتى وإن اغتاب وحتى وإن زنا ، فلا يوجد حكم شرعي يقول أن الصلاة تبطل لأن المصلي قد كذب أو زنا أو اغتاب ، ولكن من جهة أخرى فإن هذه الصلاة لا قيمة لها عند الله سبحانه وإنما هي لإسقاط الفرض الذي عليه بحيث لا يحاسبه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة على أنه لم يصلي .
وقد وضع الشارع المقدس هذه المستويات في التعامل مع العبادات لطفاً بالعباد ، فالإنسان الذي يدخل للدين حديثاً أو مستواه الديني والإيماني ضعيف يصعب أن يكُلّف بتكاليف كبيرة مثل الخشوع في الصلاة وإقامتها في وقتها وترك كل المحرمات مثل الكذب والغيبة والزنا وغيرها حتى تكون صلاته صحيحة ، ولو كُلِّف بذلك لترك الدين وأصبح عدواً له ، ولكن إذا بدأ بالتكاليف الشرعية للعبادات ربما يوفقه الله للارتقاء بعبادته وترك المحرمات كما يحصل مع كثير من الناس ، وهناك محفزات وضعها المعصومون عليهم السلام لرفع المستوى الإيماني وجعل الصلاة مرقاة المؤمن ناهية إياه عن الفحشاء والمنكر والبغي حتى يصبح بتوفيق الله ولطفه عبداً صالحاً وربما يكون مصلحاً ، وتحذير من جهة أخرى ممن يلتزم بظاهر الصلاة ويترك لبها كالحديث ( لا تنال شفاعتنا مستخفاً بصلاة ) .
لذا فمن غير الصحيح أن نقول للمصلي لا تصلي ما دامت صلاتك لا تنهاك عن الفحشاء والمنكر والبغي ولكن من واجبنا أن نبين له أن الصلاة إن لم تنهه عن الفحشاء والمنكر والبغي فلا تزيده من الله إلا بعداً ، وإن لم نبين له ذلك اعتقد أن الصلاة التي يقوم بها كافية لإرضاء الله سبحانه وتعالى ، وكذلك ليس من حق أحد أن يمنع الناصح للمصلين بتصحيح صلاتهم والارتقاء بها ومحاولة تركهم – أي المصلين – للفحشاء والمنكر والبغي ، فمن يمنع ذلك الناصح للمصلين هو بمثابة من يريد أن يفرغ الصلاة والدين من محتواه الذي يريده الله سبحانه وتعالى وهو ديدن إبليس عليه لعائن الله .
ولشعائر الحسين عليه السلام أيضاً مستويات تختلف باختلاف من يقوم بها ، فشخص يفهم الشعائر على أنها لطم وبكاء وتوزيع الطعام وتشغيل مكبرات الصوت باللطميات والمرثيات الحسينية والزيارة مشياً الى كربلاء وإقامة مجالس العزاء حتى وإن لم تحقق تلك المجالس سوى البكاء ، والبعض الآخر يفهم من الشعائر الحسينية هي وسيلة لإيصال وتفعيل مبادئ ثورة الحسين عليه والسلام مثل الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسير بسيرة محمد وعلي صلوات ربي عليهما وآلهما ، فمن غير الصحيح أن نفرض على الجميع أن يسيروا بنفس الطريقة ، فلكل مستواه الإيماني وفهمه للحسين وعليه السلام وثورته وشعائره ، وربما لو أردنا أن نختزل شعائر الحسين عليه السلام بالفكر وتفعيل مبادئه باعتبارها الغاية وترك ومحاربة باقي الشعائر باعتبارها وسيلة فإننا سنخسر ملايين الناس التي تفهم الحسين عليه السلام وما يتعلق به بمستوى متواضع .
ولكن في الوقت نفسه ليس من حق أحد أن يمنع من يحاول أن يرفع مستوى وعي الناس وعشّاق الحسين عليه السلام الى درجة فهم مبادئ الحسين عليه السلام التي خرج من أجلها ، فصحيح أن الناس لهم مستويات في فهم النهضة الحسينية ولكن من واجبنا أن نرفع مستوى الجميع الى المستوى الذي يجعل الناس تطبق مبادئ الحسين عليه السلام ليتحقق العدل والإنصاف وتخلصنا من الظلم والعدوان .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M