الصراع الاقليمي ودوره في زعزعة الأمن القومي العراقي

اعداد : حنان صبحي  – باحثة بكلية الدراسات العليا الأفريقية بجامعة القاهرة 

 

المستخلص:

يهتم هذه البحث بدراسة المتغيرات المحلية والإقليمية المؤثرة على أمن واستقرار الدولة العراقية وألية تحديد تلك التحديات والتهديدات التي تهدد الامن القومي العراقي وطبيعة العلاقات بين الدول المؤثرة في الدولة العراقية وذلك بعد انهيار الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وبعد مروره بفترة من الضعف عقب الغزو العراقي0 وإزاء ذلك فقد ادي الصراع الإقليمي في المنطقة الى عدم الاستقرار الأمني، وينبغي ان يتم إعادة صياغة النظام الإقليمي بصفه عامه ومع الأوضاع الجديد التي فرضتها المعادلات الجيو استراتيجية في المنطقة، والتي أصبحت تمثل تحديا كبيرا للمنطقة العربية ومستقبلها السياسي وكينونتها في الخريطة العالمية.

المقدمة:

ان الصراع الإقليمي له أبعاد مختلفة ومحددًه على جميع الدول المحيطة به ولكن في هذه الدراسة سوف نتناول تأثير ذلك الصراع الإقليمي على الامن القومي للعراق، حيث ان يمتد الصراع الإقليمي بين الدول ليؤدي الى عدم الاستقرار السياسي في الدول، للتنافس على التواجد في المناطق الإقليمية الهامة، وفي دراستنا هذا نبحث عن أسباب ظاهرة عدم الاستقرار في العراق من خلال التدخل المباشر في شؤنها الداخلية والخارجية.

وتتوخي تلك الدراسة في معرفة الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة، وتحليل طبيعة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجها الدولة العراقية وكيف ان هذا الصراع الإقليمي يؤثر بكل الجوانب على وجود واستقرار الدولة العراقية وتسلط الدراسة على القوي الدولية والإقليمية المؤثرة في امن واستقرار العراق

وتبرز أهمية الدراسة في تحليل ومعرفة الصراع الإقليمية وكيف ان هذا الصراع يؤثر بالسلب في زعزعة امن واستقرار العراق المستمرة حتى الان، لذلك الأوضاع تتطلب فهما وادراكا للمواقف التي تمر بيها العراق وطبيعة المخاطر التي تحيط بيها وكيفية مواجهتها والحد من تأثيرتها السلبية.

تنطلق الدراسة من فرضية ان تدخلات القوي الإقليمية والدولية هي العامل الرئيسي في عدم استقرار العراق منذ 2003 حتى هذا الوقت الراهن، وتلك التدخلات تنزع كل الصلاحيات من الدولة نفسها وتهدد امنها في وجودها كدولة في محيطها الإقليمي، ولكي نثبت صحة هذه الفرضية فقد تم الاعتماد على منهج التحليل الوصفي والتاريخي لفهم ومعالجة موضوع الدراسة

يشكل الامن القومي العراقي مطلبا على درجة عالية من الأهمية، بجانب الاحداث السياسية التي تحدث في الدائرة الإقليمية، فالعراق عبر مسيرتها الحافلة بالاندماج والمشاركة في القضايا الكبيرة والحرجة والحساسة في المنطقة.

يكون هدف الدراسة ان للعراق موقع متميز جدا جغرافيا ويلعب دور إقليمي مميز، وهكذا أعطيت الجغرافيا لهذا البلد مية وعبئا في ذاك الوق، فالدور شان مغري في العلاقات السياسية الدولية، كلما تصاعدت قيمته تصاعدت المكانة السياسية للدولة المعنية، الا انه في ذاك الوقت عبء يفرض عليها تواتر دائم لإمكاناتها وتأهيل مستمر لها حتى تتكافا مع متطلبات الدور السياسي من التزامات سياسية، وتنفيذا لأدوار مرسومة. والحال ان العراق قد وقع في المأزقين، فأمام مميزات الدور توجد بيئة ترفع من شان اكلاف تطويعها، للبعض منها اجندة بإبداء أدور تتقاطع مع ما تطمح به أي حكومة عراقية نظرا للاختلاف القومي والمذهبي والسياسي، وللبعض الاخر ارتباطات سياسية دولية تجعلها تحصل على إمكانات وموارد خارج دائرة القياس للإمكانات الذاتية (تركيا، دول مجلس التعاون الخليجي…).

يعد من أبرز الدول العربية التي احتلت مكانة إقليمية ودولية فرضت عليه تبعات، انعكست في كل أبعادها على الشأن الداخلي سياسا واقتصاديا واجتماعيا وامنيا.

من ناحية اخري يواجه الامن القومي العراقي تحديات خارجية انتجتها المتغيرات الإقليمية والدولية، خصوصا أثر الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، والاحداث التي شهدتها غزه منذ عام 2007، وتداعيات الملف النووي الإيراني، بالإضافة الى ما شهدته الدول العربية من ثورات الربيع العربي2011. في ضوء ما تشهده المنطقة من تداعيات وتدهور في الحالة الأمنية فيها، ليصبح الامن القومي للعراق مسألة تأتي في مقدمة أولويات السياسة العراقية ببعدها الداخلي والخارجي.

وعلى هذا، وبسبب الخصوصية الجيو سياسية التي يجسدها الوضع الإقليمي للعراق، كان هاجسه الأمني معبرا عن نوع من الاستثنائية في درجة تحسسه للأوضاع المحيطة به باتخاذ التدابير والسياسات لضمان مستويات مقبولة من الإحساس بالأمن والاستقرار وبما يعزز من مستلزمات التماسك والتضامن الاجتماعي والحفاظ على الكيان الذاتي للدولة.

تنقسم هذه الدراسة الى ثلاثة مباحث

  • المبحث الاول: يتناول الإطار النظري والمفاهيمي
  • المبحث الثاني: تأثير صراع القوة الكبرى على العراق.

المبحث الاول: يتناول الإطار النظري والمفاهيمي

مفهوم الامن: ارتبط مفهوم الامن بدراسة السياسة الدولية، تقليديا، بمفهوم “الدولة” التي تمثل الوحدة الرئيسية في سياق النظام الدولي، وان الامن يعد أحد أسباب نشأة الدولة[1]. وقد برز هذه المفهوم مع ولادة الدولة القومية في أوروبا بعد معاهدة ويستفاليا1648 التي بموجبها تغير شكل النظام الدولي، وبأت فترة جديدة من حياة العالم تمثلت بفكر التنوير، وقد تم تفسير هذا المصطلح بعد الظروف التي عاشتها أوروبا، فظهرت رغبة كل دولة في الحفاظ على جغرافيتها وسكانها وقدراتها الوطنية وخوفها الكبير من جيرانها وهو ما يعزز مفهوم الامن القومي وزاده تطورا وانتعاشا[2].

مفهوم عدم الاستقرار: هو مفهوم نسبي ولا يتحدد وفقا لمؤشر واحد او مجموعة من المؤشرات، فيعرفه “صموئيل هنتنغتون” بدلالة المعادلة مفادها ان عدم الاستقرار يساوي المطالب السياسية مقسومة على المؤسسات السياسية، أي ان عدم الاستقرار السياسي يزداد بزيادة المطالب السياسية وعدم قدرة المؤسسات السياسية عن الاستجابة.

وذلك التعريف يتناسب طرديا بين المطالب السياسية وعدم الاستقرار، لان الاستقرار السياسي لا يمكن توفيره باستخدام القوة والعنف الذي يقمع معارضي النظام، لان القوة لا تستطيع الغاء المطالب السياسية فتلك المطالب تظل قائمة وموجودة بل تزداد في طبيعة الامر[3].

مفهوم التغلغل (الزعزعة):

قد تم وصف النظام السياسي على انه من الاله من العباد، وكان ذلك في فترة الحكم الإلهي الذي كان في اوربان وفي مرحلة أخرى من التاريخ، وتطور الامر بسبب الثورات الدينية، وصار النظام السياسي يوصف على انه مثل الاب بالنسبة للأبناء، ولذلك قيل بأنه نظام ابوي.

وقد تم استبدل هذا المصطلح بالعناوين الكبيرة مثل الديمقراطية والمدنية والمواطنة الا ان مضامينها لم تتغير، لكن الذي تغير هو الأسلوب فقط، في كون المضمون لازال مقبولا وهو يعني ان الدولة الناجحة ينبغي ان تتدخل في كل مجالات الحياة، وان تصل الى ابعد مواطن وتوفر له احتياجاته.

لذلك هذا النظام لدي القادرة على ان يجعل الدولة متغلغلة بشكل إيجابي الى ابعد نقطة من حياة المواطن، كما كان النظام مستقرا، والعكس صحيح أيضا.

ويتضح لنا من هذا التعريف ان الاستقرار السياسي له شروط و انظمه سياسية معينة في كيفية إدارة البلاد والنهوض بها، عبر الشرعية والاندماج والمشاركة والتغلغل والزعزعة بالاستقرار السياسي[4].

الاسباب التي تؤدي الى تدخل الدول في الشؤون الداخلية في العراق:

غياب المشاركة السياسية الفعلية والحديثة.

تحدي جماعات الإسلام السياسي الأصولية المستتر لشرعية حكم السراة، انطلاقا من رغة تلك الجماعات، في جعل الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، وليس أحد مصادره فقط، مع ما يحمله ذلك على المدى المتوسط والبعيد من رفض لما هو موجود الان.

  • غياب المعايير الواضحة لمسألة عدالة توزيع الدخل.
  • تفشي ظاهرة الفساد الإداري، والتضخم الوظيفي في أجهزة الدولة الإدارية.
  • الاخطار الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية الناجمة عن ضخامة أعداد العمال الوافدة[5].

 المبحث الثاني: تأثير صراع القوة الكبرى على العراق

يعد صراع القوى الإقليمية في الشرق الأوسط ليس على ما يبدو وليداً لهذه اللحظة؛ إنما هو صراع له جذور وثوابت تاريخية حيث تسعى كل تلك الدولة إلى تحقيق مصالحها وفرض إرادتها على ما عداها من الدول الشرق أوسطية المنافسة لها، ولاسيما عقب ثورات “الربيع العربي، وبروز نسق إقليمي متعدد القوى الشرق أوسطية إلا إنه يبقى قيد التشكل، ومن ثم فهذه المرحلة تعُتبر انتقالية لتشُكل نسق إقليمي جديد من حيث شكل وطبيعة التفاعلات والتحالفات وموازين القوى النسبية بين مختلف القوى الشرق أوسطية، والتي منها قوى فاعلة غير عربية كإيران، إسرائيل، وتركيا، إلى جانب ذلك هناك قوى عربية فاعلة مثل المملكة العربية السعودية ومصر.

         ويتمحور الصراع داخل الإقليم حول عدة جوانب سوف نعرضها فيما يلي:

  • حفاظ الدول على حدودها وتماسكها الوطني.
  • الحفاظ على الهوية الوطنية التي يلتف حولها الشعوب سواء كانت أيديولوجية أو دينية أو عرقية.
  • إطار التحالفات الجديدة وتكوين محاور إقليمية وأخرى مضادة.
  • العوامل المُحفزة للصراع في المنطقة قبل ثورات “الربيع العربي” وبعده على السواء.
  • وجود شكل وماهية الدولة الفاعلة والقادرة على الهيمنة داخل النسق الإقليمي.
  • الصراع على الهيمنة وفرض الإرادة في المنطقة الشرق أوسطية في ظل وجود مجموعة من القوى المتقاربة فى القوة والموازين النسبية فيما بينها.

– وجود بعض الأزمات والقضايا المحورية في الشرق الأوسط، التي يكون منها على سبيل (الأزمة السورية، المشكلة العراقية، والأزمة اليمنية).

وفي ظل تلك الظروف المواتية للصرعات التي تحدث في المنطقة نجد ان الاحتجاجات “الربيع العربي” في المنطقة قد أتاحت لإيران الفرصة لتوسيع نفوذها في المنطقة ايضا، وهوما برز في خطابات المرشد الإيراني “على خامنئي” أثناء اندلاع الاحتجاجات العربية، والتي كانت تحث على الثورة على الأنظمة الحاكمة الفاسدة، والتشجيع على قيام نظم حكم إسلامية تتفق مع مرجعية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لان ايران قد إعتبرت أن ثورات “الربيع العربي” هي بمثابة امتداد لثورتها الإسلامية، إلا أن ذلك الاعتقاد الإيراني يكون بعيد المنال تماماً، وذلك نظراً للبعد الزمنى بين الحدثين من جهة، فضلاً عن الاختلاف بين المذهبين الشيعي الإيراني وبين المذهب السنى لأغلب البلدان العربية .

إن منطقة الشرق الأوسط منذ سقوط النظام العراقي واندلاع ثورات الربيع العربي، هذين الحدثين الهامين للغاية قد أثرا بشكل كبير على شكل وماهية المنطقة، لاسيما أدت تلك الاحداث والتطورات الى بروز قوى وفاعلين اخرين غیر الدول[6].

ادت أيضا ظاهرة انتشار التنظيمات الإرهابية في المنطقة الى تشني الفوضى والحروب والصراعات والتحالفات بين القوى الإقليمية الكبرى وتدخلات عسكرية سواء إقليمية أو دولية، تحت حجة فرض الأمن والسلم الدولیین ومحاربة الارهاب، وحقيقة الأمر أن تلك التطورات والمنافسة الإقليمية تشكل داعماً أساسياً للقوى الإقليمية وصراع السيطرة والهيمنة القوى الدولية ومخططاتها تجاه منطقة الشرق الأوسط اتي تستهدف إلى إعادة تشكيل الخریطة  في منطقة الشرق الاوسط من خلال تقسيم وتفتيات الدول وإدخال أنظمة جديد مثل الديمقراطية ، ووفقا لمشروع برنارد لویس 1979  المنظر الأصلي لسياسة الفوضى الخلاقة[7].

ولذلك برزت لدينا المشكلة العراقية، لان هناك تناحر لمزيد من الصراعات داخل الإقليم العراقي  بين مختلف القوى الإقليمية، حيث تسعى كلاً منها للظفر بمزيد من التحركات، ومد النفوذ على رقع الشطرنج العراقية مما يعزز اندفاعها نحو الهيمنة داخل الإقليم الشرق أوسطى،  فعلى الجانب الإيراني، تعد أذرعها ممدده ومتغلغلة داخل الأراضي العراقية بشكل كبير للغاية عن طريق ” مليشيات الحشد الشعبي”، التي تحاول دائماً التخلص من وجود أي قوى سُنية منافسه لها، فهي تسعى إلى تشكيل نظام سيأسى عراقي يتلائم مع أسس ومرجعية الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وقد إتضح  لنا ذلك من خلال مشاركة “مليشيات الحشد الشعبي” الحكومة العراقية  في معركة الموصل، ومن خلال أيضا كم الإنتهاكات التي قام بها  الحشد الشعبي ضد السُنة العراقية، فمشاركته كانت تسعى في الأساس للتخلص من قوى سُنية داعشية تمثل خطرا رئيسيا على تواجد النفوذ الإيراني الشيعي في العراق، أيضاً عندما نذكر العراق لا يمكن إغفال كمية الفصائل الفصائل الاثنية والعراقية التي توجد بها مثل الأكراد الذين يقطنون إقليم كردستان بالعراق، فإيران ترفض تماماً فكرة استقلال إقليم كردستان العراق، لأن في ذلك تهديد أساسي لنفوذها الممتد في سوريا، أضف إلى ذلك أن في انفصال كردستان العراق سيجعل من مهمة إيران صعبة للغاية، لأنها لا تستطيع  بذلك مد نفوذها وإمدادها العسكرية لذراعها الرئيسي ” حزب الله ” في لبنان .

وهناك أيضا اسرائيل التي تهدف إلى نشر الفوضى، وتسعير النزعة المذهبية والقومية في المنطقة عموماً وخصوصا في العراق، فتعمل على تشجيع النزعات الانفصالية القومية والدينية حتى تتمكن من إعلان يهودية الدولة وحل القضية الفلسطينية على حساب الدول التي ستنشأ، والتي ستكون مشغولة في الصراعات البينية التي ستنشأ بينها، مما يسمح بان تتمكن إسرائيل بالتحول إلى ضابط إيقاع صراعات المنطقة بما يحقق مصلحها الخاصة في السيطرة على مقدرات المنطقة وثرواتها، وتستطيع اسرائيل إتمام  مشروع “تيودور هرتزل”  الذي يهدف إلى تحقيق السيطرة على المناطق الزراعية الخصبة في جنوب سورية والجزيرة العراقية والسورية، ولذلك فهي تؤيد إنفصال كردستان العراق، أيضاً هناك مفاوضات قائمة بالفعل بين تركيا وإقليم كردستان العراق تتسق مع بعضها البعض نوعاً ما، فتركيا تسعى إلى دعم أكراد العراق للتخلص من شيعية الدولة وسيطرة الإيرانيين بالداخل العراقي، وبالتالي تحلم بالهيمنة واستعادة أمجادها العثمانية السابقة من خلال سيطرتها على الهلال الخصيب، ومن ثم فهي تتخذ من تحالفها مع إقليم كردستان العراق ملاذاً في تحقيق سيطرتها وهيمنتها .

كما ان تركيا لديها مصالح أيضا في انفصال إقليم كردستان لانها تلعب أدواراً متناقضة في العراق، مما ساهم في تعقيد المشهد الإقليمي وأربك عدة أطراف في تواصلها مع الطرف التركي، خاصة بعد تعبيرها عن مستجدات موقفها في ما يخص الأزمة السورية، خاصةً وأن تركيا منذ إندلاع الأزمة السورية، تسعى من خلال إستغلال الجماعات الإرهابية مثل (جبهة النصرة، تنظيم داعش )  تستخدم تلك الجماعات الإرهابية كأداة لإسقاط النظام السوري، فجعلت من أراضيها مأوى وممراً لهذه الجماعات، حتى أن الاستخبارات التركية تورطت في دعمها لتلك الجماعات من خلال التغاضي عن عبور المقاتلين من مختلف مناطق العالم للأراضي التركية أثناء رحلتهم إلى سوريا، كما ساعدت تركيا لتوظيف تلك الجماعات من أجل محاربة أكراد سوريا، كل هذه الحسابات التركية وضعت أنقرة في دائرة الاحتكاك مع روسيا وأميركا في وقت عادت فيه أجواء الحرب الباردة بين القطبين الدوليين، واحتدمت المنافسة بينهما، ففي موضوع الأكراد هناك شد وجذب بين تركيا وحليفها الأميركي.

وتتحرك أنقرة  لسعيها في فرض نفوذها في المنطقة بمنع تعزيز الأكراد لقوتهم ونفوذهم في المنطقة  وخصوصًا في المناطق المتاخمة لحدودها، فإن واشنطن تعتبرهم حليفًا أساسيًا في استراتيجيتها لمحاربة ” داعش” وتمدهم بالسلاح والتدريب،  ويتبين ذلك الأمر في ان تركيا كانت تهاجم مواقع الاكراد بدلا من مهاجة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”[8].

ويمكن توضيح زعزعة الامن والاستقرار في العراق من خلال الخريطة التالية

المصدر: خطار أبو ذياب، العراق ودوره العربي في قلب الصراع الإقليمي، الانباء، 2019.

  • الصراع على المناطق الحدودية

يعود الصراع في العراق في حدود إقليم كردستان الى ولادة الدولة العراقية قبل قرن من الزمن. وتفاقم الصراع في هذا الإقليم بعد اكتشاف النفط في كركوك في أواخر عشرينيات القرن العشرين ونشوء حركة قومية كردية في الستينيات تحدت حكم بغداد لما ادعى الاكراد انه يشكل “كردستان” العراق، بما في ذلك كركوك وحقولها النفطية. اتفاق الحكم الذاتي الذي تم التفاوض عليه عام 1970 أسس إقليميا كرديا في العراق، لكنه لم يحدد حدوده. وقد ترك ذلك نزاع بين المناطق المتنازع عليها وهي حزام واسع من الأراضي تقطنه مجموعات متنوعة إثنيا ويقع بين العراق العربي والعراق الكردي ويمتد بين الدود الإيرانية في وسط الشرقي الى الحدود السورية في الشمال الغربي.

وبكون لحزب العمل الكردستاني “Partiya Karkeren Kurdistan” ويمكن اختصاره ب PKK  هو حزب سياسي كردي يساري مسلح يجمع بين التوجهات القومية الكردية والماركسية اللينينية، هدف هذا الحزب هو انشاء ما يطلق عليه الحزب (دولة كردستان المستقلة) التي كانت تفترض ان تضم مناطق يقطنها الاكراد في تركيا وايران والعراق وسوريا، وقد تأسس هذ الحزب في نوفمبر 1978 في مدينة ديار بكر التركية [9].

وتتمثل الخيوط المشتركة في مناطق المتنازع عليها في العراق في إقليم كردستان لأنه يتميز بتركيبة اثنية مختلطة من السكان ووجود النفط والغاز في هذا الإقليم، فإن كلآ من الاقضية الأربعة عشر التي تشكل المناطق المتنازع عليها، وتنتشر على اربع محافظات، وفيها مزيج مختلف من الناس والثقافات والتحديات الاقتصادية. وكل من المناطق الثلاث وهما كركوك، وخانقين وطوز، خورماتو تواجه أطرافا مسلحة متنافسة، وعدوات بين مكوناتها المحلية وتوترات مع بغداد.

وينبغي لينا معرفة المناطق المتنازع عليها فيما يلي:

ويعود الصراع في العراق على وجودها الجغرافي في خريطة الشرق الأوسط، ولما تمتلكه من ثروات داخلية تحقق لها التنمية والرخاء الاقتصادي، وتكون تلك المناطق التي يوجد بها النفط العراقي هي من أكثر المناطق التي يوجد بها نزاع حاد على جميع الأطراف، ومن الأسباب أيضا التي تؤدي الى عدم الاستقرار السياسي في العراق، وفيما يلي يمكن لنا ان نوضح هذه الحقول التي تتصارع كل الأطراف الإقليمية والدولية عليها.

  • كركوك

تقع محافظة كركوك على الحدود بين الجزء من ذو الأغلبية العربية من العراق وإقليم كردستان العراق. ويشمل سكانها الاكراد “السنة”، والعرب ” السنة”، والتركمان ” السنة والشيعة”، إضافة الى مجموعة صغيرة من الكلدان والاشوريين المسيحيين. كانت منطقة كركوك مدينة تضم حامية عسكرية على طريق تجاري عثماني مهم وذلك ما يفسر لنا وجود السكان التركمان، وقد شكلت تلك المنطقة موقعا خليفيا في السنوات الأولى للجمهورية العراقية حتى بعد اكتشاف النفط.

وحقل كركوك هو أكبر حقل نفطي في العراق فأنه يوفر للحكومة عائدات منذ عقود، وبعد اكتشاف الحقول الأخرى باتت ذات أهمية أيضا. الا ان حقل كركوك ظل يشكل شريان الحياة خلال الحرب مع إيران في ثمانينيات القرن العشرين، عندما أصبحت حقول النفط الجنوبية، وبنيتها التحتية وخطوط انا بيبها غير قابلة للتشغيل، وبالنظر الى الأنظمة التي قادها البعثيون بايدلوجيا قومية عربية قوية، فتلك الأنظمة قامت بحملات تعريب مكثفة لكركوك لتعزيز سيطرتها على النفط، وفي ظل حكم صدام حسين وصل الامر الى الإبادة الجماعية في حملة الانفال عام 1988. [10]

وفي الغزو الأمريكي عام 2003 عكس هذا العنف على اعاده الاكراد وهجره عرب كركوك وتم تهميشهما سياسا تحت الحماية الاميريكية، وقد رسخ الحزبان الكرديان الرئيسان وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني هيمنتهما السياسة والعسكرية، لكنهما لم يتمكنا من ضم كركوك الى إقليم كردستان رغم نيتهما المعلنة قبل ذلك من خلال عملية نصت عليها المادة 140 من الدستور.

حيث كان في عام 2007 استفتاء في وضع كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها، وكان في ذلك العام الموعد النهائي المحدد للدستور، كما اجرى العراق انتخابات على مستوى المحافظة، وكانت كركوك تتخلف عن العملية بالنظر الى ان الأحزاب المحلية لم تتمكن من الاتفاق على صيغة لا تحو نتائج الانتخابات الى استفتاء بحكم الامر الواقع على وضع كركوك[11].

  • خانقين

تقع من قرب خط تماس سياسي بين الحدود الإيرانية والعراقية، وكانت خانقين متنازعا عليها حتى خلال فترات حكم الامبراطوريتين العثمانية والفارسية. المنطقة المتنازع عليها والتي تضم نواحي جلولاء، والسعدية وقره تبه، تقع أيضا بين طهران وبغداد على الممر الرئيسي للتجارة والحج، وتتميز بتربتها الخصبة جدا بفضل نهر ديالى الذي يرويها. وقد تم التنقيب فيها للمرة الأولى في بداية القرن العشرين في حقل نفط خانة الذي يمتد على جانبي الحدود، بالإضافة الى وجود سكان اكراد، فإن وجود النفط قد يكون سببا منذ ظهور الحركة القومية الكردية، لسعي القادة الاكراد لضم خانقين الى الفلك الإداري للأكراد.

وفي بداية سبعينات القرن العشرين شهد القضاء حصة من التلاعب الديموغرافي، من نزع الجنسية وترحيل الاكراد الشيعة “الفيلية” بالإضافة الى سياسات التعريب التي انتهجها نظام صدام أدت الى الضغوط التي مارستها حكومة إقليم كردستان بعد عام 2003 على العرب لمغادرة مدينة خانقين الى السعدية وجلولاء. وان جميع هذه المناطق يوجد بها خليط من السكان، الا ان مدينة خانقين يقطنها الاكراد الذين ينقسمون الى سنه وشيعة، في حين اغلب السكان يكونوا من العرب، مع أقليات تركمانية وكردية كبيرة. وتم منع التمرد وردود الفعل منذ قيام حكم فعال منذ عام 2003 خصوصا في النواحي حيث ان المجالس المحلية المنتخبة تتمكن من العمل وسط العنف، ومحاولات الاغتيال والتهديدات.

وفي عام 2014 قد سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على ناحيتي السعدية وجلولاء، ولكن ليس مدينة خانقين. وبعد خمسه أِهر اخرج الحشد والبشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني منها. وقد غيرت عودة الجيش والشرطة الاتحادية ووصول الحشد شكل الصراعات المحلية. وقد فرض تلك الحشد اليد العليا حالما استعاد الجيش المنطقة وانتقل الى غيرها، ونتيجة لذلك فقد ظلت الحكومة الاتحادية غائبة الى حد بعيد، بما في ذلك المستوي الإداري وقد أتاح ذلك الحشد منظمة بدر وعصائب اهل الحق لفرض ضرائب على التجار والطرقات وتخويف غير الشيعة بأنهم لا يحترمون القانون ولا الحكومة، على حد تعبير سياسي كردي محلي قد ملآ الحشد بشكل متزايد بمؤسسات الحكم المحلي بموظفين شيعة، ما عاد بالفائدة على التركمان المحليين بشكل خاص.

وكان الرد على تلك الأفعال انه تم مغادرة الكثير من الاكراد، ولم يتم إعادة بعضهما، واخرون تركوا مواقعهم بسبب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، ومازال الامن ضعيف والخدمات غير متوافرة. وقد زعما الحشد طرد عددا من العائلات الكردية من قرى منطقة جلولاء ودفع اخرين للمغادرة خشية الانتقام من محاولات الأحزاب الكردية بعد عام 2003 تم إخراج السكان العرب المحليين من المنطقة. وفي مدينة خانقين التي اغلب سكانها من الاكراد قد تمكن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من التمسك بالملف الأمني في تلك الاحداث، وقد استمرت هجمات تنظيم الدولة التي تنطلق من المناطق الريفية في تكتيكات نقلها المتمردين الاكراد في ثمانينيات القرن العشرين.

وفي عام 2017 قامت الحكومة بالسيطرة على المناطق المتنازع عليها قضاء خانقين، وقد تحقق ذلك بسهولة ويسر، لان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وافق على الانسحاب، وقد نسقت البشمركة التابعة له بسهولة مع الجيش الاتحادي مع تقدم هذا الأخير. الا ان الخليط السكاني سمح بحدوث ممارسات سياسية مؤذية قام بها لاعبون خارجيون استفادوا من الخلافات الاثنية والطائفية، خصوصا الحشد الذي وجد بين الشيعة المحليين مكونا داعما يرفض حكم الاتحاد الوطني الكردستاني وجهوده لضم خانقين الى إقليم كردستان.

  • طوز خورماتو

عاني قضاء طوز خورماتو الكثير وفي بعض الأحيان يتم الإشارة اليه ب طوز التي توجد في محافظة صلاح الدين الى الشمال مباشرة من بغداد من العنف أكثر من المناطق الأخرى المتنازع عليها في الفترة التي تلت مباشرة سيطرة الجيش العراقي والحشد في الأول من أكتوبر عام 2017، وقد يكون السبب في ذلك ان المنطقة قد عانت من الصدامات الاثنية والطائفية العنيفة منذ عام 2003 التي شارك فيها الاكراد والتركمان والسنة والشيعة بالإضافة الى العرب السنة.

حيث ان طوز تكون مركزا مهما للنقل، وهي تقع على الطريق السريع بين بغداد وكركوك، وتكون كركوك هي مركز تركماني في الأصل، في حين ان ريفها الشمالي والشرقي ذو أغلبية كردية، مع وجود قبائل عربية الى الجنوب والغرب. وفي أمر لي ذات أغلبية تركمانية شيعية في المدينة لكن قرى المنطقة ذات اغلبية سنية، وفي ناحية سليمان بك ذات أغلبية عربية سنية. لقد أظهرت انتخابات ما بعد عام 2003 ان قضاء طوز متنوع جدا، حيث لا تتمتع مجموعة إثنية واحده بالأغلبية[12].

وفي خلال تلك الفترة (2003-2017) شهدت منطقة طوز صدامات متكررة بين الأحزاب الكردية، وبشكل أساسي الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي تولي السيطرة الأمنية، والأحزاب التركمانية، قد ادي ذلك الى وصول تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014 الى الأجزاء الجنوبية والغربية من القضاء ومحاولات إخراجه منها الى تدمير القرى العربية والتركمانية. بتوجيه إيراني، وفي مقابل ذلك تحالفت بشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني مع مقاتلي الحشد الشيعة لمحاربة تنظيم الجولة، فقد عاقبوا السكان العرب الذين شكوا بتعاونهم مع التنظيم. واستعادت أيضا المليشيات الشيعية آمر لي في سبتمبر 2014 بعد ثلاثة أشهر فقط من سيطرة تنظيم الدولة عليها وأخرج الجيش والحشد التنظيم من المنطقة في العام 2015، وفي يناير عام 2015 اعتقل الحشد وقوات الامن نحو 700 عربي، والسبب هو الشك بانتمائهم الى تنظيم الدولة او دعمه، وفي العديد من الحالات، ومازال حتى الان مكان وجودهم غير معلوم. وقد استمر تنظيم الدولة الإسلامية في تهدي المناطق الواقعة الى الغرب من طوز، والاقتراب حتى ضواحي المدينة[13].

وتوضح تلك الخريطة المناطق المتنازع عليها

المصدر من تقرير الشرق الأوسط رقم 194/14، 2018

 المبحث الثالث: تنافس القوي الكبرى في العراق

  • الولايات المتحدة الامريكية

كما قال الأكاديمي الألماني فولكر برتس ان الولايات المتحدة كانت تستهدف منطقة الشرق الأوسط برمتها، في أهدافها أثناء غزو واحتلال العراق، ولقد أخطأت التعامل معه. وقد تكون الاحداث التر مرت بيها العراق بعد ذلك هر رد فعل من الولايات المتحدة بعد 11 أيلول بوجود أخطاء في المنطقة، وفي السياسات الامريكية السابقة تجاه المنطقة والتي ولدت كره للولايات المتحدة، لذلك كان على الأخيرة ان تعمل على اجراء تحول شامل فيها سياسي واجتماعي وفكري… بغض النظر حول الاختلاف مع هذا الاتفاق معه. فيما معنى ذلك ان مسألة السيطرة على الشرق الأوسط كان الهدف منها هي عملية التغير التي حدثت بعد احداث 2003، فمن ضمن الأهداف الاستراتيجية للهيمنة الكاملة هو نشر الديمقراطية، فإن ذلك كان لم يتحقق لو استقر العراق سياسيا او انحل الصراع العربي الإسرائيلي. وهذا ما يكون بعيدا حتى هذه اللحظة.

ويرتكز الفكر الأمريكي على ثلاث دعائم أساسية هما: استخدام القوة العسكرية، سيطرة المصالح الاقتصادية، تعميم قيم الاستهلاك والحرية الليبرالية.

وقد تعززت السياسية الخارجية الامريكية في العقود الماضية بطرق مختلفة الى ان وصلت الى مرحلة النزعة الامبريالية للإمبراطورية الامريكية. وقد اخترت الولايات المتحدة الامريكية العراق لكونها اسهل الحلقات واضعفها في المنطقة، ورغم ان الظروف الإقليمية والعربية ساعدت الولايات المتحدة الى التعجيل ببرنامجها السياسي لإعادة تأهيل العراق عما هو مقرر سلفا من الانتشار والاحتلال المباشر بنحو 5-10 سنوات، قبل الخوض في العملية السياسية، الا انها قد نجحت في التأسيس لمرحلة عراق ما بعد التغيير السياسي، وهذا ما نجده في المراحل الثلاثة التي شهدتها العراق[14].

  • مرحلة تغيير النظام السياسي في نسيان 2003 باحتلال بغداد.
  • مرحلة التأسيس للكيان السياسي الضعيف المرتبط بقدرة بقاء الولايات المتحدة.
  • المرحلة الثالثة والأخيرة وهي البدء في التأسيس بالوجود الأمريكي الدائم.

وان الولايات المتحدة كانت توظف نفسها في المجالات المحتملة ويمكن عرضها فيما يلي:

  • بناء قواعد عسكرية، ويتطلب ذلك عقد اتفاق أمني بين الولايات المتحدة والعراق، في توفير كافة المعلومات، ووضع لبنات أساسية يتم تركيزها في نحو 4 قواعد رئيسية يتوقع ان تكون قواعد دائمة بعد سحب القوات الامريكية ومن تلك القواعد (قاعدة على بن ابي طالب الجوية قرب الناصرية، قاعدة حرير الجوية شمال العراق، قاعدة الشعبية الجوية غرب بغداد، قاعدة شرقي بغداد).
  • بناء قواعد استخباراتية ومعلوماتية في انحاء متفرقة من العراق تكون محطات تجسس دائم على أحوال العراق والدول المجاورة.
  • التدخل من العراق ضد دول الجوار عند الحاجة والضرورة.
  • الضغط على دول المنطقة لأجراء اصلاحيات في نظم حكمها او نظمها الاقتصادي والتعليمية[15].

وبذلك تكون اهداف السياسية الخارجية واضحه امام العراق في ظل ضعفها السياسي ومصالح الولايات المتحدة منها.

  • إيران

قد عملت ايران في السنوات العشر الأخيرة على تحقيق نحو 35 رافداً رئيسياً كانت تمر في العراق،  فتم خسارة 80% من مصادر المياه بالعراق  فبذلك السلوك يكون غيره مشروع بكل الأوجه السياسية.

المصدر: صفاء خلف، إيران ومياه العراق: طرائف في الخنق، السفير العربي، 2018.

فأن ما تبين من المؤشرات المائية العالمية، من خلال “مؤشر الاجهاد المائي”، ان العراق سيكون ارضاً بلا انهار بحلول 2040، ولن يصل النهران العظيمان الى المصب النهائي في البحر. وبحلول عام 2025ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جداً في عموم العراق مع جفاف كُلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول دجلة الى مجرد مجرى مائي صغير محدود الموارد.

واجه العراق تناقصاً سريعاً ومضطرداً بموارده المائية. فخلال العقود الثلاث الاخيرة خسر ما يوازي نصف معدل المياه التي كان يتمتع بها خلال النصف الاول من القرن المنصرم. وفي السنوات الاخيرة خسر حوالي 80 في المئة من المياه المتدفقة اليه من إيران بعد قطعها نحو 35 رافداً رئيسياً وفقاً للجنة الزراعة والمياه النيابية العراقية. وقد اشارت اللجنة الى أن المتبقي هو سبعة روافد ايرانية، وأن طهران  في سعيها في بناء سدود جديدة عليها.
وقد قامت إيران ايضا بتغيير مسار أهم رافدين هما “الوند” و”الكارون”، ما اضرّ كثيراً بالمساحات الزراعية الواسعة في البصرة (جنوب) وواسط (جنوب شرق) وديالى (شمال شرق). ويؤكد مجلس محافظة واسط أن “الايرانيين يماطلون في المفاوضات ويتحججون بالجفاف وقلّة الامطار، أما التنسيق فهو مجرد وعود لا تطبّق في الواقع”.
وقد اقرت الحكومة الايرانية في العام 2011 عدد من المشروعات  لبناء 152 سداً، بعضا من هذه المشاريع كان للتحكم واستنقاذ المياه الداخلة الى العراق، لا سيما الروافد والانهر، فيما الحكومة المركزية العراقية، وعلى الرغم من التجاوزات المائية الايرانية وتسببها بحصار مائي خانق على الاراضي الاساسية والمواسم الزراعية، لم تشتكِ من السلوك الايراني وفقاً للاتفاقيات الدولية التي تنظم التدفق المائي بين البلدان، وظلت الاجتماعات الخجولة التي عقدتها بغداد مع طهران بهذا الشأن حبيسة الأوامر السياسية التي تشدد على تقديم التسهيلات الكبيرة والتطبيع الكامل. ونيابياً، فغالباً ما يتم تجنب الاشارة الى الاضرار الإيرانية وتحميل المسؤولية كاملة لأنقرة في حرمان العراق من المياه العذبة. وفي الوقت الذي تعقد فيه اجتماعات متكررة ودائمة مع مسؤولين ايرانيين، لرفع التبادل التجاري او التنسيق السياسي، لا يتم التطرق لمشكلة المياه[16].

 وكانت اخر اتفاقية بين العراق وإيران بالنسبة للوضع المائي هي “اتفاقية الجزائر” عام 1975 التي تم الغائها في عام 1980، من طرف العراق بعد سقوط الشاه فأشعلت حرباً مدمرة، واعيد العمل بها مجدداً بعد انتهاء الحرب، كاتفاقية وضع نهائي تحتاج الى لمسات تعديل وفقاً لمنطق الضعف العراقي والقوة الإيرانية، فقد استغلت ايران ذلك في ظل الضعف العراقي لفرض سياستها بسهولة على مجمل المصالح المشتركة في الشريط الحدودي من ماء ونفط وأراضي.
وقد عمدت السلطات الايرانية، وفي ذروة التصعيد الحاصل بين بغداد واقليم كردستان إبان ازمة الاستفتاء على انفصال المنطقة الكردية عن العراق العام الفائت[17]، الى قطع رافد “الزاب الكبير”، اكبر الشرايين المغذية لدجلة، ويمتد 402 كم داخل الاراضي العراقية بمعدل 30 الف م3/ في الثانية، كعقوبة سياسية برضا بغداد التي لم تعترض على الفعل الايراني. وارجعت طهران التدفق الى الرافد مجدداً عقب إجراء الاستفتاء ولاحظ المختصون أنه كان أقل من التدفق الطبيعي السابق.

في الوقت ذاته تسعى طهران الى بناء سدود وانفاق وتغيير مجرى انهار وروافد بحرفها الى داخل أراضيها، بعيداً عن العراق. ولعل ابرز مثال هو تغيير مجرى نهر سيروان في السنوات الاخيرة بعد 2003، الذي يزود بحيرة وسد دربنديخان بنحو 70 في المئة من طاقتهما المائية، ويشغل المحطة الحرارية لتوليد الكهرباء فيه، كواحدة من المشروعات المائية الايرانية الكبرى.

تحاول طهرن أيضا في إقليم كردستان بالتلاعب بورقة المياه في إطار إدارة الازمات السياسية، في الإقليم ووضع خطة طموحة لبناء 14 سداً وبحيرة صناعية لتخزين المياه على المدى البعيد والاستفادة منها في المشروعات الزراعية والخدمات.

  • تركيا

بالمقارنه بين تركيا وايران في الترابط بين اكثر الطوائف التي توجد في العراق، نجد ان هناك عدد من الشيعة التي توجد في الغراق، وتركيا يوجد لها فقط طوائف من التركمان، وبالتحديد في الجبهة التركمانية العراقية، وقد ركزت تركيا على وجود علاقات ثنائية مع الحكومة البعثية، ورغم عدم وجود علاقات قوية بين تركيا وبين المجتمع العراقي فبعض التركمان ،رغم كون ذلك استثنار واضحا، لا يرقون الى مستوي جماعات طائفية وعرقية اخري، فالاتزال تركيا طرفا مهما في مستقبل العراق، وفي الواقع اننا من الممكن ان ننظر الى تقلب الأوضاع على الساحة العراقية،  لا تستطيع أي دولة مجاورة ان تحدد سير التطورات المستقبلية فيه، ولكن تركيا لديها القدرة على إعاقة وتسهيل التقدم للولايات المتحدة وحلفائها في البلد، وهي لا تختلف في ذلك عن ايران.

فان انقره لديها القدرة على الاخلال بخطوط الامداد الأميركية ومنع الجيش الأمريكي من استخدام قاعدة انجرليك الجوية واللجوء الى الجبهة التركمانية العراقية لتصعيد توتر العلاقات العرقية بينهما، ولقد انحاز بعض التركمان الشيعة رغم عدم انتسابهم الى الجبهة التركمانية العراقية في تل عفر وحتى في كركوك الى المتمردين ضد الولايات المتحدة وحكومة علاوي. والجبهة التركمانية العراقية، بغض النظر عن تركيا، فأنها لديها بعض التأثير وحتى الاخلال بالظروف الواقعية في كركوك وما بعدها.

وتركيا تسعي باستمرار بان يكون لها محفزات إيجابية في العراق وفيما يلي يمكن توضيحها:

  • تغير الخطاب وعرض المساعدة السياسية على الاكراد سوف يساعدان ذلك على تخفيف بعض التوترات العرقية بين الاكراد والتركمان بحيث يصبح الحوار بشأن كركوك ممكنا.
  • استفادة تركيا من وجود كيان كردي علماني مستقل او حتى دولة مستقلة في حالة ازدياد تدهور الأحوال، ذلك الكيان من الممكن ان يلعب دور مهم في المنطقة العازلة.
  • تغير الخطاب التركة تجاه الاكراد سوف يساعد ذلك أيضا على تخفيف التوترات الداخلية في تركيا. فقد أدت تلك التغيرات في التأثير من عملية الانضمام الى الاتحاد الأوروبي الى حدوث تحسن ميداني.
  • كما ان هذا التقارب سوف يفيد تركيا اقتصاديا في محافظاتها الجنوبية الشرقية التي عانت الكثير من التمرد الذي تزعمه حزب العمال الكردستاني طوال فترة التسعينات[18].

ورغم تدخل كل هذا الدول في العراق وللكل مصالح وتنافس في التواجد في العراق، فأن الوجود الأمريكي في العراق يعوق قدرة تركيا على التأثير على مجريات الاحداث في تلك الدولة، فان لو رحلت الولايات المتحدة في العراق قبل ان يسود الاستقرار في العراق، كنا سوف نجد ان انقرة باقى لها جوانب أكثر وخيارات أكثر في العراق، ولا سيما في قدرتها على منع بعض التطورات من الحدوث في ظل هذا الاحتمال، سوف يبقى الاتحاد الأوروبي والضرر المصاحب لعملية الانضمام العقبة الوحيدة في طريق سياساتها.

الخاتمة:

هكذا في ظل عدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة الناتج عنها زعزعة الاستقرار القومي العراقي بعد عام 2003، والأسباب التي تتوزع ما بين الاخلية والخارجية التي تمت مناقشتها في هذه الدراسة. ويمكن القضاء على عدم الاستقرار السياسي في العراق او التقليل من الاثارة الناجمة عنه عبر اليات وخطط معينة يجب ان تضعها الدولة.

ونستنتج من هذه الدراسة ما يلي:

ان الصراع الإقليمي في المنطقة يؤثر على كل دول الجوار، وفي دراستنا بالتحديد على مستقبل العراق ووجودها كدولة بحدود معينة في الخريطة العالمية.

ضعف النظام السياسي الذي يوجد بالعراق، وعدم التصدي والحزم امام القوي الكبرى التي تتدخل بكل طاقاتها في الشؤون الداخلية للدولة وتأخذ مصادرها وثروتها من نفط ومياه واراضي، أيضا مشكلة التعددية الاثنية في العراق وكثرة الطوائف بها يؤدي الى وجود حروب وصراعات أهلية باستمرار في الدولة.

وان تلك الأسباب الكثيرة تؤدي الى وجود ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في العراق، وتقسم تلك الأسباب الى الداخلية منها (سياسية، دستورية، اقتصادية، ثقافية، اجتماعية) اما الخارجية فهي (إقليمية ودولية) وهذا ما رصدنا من خلال البحث والوصول الى النتائج المتبين امامنا. ولكن من خلال رؤية الباحث نجد ان المسببات الداخلية في النظام السياسي لاستقرار العراق هو الأساس في هذه التدخلات ولولاها لما تمكن العامل الخارجي ان يجد فرصة له للتدخل في الشأن العراقي الداخلي.

وهناك بعض التوصيات يقدمها الباحث في نهاية الدراسة.

  • اصلاح النظام السياسي الداخلي للدولة العراقية: قد تترك القوي السياسية العراقية في المرحلة القادمة أسلوب المحاصصة في إدارة البلاد، وان تتجه صوب الطريقة المتبعة في الدول الديمقراطية، أي تتم الانتخابات على أساس الكفاءة والخبرة والاستحقاق دون الالتفاف الى الهوية الفرعية.
  • اصلاح النظام السياسية في البلد او تغيرها واستبدلها بنظم سياسية قيادية أكثر حكمه وقيادة للعبور بالدولة الى مرحلة متقدمة تتمتع فيها بالاستقرار السياسي والحفاظ على امنها القومي في وجودها كدولة.
  • ان تقوم الدولة العراقية بتفعيل السياسة الخارجية وبناء محددات لها، وان تتفاعل في المحيط الإقليمي فيما يخصها من حقوق على أراضيها وثروتها.
  • ان يكون هناك جيش دفاعي قوي في العراق للتصدي لأي تعدي قد يحدث عليها مثلما تعدت على أراضيها العديد من القوي الكبرى.

قائمة المراجع

  • إبراهيم عبد القادر محمد، التحديات الداخلية والخارجية المؤثرة على الامن الوطني الأردني في الفترة (1999-2013) دراسة حالة، رسالة ماجستير، أنقرة، جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2013.
  • فاتن محمد رزاق، علاء جبار احمد، ضعف الهوية الوطنية وتأثيرها على الامن الوطني العراقي، بحث منشور من الانترنت.
  • أحمد فاضل جاسم داود، عدم الاستقرار المجتمعي في العراق ما بعد 2003 دراسة تحليلية في التحديات المجتمعية … والافاق المستقبلية، بحث منشور على الانترنت.
  • سيد إبراهيم، عدم الاستقرار السياسي في العراق بعد عام 2003، بحث منشور على الانترنت، مايو 2018.
  • الحاج، عبد الله جمعه، التحدي الإقليمي، مجلد10، العدد38، شؤون اجتماعية، جمعية الاجتماعيين في الشارقة، 2012.
  • عبد الله، على زياد، مستقبل التوازن والصراع في الشرق الأوسط، العدد153، شؤون الأوسط، مركز الدراسات الاستراتيجية، 2016.
  • محمد رمضان أبو شعيشع، ملفات معقدة: مستقبل الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، المركز العربي للبحوث والدراسات، مارس2018.
  • السعدون، واثق محمد براك، مستقبل العلاقات العراقية- التركية في ظل تحديات الامن الإقليمي، مجلة دراسات إقليمية، مجلد10، العدد31، جامعة الموصل، مركز الدراسات الإقليمية 2013.
  • فيسير، ريدار، الهوية الطائفية والصراع الإقليمي في العراق: وجهة نظر تاريخية، مجلد 30، العدد347، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، يناير2008.
  • تقرير الشرق الأوسط رقم 194/14 ، إعادة إحياء وساطة الأمم المتحدة بشأن الحدود الداخلية المتنازع عليها في العراق، تقرير مترجم من INTERNATIONAL CRISIS GROUP، ديسمبر 2018.
  • حسن، شذى زكي، النظام الإقليمي العربي بين إشكاليات الواقع والتدخلات الإقليمية والدولية، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 36، الجامعة المستنصرية- مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية، 2011.
  • خضر عباس عطوان، مستقبل دور العراق السياسي الإقليمي، مجلة دراسات دولية، العدد الثالث والثلاثون.
  • صفاء خلف، ايران ومياه العراق: طرائق في الخنق، السفير العربي ، 2018.
  • هنري ج. باركي، تركيا والعراق أخطار(وإمكانات) الجوار، تقرير من معهد السلام الأمريكي، تقرير رقم 141، يوليو2011.

([1]) إبراهيم عبد القادر محمد، التحديات الداخلية والخارجية المؤثرة على الامن الوطني الأردني في الفترة (1999-2013) دراسة حالة، رسالة ماجستير، أنقرة، جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2013،ص8.

([2]) فاتن محمد رزاق، علاء جبار احمد، ضعف الهوية الوطنية وتأثيرها على الامن الوطني العراقي، بحث منشور من الانترنت ، ص4.

([3]) أحمد فاضل جاسم داود، عدم الاستقرار المجتمعي في العراق ما بعد 2003 دراسة تحليلية في التحديات المجتمعية … والافاق المستقبلية، بحث منشور على الانترنت، ص3.

([4]) سيد إبراهيم، عدم الاستقرار السياسي في العراق بعد عام 2003، بحث منشور على الانترنت، مايو 2018، ص44، 45.

([5])الحاج، عبدالله جمعه، التحدي الإقليمي، مجلد10، العدد38، شؤون اجتماعية، جمعية الاجتماعيين في الشارقة، 2012، ص202.

([6]) عبد الله، على زياد، مستقبل التوازن والصراع في الشرق الأوسط،  العدد153، شؤون الأوسط، مركز الدراسات الاستراتيجية، 2016، ص80.

([7]) محمد رمضان أبو شعيشع، ملفات معقدة: مستقبل الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، المركز العربي للبحوث والدراسات، مارس2018.

([8]) محمد رمضان أبو شعيشع، ملفات معقدة: مستقبل الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، مرجع سابق.

([9]) السعدون، واثق محمد براك، مستقبل العلاقات العراقية- التركية في ظل تحديات الامن الإقليمي، مجلة دراسات إقليمية، مجلد10، العدد31، جامعة الموصل، مركز الدراسات الإقليمية 2013، ص299.

([10]) فيسير، ريدار، الهوية الطائفية والصراع الإقليمي في العراق: وجهة نظر تاريخية، مجلد 30، العدد347، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، يناير2008، ص44.

([11]) تقرير الشرق الأوسط رقم 194/14 ، إعادة إحياء وساطة الأمم المتحدة بشأن الحدود الداخلية المتنازع عليها في العراق، تقرير مترجم من INTERNATIONAL CRISIS GROUP، ديسمبر 2018، ص7.

([12]) تقرير الشرق الأوسط رقم 194/14 ، إعادة إحياء وساطة الأمم المتحدة بشأن الحدود الداخلية المتنازع عليها في العراق، مرجع سابق ص12.

([13]) تقرير الشرق الأوسط رقم 194/14 ، إعادة إحياء وساطة الأمم المتحدة بشأن الحدود الداخلية المتنازع عليها في العراق، مرجع سابق، ص14.

([14]) حسن، شذى زكي، النظام الإقليمي العربي بين إشكاليات الواقع والتدخلات الإقليمية والدولية، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 36، الجامعة المستنصرية- مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية، 2011.

([15]) خضر عباس عطوان، مستقبل دور العراق السياسي الإقليمي،  مجلة دراسات دولية، العدد الثالث والثلاثون، ص149،150.

([16]) صفاء خلف، ايران ومياه العراق: طرائق في الخنق، السفير العربي ، 2018.

([17]) خضر عباس عطوان، مستقبل دور العراق السياسي الإقليمي، مرجع سابق، ص159.

([18]) هنري ج. باركي، تركيا والعراق أخطار(وإمكانات) الجوار، تقرير من معهد السلام الأمريكي، تقرير رقم 141، يوليو2011، ص12،13.

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=67507

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M