الصين الشعبية : القواعد غطاء عسكري لإستثماراتها وإنتشارها الإقتصادي الدولي

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي

 

بدأت العسكرية الصينية  منذ 2010 في الخروج من النطاق الداخلي أي من موقع الثبات والإنطلاق إلي خارج النطاق الصيني بإتجاه مواقع توفر للعسكرية الصينية ميزتي الحركة والإستعداد للمواجهة مع خصمها الرئيسي وهو الولايات المتحدة بالتنسيق أوبدون التنسيق مع الروس , وهكذا أصبحت العسكرية الصينية طموحة كالعسكرية الروسية , فلديها طاقة من الموارد البشرية تُعد الأضخم في العالم إذ أن جيش التحرير الشعبي الصيني يضم مليوني فرد وإلي عهد قريب جداً كان هذا الجيش مُتمركزاً داخل أراضي الصين و ظل الوضع كذلك إلي أن إتفقت الصين الشعبية مع حكومة جيبوتي عام 2010علي إقامة قاعدة بحرية عسكرية صينية تتسع لنحو 10,000 من جنودها (تم إفتتاحها عام 2017) , وفي عام 2021 تم الانتهاء من بناء رصيف جديد بهذه القاعدة مُعد لإستقبال حاملات طائرات وغواصات نووية ليتلاءم مع مُخططها العام لتعزيز وجودها الأمني على مستوى القارة وبالقرن الأفريقي والمحيط الهندي (أعلن وزير الخارجية الصيني  Wang Yiعن إستحداث منصب مبعوث صيني خاص للقرن الأفريقي) , وستسضيف هذه القاعدة أكثر من 2000 إضافيين من الأفراد العسكريين الصينيين لاحقاً , ومعلوم أن القاعدة الصينية بجيبوتي تقع بالقرب من القاعدتين العسكريتين الفرنسية والأمريكية المُتمركزة بمعسكر Camp Lemonier بجيبوتي التي تُعتبر بمثابة المقر للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM (اُعلن عن إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا رسمياً في 6 فبراير2007 وظلت هذه القيادة فرعية للقيادة العسكرية الأوروبية الأمريكية حتي أكتوبر 2008) وتتمركز بها حامية عسكرية أمريكية قوامها 4,0000 رجل إضافة إلي تواجد منشآت عسكرية تابعة لألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة واليابان والمملكة العربية السعودية , كما أن جيبوتي تاريخيا إرتبطت بالعسكرية الفرنسية التي تعد جيبوتي أيضاً أحد أهم مواقعها العسكرية بأفريقيا بموجب عدد من الإتفاقات العسكرية الموقعة مع فرنسا منذ إستقلال جيبوتي وحتي وقت قريب , وبذلك أصبح للعسكرية الصينية موقع يتيح لبحريتها حركة حرة ومرنة ومجالاً واسعاً للمناورة , وتتيح قاعدتها بجيبوتي نطاقاً واسعاً ومُتداخلاً جغرافيا إذ أن هذه القاعدة تطل علي خليج عدن فبحر العرب فخليج عُمان فالمحيط الهندي وإنطلاقاً من هذه القاعدة الإستراتيحية في جيبوتي يمكن للعسكرية الصينية توفير تغطية حمائية لإستثماراتها بدول القرن الأفريقي حتي ما وراء الساحل الموزمبيقي علي المحيط الهندي والمُشاركة في التحكم في البحر الأحمر , ولهذا تُعني الصين بدعم حكومة أبي أحمد وتوفير البقاء والحماية لها من جبهة تحرير تيجراي , إضافة لكون هذه القاعدة توفر حماية من نوع آخر لشحنات البترول الصيني من أهم منتجي البترول بهذه المنطقة من العالم في مقدمتهم السعودية التي وقعت في 10 يناير 2022عددًا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الصين في مجالات صناعات النفط والبتروكيماويات والتعدين والكهرباء والسيراميك والموانئ (أعربت الصين عن اهتمامها بأن تصبح مستثمرًا رئيسيًا في شركة Aramco أكبر شركة نفط بالعالم وكان من المحتمل أن يسمح هذا الموقف للصين بإحداث تغيير في تجارة النفط العالمية المقومة بالدولار لكن الصفقة لم تتم لكن نية الصين كانت واضحة) ومن المعروف أن السعودية تؤيد وبقوة موقف الصين بشأن تايوان وشينجيانغ وبحر الصين الجنوبي الذي قامت الصين بتركيب صواريخ كروز المضادة للسفن وأنظمة صواريخ أرض – جو بجزر Spratlyالمُتنازع عليها فيه , كما قامت ببناء 400 مبنى يمكن أن تستوعب قواتها العسكرية على الشعاب المرجانية هناك , ورداً علي ذلك أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 24 مايو 2018 إلغاءها دعوة الصين للمشاركة في مناورة Rim of the Pacific في هاواي بسبب ما وصفته “بنكث وعدها” بعدم عسكرة جزرSpratly , وقد جاء إعلان الـ  Pentagon على خلفية الخلاف التجاري مع الصين , فقد انتهت المحادثات بين البلدين في هذا الشأن وقالت الولايات المتحدة إنها ستؤخر الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية التي تدخل اليها , لكن يبدو أن التزام الصين كان أكثر غموضًا في تقدير الأمريكيين , وذلك علي الرغم من أن الصين وعدت بخفض العجز التجاري مع الولايات المتحدة لكن بمقدار غير مسمى  .

كذلك تجدر الإشارة أن شبكة CNN ذكرت في تغطية لها في ديسمبر 2021أن المملكة العربية السعودية بدأت في تصنيع صواريخ باليستية بمساعدة الصين وأن المملكة اإشترت بعضها من الصين لكنها لم تحاول بناء صواريخها حتى الآن , ولا تقتصر الحركة الصينية في المجال العسكري علي السعودية , فالكيان الصهيوني المُرتبط عضوياً بالعسكرية الأمريكية إستدار قليلاً نحو الصين التي تعتبر ثالث أكبر شريك اقتصادي للكيان الصهيوني الذي يُواجه حسابات معقدة فهو أمام خيارين إما : (1) فتح علاقات متسعة مع بكين أو (2) محاولة مواصلة العمل كالمعتاد مع الحليف الإستراتيجي أي مع الولايات المتحدة فقط وحصراً , ويبدو أن الصهاينة يمموا وجههم في العام الماضي شطر بكين حين رفض الكيان الصهيوني عرضًا قدمته الولايات المتحدة لتفتيش ميناء حيفا الذي شاركت الشركات الصينية في توسيعه الميناء ، فالأمريكيون يُساورهم القلق من إمكانية إستخدام الصينيين لمواقعهم في حيفا لمراقبة العمليات العسكرية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة , وعلى الرغم من الضغط الأمريكي المكثف رفض الصهاينة عرض التفتيش , و للقلق الأمريكي مبررات عدة قوية منها مثلاً أن وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت في 15 يناير 2021 عن أنها ستضم “الكيان الصهيوني” حليفها الوثيق في المنطقة إلي نطاق عمل قيادتها المركزية U.S. Central Command بعد أن كان الكيان الصهيوني ولعقود مضت ضمن نطاق عمل القيادة العسكرية الأوروربية للولايات المُتحدة EUCOM  .

أشارالكتاب الأبيض الصيني لعام 2019 إلي دور الجيش في حماية مصالح الصين فيما وراء البحار Overseas Interests   باعتبارها جزءًا لا يتجزّأ من مصالح البلاد الحيوية والاستراتيجية وهكذا صار الجيش مدعوًّا إلى الانخراط في تطوير آليات تدخله الأمني والعسكري وأدواته لحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشعب الصيني في الخارج ، بدءًا من جنوب شرق آسيا مرورًا بالخليج العربي والمحيط الهندي وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط , ولذلك فالتحرك العسكري الصيني لحيازة قواعد بحرية كالتي في جيبوتي والمُحتملة في غينيا الإستوائية لا يخرجان عن كونهما تطبيق لإستراتيجية عسكرية مُعلنة .

التحرك الصيني لإقامة قواعد بحرية مُطلة علي المحيط الأطلنطي :

حالة غــينــيا الإستوائــيــة :

بعد أسبوع من قمة منتدي الصين / أفريقيا FOCAC الذي عُقد بداكار عاصمة السنغال في الفترة من 29-30 نوفمبر2021 تداولت المواقع الإخبارية بدءاً من 6 ديسمبر 2021 موضوع محاولة الصين الشعبية إقامة قاعدة بحرية لها في ميناءBata  الواقع علي المحيط الأطلنطي وهوأكبر مدينة بالجزء الرئيسي من غينيا الاستوائية(إستقلت عن أسبانيا عام 1968وعدد سكانها1,4 مليون نسمة) ويبعد بنحو 200 كم جنوب شرق العاصمة Malabo يينما تقع العاصمة Malabo في جزيرة  Bioko وجاءت الإشارة لهذا الموضوع في تقرير نُشر بصحيفة Wall Street Journal الأمريكية لكن John Kirby الناطق باسم Pentágon رفض في مؤتمر صحفي عُقد في 6 ديسمبر 2021تأكيد محتوى هذا المقال الذي أحالت الصحيفة مضمونه علي تقارير استخباراتية أمريكية سرية (بدأت وكالات المخابرات الأمريكية في التقاط مؤشرات على النوايا العسكرية الصينية في غينيا الاستوائية عام 2019وفي هذا الحين حاولت إدارة الرئيس Trump ثني الرئيس Obiang عن الإستجابة للرغبة الصينية) كما أشار Kirbyإلى أن الصين تسعى لإقامة قاعدة عسكرية في غينيا الاستوائية لكنه من جهة أخري أوضح أن :”هناك مخاوف تتعلق بالأمن القومي (الأمريكي) لقد رأينا الصين تحاول إقامة مواقع ولا أقول إن إرسال عسكريون لأجزاء أخرى من العالم لمحاولة كسب النفوذ , كما أن الصين لديها سلوك قسري مع العديد من الدول الأفريقية وهي تحاول الترهيب والتأثير بإجراءات اقتصادية سعيا لتحقيق أهدافها الأمنية الوطنية” , لكن تصريح الناطق باسم Pentagon لا يعني عدم علم الإدارة الأمريكية بنوايا الصين تجاه غينيا الإستوائية فقد ورد في التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأمريكية لعام 2020 إلى الكونجرس توقع Pentagon بأن الصين ستضيف منشآت عسكرية على طول الساحل المحيط الهندي لأفريقيا في دول مثل كينيا وسيشيل وتنزانيا وساحل الأطلسي  لأنجولا علي مدي السنوات الـ  15 نظرًا للكمية الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي المسال المصدرة من غرب ووسط إفريقيا مما يجعل المنطقة ذات أولوية قصوى بالنسبة للصين , كذلك حذر مسؤولو دفاع أمريكيون منذ منتصف عام 2021 من أن الصين تدرس إقامة قاعدة بحرية في غينيا الاستوائية , وتوضيحاً لماهية هذه القاعدة المُحتملة قالPaul Nantulya  وهو باحث مشارك في  Africa Center for Strategic Studiesالمُمول من قبل الـ  Pentagon: ” إن الصين لا تبني فقط قاعدتها العسكرية علي المنوال الأمريكي , فالنموذج الصيني مختلف جدًا جدًا فهي تجمع بين عناصر مدنية وأمنية” , كذلك أشار مقال Wall Street Journal ومسئوليين أمريكيين معنيين إلي أن الرئيس الصيني Xi Jinping يأمل في إقناع Teodoro Obiang Nguema Mbasogo رئيس غينيا الإستوائية (تولي الحكم بإنقلاب عسكري عام 1979علي عمه Francisco Macias) بالسماح بإقامة توسعات في هذا الميناء تمكن الصين من إقامة قاعدة عسكرية به , ويري مسئولون أمريكيون في هذه القاعدة خطراً مباشراً علي الأمن القومي الأمريكي (للولايات المتحدة 800 قاعدة عسكرية بأكثر من 70 دولة ومنطقة و138000 جندي يتمركزون في الخارج) , إذ إنه لو إستطاعت العسكرية الصينية التموضع في نقطة إرتكاز ثابتة دائمة علي المحيط الأطلنطي ولتكن مثلاً ميناء Bata الواقع علي الساحل الأفريقي المُقابل للساحل الشرقي للولايات والذي تتوفر به طرق سريعة تربطه بالجابون ووسط أفريقيا , فسيمكن والحالة هذه للسفن الحربية الصينية الوصول بأقل تكلفة ومسافة وإستهداف المدن الأمريكية الكبرى مثل واشنطن العاصمة ونيويورك وبوسطن وغيرهم , وتنبغي الإشارة إلي أن الأمريكيين يتابعون عن كثب هذا التحرك الصيني العسكري في أفريقيا(قدمت الصين100 مليون دولار مساعدة عسكرية للاتحاد الأفريقي لدعم إنشاء قوة أفريقية جاهزة والقدرة الأفريقية الاستجابة الفورية للأزمات) , وإزاء هذا التحرك الصيني قام النائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي الأمريكي Jon Finerبزيارة غينيا الاستوائية في أكتوبر 2021 لمحاولة لإقناع رئيس غينيا الاستوائية Teodoro Obiang Nguema Mbasog (79 عاماً) وابنه وولي عهده نائب الرئيس  Teodorin” Nguema Obiang  Mangueبإبعاد البلادعن عن الصين في هذا الشأن ” , كذلك قال مسؤول كبير في إدارة الرئيس  Joe Biden: “كجزء من دبلوماسيتنا لمعالجة قضايا الأمن البحري أوضحنا لغينيا الاستوائية أن بعض الخطوات المحتملة التي تنطوي على نشاط (صيني) هناك ثمة مخاوف تتعلق بالأمن القومي “, وبدوره صرح قائدالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM الجنرالStephen Townsend  في أبريل 2021قائلاً :”إن التهديد الأكثر أهمية من الصين سيكون إقامة منشأة بحرية مفيدة عسكريًا على ساحل المحيط الأطلسي لإفريقيا … إني أتحدث عن ميناء حيث يمكنهم إعادة تسليحهم بالذخائر وإصلاح السفن البحرية ” , وأكد ذلك بتصريح آخر في مايو 2021 قال فيه :”إن الصين تتطلع إلى دول على طول الساحل الغربي الأفريقي بأكمله تقريبًا حتى شمال موريتانيا وجنوباً مثل ناميبيا في محاولة للعثور على قاعدة في المحيط الأطلسي” , والجدير بالذكر أن غينيا الإستوائية داخلة في نطاق عمل AFRICOM , ففي هذا الإطار قام حرس السواحل الأمريكي عام 2013 بزيارات للرأس الأخضر وغينيا الإستوائية التي يقوم عناصر البحرية الأمريكية بحماية منشآت بترول تابعة للشركات الأمريكية ( Chevron و Exxon) بها من خلال حرس خاص غير مُسلح والتعاون علي منع وإخضاع كافة أشكال الجريمة البحرية والأنشطة غير المشروعة , كذلك شاركت غينيا الإستوائية في تدريبات بحرية جرت في الفترة من 19 إلي 27 مارس 2015 تحت مُسمي OBANGAME EXPRESSأمتد مسرحها ليشمل 12 دولة أفريقية هي أنجولا والكاميرون وساحل العاج والكونجو الديموقراطية وغينيا الإستوائية والجابون وغانا ونيجيريا وجمهورية الكونجو وبنين وساوتومي وبرنسيب وتوجو , بالإضافة إلي مشاركة بلجيكا والبرازيل والنرويج وألمانيا والبرتغال والدنمرك وتركيا وفرنسا وأسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وذلك في مسرح قتالي يقع ما بين شواطئ ساحل العاج حتي شواطئ أنجولا علي المحيط الأطلسي , وتأتي هذه التدريبات إنطلاقاً من توقيع 22 دولة بغرب ووسط أفريقيا علي Yaoundé Code of Conduct وهي وثيقة تلتزم بموجبها الدول المُوقعة عليها بالعمل والتعاون علي منع وإخضاع كافة أشكال الجريمة البحرية والأنشطة غير المشروعة للمحاكمة , وتحاول الولايات المتحدة إبعاد غينيا الإستوائية – التي تعتمد إلي حد كبير على شركات النفط الأمريكية – عن الصين , لذلك عملت الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات مع غينيا الاستوائية في العام الماضي 2021 فعرضت مثلاً في مارس 2021 مساعدتها بعد انفجار مخزن ذخيرة في إحدى القواعد العسكرية بها أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص , وفي أغسطس 2021 رست سفينة حربية أمريكية قبالة ميناء Bata ودعت المسؤولين المحليين وأفراد البحرية لمراقبة التدريب على مكافحة الحرائق على متن السفينة , كما رفعت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرًا ترتيب غينيا الاستوائية في تقييمها السنوي لكيفية مكافحة البلدان للاتجار بالبشر وقد يؤدي هذا التحسين لمركز غينيا الإستوائية التصنيف الإيجابي إلي تلقيها المساعدة الأمنية من البحرية الأمريكية مما يُعززالعلاقات الثنائية , ولو أني لا أعتقد أن هذه الأعمال الأمريكية ستفي وحدها بغرض إقناع الديكتاتور Teodoro Obiang في الإبتعاد عن الصين (التي تساعد في تدريب وتسليح شرطة غينيا الاستوائية بينما تعتمد غينيا الاستوائية على التكنولوجيا الأمريكية لإستغلال احتياطياتها النفطية الكبيرة) , لكن تظل الصين الشريك التنموي الأساسي للبلاد , ففي عام 2006 وقع بنك China Exim وحكومة غينيا الاستوائية اتفاقية تسهيل ائتمان للمشتري المدعوم بالنفط بقيمة 2 مليار دولار لتطوير ميناء Bata حتي يكون مرفق حديث وميناء عميق , كما أكملت شركة تشييد الاتصالات الصينية أعمال البناء لتوسيع هذا الميناء في ديسمبر 2014 , وفي العام التالي وقع البنك الصناعي والتجاري الصيني صفقة تمويل مماثلة بمبلغ 2 مليار دولار لدعم تطوير البنية التحتية والأنشطة المحلية للشركات الصينية والحكومة نفسها كما قدم بنك التصدير والاستيراد الصيني للحكومة خط ائتمان قدره نصف مليار دولار , وفي نهاية المطاف تم افتتاح ميناء Bata عام 2019 وبه حالياً رصيفين تجاريين طويلين (530 مترًا و 550 مترًا) ، مما يُوفر التعامل مع أي سفن قتالية تابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي (PLAN) , بالإضافة لتوفر محطة بحوار الميناء للتزود بالوقود , كما أن هذا الميناء به منطقة تخزين واسعة وساحة متعددة الوسائط  مفيدة لعمليات إعادة التوريد .

المُحصلة أنه وبحلول عام 2021بلغت نسبة ديون غينيا الاستوائية للصين من مجمل الناتج المحلي الإجمالي ما يقدر بـ 49.7٪   (وهي حالة دول أفريقية أخري مع الصين) , وعلى الرغم من تواصل الولايات المتحدة في توقيت مُتاخر مع غينيا الاستوائية بزيارة قام بها – كما أسلفت – النائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي للولايات المتحدة لمناقشة الأمن البحري إلا أنه يبدو أن نظام الرئيس Obiang ماض قدمًا في خطته لاستضافة قاعدة بحرية صينية فالولايات المتحدة إكتفت بثقل أهمية شركاتها البترولية في غينيا الإستوائية وإحتياج النظام هناك لأموال البترول وهو أمر لم يعد كافياً لهذه النظم الغاشمة المُتهالكة الشرهة فالصين تعلم أن نظام Obiang كغيره من النظم القائمة علي الفساد جشع لا يشبع ومع ذلك ففي سبيل تحقيق إستراتيجية تمددها الإقتصادي والعسكري بالعالم لا تتدخل مُطلقاً في الشئون الداخلية لأي من الدول التي تتحرك بإتجاهها ومن ثم فلا يعنيها في شيء ملف إنتهاك هذه الدولة أو تلك  لحقوق الإنسان , إذ أن هذه الإنتهاكات تقترفها الصين نفسها خلافاً لما تفعله الولايات المتحدة التي اتهمت  حكومة Obiang بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القضاء وحالات اختفاء قسري وتعذيب وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان (بالرغم من ثروة غينيا الإستوائية الناتجة عن صادرات البترول إلا أن 75% من الشعب يعيش على أقل من دولارين في اليوم) , والمُؤسف أيضاً أن الولايات المتحدة تفعل ما تفعله الصين بدعمها لديكتاتوريات مختلفة في الشرق الأوسط وخارجه فعلي سبيل المثال نجد أن شركتي Chevron و Exxon الأمريكتين ، كانتا الدعامة الاقتصادية لدكتاتورية عائلة  Obiangالفاسدة لأكثر من عقدين, بل إن شركة Chevron تفاخرت مؤخرًا بأن شركتها الفرعية Noble Energy تنتج أكثر من 60 % من النفط والغاز بغينيا الإستوائية كما أن Chevron وقعت مُؤخراً اتفاقية جديدة مع نظام Obiang حتى بعد أن أصبحت التقارير المتعلقة بالتوسع العسكري الصيني المحتمل بغينيا الإستوائية علنية , ومن المعقول جداً أن يضع نشاط تناقض شركتي Chevron و Exxon الداعم لنظام Obiang إدارة الرئيس  Bidenإدارة في تناقض حاد مع نفسها ومع الغير ويجعل من مخاوفها المتواضعة بالفعل بشأن إنتهاك نظام Obiang حقوق الإنسان في غينيا الاستوائية لا مبرر حقيقي لها ويتضاعف هذا التناقض مع العلم بأن الإدارة الأمريكية تعتمد علي Teodorín Obiang وريث أبيه Obiang في منع بناء التثبيت البحري الصيني ببلاده , ومع كل هذا نجد أن وزارة العدل الأمريكية صعدت مواجهتها ضد الديكتاتور Obiangفرفعت سلسلة من القضايا المدنية ضد الرئيسTeodoro Obiang بزعم إستيلاءه علي أموال من خزانة البلاد لتحقيق منافع شخصية  في تسوية عام 2014 , وقد رضخ Obiang فسلم بعض أصوله لوزارة العدل , وفي الواقع فإن الإدارة الأمريكية الديموقراطية برئاسة الرئيس Biden تواجه مأزقاً في تناول الإقتراب الوشيك للصين من إقامة قاعدة بحرية عسكرية لها في هذه الدولة التي يقبع علي سدة الحكم بها ديكتاتور من غير الممكن مسائلته في بلاده فهو مُستمر في حكم فاسد منذ 41 عاماً وسمعته هو وأبنه غاية في السوء إذ أن الأب وأبنه يمارسان بلا إكتراث بسوء العاقبة انتهاكات مُتصلة لحقوق الإنسان وتُوجه إليهما والعائلة اتهامات بالاختلاس , ولهذا صُنفت غينيا الإستوائية وفقاً للمؤشر السنوي لمنظمة الشفافية الدولية في المرتبة الرابعة بين أكثر الدول فسادًا في العالم وقد أُدين نجل الرئيس وخليفته المحتمل نائب الرئيس  “Teodorin” Nguema Obiang Manguمؤخرًا بتهمة الاختلاس في فرنسا وجمدت الحكومة البريطانية أصوله بل ومنعته من دخول المملكة المتحدة .

السؤال الرئيسي فيما يتعلق بالقاعدة البحرية العسكرية الصينية المُحتملة في غينيا الإستوائية هو : هل لو تمادي نظام Teodoro Obiang وفعلها أي لو وقع إتفاقاً مع الصينيين لإقامة هذه القاعدة , أفسيعني ذلك إصدار الإدارة الأمريكية أوامرها لشركتي Chevron  و Exxonلإنهاء نشاطهما أو إيقافه في غينيا الإستوائية ؟ إجابتي أنه أمر ممكن فقد سبق للإدارة الأمريكية أن ضغطت علي شركة  Chevronفأنسحبت من جنوب السودان إبان الحرب الأهلية بين شمال السدان ومُتمردي الجنوب .

علي كل حال فلإن موضوع إقامة قاعدة بحرية عسكرية للصين في غينيا الإستوائية قبالة الساحل الأمريكي علي الجانب الآخر من الأطلنطي موضوع خطير جداً للولايات المتحدة , لذلك كتب  Teodoro Nguema Obiang Mangueنائب رئيس غينيا الإستوائية وأبن الرئيس ووريثه المُرتقب فى حسابه على تويتر في 8 ديسمبر 2021 وقال : “أريد أن أبذل قصارى جهدي لإنكار المعلومات التي نشرتها صحيفة  Wall Street Journalالأمريكية حول قاعدة عسكرية صينية مزعومة في غينيا الاستوائية , إن الصين نموذج لدولة صديقة وشريك استراتيجي ، لكن في الوقت الحالي لا يوجد مثل هذا الاتفاق”  لكنه إستدرك فأضاف : “إن غينيا الاستوائية دولة مستقلة وذات سيادة ويمكنها توقيع اتفاقيات تعاون مع أي دولة صديقة ” .

حالة ســاوتــومـــي وبــرنـــســيــب : 

بغض النظر عن تأكيد أو نفي إقامة الصين لقاعدة في غينيا الإستوائية فإن الموضوع برمته يفتح ملف التحرك البحري العسكري الصيني في كل المُسطحات البحرية لعالمنا , كما أن خطورة إقامة الصين قاعدة بحرية بغينيا الإستوائية من هذه الزاوية ليست فقط في كونها في مُواجهة أو قبالة ساحل الولايات المتحدة الشرقي الذي به جانب مهم من توطن الصناعات ورأس المال الأمريكي والذي أصبح سهل المنال Attainableعسكرياً أوعلي الأقل مُعرضاً Vulnerable إضافة إلي أن به أيضاً معظم مصافي البترول الأمريكية أيضاً , كما أنه بفرض نجاح مسعي الصين لإقامة هذه القاعدة بغينيا الإستوائية فإنها تكون بذلك قريبة جداً من تحقيق هدفين مهمين جداً : (1) الإقتراب والإتصال والترويج لعسكريتها ونظم تسليحها في دول لجنة خليج غينيا التي تضم في عضويتها 8 دول أفريقية مُنتجة للبترول منهم غينيا الإستوائية و(2) الإقتراب أكثر فأكثرمن تحقيق هدف عسكري آخر بإقامة قاعدة بحرية أكثر أهمية في ساوتومي وبرنسيب (عضوبلجنة خليج غينيا) خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد تلقت ما يمكن وصفه بالضربة المُؤلمة في أفريقيا من الصين الشعبية عندما أصدرت جمهورية ساوتومي وبرنسيب (دولة أفريقية مكونة من جزيرتين مساحتهما 1000كم مربع تعداد سكانهما 200,000 نسمة تقعان في قلب خليج غينيا بالمحيط الأطلنطي وتبعدان عن ساحل الجابون بنحو 300 كم) بيان في 20 ديسمبر 2016 تضمن قرارها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع جمهورية الصين الوطنية (تايوان) التي تأسست منذ 19 عاماً (عام 1997) علي أنقاض علاقة دبلوماسية سابقة كانت قوية مع الصين الشعبية أي أنها إستعادت علاقاتها مع الصين الشعبية , وأشار البيان الذي وقعه وزيرا خارجية الصين وساوتومي إلي الإعتراف بمبدأ وجود صين واحدة , وقد بررت ساوتومي قرارها بأنه يأتي دفاعاً عن مصالحها الوطنية وإتساقاً مع الظرف الدولي في وقت تبحث فيه البلاد عن تنويع شركاؤها لمواجهة الموقف الصعب الذي أحد مظاهره الأزمة المالية , وأشار هذا البيان إلي أن مجلس وزراء ساوتومي وجه وزير الخارجية لإتخاذ الإجراءات المناسبة دون إبطاء , فيما أشار وزير خارجية ساوتومي للصحافة بالصين عقب التوقيع علي إتفاق إستعادة العلاقات أنه إجري مباحثات مع نظيره الصيني في 26 ديسمبر 2016 وأوضح له أن بلاده ستعوض “الأخطاء السابقة ” الناجمة عن قطع الصين الشعبية لعلاقاتها الدبلوماسية مع ساوتومي في مايو من عام 1997 بسبب تأسيس ساوتومي لعلاقات دبلوماسية مع تايوان , وأن هذا القرار سيفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية , وفي تصريح أدلي بهEvaristo Carvalho رئيس ساوتومي في 31 ديسمبر 2016 مُعلقاً علي إستعادة العلاقات مع الصين الشعبية قال”إنه أحد أهم القرارات السياسية لساوتومي” مُضيفاً ومبرراً ذلك بأنه “لا يرجع فقط للدور الحاسم والمُتنامي للصين في السياسة الدولية , بل كذلك للتسهيلات التي تقدمها الصين للبلاد النامية ” .

قبل أن تتحرك الصين نحو غينيا الإستوائية بنحو 15 عـامـاً من أجل حيازة قاعدة بحرية بها سبق أن رصدت – خلال عملي سفيراً لمصر لدي ساوتومي وبرنسيب – إقتراباً صينياً من ساوتومي بدأ إقتصادياً عندما وجهت بكين الدعوة لحكومة ساوتومي (رغم إعتراف ساوتومي بتايوان) للمشاركة في المنتدي الإقتصادي التجاري الثاني للصين وتجمع الدول الناطقة بالرتغالية CPLP الذي عُقد ببكين في أكتوبر / نوفمبر 2006 ثم وجهت الصين الشعبية الدعوة لساوتومي للمشاركة بصفة مراقب في القمة الأفريقية الصينية للتعاون التي عُقدت ببكين في الفترة من 3 إلي 5 نوفمبر 2006 وهي دعوة لم توجهها الصين من قبل لساوتومي مما يعني أن إتصالات صينية كانت تجري مع حكومة ساوتومي بشأن هذا الموضوع وغيره , ثم تطورت العلاقات في النهاية  وحققت الصين هدفها بإقصاء تايوان عن موقعها في ساوتومي – كما أسلفت – عندما أعلنت ساوتومي في 20 ديسمبر 2016عن قرارها بقطع علاقتها الدبلوماسية بتايوان , وبالتالي فقد أصبح هناك منطق سياسي بعد سحب ساوتومي إعترافها بتايوان وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الصين الشعبية  للحديث عن إمكانية عقد أي إتفاق إستثنائي بين الصين وساوتومي لإستئجار موقع لقاعدة عسكرية صينية في ساوتومي الواقعة بخليج غينيا المفتوح علي المحيط الأطلنطي (كحالة قاعدة الصين بجيبوتي علي خليج عدن المفتوح علي المحيط الهندي) , وأعتقد أن ساوتومي تعتبر مُدرجة بقائمة أهداف البحرية العسكرية الصينية لإقامة قاعدة بها ولذلك فستعمل السياسية الصينية النشطة علي تحقيق ذلك بوسائل إقتصادية .

كانت الولايات المتحدة قبل قرار ساوتومي قطع علاقاتها مع تايوان بسنوات تحاول ربط ساوتومي إقتصادياً وعسكرياً بها , فعلي الصعيد الإقتصادي قدمت الولايات المتحدة لهذا البلد الضعيف إقتصادياً حوافز مختلفة أهمها الإعلان في 2 أكتوبر 2000 عن تأهل ساوتومي للإستفادة من قانون الفرصة والنمو الأفريقي  AGOA, وكذلك ونظراً للأهمية العسكرية لساوتومي وبرنسيب فقد إختارت العسكرية الأمريكية بناء علي مباحثات سابقة جرت طيلة عامي 2001 و2002 مع رئيسها آنئذ Fradique de Menezes ساوتومي لتكون مركزاً إقليمياً لتنفيذ برنامج جديد تشرف عليه البحرية الامريكية وهو برنامج”الإشراف علي المجال البحري” والذي يُنفذ بالتعاون بين البحرية الأمريكية والدول المُطلة علي خليج غينيا وبموجب ذلك قامت الولايات المتحدة بتركيب نظام رادي تلقائي التشغيل للتعريف بالوحدات البحرية بهذا الخليج , ومن أجل ذلك وصل وفد أمريكي مكون من 5 إلي 6 أفراد منهم J. Mittlemen المُستشار العلمي لقيادة البحرية الأمريكية التابعة للقيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا بالفعل لساوتومي في الفترة من 30 نوفمبر 2006 حتي 8 ديسمبر 2006 لإختيار أنسب المواقع لتركيبه ورُشحت خمس مواقع علي أراضي جزيرة/جمهورية ساوتومي لتركيب هذا النظام منهم موقع في ميناء Neves القديم , ويُذكر إتصالاً بذلك أن الرئيس Menezes كان مُتحمساً جداً لإستضافة بلاده لمقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM حتي قبل إعلانها ففي إجابته عن سؤال وجهته صحيفة محلية في الأول من أكتوبر 2006 عن ذلك , لم ينف أو يؤكد إمكانية هذا لكنه أشار إلي أن هذا الأمر كان خاضعاً للتحليل والنقاش ولوقت كاف , وأنه لفت نظر مسئول بالقيادة العسكرية الأوروبية للولايات المتحدة (والتي كانت تتولي قبل إقامة  AFRICOMالشئون العسكرية الأمريكية بأفريقيا) إلي الحاجة إلي هذه القيادة الأفريقية , وأنه أوضح له أن الأمر حالياً يعتمد علي الخيار الأمريكي مُنوهاً بأن ساوتومي تعد موقعاً مثالياً لتمركز القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا , مُشيراً إلي أن ساوتومي وغانا هما الدولتان المُرشحتان لإستضافة مقر AFRICOM , ولهذا إتجه الرئيس Menezes إلي تنشيط التعاون العسكري مع الولايات المتحدة ( وزار مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا في شتوتجارت بألمانيا بصفة غير رسمية) , وفي هذا الإطار وصل مدربون من البحرية الأمريكية لساوتومي في مايو 2006 لتنفيذ دورة تدريبية إستغرقت أسبوعين لعناصر من خفر السواحل السانتوميين لإكتساب القدرات والإلمام بالوسائل الملاحية الفنية اللازمة لمهام توفير الحماية للمنطقة البحرية الخالصة لساوتومي بخليج غينيا , بالإضافة لتدريب كوادر أخري علي مهام البحث والإنقاذ في عرض البحر , وذلك كله كجزء من المنظومة العسكرية الأمنية الأمريكية مع دول خليج غينيا , وتجدرالإشارة إلي أن برلمان ساوتومي كان قد رفض نهج الرئيس Menezes عندما كانت الأغلبية فيه من حزب MLSTP\PSD المُعارض ذو الميول الإشتراكية والذي لديه علاقة تاريخية مع الصين الشعبية وهو نفس الحزب الذي رفض أن تكون ساوتومي مقراً للقيادة الأمريكية العسكرية لأفريقيا عندما أثير الموضوع لأول مرة , ومع ذلك ظلت الولايات المتحدة تولي أرخبيل ساوتومي إهتمامها الشديد لإتصاله بمصالحها القومية بالنظر إلي موقعه الإستراتيجي في قلب خليج غينيا , ولذلك وبعد الإعلان عن إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا بثلاثة أشهر تقريباً وتحديداً في 25 مايو 2007 قام إثنان من كبار قادة البحرية الأمريكية أحدهما أدميرال والثاني نائب أدميرال يدعي John Stuffleem بزيارة ساوتومي لإنهاء عملية تركيب 22رادار فائق التقدم علي أراضي جزيرتي ساوتومي وبرنسيب وأعلن أحدهما عن أن الولايات المتحدة ستدرب عناصر مخابراتية من ساوتومي لإنشاء إدارة للخدمة السرية بساوتومي علي أسس جديدة .

تابعت الولايات المتحدة إهتمامها العسكري في ساوتومي إذ وجهت القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM الدعوة لرئيس وزراء ساوتومي Patrice Emery Trovoada برفقة Carlos Olimpio وزير دفاع ساوتومي وصاحبهما Eric Benjaminson سفير الولايات المتحدة المقيم بالجابون والمُعتمد في ساوتومي لزيارة مقرها في  Stuttgart بألمانيا ليكون أول رئيس حكومة أفريقية يزور في 24 سبتمبر 2012هذا المقر الذي رفضت كثير من الدول الافريقية رغم علاقات متبادلة بينها وبين  AFRICOM إستضافة مقرها علي أراضيها , وقد أجري Trovoada مباحثات مع كبار العسكريين في القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا تناولت الشأن الأمني خاصة فيما يتعلق بمنطقة خليج غينيا والتعاون بين العسكريتين الأمريكية والسانتومية والدور الذي يلعبانه في الحفاظ علي مياه خليج غينيا آمنة , وتخلل الزيارة تقديم إيجاز له عن دور القيادة في أفريقيا وكيفية عملها مع الحكومات الأفريقية للترويج للأمن عبر القارة , وقد علق Trovoada علي ما تقدم وفقاً لما أشار إليه Scott Nielsen المُختص بالشئون العامة بالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في 28 سبتمبر 2012 بقوله : “أغادر (مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا) بمزيد من الإرتياح لأن الولايات المتحدة ترحب بالعمل مع الأمم الأفريقية في قضايا مهمة جداً وذات فائدة لكلانا ”  وقال “إني أؤمن بأن بأننا كأفارقة نعرف أن الولايات المتحدة تواجه قدراً كبيراً من التهديدات , وأن هؤلاء الذين يريدون مهاجمة أمريكا والمصالح الأمريكية إنما يهاجمون القيم التي نتشارك فيها والتي نريد أن ندافع عنها وختم تصريحه قائلاً : “نريد أن نشجع أعضاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا الذين يقومون بدور عظيم ونقول لهم أنكم مُرحب بكم عندما تأتون إلي أفريقيا ” , ثم ردعليه قائد القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا الجنرال Carter F. Ham (الذي سبق وقام بزيارة ساوتومي في مايو 2012 في إطار جولة بدول خليج غينيا) بقوله :”إن ساوتومي شريك مهم في المساهمة في الأمن الإقليمي والإستقرار في خليج غينيا وإننا نتطلع للتعاون مُستقبلاً بين بلدينا .” .

هناك ثمة وجه للتشابه بين موقعي جيبوتي وساوتومي فجيبوتي تقع في مدخل مضيق باب المندب وهو الممر المُؤدي للبحر الأحمر فقناة السويس التي يمر منها جزء هام مُؤثر من التجارة الدولية بما فيها البترول , كما أن ساوتومي تقع في القلب من خليج غينيا ويُوفر لها هذا الموقع إمكانية التحكم في وتأمين وتصريف ونقل إنتاج الدول الثماني المنتجة للبترول الأفريقي للصين ولغيرها , لذلك فالصين لابد وأن تضع المكون العسكري في الإعتبار مع تطور علاقتها المُستقبلية مع ساوتومي وهو ما أصبح ممكناً بعد إستعادة ساوتومي لعلاقاتها الدبلوماسية مع الصين الشعبية وقطعها مع تايوان بمعني أنه ترتيباً علي هذا الإعتراف الدبلوماسي يمكن عقد أي إتفاق إستثنائي بين الصين وساوتومي كإستئجار موقع لقاعدة عسكرية صينية في ساوتومي كحالة إستئجارالولايات المتحدة من بريطلنيا لجزيرة Diego Garcia , ويُذكر أنه مازالت هناك 13 دولة والفاتيكان يعترفون بتايوان كدولة ذات سيادة (تحتل المرتبة 22 في العالم من حيث الاقتصاد بناء علي مجمل ناتجها المحلي) , وقد دعا الرئيس Biden اثنين من المسؤولين التايوانيين للانضمام إلى “قمة الديمقراطية” الافتراضية في التي جرت بواشنطن في ديسمبر 2021 , والتي يفسر البعض عقدها علي أنها على الأرجح مقدمة لإنشاء رابطة غير عملية للدول التي ستستخدمها الولايات المتحدة لقيادة حملتها الأيديولوجية في الصراع الجيوسياسي المتصاعد مع الصين وروسيا  .

البحر الكاريبي :

تسعى جمهورية الصين الشعبية إلى إنشاء موانئ في المياه العميقة لجامايكا ولجمهورية الدومينيكان وللسلفادور وللأرجنتين وأماكن أخرى(قطعت نيكاراجوا في ديسمبر 2021علاقاتها الدبلوماسية بتايوان لصالح الصين الشعبية وهو قرار عكسي لقرار الرئيس النيكاراجوي السابق  Ortegaعام 1985 نقضته بعد 5 سنوات رئيسة نيكاراجوا التالية Violeta Chamorro , وقد أثارت موافقة ليتوانيا الدولة المطلة على بحرالبلطيق – من بين أمور أخرى – علي فتح مكتب تجاري لتايوان غضب الصين كما قامت دول أخرى في أوروبا الشرقية التي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي بتعميق روابطها الاقتصادية والثقافية مع تايوان) , والمؤكد أن هناك حضوراً متزايداً للشركات الصينية بالقرب من قناة بنما ومنطقة التجارة الحرة في Colon , وقد صُممت هذه الموانئ للمساعدة في إشباع رغبة الصين من الغذاء والموارد ، مما يلحق ضررًا حقيقيًا ببيئة المنطقة ويساهم في إزالة الغابات في منطقة الأمازون , كما أن التعدين غير القانوني وقطع الأشجار مع الإشراف البيئي المتراخي والصيد الجائر له تأثير مدمر أيضاً , إضافة إلي أن مئات سفن الصيد الصينية تنتشر فيه قبالة سواحل الإكوادور لتشمل محمية Galapagos البحرية وفي بيرو وتشيلي والأرجنتين حيث تقوم سفن صيد صينية بإلقاء شباكها واستنزاف الأسماك من السكان المحليين , وفي الواقع فمعظم الإدارات الأمريكية المُتعاقبة لم تعتن بالفناء الخلفي للولايات المتحدة والذي يبدأ من المكسيك حتي شيلي بأمريكا الجنوبية بصفة مُتكاملة ,     وفي هذه الظروف تسعي الصين لتحقيق زيادة كبيرة في التجارة والاستثمار مع دول هذه القارة , ولهذا دعا المشرعون والخبراء الإقليميون الرئيس Joe Biden لإنتهاج سياسة تقوي الإستثمار والتواجد العسكري الأمريكي هناك , وقال الأدميرال Craig S. Faller قائد القيادة الجنوبية للولايات المتحدة في تصريحات نشرها موقع POLITICO في 8 ديسمبر 2021: ” لدي إحساس قوي بالمخاطر والفرص الأمنية التي يشكلها نفوذ الصين المتزايد ونشاطها في نصف الكرة الغربي وهذا يشمل البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات إلى الأصول الفضائية والمراكز الثقافية ومساعدات Covid-19 , كما أن الصين قدمت فرصًا تعليمية عسكرية واسعة النطاق ومنحًا دراسية للهندسة الإلكترونية وحزم تعاون أمني سنوية بدون قيود تتجاوز في كثير من الحالات قيمة البرامج المماثلة التي يقدمها الشركاء الغربيون بما في ذلك الولايات المتحدة , كما أن بكين أكثر ارتياحًا في التعامل مع الأنظمة الاستبدادية مثل أنظمتها , وسلوك جمهورية الصين الشعبية في فنزويلا مثال على ذلك فليس من قبيل المصادفة أن تقدم الشركات الصينية الهدايا والعمولات لدفع عجلة القيادة أثناء التعامل مع نظام Maduroالذي ينتهك حقوق الإنسان” – حسب زعم الأمريكيين – , وأشار الأدميرال  Fallerإلي نقطة أخري في غاية الأهمية تتعلق بسعي الصين لتعويض نقص الموارد المائية لديها بالسعي للإستحواز علي أراض زراعية بمنطقة دول الكاريبي وأمريكية الجنوبية وشرح ذلك بقوله : ” إن أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بهما30 % من المياه العذبة في العالم فيما لدي الصين أكثر من 18 % من سكان العالم بينما مواردها المائية تمثل 8 % فقط من المياه العذبة بالعالم وهذا يُفسراهتمام الصين المتزايد بأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي فكلاهما يوفران المياه والأراضي الصالحة للزراعة التي تشتد الحاجة إليها والتي يمكن أن تساعد الصين في إطعام سكانها لو إستغلته ”

إذا ما إفترضنا أن الولايات المتحدة تستهدف حماية حقوق الإنسان في العالم وفقاً للمواثيق الدولية والقيم الأمريكية التي يُروجون لها مثل الديموقراطية وإحترام حقوق الإنسان – وهو إفتراض فيه القليل من الحقيقة – فإننا سنجد أن الواقع ينقض هذه الفرضية فالولايات المتحدة تدعم حكام بلا ضمير ولا مسئولية في أماكن شتي بالعالم وهي تمضي في هذا الإدعاء حتي النهاية حتي أنها تتهم الروس والصينيين بإقتراف هذه الإنتهاكات – وهي بالطبع حقيقية بلا مراء فيها – وكمثال لذلك فقد دفع نشر قائمة حكومية أمريكية في مايو 2021 تضمنت تصنيف 17 سياسي من أمريكا الوسطى (وهم مشرعين من هندوراس وجواتيمالا  والسلفادور ومسؤولين سابقين من الدول الثلاث) بأنهم فاسدون , دفع ذلك رئيس السلفادور Nayib Bukele إلى الإشادة بالصين واستثماراتها البالغة 500 مليون دولار في الاستثمارات العامة في السلفادور والتي قال الرئيس السلفادوري أنها بدون شروط خلافاً للمساعدات الأمريكية والمقرضين المدعومين من الولايات المتحدة والمشروطة بالحوكمة الرشيدة (تبلغ حزمة المساعدات البالغة 4 مليارات دولار وخضعت للدراسة لأن واشنطن أرادت التأكد من أنها لن تقع فريسة للكسب غير المشروع) , ولذلك طلب الرئيس Nayib Bukele من برلمان بلاده التصديق على اتفاقية تعاون مع الصين وُقعت عام 2019 , وقد أشار التقرير الأمريكي إلي أن أحد المساعدين المقربين للرئيس السلفادوري Bukele ووزير أمنه السابق من بين أولئك الذين يُزعم – بمصداقية – أنهم متورطون في أعمال فساد , وفي الوقت الذي يتحرر فيه الصينيين من قيود مواثيق حقوق الإنسان ومعايير منظمة الشفافية الدولية ويتحركون في العالم مُتحررين من المبادئ والقيم تتعثر خطي الولايات المتحدة بسبب تمسكها الإفتراضي إلي حد ما بهذه المواثيق والمعايير , ولهذا تراجع زعماء أمريكا الوسطى عن استراتيجية الرئيس Joe Biden لمكافحة الفساد , وإتصالاً بذلك حذر رئيس هندوراس Juan Orlando Hernandezالذي استهدفه تحقيق جنائي أمريكي من أن التحقيقات الأمريكية تهدد الجهود المشتركة لمكافحة المخدرات .

من المعلوم أن أول منشأة عسكرية خارجية أمريكية دائمة كانت في خليج Guantánamo بكوبا في عام 1898 في نهاية الحرب الإسبانية الأمريكية , كانت تطبيق لنص تعديل Platt الأمريكي الذي أشار إلي الخيار القانوني للولايات المتحدة إما بشراء أو باستئجار أرض من كوبا إلى الأبد , والجدير بالذكر أن الحكومة الكوبية لا تعترف بحق الولايات المتحدة في الاحتفاظ بـ Guantánamo ولا تصرف شيكات الإيجار الشهرية للولايات المتحدة بشأنها والتي تبلغ 4,085 دولارًا أمريكيًا ، وباستثناء اقواعدها في الفلبين ظلت القواعد الأمريكية محدودة في جميع أنحاء العالم حتى الحرب العالمية الثانية , بعد ذلك أصبح للولايات المتحدة أكثر من 600 موقع خارجي  .

الصين وأفريقيا :

أعلنت الصين في قمة منتدي الصين / أفريقيا في ديسمبر 2015 أنها ستستثمر 60 مليار دولار في إفريقيا – وهو ثلاثة أضعاف المبلغ الذي تم التعهد به في منتدي FOCACعام وفي نفس هذا الاجتماع الصين أشارت الصين إلي المشاركة العسكرية المباشرة مع الشركاء الأفارقة وتوزيع مبلغ الـ60 مليون دولار كمساعدة العسكرية , وتضمن جدول أعمال الصين الأمني المنهجي لعموم إفريقيا الذي عُرض في قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام 2018 خطة عمل الصين التي تغطي الفترة من 2019-2021  والتي شملت 50 برنامجًا منفصلاً لتعزيز التنسيق الأمني بين الصين وشركائها الأفارقة في جميع أنحاء القارة بما في ذلك السلام بين الصين وإفريقيا , والصين بذلك تنازع تحركات وإتصالات القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا , وتواصل الصين بدأب متابعة علاقاتها الأفريقية بالتوازي مع تحركاتها العسكرية , وفي هذا السياق أتت زيارات وزير خارجيتها Wang Yi في 5 يناير    2022 والتي إستغرقت 4 أيام لثلاث دول هي إريتريا وكينيا وجزرالقمر   .

إن الإستراتيجية البحرية العسكرية الصينية تُركز بصفة خاصة علي أفريقيا لأنها أولاً مخزن للموارد الأولية وثانياً تعتبرها الصين سوقاً واسعة للمُشترين وليست سوقاً للبائعين والمُشترين كالدول الآسيوية , فالطاقات الإنتاجية بأفريقيا مُعطلة منذ زمن إستقلال معظم هذه الدول في ستينات القرن الماضي بسبب النظم الفردية البائسة الجهولة التي حكمتها والتي خاض كثير منها مثل أنجولا و إثيوبيا وغينيا التجربة الماركسية اللينينية وأنهوها وهم مُفلسون أما الآخرين فظلوا موالين للكتلة الغربية ، وظلت كل دول القارة أسيرة  بل لنقل في حالة رد فعل لأصداء الحرب الباردة إلي أن سقط بل اختفى الاتحاد السوفيتي في في 25 ديسمبر 1991وكان الإتحاد السوفيتي مصدراً لتسليح الدول الموالية أو اللاجئة له كحالة مصر وأنجولا والصومال وإثيوبيا والكونجو وغينيا وموزمبيق والجزائر وليبيا ومالي , ولم تكن الصين وقتذاك حاضرة في هذا الميدان الذي كان بصفة رئيسية محصوراً بين الإتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو والولايات المتحدة وحلفاؤها , لكن الدنيا تغيرت وبزغ نجم الصين بعد إنهيارالإتحاد السوفيتي بعدة سنوات وبدأت الصين تظهر في القارة الأفريقية كشريك بل داعم إقتصادي مُستغلة إنسحاب الروس بعد إنهيارإمبراطوريتهم السوفيتية عام 1991وإستهانة الأمريكيين بما يمكن أن ينتج عن زحف الصين البطئ كالثعبان (في البداية) نحو أفريقيا , وأستطاعت الصين بأدواتها الإقتصادية والإئتمانية إختراق القارة , ووفقاً لتقرير مؤسسة McKinsey الأمريكية لعام 2017 فقد بلغ مجموع الشركات الصينية العاملة بأفريقيا نحو 10000 شركة حققت إيرادات تُقدر بــ 180 مليار دولار سنويًا يمكن أن تصل إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2025 , وقد وفرت هذه  الفرص التجارية وظائف لنحو مليون مواطن صيني في أفريقيا إستوطنوا فيها منذ عام 2000 , وكنتيجة رسخت الصين أجهزتها العسكرية والأمنية في إفريقيا , وكان ذلك مُبرراً قوياً لدي الصين لتأسيس منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) عام 2000 الذي يُعقد كل ثلاث سنوات بل ومدخلاً جعل الصين في وضع يسمح لها بدمج مكون عسكري وأمني في شراكاتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية فأصبح الوجود العسكري /الأمني الصيني في إفريقيا جزءًا مُلحقاً بعملية  تنمية القارة , وتقوم الولايات المتحدة حالياً عبر وكالات مخابراتها بمطاردة التحرك الإقتصادي الصيني بأفريقيا خاصة في الجانب الفاسد والمُظلم منه , فمثلاً تعرض الرئيس الكونجوليFélix   Tshisekediلضغوط أمريكية إنتهت بإتخاذه قرارمراجعة جميع العقود المنجمية التي وقعتها جمهورية الكونجو الديموقراطية مع الصين*(  africaintelligence في 25يونيو2021) , وهي في تقديري نفس الضغوط التي تعرض لها الرئيس الأنجولي Joao Lourenco قبل أن يُقرر مطاردة الأموال العامة التي أتهم الرئيس الأنجولي السابق José Eduardo dos Santosوعائلته بنهبها (كمثال أشار تقرير نشره الإتحاد الدولي للصحفيين الإستقصائيين بتاريخ 10 فبراير 2021 تحت عنوان : “أنجولا تطلب من محكمة هولندية مصادرة حصة  Isabel dos Santos أبنة الرئيس السابق Eduardo dos Santos في شركة للطاقة , كما أشارهذا التقرير إلي : “أن  أنجولا طلبت من محكمة هولندية أن تصادر نيابة عنها حصة في شركة طاقة خاصة بالمليارديرة Isabel dos Santos وفقًا لإجراءات قانونية) , وأعتقد أن السبب الرئيسي لملاحقة الرئيس السابق Eduardo dos Santos وعائلته أنه كان من أوائل القادة الأفارقة الذين أتاحوا للصين الإستحوازعلي إقتصاديات دولهم وكان البترول هو الهدف الرئيسي للصين في أنجولا , فالصين لا يعنيها جملة ولا تفصيلاً إن كان من تدعمهم إستبداديين أم غير ذلك , ومع ذلك فهناك من الساسة الأفارقة من يعارض الوجود الصيني ففي حالة الكونجو مثلاً نجد Modeste Boukadia الذي ينعتونه بـ “نيلسون مانديلا الصاعد”(سياسي مُعارض لنظام رئيس الكونجو برازافيل Denis Sassou) , و يُذكر أن Boukadia قال في مقابلة مع صحيفة The Washington Times في مارس 2021 : “إن واشنطن يجب أن تقف بحزم ضد النفوذ الصيني على الدول الأفريقية خشية أن تعزز بكين مكانتها باعتبارها القوة الخارجية الأكثر هيمنة في القارة الغنية بالموارد , إن إفريقيا هي شريك الغد وإذا لم نكن حذرين فستقوم جميع الدول الأفريقية قريبًا برفع العلم الصيني ” , وأضاف قوله :”إن الغرب يجب أن يكون حذرا من تقارير عن رغبة الصين في بناء قواعد عسكرية في أفريقيا , وإذا كانت هناك أي قاعدة عسكرية فيجب أن تكون غربية وأمريكية لأن الولايات المتحدة تمثل الديمقراطية ” .

إن دخول الصين لأفريقيا مر بمرحلتين أولهما مرحلة الزحف البطيء أو المُتدرج وثانيهما مرحلة الإختراق , وكما فعلت الولايات المتحدة بإقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا تفعل الصين ما فعله الأمريكيين فهي تطبق حالياً إستراتيجية عسكرية هدفها الأولي توفير تغطية حمائية لتمددها الإقتصادي/ التجاري في العالم وفي أفريقيا , أما هدفها طويل الأمد فهو الإطباق علي العسكرية الأمريكية وتضييق مدي المناورة المُتاح لها حالياً وهي إستراتيجية لن تستثني العسكرية الروسية في مرحلة تالية فالتحالف الصيني الروسي تحالف مبني علي حاجة إن تم إشباعها (وهي مواجهة الولايات المتحدة) فستنكشف الدوافع والنوايا الحقيقية لكلاهما قبل الطرف الآخر   .

هناك حالتان تشيران إلي الدخول الصيني المبكر في أفريقيا وتفسران إلي حد بعيد كيفية الدخول الصيني لهذه القارة :

(1) الــحـــالـة الــسودانـــيــــة :

كانت الحالة السودانية من أولي التطبيقات لهذا فبعد أن حدث الإنقلاب الذي قاده عمر البشير في 30 يونيو 1989 وإتحاده مع جبهة الميثاق الإٍسلامي (المُنشقةعن جماعة الإخوان المسلمين) بزعامة د . حسن الترابي والإعلان عن أن السودان دولة رسالية أي مسئولة عن مشروع إسلامي عالمي واصل نظام البشيرالحرب في جنوب السودان وحقق عامي 1991-1992إنتصارات عسكرية هناك أسماها النظام “صيف العبور” ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون جارانج المدعوم من الولايات المتحدة وحلفاؤها ومن وراءهما مجلس الكنائس العالمي وبسبب التوجه الإسلامي غير المُتيقن من نوايا وقوة القائمين علي تطبيقه وبسببب قرار نظام البشير جلب الصينيين لإستغلال البترول في حقول ولاية الوحدة وهجليج وعدرائيبلل بجنوب السودان ليحلوا محل شركة Chevronالأمريكية بدأت مبكراً المواجهة بين السودان والولايات المتحدة التي إستخدمت كل الأدوات المُتاحة لكسر النظام السوداني الشمولي الأمني بالحصار الإقتصادي والمالي وتشويه السمعة السياسية وهو ما ساهم فيه النظام السوداني نفسه وأستغل الأمريكان إبتعاد مصر الإرادي عن السودان ضاربة عرض الحائط بمصالحها الإستراتيجية بالسودان وماوراءه , ذلك أن النظام في مصر (1981- 2011) كان نظاماً يتولاه رئيس بل منهج ولا فكر إستأنسه الأمريكيين لثلاثين عاماً , في هذا المناخ إخترق الصينيون السودان وبدأوا بقطاع البترول الذي كانت شركة Chevron تقوم علي إستكشافه بجنوب السودان وتُعد لإستغلاله ثم تخلت عن آباره وبيعت الشركة لمواطن سوداني يُدعي جار النبي ثم آلت للحكومة السودانية التي دخلت في شراكة مع الشركة الوطنية الصينية للبترول وشركة Petronas الماليزية وشركة Arakis الكندية حتي بدأ البترول السوداني في التصدير من ميناء بشاير عام 1998 , وكان ذلك يحدث بينما القتال والتفاوض المُتقطع يدور بين السودان والجنوبيين بوسطاء مختلفين وإنتهت آخر مسلسلات التفاوض علي يد تجمع IGAD وشركاؤه الأوروبيين غير بعيدين عن متناول وزارة الخارجية والمخابرات الأمريكية في كينيا ووُقعت إتفاقية السلام الشامل في يناير 2005 وبموجبها مارس الجنوبيين حق تقرير المصير الذي أفضي إلي إختيارهم الإنفصال فأُعلن إستقلال جنوب السودان في 11 يوليو 2011 , وكان البترول والإختراق الصيني للسودان أهم مُحركات الدوافع العدوانية الأمريكية ضد السودان وهي التي تكررت مع أندونيسيا وأنتهت بإنفصال تيمور الشرقية , وكان كل مافعله الصينيين عسكرياً للسودان صفقات سلاح صيني وحراسة الصينيين للمنشآت البترولية في ولاية الوحدة وهجليج وعدرائيل (أرسلت الصين وقتذاك 4 الآف جندي للدفاع عن خط الأنابيب الذي مدته شركة صينية بمشاركة عناصر فصائل جنوبية مُنشقة عن الجيش الشعبي لتحرير السودان) , أي أن الصينيين لم يكن في تواجدهم بالسودان ما يمنع من فصل الجنوب ولا حتي إبقاء النظام قوياً إقتصادياً فهم أول من ربحوا من السودان موحداً ومُنفصلاً (يقومون حالياً بمشروع ميناء Lamu بكينيا ومشروع طريق يصل بينه وبين جنوب السودان وإثيوبيا لنقل البترول المُنتج بجنوب السودان والسلع  للإستغناء عن ميناء بورسودان .

(2) الــحــالــة الأنـــجـــولــيــة :

دمرت الحرب الأهلية الأنجولية 1975 – 2002 التي كان طرفاها حزب الحركة الشعبية لتحرير أنجولا MPLA وحزب الإتحاد الوطني للإستقلال التام لأنجولا UNITA البني الأساسية في البلاد , وكانت أنجولا الحالة الأولي والفريدة للمواجهة بين الإتحاد السوفيتي وحلفاءه من دول حلف وارسو وكوبا من جانب والولايات المتحدة وحلفاؤها وجنوب أفريقيا من جانب آخر , ولعبت الموارد الأولية الدور الرئيسي لتمويل طرفي الحرب صراعهما من أجل الإنفراد بالسيطرة علي البلاد فكان البترول من نصيب الشركات البترولية الأمريكية في Cabinda وأهمهم Chevron و Cabinda Gulf Company و Cabindaمقاطعة يُطالب سكانها بالإنفصال عن أنجولا لكن الولايات المتحدة لم تؤيد هذه المطالب كما فعلت في حالة جنوب السودان وهي مقاطعة تنتج ما لايقل عن 75% من بترول أنجولا  وكان الألماس من نصيب السوفييت , وكان الشعب الأنجولي هو الطرف الوحيد الذي خرج من هذه الحرب الشرسة خالي الوفاض من القتلي والمُشوهين والفقراءأي أنه دفع ثمن الصراع بين طرفي الحرب الداخليين والخارجيين كاملاً , وفي نهاية هذه الحرب بين الأخوة حقق حزب MPLA الإنتصار علي خصمه حزب UNITA الذي كان يقوده Jonas Savimbi الذي لقي مصرعه في الغابة في 22 فبراير 2002وكان ذلك الإغتيال وفقاً لبعض الأقوال نتيجة تواطؤ أمريكي / صهيوني مع حزب MPLA , أعقب ذلك بدء محادثات/ مفاوضات لإنهاء الحرب إنتهت بتوقيع مذكرة تفاهم أو إتفاق Luena بإنجولا في 4 أبريل 2002 , وكان الرئيس الأنجولي ورئيس حزب MPLA الحاكم  Dos Santos يحدوه الأمل في عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار أنجولا , لكن آماله تبددت إذ تخلي الأوربيين والأمريكيين عن وعودهم فخذلوه , ولذلك عقب عودته من نيويورك أدلي وزير الخارجية الأنجولي بتصريح لوكالة IRIN في 6 فبراير 2004أوضح فيه أن المجتمع الدولي ومؤسساته المانحة يمارسون تمييزاً ضد أنجولا التي تطالب بعقد مؤتمر للمانحين لمساعدتها علي مواجهة تبعات الحرب الأهلية التي خاضتها وأنهم كانوا يأملون أن تحظي أنجولا بذات المعاملة التي تلقتها دول أخري مرت بظروف مُشابهة , ورغم أن الرئيس الأمريكي أصدر في 31 ديسمبر 2003 قراراً بأهلية أنجولا للإستفادة من قانون الفرصة والنمو الأفريقي  AGOAإلا أن الرئاسة الأنجولية كانت غير راضية عن فاعلية الموقف الأمريكي لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار أنجولا بل إن الولايات المتحدة إستبعدت أنجولا من تمويل مكافحة الأيدز في أفريقيا , وكما فعلت في الحالة السودانية التي كان من مكوناتها العداء السافر وفرض الحصار والمقاطعة الأمريكية للسودان , إستغلت الصين غضب أنجولا من الموقفين الأوروبي والأمريكي الرافضين لعقد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار أنجولا بذريعة أن لدي أنجولا ثروة بترولية تمكنها من تمويل عملية إعادة الإعمار , فبادرت بالتقدم نحو الإقتصاد الأنجولي وتحركت مُستغلة تعطش الحكومة الأنجولية للحصول علي قروض وإئتمانات ضاربة عرض الحائط بالقيود الفنية لصندوق النقد الدولي , وبدأت الصين مسلسل القروض مع أنجولا فتم توقيع إتفاق عام 2004 بإئتمان من بنك التصدير والإستيراد الصيني EXIMBANK قدره 2,4 مليار دولار لتمويل عدة قطاعات ويغطي فترة عامين , ثم جري توقيع إتفاق آخر بقرض بمبلغ 2 مليار دولارلتمويل إعادة إقامة خط سكك حديد بنجيلا (1300كم) يغطي الفترة المُمتدة حتي عام 2016 وهو خط إستراتيجي يربط دول أفريقية مجاورة بأنجولا ينتهي عند ميناء Lubito البترولي الأنجولي علي الأطلنطي , كذلك وُقع أثناء زيارة الرئيس الصيني لأنجولا في 20يونيو 2006 إتفاق عام للتعاون الإقتصادي/ الفني مُلحق به 7 مذكرات تفاهم للتمويل في مجالات الصيد والإتصالات والمجال الطبي ووُقعت مذكرة تفاهم بفتح إئتمان صيني إضافي من EXIMBANK وعاءه مليار دولار أمريكي , وكانت ومازالت أنجولا تمثل فرصة إقتصادية ناضجة للصين ويتضح ذلك من البيانات التي أعلنها البنك المركزي الأنجولي في 10 أغسطس 2007 والتي أشارت إلي أن صادرات أنجولا من البترول وصلت عوائدها عام 2006 إلي 29 بليون دولار و228 مليون دولار و600 ألف دولار بزيادة نسبتها 32% عن عام 2005 , وأشار البنك إلي أن المُشتري الأول للبترول الأنجولي هو الولايات المتحدة التي إستوردت ما قيمته 9 بليون دولار و403 مليون دولار وكانت الصين هي المُشتري الثاني إذ بلغت قيمة مُشترياتها البترولية من أنجولا 8 بليون دولار و996 مليون دولاربزيادة قدرها 1,4 بليون دولار عن مشترياتها عام 2002 , وعلي الحانب الآخر أعلنت وزارة التجارة الصينية في بيان لها في مارس 2006 أن أنجولا صدرت للصين في شهري يناير وفبراير 2006 نحو 451 ألف برميل / يوم من البترول أي ما يمثل 15% من مجمل واردات الصين البترولية في هذه الفترة , كذلك أعلنت مؤسسة البترول الوطنية الصينية SINOPEC في مارس 2006 عن إضطلاعها بإنشاء مصفاة جديدة لتكرير البترول الأنجولي في ميناء    LOBITO الأنجولي بالمشاركة مع مؤسسة SONANGOL بطاقة 20 ألف برميل/ يوم وذلك بتكلفة 3 بليون دولار بالإضافة لإستثمار SINOPEC لمبلغ 1,5 بليون دولار لتطوير حصة الــ50% التي لها في إمتياز القطاع 18 علي الساحل الأنجولي علي المحيط الأطلنطي .

القواعد البحرية الصينية في الفناء الخلفي للصين :

أشار قائد القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM الجنرال Stephen Townsend في تصريح أدلي به في أبريل 2021 إلي التوسع البحري الصيني في الفناء الخلفي للصين فقال أن هناك قاعدة بحرية عسكرية جاري العمل علي إقامتها في كمبوديا تدعيReam  تطل علي ساحل خليج تايلاند بمساحة تبلغ 190فدان , وربما يتم توقيع إتفاق صيني / كمبودي يتضمن منحها للصين لثلاثين عاماً , وكانت هذه القاعدة منذ 2010موقعًا للتدريب السنوي المشترك بين كمبوديا والولايات المتحدة إلي أن نُشرفي أكتوبر 2021عن أنه يجري إعدادها لتكون قاعدة بحرية صينية وقد صرح في الأول من يونيو 2021 أحد كبار الدبلوماسيين الأمريكان عن قلق الولايات المتحدة من هذا التحرك الصيني وقال : “إن لدي واشنطن مخاوف جدية بشأن الوجود العسكري الصيني في قاعدة بحرية تشهد توسعا مدعوما من بكين على ساحل كمبويا )يتواجد نحو 35 ألف فرد عسكري ومدني أمريكي في Camp Humphreys بكوريا الجنوبية) , كما أن هناك تقارير صحيفة أخري عن قاعدة صينية في سيريلانكا , أكثر من ذلك تشير تقارير غير مُؤكدة إلى أن ثمة محادثات تجري حاليًا بين بكين وكابول لإقامة قاعدة عسكرية بمنطقة شمال شرق أفغانستان المتاخمة لطاجكستان وباكستان (تعترف الصين رسميًا بالحكومة الأفغانية الحالية بقيادة طالبان) , وتتوخّى الصين من وراء هذا التحرك توسيع نفوذها الاقتصادي ومراقبة تحركات الحزب الإسلامي التركستاني الانفصالي الذي يقاتل من أجل بناء دولة إسلامية مستقلة في تركستان الشرقية واستقلال إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة , كما تستعد الصين أيضًا لبناء قاعدة بحرية وجوية في جنوب غرب باكستان في موقع لا يبعد كثيرًا عن الحدود الإيرانية يُتوقع أن تكون من أهم منشآتها العسكرية في الخارج ، كذلك وفيما يتعلق بالإهتمام الصيني بإيران وعلاقتها بمبادرة الحزام والطريق الصينية(التي لا تمربالساحل العربي للخليج العربي) فقد وقعت في الآونة الأخيرة مع إيران اتفاقية تُقدّر بـ 400 مليار دولار علي مدي  25 سنة بموجبها ستحصل الصين على امتيازات عسكرية في إيران المطلة على الخليج العربي وسيترجم الوجود والإستثمار الصيني بإيران إلي تعزيز قدرات الجيش الإيراني بأحدث الأسلحة ومنها منظومة الدفاع الجوي الروسية المضادة للطيران والصواريخ إس 400، وفي الوقت ذاته سيصبح للصينيين والروس تسهيلات للوصول إلى الخليج العربي ومنه للشرق الأوسط وسيوفر الوجود العسكري الصيني في باكستان وإيران حماية مُتبادلة للصين ولإستثماراتها ولطريق الحرير المُزمع إقامته علي أراضيهما ولإيران وباكستان .

القواعد البحرية الصينية قرب البحر الأحمر وفي المحيطين الهندي والهادئ :

إن تحرك العسكرية الصينية لتحقيق إستراتيجية إقامة قواعد عسكرية بحرية خارج نطاق الصين المباشرأو ما يُسمي بالفناء الخلفي (كوريا الشمالية ومنغوليا وفيتنام ولاوس وغيرهم) وما وراءه بدأ في جيبوتي عام 2010 وهي قاعدة إستراتيجية إذ أنه منفذ لأكثر من سطح مائي مختلف (بحر العرب والمحيط الهندي والبحر الأحمر) وما تحاول الصين تحقيقه حالياً لإقامة قاعدة بحرية أخري في غينيا الإستوائية ثالث أصغر دولة بأفريقيا تطل علي المحيط الأطلنطي يُلزم العسكرية الأمريكية بإجراء تعديلات / أولنقل تطوير أو تحديثات لمنهجية التعامل مع الصين ليس بإعتبارها هدفاً عسكرياً بل بإعتبارها مُهدد أو خطر عسكري لابد من وضعه في الإعتبار بناء علي تواجد العسكرية الصينية في نقاط ثابتة خارج نطاق الصين , ومن المعروف أن القيادة العسكرية الأمريكية للمحيط الهادئ USPACOM التي يقع مقرها في Camp H.M. Smith . HI (كان أول مقر للقيادة الأمريكية بالولايات المتحدة في Salt lake) أُنشأت في الأول من يناير 1947 إبان إدارة الرئيس Harry Truman وكان لها فرع لقيادتها الميدانية في Honolulu وأُنيط بهذه القيادة مسئولية مواجهة التهديد الباسيفيكي إبان فترة الحرب العالمية الثانية ثم توسعت مسئولياتها عام 1972لتشمل المحيط الهندي وجنوب آسيا والقارة القطبية الجنوبية إضافة لمسئوليتها الأولي عن المحيط الباسيفيكي وبلغت المساحة التي تغطيها 272 ألف كم مربع بها 36 بلد و20 منطقة و10 مناطق أو ممتلكات جزرية تابعة للولايات المتحدة , وفي عام 1976ولعدم وجود قيادة عسكرية للولايات المتحدة في أفريقيا كانت هذه القيادة مسئولة أيضاً عن جزء من القارة الأفريقية , وخلال ولاية الرئيس Regan أُضيفت إليها جمهورية الصين الشعبية وجمهورية كوريا الشمالية ومنغوليا ومدغشقر , وتبلغ الموارد البشرية المُتاحة لهذه القيادة 300,000 عسكري موزعين علي الأسلحة المختلفة لها وأماكن تموضعها الثلاثة , وتعتبر هذه القيادة مسئولة عن تنفيذ الإتفاقيات الدفاعية التالية التي وقعتها حكومة الولايات المتحدة مع الدول الواقعة في نطاق هذه القيادة ومن بين هذه الإتفاقيات : معاهدة الدفاع المُتبادل مع الفلبين المُوقعة عام 1952ومعاهدة الدفاع المُتبادل مع  جمهورية كوريا الجنوبية المُوقعة في عام 1954 ومعاهدة الدفاع المُتبادل المُوقعة مع اليابان في عام 1960 حتي إتفاق AUKUS الذي وُقع في سبتمبر 2021 وهو تحالف ثلاثي أمني استراتيجي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا يُغطي منطقتي المحيطين الهندي والهادئ ويُري علي أنه مُوجه للصين ولفرنسا إذ أنه يُقوض الطموحات الفرنسية بهذه المنطقة (كان لفرنسا وجود كبير في المحيطين الهندي والهادئ منذ أن استعمر نابليون الثالث كاليدونيا الجديدة عام 1853) , وفي السنوات الأخيرة عززت أرخبيلات أخرى في المنطقة بما في ذلك فيجي وجزر سليمان وبابوا غينيا الجديدة روابطها مع الصين , وتتحرك الصين في السنوات الأخيرة من أجل تعميق وتنويع روابطها مع أرخبيلات أخرى في منطقة المحيط الهادئ بما في ذلك  Fiji وجزر  Solomonو Papua New Guinea , كذلك فقد طالت أيدي الصين احتياطيات النيكل الهائلة في ) New Caledonia تبعد بمسافة2000 كيلومتر   جنوب شرق أستراليا)  وتُعتبر الصين أكبر عميل منفرد لهذه الاحتياطيات مما عزز من إرتباط اقتصاد كاليدونيا الجديدة بالصين .

من بين الردود الصينية علي تحالف AUKUS تصريح لوزير الخارجية الصيني Wang Yi أثناء مشاركته في رئاسة الجولة الأخيرة من الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى بين الصين والاتحاد الأوروبي نُشر في 29 سبتمبر 2021 قال فيه :”إن اتفاقية AUKUS الأمنية بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا تجلب خطرًا خفيًا على السلام الإقليمي والاستقرار والنظام الدولي ” , كذلك نشرت السفارة الصينية بواشنطن بياناً عقب الإعلان عن الإتفاق ورد فيه : “أن على الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا التخلص من عقلية الحرب الباردة والتحيز الأيديولوجي” . من المعلوم أن هناك خلافات بين الصين وأستراليا بشأن التحقيق في منشأ فيروس COVID-19 والحرب التجارية والأمن الإقليمي   .

إن حيازة الصين لقاعدة عسكرية بحرية قائمة بالفعل في جيبوتي وأخري مُحتملة في غينيا الإستوائية التي أُكتشفت ثروتها من المواد الهيدروكربونية لأول مرة عام 1996 وتُقدر احتياطيات النفط الخام المؤكدة  بها بنحو مليار برميل , فقاعدة الصين بجيبوتي تُعد في تقديري تطوراً نوعياً له تداعيات إستراتيجية , فالصين وبعد أن حققت إختراقاً إقتصادياً في العالم الثالث وخاصة أفريقيا التي تشغل 20 % من يابسة كوكب الأرض , تُعد مع منطقة غرب آسيا أكبر مكون إقليمي لمبادرة الحزام والطريق الصينية وقيمتها تريليون دولار وتهدف إستراتيجياً إلي إعادة تشكيل بنية التجارة العالمية وأستطاعت الدبلوماسية الصينية جذب 40 دولة أفريقية من أصل 55 دولة مُضاف إليهم الإتحاد الأفريقي وافقوا علي مبادرة الحزام والطريق(أي أن هناك 14 دولة أفريقية لم تُوقع بعد)  كما وقعوا علي مذكرات تفاهم مع بكين لتمويل وبناء طرق سريعة ومطارات وخطوط سكك حديدية حديثة , ولذلك تمثل الدول الإفريقية جنوب الصحراء التي وقعت على مبادرة الحزام والطريق سوقا مُتاحاً للصين فسكانها أكثر من مليار مُستهلك مُرتقب , ولذلك تعمد الصين إلي توطيد وتطوير قوتها العسكرية بالقارة حتي تتجاوز مرحلة تجارة السلاح لتصل لمرحلة إقامة القواعد الجديدة وهو ما يُؤدي أخيراً إلي  تحويل ديناميكيات القوة العالمية ويقوض الهيمنة الأمريكية وربما يضع أوروبا على هامش الشؤون الدولية , فالمرحلة الحالية التي تمضي فيها الصين قُدما هي مرحلة تغطية إستثماراتها ومبادلاتها الإقتصادية /التجارية مع العالم وأفريقيا علي نحو خاص بغطاء عسكري حمائي بثنائية القواعد ومبيعات السلاح وهي مرحلة بدأت بالفعل عام 2010 عندما أقامت قاعدتها في جيبوتي .

حققت القاعدة الصينية في جيبوتي نفاذاً بحرياً صينياً غير مباشر للمحيط الهندي , ومن الواضح أن الصين لن تكتفي الصين بذلك ولهذا فهي تتطلع إلي النفاذ المباشر للمحيط الهندي الذي قال عنه الخبير البحري الإستراتيجي  Alfred Mahan بشأنه : “إن من يسيطرعلى المحيط الهندي سوف يهيمن على آسيا وسيتقرر وفقاً لإرادته مصير العالم على مياهه ” وهناك ثلاثة عوامل تؤثرعلى كيفية قيام الصين بإبراز قوتها وحمايتها في المحيط الهندي SLOCs وإبقاء نقاط الاختناق به (المضايق) مفتوحة ويبذل جيش التحرير الشعبي الصيني جهودًا كبيرة لتأمين هذا المحيط والتواجد العسكري الكفء به وهذه العوامل هي : الأول جعل جيش التحرير الشعبي الصيني PLAN معني بالمحيط الهندي الثاني الدفاع الجوي عن الخطة وعن قدرات الحرب المضادة للغواصات والثالث توفير البني التحتية اللوجستية على طول الساحل الهندي , والقواعد العسكرية الصينية القائمة بآسيا ثلاث في خليج البنغال وفي غرب الهند وأربعة بغربي الهند , وهناك بالطبع قواعد مُحتملة بالمحيط الهندي مازالت مثاراً للقلق الأمريكي المُتزايد , وهو وضع نُوقش بواشنطن بجدية عام 2020 ، ولهذا وضع العسكريين الأمريكيين تقييماً تضمن هذه العبارة: “إن الصين الشعبية تسعى لإنشاء بنية تحتية لوجستية وقواعد خارجية أكثر قوة للسماح لجيش التحرير الشعبي بإبراز القوة العسكرية والحفاظ عليها على مسافات أكبر” , ومن المعروف أن بحرية جيش التحرير الشعبي (PLAN) أصبحت الآن أكبر بحرية بالعالم مع قوة قتالية إجمالية قوامها 355 سفينة وغواصة بما في ذلك ما يقرب من 145 من المقاتلين الرئيسيين علي أسطح البحار والمحيطات  .

في الإطار المُتقدم قامت شركة China Communications Construction Company الصينية بتنفيذ مشروع بنية أساسية لوجيستية ضخمة للحكومة الكينية لميناء Lamu علي المحيط الهندي يعد جزءًا من ممر نقل طموح بين Lamu (أرخبيل صغير شمال مومباسا في كينيا) وجنوب السودان وإثيوبيا وهذا الميناء الجديد يُعتبر حجر الزاوية في خطة تطوير رؤية 2030 للحكومة الكينية , ويتم وصفه حالياً بالمشروع الذي سيغير قواعد اللعبة (سيكون ميناء Lamu ثاني ميناء بالمياه العميقة لكينيا بعد Mombasa وقد وضع رؤساء دول كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا حجر الأساس له عام 2012 ويُمول أغلبه من الميزانيات الوطنية للدول الثلاث) , فميناء Lamu جزء من ممر Lamu / جنوب السودان / إثيوبيا (LAPSSET) الأوسع تكلفته 23 مليار دولار أمريكي , وسيخفض إلي حد كبير إعتمادية جنوب السودان علي ميناء بور سودان وإعتمادية إثيوبيا علي مينائي جيبوتي وبربرة بأرض الصومال , فممر النقل هذا يتألف من خط سكة حديد قياسي وخط أنابيب للنفط ومصفاة و شبكة طرق لمطارات دولية في  Isiolo و Lamuو Lokichogio وميناء Lamu في Manda Bay والمدن السياحية , والمفهوم الإستراتيجي لهذا المشروع هو ربط اقتصادات شرق إفريقيا غير الساحلية بطرق التجارة العالمية ومن الطبيعي أن يُحقق للصين نفسها أحد أهم أهدافها وهو الحضورالقوي في الدول المُطلة علي المحيط الهندي وأهمها كينيا , كما أنه يساعد علي تنمية الصادرات الصينية إلي دول شرق أفريقيا والدول الحبيسة كإثيوبيا وروراندا وبوروندي ومالاوي وأوغندا وبوروندي ورواندا وجنوب السودان , وقد نُشر في 5 نوفمبر 2021أن الولايات المتحدة حذرت الحكومة الكينية من التحرك العسكري الصيني وأنها أشارت إلي أن القاعدة الصينية المخطط لها في كينيا إنما هي جزء من سعي الصين لإنشاء شبكة لوجستية عسكرية عالمية لمواجهة المصالح الحالية للقوي العظمى بما في ذلك الولايات المتحدة .

لا يقتصر الجهد العسكري الصيني علي اللحاق بالعسكرية الأمريكية فقط في المحيط الهندي الذي هو ثالث أكبر محيط بالعالم ويغطي ما يقرب من 20٪ من سطح الماء علي كوكبنا , فعبر مضيق ملقا والطرق البحرية بالمحيط الهندي التي يسميها الإستراتيجيون خطوط الاتصال البحرية(SLOC) يرد للصين حوالي 80 ٪ من زيوتها وهو محيط ومضيق لا يخضعان لسيطرة الصين , ويمر في هذا المحيط ما نسبته 25% من حركة النقل البحري علي المستوي العالمي وهو لذلك رئة هامة لحركة النقل البحري الدولي ومن ثم فأهميته حيوية للعالم الصناعي والقوي الدولية والإقليمية خاصة دول جنوب شرقي آسيا الصين وإندونيسيا الفلبين والهند (هي الدولة الوحيدة التي رفضت دعم مشروع طريق الحريرالصيني الذي يربط الصين بأفريقيا بعد مروره أوراسيا والبحار فجزء منه  يخترق الممر بين الصين وباكستان وعبر كشميرالمُتنازع عليها بين الهند وباكستان , كما أن الرئيس الفرنسي Macron عبر خلال زيارته الأخيرة للصين عن خشية فرنسا (وبالطبع الإتحاد الأوروبي) من أن يكون طريق الحرير الصيني ذا إتجاه واحد) , وجدير بالذكر إتصالاً بذلك التنويه بأن للولايات المتحدة ولبريطانيا تمركز عسكري في جزيرةDiego Garcia  البالغ مساحتها 32,8 كم مربع وتُعد أكبر جزر أرخبيل Chagos المُكون من مجموعة جزر لا يقل عددها عن 55 جزيرة , وقد إستحوذت بريطانيا علي أرخبيل Chagos قبل إستقلال موريشيوس وفي هذا الإطار أنشأت حكومة لندن بموجب مرسوم بقانون صادر في 8 نوفمبر 1965ما يُسمي بإقليم المحيط الهندي البريطاني أو(BIOT) بإعتباره نطاقاً أو فلنسمه حينذاك مستعمرة جديدة تابعة للتاج البريطاني تتألف أساسا من أرخبيل بموريشيوس يُدعي Chagos , بعد ذلك وقعت الولايات المتحدة وبريطانيا على معاهدة لندن في 30 ديسمبر 1966من أجل الاستئجار الاستراتيجي للأراضي المدرجة في BIOT لمدة 50 عامًا لإقامة قاعدة عسكرية في جزيرة Diego Garcia تلاها معاهدة مماثلة جديدة وقعتها الولايات المتحدة وبريطانيا في لندن في 25 فبراير 1976تتعلق بالقاعدة العسكرية في Diego Garcia لإستيعاب ولمواجهة الوضع القوي للبحرية السوفيتية في المحيط الهندي , كما مُددت معاهدة لندن حتي عام 1966ضمنيًا في 30 ديسمبر 2016 لتغطي مدة إضافية مداها 20 عاماً , ويُشار إلي أن هذه المعاهدات كانت تطبيقاً  لاتفاق سياسي سري عام 1961 بين رئيس الوزراء البريطاني Harold Macmillan والرئيس الأمريكيJohn Fitzgerald Kennedy وافقت بريطانيا بمقتضاه مبدئياً علي تأجيرDiego Garcia  للولايات المُتحدة مُقابل (1) تنسيق وإتفاق أمريكي / بريطاني غير مكتوب لإستبعاد أرخبيل Chagos من عملية إنهاء الاستعمار وإجلاء سكانه عنها و(2) الحصول علي خصم لشراء صواريخ بولاريس وناقلات قنابل ذرية , وكانت قاعدة Diego Garcia تعبيراً واضحاً عن أجواء الحرب الباردة إذ أعلنت الولايات المتحدة أنها قاعدة للدفاع عن مصالح العالم الحر , وكان في ذلك أيضاً رد على التهديد السوفييتي المتزايد في المحيط الهندي , وقد لعبت هذه القاعدة – كما سبقت الإشارة – دورا حاسما خلال عمليتي “عاصفة الصحراء ” و ” الحرية غير القابلة للتغيير” التي أطلقتها الأمم المتحدة ضد العراق عام 1991 وأفغانستان في عام 2001 , ومازالت Diego Garcia موقع لواحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية خارج الولايات المتحدة , وفي التقدير أن أهميتها الإستراتيجية ستتزايد بسبب إستمرارالوضع المتوتر في الخليج العربي بسبب ما يراه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من تهديد إيراني نووي وطاقوي , وبدأ حرب قطع الشطرنج بإقامة قواعد صينية في المحيطات الهندي والأطلنطي والهادئ (للصين سفارة ونفوذ واضح في جزيرة Kiribati موقع حملة Tarawa الدموية في الحرب العالمية الثانية) وتناقش Kiribati مع الصينيين فتح أكبر محمياتها البحرية للصيد التجاري مما قد يدر علي حكومتها 200 مليون دولار نقداً وقد يخدم هذا غرضًا مزدوجًا مثل إقامة قاعدة بحرية للصينيين أيضًا , وهذه الأهمية المُطردة ستظل كذلك في مدي زمني حده الأدني30 ديسمبر 2036 وهو الموعد النهائي الجديد لعقد إستئجار Diego Garcia , وسيعني ذلك من بين أمور مهمة إستراتيجياً أن مفهوم “منطقة السلام” بالمحيط الهندي الذي تطمح لتحقيقه الدول المشاطئة بهذا المحيط منذ عام 1971وعودة أرخبيل Chagos إلى الوطن الأم أي إلي موريشيوس وعودة سكانه إلى جزرهم الأصلية بات الآن غير مُحتمل , وإدراكاً من الولايات المتحدة بخطورة تمدد الصيين في المحيطين الهندي والهادي الذي تقدر العسكرية الأمريكية تماماً خطورة التحرك الصيني في مياهه وجزره , لذلك عُقدت محادثات رفيعة المستوى في هونولولو عاصمة ميكرونيزيا خلال شهر يوليو2021بين رئيس ميكرونيزيا David Panuelo والأدميرال البحري الأمريكي John C . Aquilino قائد القيادة الهندية-المحيط الهادئ INDOPACOM تناولت موضوع الدفاع الأوسع للولايات المتحدة وموقف القوة في المحيط الهادئ بالإضافة للقضايا الأمنية المرتبطة بتغير المناخ والتدريب على تطبيق القانون وعمليات البحث والإنقاذ , وقد ورد في البيان الذي أصدرته حكومة ميكرونيزيا بشأن هذه المحادثات : “تعاونت ولايات Micronesia الموحدة أو(FSM) والولايات المتحدة لوضع خطط لوجود أكثر تواترًا وديمومة للقوات المسلحة الأمريكية ، كذلك اتفق الجانبان على التعاون بشأن كيفية بناء هذا الوجود مؤقتًا وكذلك بشكل دائم داخل ولايات ميكرونيزيا الموحدة بهدف خدمة المصالح الأمنية المشتركة لكلا البلدين ” , وبالرغم من أن البيان لم يُشر للصين صراحة إلا أنه من الواضح أن الهدف الرئيسي من هذه المباحثات تعزيز الوجود الأمريكي في ميكرونيزيا التي تُعد جزءاً من إستراتيجية الولايات المتحدة (والصين أيضاً)  لعسكرة المحيط الهادئ , وتجدر الإشارة إلي أن أرخبيل ميكرونيزيا موقعه استراتيجي بشمال غرب المحيط الهادئ بالقرب من بحر الفلبين ومكون من 600 جزيرة سكانها 58000 نسمة ويقع جواره جزر   Palauو Marshall وثلاثتهم مُوقعين مع الولايات المتحدة علي اتفاقيات الارتباط الحر (COFA) وهو ترتيب شبه استعماري يمكّن هذه الجزرمن الحصول على تمويل فيدرالي أمريكي مقابل حصول الجيش الأمريكي على حق الوصول الحصري للمجال الجوي وللمياه الإقليمية عبر المنطقة البحرية الشاسعة في ميكرونيزيا , ومن المقرر إنتهاء هذا الإرتباط الحر COFA الذي مدته 20 عامًا بين الولايات وولايات ميكرونيزيا الموحدة وجزر مارشال في عام 2023 , أما مع جزر Palau فسينتهي عام 2024(طلبت حكومة Palau رسميًا من الجيش الأمريكي بناء موانئ ومهابط طائرات وقواعد جديدة على جزرها) ومن المُتوقع جداً تمديدها خاصة بعد أن تولي السلطة بها الرئيس Surangel Whipps Jr الابن في يناير بأجندة مناهضة لبكين , إذ أنه أعلن أن Palau ستعارض “البلطجة”الصينية في المنطقة وستقف إلى جانب “أصدقائها الحقيقيين” أي الولايات المتحدة وتايوان (قامت بنما وجمهورية الدومينيكان وبوركينا فاسو والسلفادور وكيريباتي وجزر سليمان ونيكاراجوا بتغيير الاعتراف بتايوان لصالح الصين الشعبية ) , وعموماً هناك تحرك تنافسي بين الولايات المتحدة والصين تستفيد منه بوجه أو بآخر الدول الجزرية بالحيط الهادي خاصة مجموعة جزرميكرونيزيا وميلانيزيا وبولينيزيا , وفي وقت سابق تناقصت احتمالات تحويل رصيف كبير بتمويل صيني في جزيرة Santo بجزرVanuatu إلى مرفق “مزدوج الاستخدام” بضغط نشط من كل من أستراليا والولايات المتحدة , كذلك وفي محاولة لتطوير نظام اتصالات في المنطقة مولت الصين نظام الألياف الضوئية تحت سطح البحر ومنشأه Guam وكان “مصممًا لتحسين الاتصالات في الدول الجزرية في Nauru وKiribati وولايات Micronesia الموحدة وقد أشارت صحيفة Singapore Post إلي أنه تم إلغاء هذا المشروع بضغط من الولايات المتحدة بسبب مخاوف أمنية , كانت جهود الصين لتمويل شبكة الكابلات البحرية في دول  Micronesiaمنافسة لكابل الألياف الضوئية Manatua One Polynesia وهو كابل اتصالات بحري يربط بين دول Polynesia  الجزرية مثل Samoa و Niue وجزر Cookو Polynesiaالفرنسية .

تولي الولايات المتحدة منطقتي المحيطين الهندي والهادئ أهمية مُضطردة ولهذا طلب الكونجرس الأمريكي من مؤسسة Rand   إعداد تقرير يناول الدول الجزرية بشمال غرب المحيط الهادئ وصدر عام 2019 وتم فيه تسليط الضوء على الأهمية الاستراتيجية الحاسمة لهذه الدول وأوصى بأن تفتح واشنطن فصلاً جديداً مثمراً مع دول  FASأو freely associated states لمواجهة الصين بشكل أفضل كذلك ذكر التقرير : “أن التاريخ يؤكد أن FAS تلعب دورًا حيويًا في استراتيجية الدفاع الأمريكية وأنه إذا تم تجاهلها أو تخريبها فقد تصبح كما في الماضي نقطة ضعف خطيرة , هذا وقد أشار  Abraham Denmarkنائب مساعد وزير الدفاع لشرق آسيا بإدارةObama  وكذلك  Eric Sayersالمساعد الخاص السابق للقيادة العسكرية الأمريكية للمحيطين الهندي والهادئ INDOPACOM في مقال رأي لهما في Defense One في أبريل2021 أنه لردع الصين يجب على الولايات المتحدة بناء منشآت عسكرية في جزر المحيط الهادئ الرئيسية وهي :   Tinianفي Marianas الشمالية وجزر Palauو Yapأقصى الغرب .

كما سبق وأشرت كان توقيع إتفاق التحالف الثلاثي الأمريكي/البريطاني/الأسترالي  AUKUSفي سبتمبر 2021 بعثاً لإرادة ثلاثية للتناسب مع المهددات اصينية والروسية البحرية وغيرها بمسرح المواجهة الأمريكية/الصينية/الروسية في المحيطين الهادئ والهندي , وهو التحالف الذي يُعتبر إمتداداً لحائط التحالف الذي أقامته الولايات المتحدة مع اليابان منذ ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لصد التمدد الصيني في المحيط الهادئ , فلم يعد التحالف اليابني / الأمريكي الذي كان عماد السياسة الأمريكية في المحيط الهادئ لما يقرب من نصف قرن كاف وحده للإحاطة بـ وتحجيم حرية الحركة العسكرية البحرية الصينية والروسية في المحيط الهادئ ودوله الجزرية , فمن خلال هذا التحالف نشأ تعاون عسكري مع اليابان وصل إلي حد إعلان رئيس مجلس الوزراء الياباني في ديسمبر 2005 عن قرار اليابان بدء تطويرها للجيل القادم من الصواريخ الإعتراضية مع الولايات المتحدة والإعتماد علي التحالف الياباني / الأمريكي لسد إحتياجات الأمن القومي الأمريكي والياباني في هذين المحيطين .

من المعلوم أن الولايات المتحدة تُمول الميزانية الوطنية لولايات ميكرونيزيا الموحدة بأكثر من 60 % وكان من المفترض أن يتم تخفيض هذا التمويل بشكل تدريجي خلال مدة الاتفاقية لكن الركود الاقتصادي في المنطقة والنفوذ المتزايد للصين أوقف ذلك , ولذلك هناك تشريعات معروضة حاليًا على الكونجرس الأمريكي تقترح إنفاق مليار دولار أمريكي سنويًا في 14 دولة ذات سيادة في المحيط الهادئ وهو ما أكده الأكاديميان الأمريكيان Gerard Finin و Terence Wesley-Smith في مقال بصحيفة Guardian في 7 سبتمبر 2021 عندما أوضحا أن مبادرات التمويل المخطط لها في واشنطن “مدفوعة بمخاوف أمنية لا يشاركها بالضرورة قادة الجزرالذين يرون أن تغير المناخ وليس الصين هو التهديد الرئيسي لمستقبل المحيط الهادئ , وهو ما أكده آخرون في مؤتمر ولايات ميكرونيزيا الموحدة عام 2018والذي دعا إلى إنهاء COFA وأن تكون الصين الدولة الوحيدة المسموح لها بالصيد في المنطقة الاقتصادية الخالصة لولايات ميكرونيزيا الموحدة , هذا وزعم تقرير صادر عن مؤسسة RAND الأمريكية في عام 2019 أن بكين دفعت ثمن منازل المسؤولين الحكوميين والسفن بين الجزر والمنح الدراسية للطلاب , كما أنها اقترحت أيضًا بناء كازينوين في ميكرونيزيا واستضافت زيارة الدولة التي قام بها رئيس ميكرونيزيا لبكين عام 2017, ولاشك في أن التنافس الأمريكي الصيني في المحيط الهادئ واضح ومُعلن إذ أن وزير الخارجية الأمريكي السابق Mike Pompeo قام في أغسطس 2019بزيارة لميكرونيزيا هي الأولي لوزير خارجية أمريكي لها بهدف البدء في مفاوضات لتجديد اتفاقيات COFA بما في ذلك تمديد ضمانات التمويل وأعلن من هناك ما نصه : “أنا هنا لأؤكد أن الولايات المتحدة ستساعد ميكرونيزيا في حماية سيادتها وأمنها وحقها في العيش بحرية وسلام” مُوضحاً ذلك بقوله : “إن تمديد الاتفاقات سوف يحافظ على الديمقراطية في مواجهة الجهود الصينية لإعادة رسم منطقة المحيط الهادئ” , وعقب هذه الزيارة مباشرة قام وزير الخارجية اليابانيTaro Kono بزيارة ميكرونيزيا قدم خلالها وعوداً بملايين الدولارات لسلسلة من المساعدات ومشاريع البنية التحتية  كاشفاً عن أن بلاده قررت “زيادة الدعم لبلدان المنطقة من أجل أن تكون منطقتي المحيطين الهندي والهادئ  منطقتان حرتان ومفتوحتان “.

هناك إذن عمليات عسكرة كثيفة ومُتعددة الأطراف جارية بالمحيطين الهندي والهادئ تساهم فيها القوي العسكرية الكبري كل بما يُتاح له من إمكانات , وفي إطار هذه العمليات يعمل الأمريكيين في ضوء أهمية الهند في إطار إستراتيجيات القوي البحرية الدولية بالمحيط الهندي علي جذبها إلي جانبهم بعيداً عن الصين ما أمكنهم ذلك , ومن بين الإشارات الدالة علي ذلك أعلان وزير الدفاع الأمريكي في 30مايو 2018 خلال تفقده للقاعدة الأمريكية في Pearl Harbor بهاواي عن تغيير مُسمي القيادة العسكرية الأمريكية بالمحيط الهادئ USPACOM ليكون : القيادة العسكرية الأمريكية للمحيطين الهادئ والهندي INDOPACOM , ولا شك في أن هذه الخطوة تعكس رغبة واشنطن في الاعتماد أكثر فأكثر على الهند للحد من تزايد نفوذ الصين بالمحيط الهندي وإمتداده حتي بحر الصين الجنوبي الذي تحاول البحرية الصينية إحكام السيطرة عليه بوسائل مختلفة منها إقامة منشآت عسكرية على جزر اصطناعية صغيرة(هناك حالياً تفسير موسع لحدود آسيا والمحيط الهادئ نشأ عن الفكر الإستراتيجي العسكري الأمريكي مع إنشاء القيادة العسكرية للمحيط الهادئ , فقد تحددت منطقة مسؤولية القيادة في أسطول الولايات المتحدة السابع في المحيط الهادي في هاواي لتكون قاعدتها جزيرة Diego Garcia في المحيط الهندي لتمتد نحو المحيط الهادئ) خاصة وأن الولايات المتحدة تعي الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الصينية في محاولة تذويب الفوارق في المفاهيم الإستراتيجية بين القوي الإقليمية الآسيوية وذلك من خلال منظمة شنجهاي للتعاون Organisation de coopération de Shanghai التي من بين أعضاءها أربع قوي نووية ويبلغ عدد سكان أعضاءها 3 مليار نسمة , ولدي الصين حالياً وجود بحري قوي في مياه المحيطين الهندي والهادئ حيث تخوض بحريتها فيهما صراعاً بارداً وكامناً مع الهند مثاله التواجد والتمركز والإستثمار في أرخبيل Agaléga , وقد شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس وزراء الهند Narendra Modi لموريشيوس في مارس 2015 قلقاً لدي الصين ففي هذا العام وقعت الهند إتفاقيات عدة مع حكومة موريشيوس منها ما يتعلق بتنمية أرخبيل Agaléga لتحويله إلي مقصد للسياحة البيئية بإستثمارهندي قُدر بنحو 500 مليون دولار , ويخشي مراقبون أن تتحول جزيرتي Agaléga إلي Diego Garcia أخري لكن بمذاق هندي هذه المرة *(موقع GEO بتاريخ 17 ديسمبر 2018) , فالهند تنشط في التحرك بإتجاه حلفاء الصين بالمحيط الهندي ومنهم سيشل التي وقعت الهند معها أيضاً إتفاقيات منها ما يتعلق بإقامة بني أساسية عسكرية هندية وتحديداً بجزيرةl’Assomption  التابعة لسيشل والواقعة إلي الجنوب الغربي علي بعد 1,140 كم منها وتبلغ مساحتها 11,07 كم مربع .

البحرية الصينية الأداة الرئيسية للوصول إلي القطبين الشمالي Arctic  والجنوبي  Antarctic:

بدأ تطبيق الصين ميدانياً لإستراتيجيتها المُتعلقة بالقارتين القطبيتين Arctic وAntarctica  عام 2018وهو وضع ألزم العسكرية الأمريكية بوضع هذه الإستراتيجية “التوسعية” الصينية ضمن خرائطها العسكرية والتعبوية بإعتبارها إستراتيجية عدائية وتهديداً واسع المدي يؤثر علي المصالح العليا للولايات المتحدة ولحلفاءها , ولذلك يتطلب هذا الوضع إحداث تغييراً كمياً ونوعياً في التعريف والتحديد العملياتي ليس فقط لقيادتها العسكرية التي تضم منطقتي المحيطين الهندي والهادئ INDOPACOM بل ولقياداتها العسكرية الجغرافية الخمس الأخري والوظيفية الثلاث المُوزعة بالعالم , لكن بالطبع فسيكون التأثيرالأولي للإستراتيجية القطبية للصين في Antarctic مداه الأوسع والأعمق بالنسبة للقيادة العسكرية الأمريكية بالمحيطين الهندي والهادئ .

إن الأهداف الإقتصادية والعسكرية والبيئية للصين في Antarctica ذات إرتباطات وعلاقات مُتبادلة فالخطة الخمسية الـ 13 للصين (2016-2020) وضعت هدفاً طموحاً وهو : بناء الصين لتصبح دولة بحرية قوية مع التركيز على مصايد الأسماك والفرص الاقتصادية الأخري , ولذلك زادت الصين من دعمها للوقود ووسعت برنامجها لبناء السفن لأسطول الصيد الصيني في المياه البعيدة فقد أصبح الوصول إلى الموارد البحرية وفرص السياحة في جميع أنحاء القارة الآن المحرك الأكثر إلحاحًا لأنشطة الصين في Antarctica , كما أنه من المحتمل أن تتجه الصين أيضًا نحو إبقاء إمكانيات التعدين في قاع البحار مفتوحة والمطالبة الإقليمية واستخدام المعدات المدنية في Antarctica لتحقيق ميزة عسكرية (إن حظر معاهدة Antarcticaعلى استخدام المعدات العسكرية بخلاف دعم العلوم واللوجستيات مفتوح علي تفسير واسع) , لذلك فعلى الرغم من أن الصين ستدعم معاهدة Antarctica على مدى العقود القليلة القادمة على الأقل , إلا أنها ستواصل الضغط لتغيير ممارسات وأغراض هذه المعاهدة من الداخل لتلبية مصالحها الحالية والمستقبلية , فالصين تريد زيادة وقوة وسيادة للإقتصاد الصيني في العالم , وهي لذلك تحاول إحداث تغييرات تلاءمها في نظام معاهدة Antarctica يتيح لها بلوغ مكانة تسمح لها بمطالبة إقليمية إذا تم إلغاء معاهدة  Antarctica في وقت ما في المستقبل , ويوضح منطق الصين فيما يتعلق بحقوقها في القارة القطبية الشمالية ما قاله الأدميرال الصيني Yin Zhuo من بحرية جيش التحرير الشعبي في تصريح قال فيه :”إن القطب الشمالي والمنطقة البحرية حوله تؤول إلى كومنولث شعوب العالم وبما أن الصين تمثل خمس سكان العالم  لذلك فإن دورها في القطب الشمالي لا يغيب إلى حد كبير” .

إن طموحات الصين لعسكرية في Antarctica حقيقية ومتنامية لذلك قامت ببناء مطار دائم فيها عام 2018 ، ولديها أسطول متنامي من كاسحات الجليد , ففي يونيو 2018أعلنت بكين عن خطط لبناء أول كاسحة جليد نووية بوزن 30 ألف طن (الصين الدولة الثانية بعد روسيا التي تملك كاسحات جليد نووية) , كذلك تدفق أفراد من جيش التحرير الشعبي بإتجاه محطات أبحاث الصين في  Antarctica وكل ذلك مجرد عينة من الأهداف العسكرية لبكين , ففي محطة Zhongshan ساعد خبراء جيش التحرير الشعبي الصيني في بناء موقع رادار يمكن بواسطته – وفقًا للخبراء – التداخل مع الأقمار الصناعية القطبية الأمريكية ولذلك أعتبره الأمريكيين انتهاكاً لمعاهدة Antarctica ولم تبلغ الصين عن أي من أنشطة جيش التحرير الشعبي إلى الدول الموقعة على معاهدة   Antarctica, وإتصالاً بذلك تجدر الإشارة إلي أن موقع NHK WORLD في 2 مارس 2021 أشار إلي أن وزارة الدفاع الصينية بررت أنشطتها قبالة جزر Senkaku ببحر الصين الشرقي بأنها أنشطة مشروعة , وكان رد وزير الدفاع الياباني : أن الأنشطة الصينية هناك  تنتهك القانون الدولي , لأن هذه الجزر تسيطر عليها اليابان , فيما تُطالب بها كل من الصين وتايوان , لكن الحكومة اليابانية تُؤكد أن الجزر جزء لا يتجزأ من أراضي اليابان , بينما نشرت وزارة الدفاع الصينية وجهة نظرها على موقعها على الإنترنت ومفادها أن هذه الجزر أراضٍ صينية وأن أنشطة إنفاذ القانون التي تقوم بها سفن الخدمة العامة الصينية داخل المياه الإقليمية للبلاد “مشروعة ولا جدال فيها ، وسيستمر تنفيذها بشكل طبيعي” , من جهة أخري صرح وزير الدفاع الياباني Kishi Nobuo بشأن ذلك بأن جزر Senkaku تاريخياً جزء لا يتجزأ من الأراضي اليابانية , وكذلك من وجهة نظرالقانون الدولي وأن هذه الجزر خاضعة لسيطرة اليابان , مُضيفاً أن أنشطة خفر السواحل الصينية التي تستند إلى مزاعم الصين أحادية الجانب وتنتهك القانون الدولي وغير مقبولة وأن وزارته ستتعاون مع الهيئات الحكومية الأخرى لجمع المعلومات وستبذل قصارى جهدها لتسيير الدوريات والمراقبة , ذلك في الوقت الذي تم فيه رصد سفن حرس السواحل الصينية بشكل متكرر داخل وخارج المياه الإقليمية للجزر , وهو ما دفع الحكومة اليابانية مؤخرًا للإعلان عن أن  خفر السواحل الياباني يمكن أن يستخدم الأسلحة بشكل قانوني ضد محاولة الهبوط بالقوة إذا لزم الأمر للرد على جريمة خطيرة وشنيعة , وعلي الجانب الصيني وفي مؤتمر صحفي اعتيادي حث Wang Wenbin المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية اليابان على “وقف الكلمات والأفعال الخطيرة التي قد تعقد الوضع” في الجزر , لكن تتزايد المخاوف في اليابان منذ دخول قانون صيني جديد حيز التنفيذ صدر في وقت قريب من تلك الأزمة يسمح لخفر السواحل الصيني باستخدام الأسلحة في المياه التي تعتبرها خاضعة لولايتها القضائية  .

للصين كما لغيرها من القوي الكبري والدول ذات الشأن والمعنية بالقطبين الشمالي Arctic والجنوبي  Antarcticطموحات إقتصادية وعلمية بالقطبين الشمالي Arctic والجنوبي  Antarcticتعتمد علي تحقيقها بواسطة السلاح البحري الصيني وهو ما تتابعه العسكرية الأمريكية بدقة بإعتباره تهديد للأمن القومي الأمريكي , فطموحات الصين في القطب الشمالي تعبر عنها استراتيجية صينية معنية بالقطب الشمالي أعلنتها وروجت لها الصين في المنتديات الدولية منذ عام 2018 ثم تأكدت بتدفقات إستثمارية صينية فيه , وهذه الإستراتيجية تُشير إلي أن الصين قوة “قريبة من القارة أو الدائرة القطبية الشمالية Arctic ورسمت بناء علي ذلك “طريق الحرير القطبي” ومسافته ألفي ميل تقريبًا وأنشأت من أجل الوصول الفعلي إلي Arctic أسطولاً من كاسحات الجليد القطبية , وهناك بالطبع ثمة ما يُبرر للصين (ولروسيا أيضاً) تحركهما نحوالمحيط المتجمد الشمالي , وفي الآونة الأخيرة وكنتيجة لتغير المناخ شهد القطب الشمالي زيادة كبيرة في الاهتمام السياسي والاقتصادي من القوى الكبرى التي تتدافع لتعزيز وجودها في المنطقة وتعد الصين الفاعل الأبرز الذي يسعى إلى أن يصبح أحد أصحاب المصلحة الرئيسيين في الجغرافيا السياسية المستقبلية لهذه القارة غير المأهولة التي دخلت إليها الصين عام 1925بعد توقيعها علي معاهدة Svalbard والآن وبعد نحو100علي هذاالتوقيع تتوسع الصين في القارة القطبية الشمالية بل وفي أرخبيل  Svalbard Archipelagأو Spitsbergen(تابع للنرويج)الذي وقعت فيه هذه المعاهدة التي تُؤكد على سيادة النرويج على أرخبيل  Spitsbergenكما تمنح حقوقًا متساوية للأنشطة التجارية في الجزر لجميع الأطراف الموقعة وعددهم حالياً 46 دولة , وهوما سيُؤدي أو أنه أدي بالفعل إلي تحويل Arctic إلى جبهة توتر جيوسياسي إضافية مع الولايات المتحدة بسبب قيمتها كطريق تجاري وأراضي ومياه ذاخرة بالموارد الطبيعية , فبالقطب الشمالي حوالي13% من احتياطيات النفط غير المستكشفة و30 % من الغاز ووفرة من اليورانيوم والمعادن والذهب والماس , كما أن Greenland بها أكبراحتياطيات من المعادن خارج الصين وهي لازمة لإنتاج البطاريات والهواتف , ولذلك تسعى الصين لتطوير طريق حرير قطبي كجزء من برنامجها العالمي لبناء السكك الحديدية والموانئ وأعمال أخرى في بلدان عدة , والإستراتيجية الصينية للقارتين القطبيتين Arctic و Antarctic مُؤسسة – رغم مسافتهما النسبي عن الصين – علي فرضية أنهما ستساهمان في تنمية الوزن الإقتصادي العالمي للصين , تقوم الصين  بالتخطيط من أجل الإندفاع الإقتصادي بهما ومحاكاة أعمالها في بحر الصين الجنوبي , أما في بحر الصين الجنوبي فقد غزت الصين وببطء المناطق المتنازع عليها هناك فأقامت بها بنية تحتية  وبهذه الطريقة وسعت من قدراتها الاقتصادية والعسكرية ومصالحها وفرضت سيادتها وقامت ببناء غواصات للعمل في Arctic ودرست كيفية بناء غواصات قادرة على الخروج من الغطاء الجليدي كما إرسلت سفينة تكسيرالجليد الصينية Xue Long II في إطار البعثة الصينية الـ 36 في Antarctic( كانت بعثتها الأولى عام 1983) من أجل تزويد القاعدة العلمية لـلسفينة البحثية Zhonstan وهي إحدى السفن الأربع التي تحتفظ بها الصين بهذه المنطقة وهي المرة الأولى التي يصل فيها هذا النوع من السفن الصينية إلى Antarctic , وعلى الرغم من تجميد الدعاوى القضائية عمليا بشأن Antarctic منذ عام 1961بموجب معاهدة (ATS) التي يدخل في نظامها 54 طرف 29 منهم بصفة إستشارية (مع حق تصويت) وانضمت الصين إليها عام 1983, ولم تكترث الصين بموضوع المُطالبات القضائية فاقتحمت Antarctic لتدخل طرفاً في نظام معقد من العلاقات هناك يضم بالإضافة للولايات المتحدة دول أخري مثل الأرجنتين وأستراليا وشيلي وفرنسا وبريطانيا والنرويج ونيوزيلندا ولهذه الدول السبع مطالبات إقليمية في Antarctic يعود تاريخها للنصف الأول من القرن الـ 20 ,  وبين عامي 1957 و 1958أجرت وتجري أكثر من 12 دولة أبحاث هناك , وبالرغم من أن الصين انضمت لهذه المعاهدة عام 1983 إلا أن مستوى استثماراتها وأنشطتها في Antarctic جعلها في دائرة الضوء .

اللدافع الإقتصادي للقوي الدولية هو الذي أدي إلي العسكرة الواضحة في القطبين الشمالي Arctic والجنوبي Antarctic ومُحيطهما وإن بمنسوب مختلف في كلاهما , وفي هذا الإطار أعلن قادة الجيش الأمريكي (وزارة الدفاع) عام 2019عن إطلاق استراتيجية القطب الشمالي , ولقد أثارت هذه الإستراتيجية سؤال رئيسي هو: كيف ستتمكن الوحدات الأمريكية من استعادة قدرات الطقس البارد بعد سنوات من عمليات مكافحة التمرد في الشرق (أفغانستان بصفة رئيسية) ؟ , ولذلك وفي فبراير 2021أجرى مسؤولي الجيش تحليلاً للفجوات خلال تمرين Arctic Warrior في ألاسكا التي تضم غالبية قوات الجيش الأمريكي الدائمة في القطب الشمالي ومناطق القطب الشمالي الفرعية (يخدم بها حالياً 11600 جندي وهناك خطة لنشر المزيد بها) جري بواسطته فحص أي نقص في المعدات المطلوبة للمنطقة القاسية حسبما قال العقيد J.P. Clark رئيس قسم الإستراتيجية في الجيشG-3/5/7 , والذي قال في 17 مارس 2021 خلال مائدة مستديرة إعلامية أنه قد تتم معالجة بعض احتياجات المعدات في الميزانية الرئاسية المقبلة في حين أن الجهود طويلة الأجل مثل إنشاء فريق عمل متعدد المجالات للمنطقة أمر قد يستغرق سنوات حتى تظهر نتيجته , وقال “هذه الخيارات تعمل مع كبار قادة الجيش ونتوقع أن يكون هناك إعلان عن ذلك في وقت لاحق من هذا العام أو حتى المقبل , كما ستبحث الاستراتيجية أيضًا بشكل أعمق عما إذا كان يجب تعديل مواقع التدريب في ألاسكا ، بما في ذلك مركز تدريب الحرب الشمالية لتلبية المتطلبات , وأضاف العقيد Clark “هناك عدد من مجالات التدريب التي توفر فرصة عظيمة للقيام بهذا التدريب في ألاسكا ” وقال “إن الكثير من التدريب سيعتمد على مهارات البقاء والقدرة على العمل في واحدة من أكثر المناخات قسوة في العالم , فنحن نريد أن يتمتع كل جندي يتم تكليفه بوحدة قادرة على القطب الشمالي بهذه القدرات الأساسية , و يمكن للجيش أيضًا الاعتماد على شراكاته لإعداد وحداته بشكل أفضل لهذا النوع من الحروب , فهذا هو المكان الذي يمكننا أن نكتسب فيه الكثير من حلفائنا وشركائنا إذ أن الكنديون والنرويجيون والسويديون يتمتعون بقدرات رائعة للغاية حول كيفية بناء وحدة للقتال والفوز بهذه المنطقة , وفي فترة التجمد بالقطب الشمالي يمكن استخدام الممرات المائية كطرق لوجستية للمركبات الأرضية بسبب نقص الطرق في الأجزاء النائية من ألاسكا , مع ملاحظة أن هذه الطرق يمكن أن تختفي بعد ذلك عندما يسخن الطقس ” , ومن جانبها قالت Elizabeth Felling المخططة الإستراتيجية في الجيش  : G-3/5/7″إن مركز تدريب الحرب الشمالية لتدريب الجيش مكانه في المنطقة الباردة , لكن كيف نستفيد من مجالات التدريب هذه فهذا هو ما سننظر إليه حقًا ” , وأضافت أن خطوط العرض العالية في المنطقة يمكن أن تؤثر أيضًا على تغطية الأقمار الصناعية و أن القطب المغناطيسي الشمالي قد يحد من بعض العناصر الإلكترونية التي قد تعمل بخلاف ذلك في مكان آخر ، مضيفًا أن الجيش يخطط للعمل مع الفروع العسكرية الأخرى لإيجاد حلول , وأن التشكيلات القادرة على القطب الشمالي يمكن أن تتدرب أيضًا مع شركاء في الأجزاء الجبلية من العالم , وعندما يتم تدريبهم وتجهيزهم بشكل صحيح يمكننا ضمان تشكيل قادر على القطب الشمالي (جاهز) لتلبية متطلبات قادتنا المقاتلين  في جميع أنحاء العالم أينما كانوا ” .

إزاء هذا التطور العسكري الصيني أعلنت الولايات المتحدة في يناير 2021 خطتها الاستراتيجية الجديدة للقارة القطبية الشمالية تحت أسم Blue Arctic وتدعو الخطة إلى وجود أمريكي أقوى وتأثير أكبر في المنطقة تماشياً مع الاستراتيجية البحرية الأمريكية ثلاثية الخدمات وسلطت الضوء على الحاجة الملحة المتزايدة لتعزيز الردع في القطب الشمالي دون تقويض الاستقرارأو تقليل الثقة أو إثارة الصراع ومع ذلك يبدو أن البحرية الأمريكية تسعى إلى تحقيق الهدفين الرئيسيين : الردع والاستقرار , وذلك من خلال أساليب متناقضة في بعض الأحيان , وأحد الأهداف الرئيسية للاستراتيجية هو الحفاظ على استقرار القطب الشمالي و “بناء الثقة بين الدول من خلال الردع الجماعي والجهود الأمنية التي تركز على التهديدات المشتركة والمصالح المشتركة” , ومع ذلك يري المُراقبون إن النهج الأمريكي يشوبه نناقض صارخ مع مفهوم التوظيف الديناميكي للقوة والذي تم إيضاحه في استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018, فوفقاً لإستراتيجية الدفاع الوطني يُعد عنصر المُفاجأة جزء لا يتجزأ من التوظيف الديناميكي للقوة مما يُؤدي إلي نشوء المخاطر وعدم اليقين بين صانعي القرار علي جانب الخصوم فيما يتعلق بنشر القوات الأمريكية والوضع العسكري والعمليات , وكما أوضح وزير البحرية الأمريكي السابق Kenneth Braithwaite فإن الهدف من توظيف القوة الديناميكية هو صياغة تصور بأن هناك دائمًا احتمال مُؤداه أن البحرية الأمريكية يمكن أن تعمل تحت ظروف القطب الشمالي أو فوقه في أي وقت مما يؤدي إلي إنطباع مفاده عدم القدرة على التنبؤ , وهناك بعد إضافي للخطة الإستراتيجية الأمريكية تلك وهو الحضور الروسي في القطب الشمالي فالجزء الغربي من القطب الشمالي يلعب دورًا حاسمًا في الاستراتيجية العسكرية الروسية فبه قواعد ومناطق عمليات لأقوى قطاع بالبحرية الروسية وهو الأسطول الشمالي , ولهذا أعادت الولايات المتحدة تأسيس أسطولها الثاني في أغسطس 2018 الذي كانت قد ألغته عام 2011 لموازنة الوجود الروسي المتزايد بل ومن أجل زيادة تعزيز الردع في القطب الشمالي عززت الولايات المتحدة بعض منشآتها الحالية مثل قاعدة Thuleالجوية في جرينلاند ونشرت قوات لإجراء تدريبات زادت من حيث العدد والنطاق في يناير 2017 فقد كان هناك 330 من مشاة البحرية الأمريكية في Værnes في النرويج وزاد العدد إلى 700 في عام 2018 , وفي يناير 2021 وصل أكثر من 1000 من مشاة البحرية إلى شمال النرويج للمشاركة في التدريب الشتوي وفي فبراير2021هبطت أربع قاذفات من طراز B-1B Lancer للقوات الجوية الأمريكية بالقاعدة الجوية النرويجية في Ørland لأول مرة في التاريخ , وفي هذا قال قائد سلاح مشاة البحرية الجنرال David Berger بأن القتال تحت سطح البحر أثناء نشره في قواعد استكشافية متقدمة سيكون أمرًا بالغ الأهمية في منطقة الشمال العليا بحيث يجب أن يكون سلاح مشاة البحرية جزءًا منه , وإتصالاً بذلك تجدر الإشارة إلي أن الولايات المتحدة قد أظهرت موقفها الأكثر حزمًا في المنطقة من خلال نشر قدراتها الإستراتيجية بشكل دوري مثل مجموعة حاملة الطائرات Harry S. Truman التي شاركت في عام 2018 في تمرين Trident  Juncture لحلف الناتو بالقرب من الدائرة القطبية الشمالية لأول مرة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي .

في تقديري أن بدء تطبيق الصين لإستراتيجية إقامة القواعد البحرية العسكرية القائمة في العالم وخاصة المُحتملة علي الساحل الغربي لأفريقيا المُطل علي الأطلنطي إضافة للنفاذ الصيني البحثي والإقتصادي في القارتين القطبيتين الشمالية والجنوبية  لابد وأن يُنظر إليه علي أنه عبء إضافي علي العسكرية الأمريكية تحسب حسابه خاصة بعد إعلان الصين عن مشاركتها في إقامة “طريق الحرير القطبي أو ممر القطب الشمالي الروسي” البالغ طوله 6000 كيلومتر والذي يصل أوروبا وآسيا بالقطب الشمالي وهو أحد أهم أوجه التعاون الروسي / الصيني كذلك استفادت الصين بذكاء من الضغط الغربي / الأمريكي المُتواصل على روسيا في الحصول على موافقة موسكو على وضعية الدولة المراقبة في مجلس القطب الشمالي قبل عام 2013 بعد أن كانت روسيا ضد ضم الصين بشدة لهذا المجلس  , فعلى سبيل المثال منعت روسيا السفن الصينية عام 2012 من العمل في طريق البحر الشمالي NSR , لكن بالنسبة لطريق الحرير القطبي فسوف لا ينصرف تأثيره فقط علي كونه بديلاً لقناة السويس بل سيتعداه ليكون توسيعاً لجبهة المواجهة بين هاتين القوتين والولايات المتحدة ومن المُحتمل أن يكون صالحاً لإعتباره هدفاً عسكريا/أمنياً للقوي المعادية أو المُضارة بمبادرة الطريق والحزام الصينية في سيناريو ما , فهذا الطريق لن يكون قاصراً علي وحدات النقل التجارية البحرية علي إختلافها بل سيشمل أيضاً الوحدات البحرية العسكرية , ومن ثم فالمواجهة بين هذه القوي الثلاث أصبحت تُشكل حزاماً يمتد حول العالم داخلاً فيه القارتين القطبيتين الشمالية Arctic والجنوبية Antarctica اللتين لم يعد من الممكن واقعياً إعتبارهما منطقتين هامشيتين Rimland عسكرياً ومن ثم هناك جهد إضافي وعملياتي متوقع فيهما وحولهما للصين ولروسيا وللقيادات العسكرية الأمريكية التسع لكنه بالدرجة الأولي سيكون كذلك للقيادة الأمريكية العسكرية الشمالية USNORTHCOM وللقيادة الأمريكية العسكرية الباسيفيكية و للقيادة الأمريكية العسكرية الجنوبية USSOUTHCOM ومن المتوقع كنتيجة لهذا الموقف الجديد أن تجري عملية إعادة توزيع للموارد العسكرية الأمريكية والصينية والروسية المختلفة بما يتناسب مع نشوء جبهتين جديدتبن في Arctic و Antarctica ومن بين أولي دوائرالإهتمام العسكري لهذه القوي الثلاث التي ستتأثر بعمليات إعادة التوزيع والتقييم تلك أفريقيا ( خاصة بالقرن الأفريقي ومنطقة الساحل) ومنطقة الشرق الأوسط الكبير أي شاملة أفغانستان وهذا الوضع كان في تقديري أحد الدوافع وراء القرار الأمريكي للإنسحاب سريعاً من أفغانستان , وقد يمتد تأثير هذا الوضع العسكري الجديد علي العسكرية الأمريكية علي خريطة توزيع دعمها ومساعداتها العسكرية لمختلف دول العالم وخاصة في الشرق الأوسط وبصفة مُحددة علي مصر بل وربما الكيان الصهيوني علي إعتبار أن الولايات المتحدة ربما تُقدر خفض دعمها العسكري له بناء علي عدة إعتبارات منها أن تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني ودول الخليج ووقوع دول المواجهة العربية (سابقاً) في أحضان الصهاينة طلباً للنجاة من مصير مرعب ينتظرها أوربما توسلاً للإستعانة بمخابراتها التي إكتسبت سمعة طيبة لأسباب منها تراخي أجهزة الأمن والمخابرات العربية بعد النهاية المرحلية للربيع العربي في متابعة وتناول الكيان الصهيوني كخطر ومُهدد للأمن القومي للدول العربية دلائل علي خفض أو قرب محو العدائية بين النظم (وليس الشعوب)العربية والكيان الصهيوني .

إن الصين من واقع إهتمامها بالشرق الأوسط ومحيطه تأمل في وضع نهاية للصراع في اليمن وهو ما نادت به في إجتماعات مجلس الأمن الدولي عند مناقشة المسألة اليمنية , وذلك من أجل إستكمال مشروعها اللوجيستي الضخم أي مبادرة الحزام والطريق وإلتحامه بنطاق خليج عدن ومنه للبحر الأحمر , وأوضحت I-wei Jennifer Chang وهي باحثة بمعهدGlobal Taiwan   بواشنطن أهمية اليمن بالنسبة للصين فقالت :”إنه على الرغم من أن اليمن ليس ذا أهمية مباشرة لأهداف السياسة الخارجية الشاملة للصين إلا أن اليمن لا يزال يحتل موقعًا جيوإستراتيجي يمتد لإشرافه علي ممر شحن دولي (إعترف اليمن بالصين عام 1956كأول دولة في الجزيرة العربية تفعل ذلك), هناك إتفاق ثنائي عام 2013 بموجبه اتفقت الصين  مع الحكومة اليمنية بتوسعة ميناءين للحاويات في المخا وعدن (الذي تعتبره الصين موقع طبيعي مثالي يقصر مسافة مئات الأميال التي تحتاجها خطوط الشحن عندما تضطر إلى استخدام موانئ العبورالرئيسية في المنطقة مثل ميناء جبل علي الإماراتي) وقدمت قرضاً ميسراً بمبلغ 508 مليون دولار لهذا الغرض , كما أن شركة النفط الصينية المملوكة للدولة Sinopec Corp تعمل في قطاع التنقيب وإنتاج البترول اليمني البالغ 20 ألف برميل /يوم وهو ما يمثل 8% من إجمالي إنتاج اليمن , ولكن مع اندلاع الحرب الأهلية في اليمن غادرت شركة Sinopec Corp البلاد , وتقر الصين بأن حكومة اليمن برئاسة عبد ربه منصور هادي الذي زار بكين عام 2013هي الحكومة الشرعية باليمن , لكنها مع ذلك تلعب الصين دوراً مزدوجاً في الصراع اليمني بالرغم من حديثها في مجلس الأمن فالسفير الصيني السابق في اليمن Tian Qi يعمل بخبراته السابقة باليمن علي إقامة إتصالات بين الصين والحوثييين , وفي نفس الوفت تقوم علي تنمية العلاقات مع السعودية أكبر منتجي البترول بالعالم للتخديم علي مبادرة الحزام والطريق .

 إنــعـــكـــاس إتساع جبهة الإعداد للمواجهة العسكرية الصينية/الأمريكية علي الشرق الأوسط :

1- يتضح من العرض السابق أن العسكرية الأمريكية (خاصة سلاح البحرية) أصبحت جبهة مواجهتها للعسكريتين الصينية والروسية أكثر إتساعاً عن ذي قبل , فقد أصبح هناك ميدانان إضافيان للمواجهة هما ميداني القارتين القطبية الشمالية  Arctic والجنوبية  Antarcticوللقارتين إرتباط جيو/عسكري بالميحيطين الهندي والهادئ ولهذا أصبح من المُتفق عليه حالياً بين الإستراتيجيين أن المنطقة الرئيسية التي يجب على الولايات المتحدة أن تدافع عنها ضد الصين هي منطقة المحيطين الهندي والهادئ بسبب التحرك البحري الصيني فيهما ومن خلال المحيط الهادئ للقارة القطبية الجنوبية  Antarctic, ولهذا كان القرار الأمريكي الحازم بمنع الإمارات من إتاحة فرصة للصين للتمدد في الخليج العربي , فقد حاولت الصين إقامة قاعدة عسكرية سرية في ميناء خليفة بالإمارات العربية المتحدة وهم ما رصدته في حينه ومبكراً الأجهزة الأمريكية المعنية إذ كشفت صور الأقمار الصناعية أن هناك أعمال تشييد مشبوهة لمبنى متعدد الطوابق داخل محطة حاويات بنتها وتديرها شركة الشحن الصينية Cosco , وزعمت الإمارات أنه ليس لديها أي فكرة عن ذلك (أشار موقع The BL في 12 سبتمبر نقلاً عن صحيفة The Sun أن الصين ربما تخفي صواريخ من طرازTrojan Horse في حاويات شحن على متن سفن شحن في جميع أنحاء العالم يمكن تحويلهال سفن قتالية في حالة خوضها الحرب) , لكن مع ضغط مارسه الأمريكيين علي الإمارتيين في نوفمبر 2021 كان لا بد من وقف أعمال هذا المبنى وهو ما تم , وأعتقد أنه بمنع الإماراتيين (الذين يعبثون بتحالفهم مع الولايات المتحدة) من إتاحة الفرصة للبحرية الصينية كي تتمدد لداخل الخليج العربي وبالتالي إضافة عبء علي قيادة عسكرية أمريكية أخري وهي القيادة المركزية USCENTCOM فإن ما فعله الإماراتيين سيظل عالقاً في ذاكرة العسكريين الأمريكيين , وفي إعتقادي أن تنوع محاور التعاون الإقتصادي الإماراتي/ الصيني دالة علي نشأة تعاون عسكري بين البلدين بمثل هذه الخطورة , ومن بين أمثلة عديدة أعلنت شركة الإمارات العالمية للألمنيوم ومقرها الإمارات التي تقوم بتعدين البوكسيت بغرب إفريقيا من خلال شركة غينيا ألومينا التابعة أن الشحنة الأولى من البوكسيت تسلمتها شركة Bosai الصينية في يناير الجاري بموجب اتفاقية مدتها 3 سنوات لتزويد الشركة الصينية بعدة ملايين أطنان سنويًا من البوكسيت , ومن المُحتمل أن تكون إتاحة الإماراتيين الفرصة للصينييين كي يُقيموا قاعدة لهم بالإمارات مقابل مساعدة الصينيين لهم علي الإحتفاظ بدورهم العسكري في القران الأفريقي وإستمرار تمددهم في موانئ القرن الأفريقي (حصلت شركات الأمن الصينية الخاصة على عقود للعمل في بعض الموانئ التجارية ) معاً أو بصفة أحادية خاصة وأن الرئيس Joe Biden تعهد عقب أيام من توليه منصبه باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه دول الخليج مقارنة بسابقهTrump  , وبالفعل أوقفت إدارة  Bidenمبيعات الطائرات والأسلحة إلى الإمارات والسعودية على التوالي بل أعلنت أنها ستسحب إلى حد كبير الدعم الأمريكي لحرب اليمن بعد فترة وجيزة , وقد أشارت الإمارات إلي أنها تشرع في تقلص وجودها من خلال هدم بعض الهياكل العسكرية في القرن الأفريقي على الرغم من أنها تواصل توسيع نطاق وجودها العسكري والاقتصادي والسياسي بالمنطقة , ووصف د . Andreas Krieg الأستاذ المساعد للدراسات الأمنية في King’s College  لندنهذا الموقف بقوله : “تنسحب الإمارات اسميًا فقط من المنطقة , هذا انسحاب استراتيجي من القاعدة في الوقت الحالي لإبلاغ الولايات المتحدة على وجه الخصوص بأن الإمارات تنسحب من القرن الأفريقي , لكنه مع ذلك وفي الواقع ليس لها إنسحاباً ذا تأثير كبير على عمليات الإمارات العربية المتحدة ” , وأكد د Krieg الميل الإماراتي للمراوغة مع الأمريكيين فقال : ” لقد أصبحت أبو ظبي إلى حدٍ ما ومن نواحٍ عديدة بابًا خلفيًا لروسيا والصين في شرق إفريقيا ويتم استخدام ذلك بشكل استراتيجي من قبل أبو ظبي لبناء علاقات مع بكين وموسكو وهو موقف سوف يستمر” .

عموماً فسيظل التحرك العسكري البحري الصيني في مجال عمل القيادة العسكرية الأمريكية للمحيطين الهادئ والهندي INDOPACOM  , لكن الصين لديها خيارات أخري مثالها ميناء كراتشي بباكستان التي يمكن للصينيين إلي حد كبير التأثير في قرارهم  فهناك مزايا لبميناء كراتشي الذي كانت منذ عقود وللآن تزوره السفن الصينية , وكانت الزيارة الأولى للصينيين هناك عام 1985عندما رست سفينة ومدمرة صينية , ومنذ ذلك الحين استخدم الصينيون مرافقه , وفي السنوات الأخيرة أجرت البحرية الصينية والباكستانية تدريبات عسكرية منتظمة , كما أن هناك خيار آخر مُتاح للصين في باكستان وهو ميناء جوادر, ويدعي الصينيين أنه مخصص للتجارة فقط ، لكن لا أحد يصدق ذلك , فميناء جوادر ليس للتجارة الصينية وإنما هو قاعدة عسكرية صينية مُحتملة (تستخدم الصين موانئ في كمبوديا وباكستان كقواعد عسكرية , ولهذا السبب عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية اثنين من كبار المسؤولين العسكريين الكمبوديين في 10 نوفمبر بتهمة الفساد فيما يتعلق بميناء يُزعم أنه متورط في “أنشطة عسكرية صينية”, وهو تفسير أمريكي مزدوج فهي تسمح لنفسها ما تمنعه عن الصين) , وبإمكان الصين وببسهولة تحويله للإستخدام البحري العسكري من قبل جيش التحرير الشعبي الصيني , وتحرص العسكرية الصينية على جوادر لإطلاله علي بحر العرب ومنه للخليج العربي  .

– يُفضل أن يُري التنافس الصيني / الأمريكي في المجال العسكري خاصة البحري في ضوء حقيقة أن النهج الأمريكي في التواجد العسكري العالمي على مدار السبعين عامًا الماضية قد طرأ عليه تغير , ففي الآونة الأخيرة ولمواجهة نفوذ الصين المتزايد في إفريقيا تم استخدام عمليات الانتشار العسكري الأمريكي بدون قاعدة عسكرية أمريكية رسمية على الرغم من أن مشاركة الصين في إفريقيا كانت اقتصادية بشكل عام ، وبمقارنة الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا بين عامي 2001 و 2021 ، يمكن أن نرى عددًا متزايدًا من الدول الأفريقية مع وجود القوات الأمريكية  ولذلك كان القرار الأمريكي لإقامة قيادة عسكرية أمريكية لأفريقيا  الولايات المتحدة القيادة الأفريقية والتي مقرها حتي الآن في ألمانيا وهي مسؤولة بشكل خاص عن العمليات والعلاقات مع جميع البلدان في أفريقيا , وربما كانت تلك القيادة بديلاً عن التوسع في إنشاء قواعد أمريكية علي الأرض ومما ساعد علي ذلك أيضاً أن استخدام التقنيات الجديدة مثل الطائرات بدون طيار بدلاً من الأشخاص في العمليات القتالية أتاح لصانعي السياسة الأمريكيين تفضيل الابتعاد عن القواعد الأكبر , فبدلاً من مجمع ضخم مثل قاعدة Ramstein الجوية في ألمانيا والذي تقدر وزارة الدفاع تكلفته  بـ 12.6 مليار دولار ، يمكن أن تنفق ما يزيد قليلاً عن 100 مليون دولار لبناء مواقع صغيرة لعمليات الطائرات بدون طيار مثل قاعدتي النيجر الجوية في نيامي العاصمة وفي  Agadezشمال النيجر , وإتصالاً بذلك أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في نوفمبر 2021 عن الانتهاء من مراجعة الموقف العالمي لفحص وجود الجيش الأمريكي في الخارج .

– إن إقدام الإمارات العربية المتحدة بالرغم من علاقاتها المُمتدة والعميقة مع الولايات المتحدة وفرنسا (التي لها قاعدة عسكرية في أبوظبي) يثير الشكوك لدي الولايات المتحدة في نوايا كل حلفاءها العرب في الخليج العربي وخارجه , ويبدو أن هذه الشكوك بفعل أمور مختلفة مُتبادلة , لكن المُؤكد في هذا الشأن أن الإمارات إعترفت بأن الصين كانت في سبيلها لأقامة قاعدة بحرية عسكرية في ميناء خليفة وقد صرح أنور قرقاش المُستشار الدبلوماسي للقيادة الإمارتية لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية وقال : “إن العمل في الموقع الصيني توقف بناء على طلب واشنطن” لكنه إستدرك فقال : “إن الإمارات لا تعتقد أن المنشأة كانت مخصصة لأغراض عسكرية أو أمنية ” , لكن صحيفة Wall Street Journal أكدت أنه وبحسب المطلعين على هذه المسألة فقد تم تعليق هذا المشروع بالقرب من أبو ظبي بعد جولات متعددة من الاجتماعات والزيارات من قبل السلطات الأمريكية .

– لم تعد مسألة القواعد العسكرية الأجنبية إهانة للسيادة الوطنية كما كانت في الأربعين عاماً الماضية , ففي أيامنا هذه أمكن  إستساغتها بل والتنافس بين الدول الصغيرة في ؤكل شيء جتي في إدراكها لمبدأ السيادة الوطنية فقد شوه قادة هذه الدول وإعلامهم البائس وجه السيادة ومفهومها وجعلوا مفهوم السيادة الصلب سائلاً ليصبوه داخل مفهوم  التعاون المُتبادل رغم علمهم المُسبق بأن وجود قواعد لدولة أخري علي أراضي كل هذه الدول هو بلا ريب إنتقاص أو فقدان للسيادة , هكذا تماما كما أخرجوا مفهوم المقاومة التقليدي عن سياقه ليدخلوه في مفهوم الإرهاب وبصفة مُطلقة وهو مفهوم غير مُتفق عليه بعد , لذلك مثلاً نجد الصينيين كالأمريكيين والروس ومختلف القوي الدولية الكبري وأتباعهم من القوي الإقليمية أو التي كانت إقليمية يقتفون خطي بعضهم البعض فيما يتعلق بإستبادال أو إعادة تشفير أو نحت المفاهيم بما يتناسب وأهدافهم التي تضر بل تدمر مستقبل الشعوب خاصة المُستضعفة , وكمثال علي ذلك ما أوردته وكالة Reuters للأنباء في 10 مارس 2018 علي لسان Yang Faming رئيس الجمعية الإسلامية الصينية المرتبطة والذي دجنته الحكومة الصينية كما تفعل حكومات دول أخري بالعالم غالبية شعوبها مسلمين ,  إذ قال : ” إن الإسلام له تاريخ طويل ومجيد في البلاد , لكن هناك ثمة مشاكل ظهرت في السنوات الأخيرة ولا يمكن التغاضي عنهامنها علي سبيل المثال أسلوب بناء بعض المساجد والذي فيه تقليد أعمي للنماذج الأجنبية , كما أن مفهوم الحلال إنتشر في بعض المناطق (؟؟؟؟؟؟؟) والدين أصبح في هذه المناطق يتدخل في الحياة العلمانية فبعض   الناس يُعلق أهمية كبيرة على القواعد الدينية وليس على القانون الوطني ويعرفون فقط ما يعنيه أن تكون مؤمنًا وليس ما يعنيه أن تكون مواطنًا , لذلك يجب علينا بالتأكيد أن نظل في حالة تأهب قصوى ” وعاد ليؤكد إعوجاج منطقه ليقول : ” إن الممارسات الدينية والثقافة والهندسة المعمارية للمباني الدينية يجب أن تكون صينية بطبيعتها وأسلوبها “, ويأتي هذا التصريح المُستفز الذي يعكس منطق سفهاء شيوخ السلطان والسلطة علي خلفية سلسلة من الهجمات في السنوات الأخيرة في Xinjiang الواقعة على حدود آسيا الوسطى وباكستان على من تصفهم حكومة الصين وأتباعها “بالمتشددين الإسلاميين” , وتؤكد بعض الجماعات الحقوقية إن الاضطرابات في هذا الإقليم ما هي إلا رد فعل أكثر على الضوابط الصينية المفروضة قسراً على الحقوق الدينية والثقافية للأويجورالذين يعيشون هناك  .

يستمر شيوخ السلطان في تسويغ ما هو خارج عن صحيح الدين والسنة المُطهرة في مواقف أخري بالصين وخارجها , ويحدث ذلك ومن يُسمون بقادة العالم الإسلامي غير عابئين بتهجم وعدوان حكومة الصين علي الإسلام علي مرأي ومشهد منهم فهم لا حول ولا قوة لدي كل منهم إلا علي شعبه الأعزل الذي لم يتبق لديه إلا دينه ليأخذوه منه حتي لا يبقي لدي هذا الشعب روح يقاومهم بها فهؤلاء القادة المزعومين من بين القليل الذي يدركونه عن الدنيا أن الدين هو القوة المرجعية الوحيدة التي يمكن أن توقظ روح المقاومة لدي المسلم , لذلك هم وحكومة الصين سواء فهدفهم واحد وهو إقصاء الإسلام بالمرة عن الحياة , بينما كان أقل ما يمكن أن يفعلوه مقاطعة الصين في كل شيء , لكنهم وجدوا أن مقاطعة الدين أيسر وتوفر لمكوثهم الأبدي في السلطة أماناً وترضي أربابهم الصهاينة .

– بعد فترة وجيزة من توليه منصبه أصدر الرئيس الأمريكي Piden تعليمات لوزارة الدفاع بإجراء تقييم مفصل وشامل للوجود العسكري الأمريكي في جميع أنحاء العالم , وقال John Kirby الناطق باسم الـ Pentagon إن هذا التقييم المعروف باسم Global Posture Review سوف “يساعد في إبلاغ نصيحة الوزير إلى القائد العام حول أفضل طريقة لتخصيص القوات العسكرية لتحقيق مصالحنا الوطنية” , وتتواترالتسريبات التي يمكن أن يُعرف منها قدر ضئيل للغاية من المعلومات حول النتيجة المحتملة لهذا التقييم ,  ويستنتج مراقبون معنيون بعض الافتراضات التي تستخدمها الإدارة في هذا التقييم منها :

– التركيز الرئيسي للمراجعة سيكون على منطقة المحيطين الهندي والهادئ في الماضي , وإتصالاً بذلك وصف وزير الدفاع الأمريكي Lloyd Austin الصين بأنها تهديد لوزارته مما يعني أن التدريب والتمويل وتخصيص الموارد داخل الـ Pentagon يجب أن يتم  أولاً وقبل كل شيء  مع وضع الصين في الاعتبار .

– أن إدارة  Pidenمستعدة لخفض الإنفاق الدفاعي لإعادة ترتيب أولويات الموارد للاحتياجات المحلية. لذلك من المعقول أن نفترض أن بعض المناطق حول العالم ستشهد انخفاضًا في القوات الأمريكية كنتيجة لمراجعة الموقف العالمي  , وسيكون من الخطأ الاستراتيجي للولايات المتحدة أن تقلل من وجودها العسكري في الشرق الأوسط لكن سيكون من الحكمة أن يخطط صانعو السياسة الإقليميون لهذا الاحتمال .

– لا يوجد نقص في التحديات والتهديدات التي تواجه الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط , ومن الواضح أن التهديد الأكبر يأتي من إيران فمنذ عام 1979 إتبعت طهران سياسة زعزعة الاستقرار التي كان لها تأثير مضاعف في معظم أنحاء المنطقة  فدعم وتمويل إيران للجماعات التي تعمل بالوكالة في لبنان والعراق وسوريا واليمن جعل إيران واحدة من أكبر الدول الراعية للإرهاب في العالم .

وضع صناع السياسة الأمريكية اللمسات الأخيرة بالفعل علي تقرير Global Posture Review  , وهناك ثلاث نقاط مهمة يعتقد المُراقبون أنه سيتم الأخذ بها وهي : 

أولاً : أن إيران لا تزال تشكل تهديدًا خطيرًا , لكن الصين قد تكون التهديد “الخطير” للولايات المتحدة وبالنسبة للعديد من حلفاءها وشركاءها , ومع ذلك يرون أن إيران هي الجديرة بوصف الخطورة في السنوات الأخيرة فلم يكن هناك تهديد للعسكريين الأمريكيين في المنطقة أكبر من تهديد إيران  , وقد أشارت مجلة Global Posture Review إلى أنه ما دامت إيران تنتهج سياسة خارجية عدوانية فإن الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط يجب أن يظل قوياً  .

ثانيًا : يحتاج صانعو السياسة في الولايات المتحدة إلى فهم كيفية ارتباط منطقةالمحيطين الهندي والهادئ وفي بعض الحالات دمجهما بمنطقة الشرق الأوسط الأوسع , إذ لا يمكن أن تكون هناك استراتيجية صينية جادة بدون استقرار وأمن في الشرق الأوسط , فعلى سبيل المثال تعتبر قناة السويس ومضيق هرمز ومضيق باب المندب مناطق عبور إستراتيجية للصين والولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط  لأنها توفر الوصول للمحيطين الهندي والهادئ وذلك من شأنه جعل المنطقة إستراتيجية لأمن واستقرار منطقتي المحيطين الهادي والهندي   .

ثالثاً :  تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون أكثر انخراطًا في الشرق الأوسط حتى لو انتهى تقرير Global Posture Review إلى زيادة عدد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط فيجب أن يصاحب القوات الإضافية وجود دبلوماسي أقوى .

يحتاج Biden لاستعادة ثقة الولايات المتحدة في المنطقة ويمكن أن يبدأ في القيام بذلك من خلال زيارة الشرق الأوسط بنفسه  على الأقل ليتحدث مع نظرائه في الخليج فلا بديل عن التواصل وجهاً لوجه , فبالنظر إلى المخاطر الكبيرة فإن غيابه عن المنطقة يرقى إلى مستوى الإهمال الجيوسياسي , لأنه من الصعب تصديق أنه بعد 10 أشهر من رئاسته لم تطأ قدمه الشرق الأوسط .

7- هناك تنافس بلغ حد الحمي بين القوي الدولية الكبري للتمركز في قواعد بحرية علي سواحل القرن الأفريقي بدءاً من كينيا وحتي الحدود الدولية بين السودان ومصر(أي ميناء أوسيف الصغير جنوب خط 22درجة شمالاً وهو خط الحدود المصرية/ السودانية) , فالصين إستطاعت إنتزاع قاعدة بحرية لها في جيبوتي وأقامتها فعلياً عام 2017 تحت بصر وعين الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا الذين لهم قواعد بهذه الدولة الصغيرة المُطلة علي مدخل البحر الأحمر وخليج عدن المُؤدي مباشرة للمحيط الهندي , كما أن السودان وروسيا وقعا في عهد البشير إتفاقية عسكرية في موسكو في 8 ديسمبر 2017 وصدق عليها الرئيس الروسي في في 16 نوفمبر2020, وتتضمن هذه الإتفاقية ترتيبات إقامة قاعدة بحرية روسية بميناء بورسودان (بمنطقة فلامنجو في محيط مساحته 10 كم مربع) الواقع علي البحر الأحمر الذي للسودان ساحل عليه طوله 700كم , ومدة تلك الإتفاقية  25 عام قابلة للتمديد تلقائياً لعشر سنوات بتراضي الطرفين وتتيح للبحرية الروسية تمركز 300 من عناصر البحرية الروسية وإستقبال 4 قطع بحرية روسية نووية وغير نووية مقابل تزويد االسودان بالاسلحة والمعدات العسكرية الروسية (نُشرت مسودة الاتفاق بموقع الحكومة الروسية على الإنترنت في نوفمبر2020 وتضمنت سماح السودان لروسيا بنقل أسلحة إلىها دون تفتيش  مقابل أن تقدم روسيا للسودان مساعدة مجانية في عمليات البحث والإنقاذ ودعم مكافحة التخريب) وقد كان توقيع البشير علي هذه الإتفاقية ناتجاً عن إختناق علاقات السودان مع الولايات المتحدة , وهو بالطبع قصر نظر فليس من المنطقي أن أتجنب أو أخفف ضغوط الولايات المتحدة بجلب خطر تواجد قوة دولية لا تقل عدوانية وإضراراً بالسيادة الوطنية كالولايات المتحدة , ومازال أمر هذا الإتفاقية مُعلقاً مع أن هناك أنباء أشارت إلي أن السودان أوقف السودان خطط روسيا لفتح قاعدة لوجستية بحرية ببورسودان , وصرح أميرال سابق في البحرية الروسية لوكالة إنترفاكس بأنه يعتقد أن السودان علق اتفاقه مع روسيا بضغط من الولايات المتحدة , أما  السفارة الروسية في الخرطوم فقد نفت هذه الأنباء قائلة على صفحتها على فيسبوك إنها “لم تتلق أي إخطارات رسمية من الجانب السوداني وأن هذه الإتفاقية لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد تصديق الطرفين عليها.” وأخيراً فقد أفادت وكالة Novosti الحكومية الروسية للأنباء في 9 نوفمبر 2021 أن الحكومة الانتقالية السودانية تعيد التفاوض بشأن اتفاقية القاعدة البحرية للإدارة السابقة مع روسيا , وعلي أي الأحوال فمن المُتوقع أن توظف العسكرية الروسية كل أدوات الدولة الروسية لتحقيق تواجد عسكري بحري علي شواطئ بورسودان , وتنتظر روسيا فقط ما ستؤول إليه الأزمة السياسية التي إفتعلها العسكريين السودانيين لمجرد الإستمتاع بأرباح القبض علي السلطة كما فعل البشر وليذهب السودان وشعبه للجحيم, وإذا ما ثقلت – وهذا مُتوقع – الضغوط الأمريكية علي هؤلاء العسكريون لتسليم السلطة للمدنيين فسوف يلجأ هؤلاء للروس كما لجأ بشار لهم ليتحول من رئيس جمهورية إلي حارس ليلي sentinel لقصر الرئاسة في دمشق .

للولايات المتحدة قاعدة كبيرة في جيبوتي في Camp Lemonnier بجيبوتي ويتمركز فيه فريق العمل الأمريكي المُشترك بالقرن الأفريقي CJTF-HOA وهو تابع للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقياAFRICOM  , ومعسكر Camp Lemonnierأحد 23 منطقة مُستأجرة بجيبوتي , ويعمل بهذا الفريق بالإضافة إلي العاملين الأساسيين نحو الفي شخص بالتناوب , وأغلب من يعينون للعمل في إطاره هم في الواقع يعملون لدي دول شريكة(مُتحالفة) تنهض بتنفيذ مجموعة من الأنشطة منها بناء قدرات أمنية وتنفيذ البنية الأساسية من خلال تعاون إقليمي وبرامج عسكرية بين الجيشين الأمريكي وجيوش هذه الدول ومشروعات عسكرية/أمنية وبرامج للتعليم العسكري , ويُوضح أهمية هذه القاعدة للولايات المتحدة ملخص الشهادة التي أدلي بها الجنرال Carter F. Ham أمام لجنة الخدمات المُسلحة رد فيها علي الأسئلة التي وجهها إليه أعضاء اللجنة ومنها سؤال عن إعادة تمركز هذه القيادة , وأوضح الجنرال “أن بقاء مقر هذه القيادة بأوروبا هو الخيار الأكثر تكلفة وفاعلية وأن الولايات المتحدة تستفيد من قاعدة مستمرة بأفريقيا هي قاعدة معسكر Camp Lemonnier بجيبوتي وتتخذها قاعدة لعملياتها ولقوات حلفاءها وهي تقدم الدعم لأنشطة أمنية إقليمية ” *( موقع القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في 1/3/2012)  .

في التقدير أن هذه التنافس العسكري الطابع بين القوي الدولية الرئيسية الثلاث يتخذ من القرن الأفريقي نقطة إنطلاق عسكرية مزدوجة في إتجتهية أولهما المحيطين الهندي فالهادئ وهو المسرح الرئيسي لثلاثتهم وثانيهما القرن الأفريقي نفسه .

إنعكاس مجريات جبهة المواجهة الأمريكية/الصينية/ الروسية علي منطقة الشرق الأوسط :

هناك  حــقــيــقة أولــــيـــة يمكن إستنتاجها من الحـــرب الثلاثية لإقـــامــة ومنع إقامة الــقــواعــد الــبــحريــة في المسارح الحرية الرئيسية والفرعية مضمونها أن القوي الدولية العسكرية الثلاث منكبة حالياً علي التخطيط والإعداد لمواجهة ثلاثية في المحيطين الهندي والهادئ والمحيط الهادئ الذي يُعتبرالجبهة النهائية Ultimate Theatre وما المسارح الأخري وخاصة البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي وبحر عُمان والبحر العربي إلا مسارح فرعية تقوم بالـتخـديـم علي المسرح الرئيسي للمواجهة أو الإعداد للمواجهة بالمحيطين الهندي والهادئ , وهي حرب تمارسها وستمارسها القوي الثلاث بآليات ونمط لعبة الشطرنج  Chess  gameلاعبيها الثلاث الرئيسيين سلاح البحرية الأمريكي والصيني والروسي , وهي مواجهة علي الأغلب لن تكون بالضرورة حرب بالوسائل العسكرية الصرفة إلا لو تجاوزت هذه المباراة النقطة الحدية الحرجة Break Even point Critical وينبثق عن هذه الحقيقة حقيقة أخري تتعلق بإعداد الولايات المتحدة لجبهات المواجهة الرئيسية والفرعية بإستخدام الدبلوماسيتين السياسية والعسكرية والأخيرة تنهض بها القيادات العسكري الأمريكية الجغرافية والوظيفية , وإعداد الجبهات الفرعية ونطاقها الرئيسي بمنطقة الشرق الأوسط جاري تنفيذه بالفعل بواسطة الوكالات الأمنية والإستخباراتية الأمريكية والروسية والصينية , لكن مع إختلاف وتباين في الأهداف المُتوخاة من عملية الإعداد تلك وكيفية ووسائل التناولبين القوي الثلاث , فبينما تستهدف الولايات المتحدة تغيير شامل وإقتلاع للنظم التقليدية والعسكرية بالشرق الأوسط بإستبدالها جميعاً بصفة تدريجية بسبب ميل هذه النظم للتعامل مُتعدد الأوجه مع القوي الدولية الثلاث من أجل ضمان بقاءها بالسلطة وتدني ثقتها في الإدارة الأمريكية الديموقراطية الحالية , وإضطراد ثقة هذه الأنظمة الشرق أوسطية في فاعلية التعاون مع الروس (والصينيين بدرجة أقل) الذين إستطاعوا الإبقاء علي نظام مختل فارغ من المضمون والفاعلية السياسية كنظام بشار الأسد وهو نفس الإحتياج الذي تنتظرإنظمة الشرق الأوسط الحالية إشباعه فهي نظم مشلولة أهدافها محدودة كمكانتها , وميل الأمريكيين لإقتلاع هذه النظم ليس بسبب تسلطها ولا لرغبتها في البقاء الأبدي في السلطة , لكن لأنها نظم غير شعبية لا جذور لها في التربة الوطنية ببلادها , والأمريكيين في حاجة لموارد بشرية في المواجهة المُتوقعة مع الروس والصينيين وربما تستعيد الإدارة الأمريكية والوكالات الأمنية والإستخباراتية الأمريكية في مخططاتهم تجربة هزيمة المجاهدين وفي مقدمتهم من أسموهم الأفغان العرب للجيش الروسي في أفغانستان في نهاية ثمانينات القرن الماضي الذي تسبب من بين أمور أخري في تحطيم الإتحاد السوفيتي , وهي الهزيمة التي لم تستطع لا الولايات المتحدة ولا حلفاءها بحلف Nato تحقيقها إلا بالإستعانة بالموارد البشرية (المجاهدين) من الشرق الأوسط , فلم لا تعيد الولايات المتحدة نفس إستخدام نفس هذه الأداة ؟ فجيوش الشرق الأوسط لا فائدة تُرجي منها فهي جيوش حراسة للسلطة Sentinel لا أكثر وربما أقل , ومما يشجع الولايات المتحدة في التخلص من النظم الحالية بالشرق الأوسط أن الرئيس الأمريكي Trump حاول الإستعانة بهذه النظم وفشل فشلاً ذريعاً فقد سبق وأن أجرت إدارته محادثات مع حلفاء عرب لتشكيل حلف عسكري يجمعهم يمكن أن يتقاسم المعلومات الإستخباراتية مع إسرائيل من أجل المساعدة في مواجهة إيران عدوهم المُشترك , وبشأن ذلك نشر موقع Middle East Eye في 2 مارس 2017 كما نشرت وكالة Anadolu التركية في13 مارس 2017أن هناك حديث عن أن الرئيس الأمريكي Donald Trump يبحث عن تكوين تحالف بين دول عربية وإسرائيل لمواجهة جماعة داعش الإرهابية وإيران وأن هذا التحالف سيشمل دول مثل مصر والأردن والتي بينها وبين إسرائيل معاهدتي سلام , والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المُتحدة واللتان لا تربطهما علاقات دبلوماسية بإسرائيل , وأحالت الوكالة علي الإعلام الأجنبي إشارته إلي أن هذا التحالف الذي علي نمط منظمة حلف شمال الأطلنطي NATO سيُركز علي تقاسم مُنتظم للمعلومات الإستخباراتية والسماح للشركات العسكرية الإسرائيلية بالعمل في العالم العربي , وظل الأمريكيين يحاولون إيجاد هذا التحالف الشرق الأوسطي وكانت آخر محاولات إدارة الرئيس Trump لتفعيل هذا التحالف المُفترض عندما دعت بولندا برعاية مُشتركة مع الولايات المتحدة لمؤتمر عُقد في Warsaw في 13 و14 فبراير 2019 شاركت فيه 70 دولة إضافة لدول الإتحاد الأوروبي وخُصص لتناول شئون الشرق الأوسط وتحديداً علي إيران , وكان هذا المؤتمر أو القمة أحد المحاولات الأمريكية المُستميتة لتوريط الدول التي تحاول الحفاظ علي علاقات متوازنة مع إيران كحالة قطر لإتخاذ موقف ظاهر وعلني ومحدد ضد إيران والموافقة علي المشاركة في التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط أو(Strategic Alliance (MESA , وفي تقديري أن فشل الأمريكيين في جمع دول الشرق الأوسط في نظام عسكري جامع لهم كان أحد عوامله التحرك الروسي والصيني المُضاد وخشية دول الشرق من فقد الحلفاء الإحتياطيين لهذه النظم المهيضة الجناح وهؤلاء الحلفاء هم تحديداً روسيا والصين , ولهذا ولأسباب أخري فقدت الولايات المتحدة أو كادت أن تفقد رجاؤها في هذه النوعية الرخوة من النظم بالشرق الأوسط وأعتقد أن الولايات المتحدة يلزمها في معركتها المُفترضة مع الروس والصينيين كتل جماهيرية MASS لا نظم فردية غير مُؤهلة إلا للتأبيد في السلطة فحسب , ولذلك لا أستبعد أبدأ أن مخططي السياسة والإستراتيجيات الدبلوماسة والعسكرية في الولايات المتحدة يدركون أن النظم العسكرية بالشرق الأوسط غير قادرة بل غير مُؤهلة أساساً علي النمو الذهني لتدرك أنه قائمة ومن حولها عالم يتحرك فقواها الذهنية مُتوقفة علي النظر إلي المساحة المحدودة المُحيطة بكرسي السلطة , ومن ثم لا يمكنها التحرك بعيداً عنه والمغامرة بإتلافه أو تحطيمه إن تجاوزت المحيط الضيق لهذا الكرسي , ومن ثم فتعويل الإدارة الأمريكية سيكون في إتجاه بدلاء لهؤلاء القادة الحاليين يصلحون للمعركة المُفترضة القادمة مع الروس والصينيين , وتُعد المواجهتين الدائرتين في أوكرانيا وتايون (والثانية هي نقطة الاشتعال الرئيسية المحتملة) مجرد ظاهرتين لهذه المواجهة الثلاثية التي كما أسلفت مسرحها الرئيس المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط بالتبعية  .

في السياق المُتقدم بيانه يهمني أن أوضح بجلاء أن المعركة المُفترضة القادمة بين الولايات المتحدة وحلفاءها من جانب والروس والصينيين وحلفاءهم وأشباه الحلفاء من جانب آخر ليست بالضرورة مواجهة عسكرية إنها حرب نفوذ أو حرب ضغوط مُتبادلة تُمارس علي هذه الدولة أو تلك أي أنها كما أسلفت علي غرار مباراة الشطرنج Chess game تستبدل فيها الولايات المتحدة أولاً الوضع السلطوي الراهن بوضع جديد يناسبها بعد موجات الجزر في النفوذ الأمريكي بدول عدة اي أنه من المُتوقع وفقاً لذلك أن تبحث الولايات المتحدة عن بدلاء يتولون السلطة في دول عدة بالشرق الأوسط مُستغلة حالة الفوضي التي تسبب فيها هؤلاء القادة وطالت القيم الدينية المُحترمة لدرجة التقديس وكذلك مواثيق الشرف والتقاليد الإجتماعية المُستقرة وتآكل إقتصاديات هذه الدول الشرق أوسطية بفعل تهتك النظم الإدارية والمالية وتمزق النظم القانونية والقضائية بفعل الفساد والإفساد المُتعمد مما أحال هذه الدول إلي قطع من الخردم أو الركام الذي بلا فائدة وجعل هذه الدول من الضعف بحيث تتحالف مع أعداء الشعوب سواء أكان هذا الحلف هو الولايات المتحدة أو الروس أو الصينيين , وحرب النفوذ تلك تستهدف الإستحواز علي قواعد أو ولاء مُوثق من هذه الدولة أو تلك , فالولايات المتحدة إن إستطاعت حرث النظم السياسية القائمة بالشرق الأوسط (وهي لا تثق في إتصالات قادة هذه النظم مع الروس والصينيين) فسيمكنها حرمان الروس والصينيين في مرحلة تالية من إقامة نقاط ثابتة (قواعد) في البر أو البحر بل وحرمانهم في مرحلة أخري من أسواق وتبادل تجاري إن أمكن فأحد أهداف الولايات المتحدة بالنسبة للصين بوجه خاص غلق أو تضييق أو تخريب أسواق الشرق الأوسط أمام الصين , فالإقتصاد مازال يمثل الميزة النسبية للصين حتي الآن وهو الذي مكنها من الزحف ثم إختراق أفريقيا , فالحرب التجارية التي بدأتها إدارة Trump متوقفة من الناحية الفنية , لكن إدارةBiden  مازالت مستمرة في الاحتجاج على السياسات الاقتصادية للصين وفرضت تعريفات جمركية على البضائع الصينية , كما أن عمالقة الإنترنت من الصين في الغالب تم إستبعادهم  مما يشير إلى عدم تحسن العلاقات التجارية .

ترتيباً علي ما تقدم فما يهمنا هو عالمنا …. عالم الشرق الأوسط وبصدد  ذلك أقول أن الشرق الأوسط مُقبل في مدي لا يتعدي السنوات الخمس القادمة علي إستقبال عواصف وأعاصير التغيير الناتجة عن بدء الحرب الثلاثية الأمريكية/الروسية/الصينية ,  وأحد المنتجات العرضية  By- Productلهذه الحرب التي بدأت بالفعل بين ثلاثتهم في بحر الصين الجنوبي والقارتين القطبيتين الشمالية Arctic والجنوبية Antarctic والقرن الأفريقي ومن الضروري للإستراتيجية العسكرية والدبلومسية الأمريكية أن تؤهل منطقة الشرق الأوسط التي تقوم بالتخديم الجيوسياسي والعسكري علي مسارح المواجهة بهذه المناطق المُشار إليها , وعملية التأهيل تلك تتطلب تحديثاً Updating كالذي أشرت إليه  خاصة وأن الرئس  Bidenأشار في خطاب ألقاه أمام وزارة الخارجية في فبراير 2021 عن أن القيادة الأمريكية تواجه تقدم الاستبداد وأن عليها الانخراط في جهد لحشد دول العالم لصد تقدم الاستبداد . . وبناء علي ذلك فإن مواجهة الإستبداد تُعد جانباً مهماً في تطويراستراتيجية المشاركة الأمريكية الأفريقية ووفقًا لمقياس Afrobarometer الصادر في فبراير 2019 يعتقد 68٪ من الأفارقة أن الديمقراطية هي أفضل شكل للحكومة ، بينما عارض أكثر من 70٪ التخلي عن الانتخابات متعددة الأحزاب لصالح دولة ذات حزب واحد أو حكم عسكري وهذه الرغبة في الديمقراطية تُوجد فرصا للولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية للشباب الأفريقي وتشجع الولايات المتحدة للديمقراطية لتعزيزالديمقراطية الليبرالية بالقارة وتعزيز حرية التعبير والانتخابات الحرة , كما أن وزير الخارجية الأمريكي ANTONY J. BLINKEN أشار  خطاب ضمن خطاب له أمام منتسبي المعهد الدبلوماسي للخارجية الأمريكية في 27 أكتوبر 2021إلي أن الإدارة الأمريكية تطلق دعوة لتحديث Modernization الدبلوماسية الأمريكية ,

فيما يتعلق بمصر من المتوقع ترتيباً علي نتائج إتساع جبهة المواجهات الثلاثية الأمريكية/الروسية/الصينية التي من بين أهمها زيادة أعباء الولايات المتحدة العسكرية بالمحيطين الهندي والهاديء علي نحو خاص أن يتم تخفيض المعونة العسكرية الأمريكية لها ولدول بالشرق الأوسط وسيكون من سوء التقدير – إن تحقق هذا التخفيض – رده لأسباب غير حقيقية كإنتهاك حقوق الإنسان أو زيف الديموقراطية , فالسبب الحقيقي يظل مُرتبطاً بجوهر الأمن القومي الأمريكي لا غيره أي أن التخفيض – إن تم – فسيكون مسألة أمن قومي أمريكي بحت , ولن يعني هذا التخفيض المُحتمل أن الولايات المتحدة خفضت من أهمبية مصر في إستراتيجيتها العسكرية بالعكس ستتنامي أهميتها بفعل كفاءة التحرك البحري الصيني لأن قناة السويس ستظل هدفاً صينيا سواء بإضعافها جراء تنفيذ مبادرة الحزام والطريق طريق الحرير الصيني أو لتأمين قاعدتها بجيبوتي , ومما قد يؤكد ذلك من زاوية ما للنظر أن الولايات المتحدة فمثلاً  عندما خفضت الولايات المتحدة التمويل المباشر المُخصص لعمليات حفظ السلام في أفريقيا من 31 مليون دولار في العام المالي 2003 ليكون 9 مليون دولار في العام المالي 2004 لم يكن ذلك ليعني بصفة مُطلقة إنخفاض في الوجود ولا الإهتمام الإستراتيجي الأمريكي بأفريقيا , بالعكس فبعد 3 سنوات وفي 6 فبراير2007 أعلنت الإدارة الأمريكية عن شروعها في إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقياAFRICOM   .

 

.
رابط تلمصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M