الصين وروسيا .. تدريب مشترك يقلق الآخرين

خالد عكاشة

 

لم تستطع كوريا الجنوبية ممارسة قدر أكبر من الصبر أو ضبط النفس، قبل أن تخرج ببيان رسمى صادر عن وكالتها المعتمدة «يونهاب»، تتهم فيه كلا من الصين وروسيا، بدخول منطقة دفاعها الجوي. الوكالة نقلت عن هيئة الأركان الكورية الجنوبية المشتركة بعض المعلومات، منها أن مقاتلتين صينيتين و6 مقاتلات روسية، دخلت مجال الدفاع الجوى لسول، ما استدعى أن يقوم الجيش الكورى الجنوبى ببعض الإجراءات التكتيكية، منها نشر عدد من مقاتلاتها فى وضع التأهب والاستعداد، رغم التأكد من عدم انتهاك تلك الطائرات المجال الجوى لأراضى كوريا الجنوبية.

كل من الصين وروسيا، يعتبران هذا التدريب من أعمال السيادة ويخضع لمحددات ونصوص القانون الدولى، كونهما لم يخترقا سيادة الدولة الكورية الجنوبية. لكن يظل الظهور المفاجئ للدورية العسكرية فى الأجواء، هو ما تسبب فى كثير من القلق الذى لم يقف عند حد سول، بل شاركتها اليابان أيضا تحفظاتها واستنفارها لقراءة الرسائل ومدلولات ظهور هذا التحليق غير المنتظر. وزارتا الدفاع الروسية والصينية صرحتا بأنهما نفذتا دورية جوية إستراتيجية مشتركة، فوق مياه بحر اليابان وبحر الصين الشرقى، والتفاصيل بحسب ما رصده الجيش الكورى حددت الساعة 5٫48 صباحا، توقيت دخول قاذفتى قنابل إستراتيجية صينيتين من طراز (H – 6) إلى منطقة الدفاع الجوى من الشمال الشرقى، ثم غادرت المقاتلتان فى الساعة 6٫13 صباحا. قبل أن تحلق ست مقاتلات روسية؛ بينها 4 قاذفات قنابل من الطراز الشهير توبوليف (TU – 95) تابعة للقوات الجوفضائية الروسية، ومعها مقاتلتان (سوخوى 35) حلقت جميعها فوق منطقة الدفاع الجوى الكورى الجنوبى، لنحو نصف ساعة ظهيرة ذات اليوم.

الدولتان أعلنتا أيضا أن هذا التدريب المشترك، ليس موجها ضد دولة ثالثة، وإن ظل اللافت أن يشمل التدريب عملية «هبوط متبادل»، فهى المرة الأولى التى تهبط فيها طائرات عسكرية روسية وصينية فى مطارات كل منهما، فى إطار دورية جوية مشتركة. لم يغب عن كوريا واليابان، والولايات المتحدة عبر قواعدها العسكرية فى المنطقة، أن ظهور مقاتلات توبوليف بالطراز المعروف من قبل الناتو باسم «الدب»، إعلان مباشر عن جاهزية ذخائرها النووية كونها تمثل العمود الفقرى للقوات النووية الروسية، المصممة لإلقاء قنابل بعيدة المدى على الولايات المتحدة أو حلفائها منذ سنوات الحرب الباردة. اللافت فى توقيت الظهور المشترك؛ أنه جاء بعد يوم واحد من مطالبة رئيس كوريا الجنوبية «يون سوك يول»، الصين بالتدخل لإثناء بيونج يانج عن السعى لتطوير الأسلحة النووية والصواريخ المحظورة، وأن تقوم بكين بمسئولياتها كعضو دائم فى مجلس الأمن بالأمم المتحدة. وقد فسر يول تلك المطالبة المباشرة حينها، بأن الصين لا تتحمل المسئولية فحسب عن التأثير على سلوك كوريا الشمالية، وإنما هى قادرة دون شك على فعل ذلك. جاء هذا الحديث مصحوبا بتحذير من تدفق العتاد العسكرى على المنطقة، فى حال غضت بكين الطرف عن القيام بهذا الضبط لسلوك وتوجهات بيونج يانج النووية.

فى المقابل كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وصلا ربما لأقصى درجات الاستثارة والاستنفار بعد عام شهد عددا قياسيا من التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية. هذا استدعى منهما الاتفاق على نشر المزيد من «الأصول الإستراتيجية» التى تدخل المنطقة لأول مرة، مثل حاملات الطائرات وقاذفات القنابل بعيدة المدى فى حين جرى التأكيد، بأن ليس هناك توقع لإمكانية تعزيز عدد القوات البرية الأمريكية المتمركزة فى كوريا الجنوبية والبالغ عددها أكثر من 28 ألف جندي. واشنطن تتحرك على هذا المسار لإحداث توازن يصب فى صالح حليفتها الجنوبية، لكن هدفها الرئيسى واهتمامها ينصب بالضرورة تجاه الصين، وهى ليست وحدها فى ذلك فدول الناتو جميعهم باتوا يتحدثون ذات اللغة، وجرى الإعلان فى عقيدة الحلف الصادرة 2022 فى مدريد عن هذا المعنى بكلمات وتقديرات لا لبس فيها، كون الصين باتت هى الدولة التى تمثل المهدد الرئيسى لمصالح الحلف العسكرى الغربي. بالطبع واشنطن كان لها دور مؤثر وراء صياغة رؤية الحلف على هذا النحو، فهى كما اتضح فى التقرير السنوى الذى أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» منذ أيام بتكليف من الكونجرس، يحدد تلك الاتجاهات ويقيم فى جزء كبير منه إستراتيجية الصين العسكرية والأمنية.

خلص التقرير إلى أن الصين تسعى لتوسيع ترسانتها النووية ثلاثة أضعاف ما هى عليه حاليا، لتصل إلى امتلاك (1500 رأس نووي) بحلول 2035، وذلك لتحدى الولايات المتحدة عسكريا ومنعها من التدخل فى قضية تايوان. وأشار التقرير إلى أن بكين فى تركيزها على مواجهة الولايات المتحدة فى محيط الصين وتايوان، فإنها تحول جيشها إلى «قوة عالمية» تمكنها من تكوين شبكة لوجيستية عالمية صينية، تستهدف تعطيل العمليات العسكرية الأمريكية مع تطور الأهداف العسكرية العالمية للصين. فقد جاء بالتقرير أن الصين فى 2021 زادت بشكل كبير من مشاركتها مع دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وبدأت بإعطاء الأولوية من أجل تعزيز القدرات التى يمكن أن تحمى تلك المصالح الإستراتيجية الناشئة. شهد نفس العام وصول الصين إلى مرتبة ثانى أكبر إنفاق عسكرى بعد الولايات المتحدة، بعد انخراطها فى خطة تحديث شاملة تنصب على تعزيز التقدم فى كل جزء من جيشها تقريبا، بما فى ذلك البحرية والقوات الجوية والقواعد فى جميع أنحاء العالم، كما بدأت فى صياغة خطط إدماج لقواتها لتعمل معا بقدر من التكامل، يجعل الخطة بالفعل تسير فى اتجاهات تستدعى قلق الآخرين.

نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 3 ديسمبر 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31634/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M