المحطات النووية العائمة: هل تجعل شُح الكهرباء شيئًا من الماضي؟

عاد مفهوم المحطات النووية العائمة ليحظى مجددًا باهتمام العديد من حكومات الدول الراغبة في إتاحة الكهرباء للمناطق النائية، من بينها منصات النفط والغاز البحرية، التي يتعذّر كهربتها بمحطات الطاقة التقليدية، ما يُسهم في تعزيز إمدادات تلك السلعة الإستراتيجية، وتعزيز أمن الطاقة.

ولا يقتصر الدور المهم الذي يؤديه هذا النوع من المحطات النووية على كهرباء المناطق النائية فحسب، وإنما يمكن أن يمتد ليشمل تشغيل محطات تحلية المياه أيضًا، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وبينما تتسارع جهود إزالة الكربون من أنظمة الطاقة العالمية، تبرز المحطات النووية العائمة حلًا واعدًا في هذا الخصوص، إذ يمكنها إتاحة إمدادات موثوقة من الكهرباء إلى أماكن بعيدة في البحر، أو إلى جزيرة نائية، أو حتى إلى مجتمع محلي ساحلي، وفق ما نشره الموقع الرسمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).

ويتنامى الاهتمام بتركيب المفاعلات المعيارية الصغيرة المعروفة اختصارًا بـ”إس إم آر” SMRs على سفن أو منصات لتزويد الكهرباء النظيفة والحرارة إلى المناطق الساحلية النائية، بهدف إزالة الكربون من أنشطة النفط والغاز والتعدين البحرية، أو حتى إتاحة إنتاج كهرباء على نطاق الشبكة، ما يمهّد الطريق أمام تخفيضات في التكاليف.

فوائد عديدة

في ندوة نظمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول المحطات النووية العائمة خلال المدة من 14-15 نوفمبر/تشرين الثاني (2023) في العاصمة النمساوية فيينا، ناقش خبراء قانونيون وهيئات تنظيمية نووية وبحرية، فوائد المحطات النووية العائمة وتحدياتها، وتحديدًا الدور الحيوي الذي من الممكن أن تؤديه في مكافحة التغيرات المناخية وتحقيق أهداف الحياد الكربوني.

وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي، إن “مفهوم المحطات النووية العائمة مطروح بقوة في العديد من الدول”، خلال كلمته التي ألقاها في افتتاحية الندوة، وتابعتها منصة الطاقة المتخصصة، ومع ذلك، فإنه في إطار المناقشة التي تناولت مدى جدواها وتطبيقاتها المحتملة، أوضح غروسي أن الضمانات والآثار القانونية العالمية والتنظيمية يجب دراستها وتحليلها بعناية ودقة فائقة.

تاريخ الظهور

دخلت المحطات النووية العائمة حيز الاستعمال الفعلي قبل 60 سنة -تقريبًا- في السفن البحرية وأنظمة الدفع الخاصة بكاسحات الجليد -سفينة مصممة للتنقل عبر المياه المغطاة بالجليد، وتختلف تلك المحطات النووية لكونها ستُنتِج الكهرباء منخفضة الكربون والحرارة لتطبيقات مختلفة، من بينها تدفئة المناطق وإزالة ملوحة ماء البحر وإنتاج الهيدروجين.

ويمكن بناء المحطات النووية العائمة في مصنع، ثم تُجمع وتنقَل إلى الموقع المخطط تركيبها فيه بسهولة، ما يساعد على تسريع بنائها وخفض التكاليف ذات الصلة.

وتعمل كندا والصين والدنمارك وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة الأميركية -كل على حدة- على تنفيذ تصميمات لمفاعلات معيارية صغيرة بحرية، بعضها دخل في مرحلة تطوير متقدمة.

محطة وحيدة في العالم

تمتلك روسيا محطة نووية عائمة عاملة تحمل اسم أكاديميك لومونوسوف (Akademik Lomonosov)، وتقع في نقطة تمركزها الدائم على شاطئ شبه جزيرة تشوكوتكا في مدينة بيفيك بأقصى شمال روسيا.

ودخلت محطة أكاديميك لومونوسوف حيز التشغيل التجاري لإنتاج الكهرباء وتدفئة المناطق والأحياء منذ عام 2020، إذ حلّت محل محطة بيليبينو (Bilibino) النووية التي أُغلقت، ومحطة الكهرباء العاملة بالفحم المتقادمة تشونسك Chaunsk.

وتشتمل محطة الطاقة النووية العائمة الوحيدة في العالم على مرافق ساحلية، ووحدة عائمة لتوليد الطاقة الكهربائية مزودة بمفاعلين نوويين من طراز كيه إل تي-40 إس (KLT-40S) سعة كل منهما 35 ميغاواط، وتلامس السعة الإجمالية لمحطة أكاديميك لومونوسوف 70 ميغاواط، ويصل طول المفاعل المُصمم على شكل سفينة 140 مترًا وعرض 30 مترًا، وعمر تشغيلي يمتد إلى 40 عامًا، وفق تقديرات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

جدلية التنقل

لعل قدرة تلك المحطات النووية العائمة على التنقل هي ما يثير أسئلة جديدة، لا سيما عندما تتنقل عبر الحدود الدولية أو تعمل في المياه الدولية، وليس الإقليمية، ومن تلك الأسئلة -على سبيل المثال- كيف تبدو آلية عملية الترخيص والتنظيم عند بناء محطة نووية عائمة وتزويدها بالوقود في نطاق سلطة دولة ما، ثم تُنقل إلى نطاق سلطة دولة أخرى؟

وفي هذا الصدد قالت نائبة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رئيسة إدارة السلامة والأمن النوويين، ليدي إيفرار: “تعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع الدول الأعضاء لدينا، لتحديد التوجيهات والمعايير الإضافية المهمة لضمان سلامة المحطات النووية العائمة”.

وأضافت إيفرار: “معايير السلامة المطبقة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية تُعد مرجعًا عالميًا لحماية الناس والبيئة من الآثار الضارة للإشعاع المؤيّن، وهناك تحديات قانونية وتنظيمية كبيرة يجب مواجهتها في حال كنا نرغب حقًا في تطوير سوق طاقة نووية عائمة دولية”.

من جهته، قال الرئيس المشارك للندوة رئيس مركز أبحاث تكنولوجيا المفاعلات النووية بي آر آي إن (BRIN) في إندونيسيا توبان سيتياديبورا: “إلى حد ما، تبرز المحطات النووية العائمة خيارًا مهمًا بالنسبة إلى إندونيسيا؛ إذ لدينا العديد من شركات الكهرباء أو المرافق التي لديها محطات كهرباء عائمة عاملة بالديزل، أو حتى محطات كهرباء عائمة عاملة بالغاز”.

ومع ذلك، فإن امتلاك مزيد من المعلومات والمعرفة لا غنى عنه لفهم إذا كانت هناك دول، مثل إندونيسيا، قادرة على استعمال المحطات النووية العائمة في المستقبل بديلًا عن محطات الكهرباء العائمة العاملة بالوقود الأحفوري، وفق سيتياديبورا.

وخلال الندوة ركزت المناقشات على التصميمات الحالية والمستقبلية للمحطات النووية العائمة واستعمالاتها، من بينها التركيبات البحرية العائمة لإنتاج الهيدروجين النظيف، بهدف تحويله إلى أمونيا خضراء تُستعمل في الزراعة، أو بصفته مصدر وقود منخفض الكربون.

تحديات قائمة

استكشف المشاركون في الندوة التحديات التي تفرضها عملية تنقل المحطات النووية العائمة بالنسبة إلى ترخيصها، إلى جانب اللوائح التنظيمية ذات الصلة ونقلها إلى جانب تطبيق الضمانات، كما ناقشت ندوة الوكالة الدولية للطاقة الذرية قضايا السلامة والأمان المتعلقة بتشغيل المحطات النووية العائمة، من بينها إمكان تطبيق المعايير والممارسات الحالية على تلك المحطات من عدمه.

واختتمت الندوة جلستها بتحديد الخطوات الممكنة التالية التي ستساعد على نشر المحطات النووية العائمة، من بينها تأسيس آلية لتحسين التواصل بين الصناعة النووية والبحرية من ناحية، وبين الهيئات التنظيمية من ناحية أخرى، مع التركيز على تطبيق معايير الأمن والضمانات، وفق التصميم.

وقال نائب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رئيس قسم الطاقة النووية في الوكالة ميخائيل شوداكوف: “الوصول إلى الحياد الكربوني يستلزم استعمال جميع أشكال الطاقات النظيفة المتاحة”، في كلمته أمام حضور الندوة، التي تابعتها منصة الطاقة المتخصصة، وأوضح شوداكوف: “هذه المحطات العائمة ليست في منافسة مع المفاعلات المعيارية الصغيرة البرية، غير أنها تعزز استعمال قدرات التقنية النووية للوصول إلى أهداف الحياد الكربوني”.

مزايا مهمة

يرى الخبراء أن هذا النوع من المحطات النووية يقدم العديد من المزايا، من بينها إمكان بنائها في مصنع أو حوض بناء السفن، ما يلغي الحاجة إلى إنشاء موقع خاص لبنائها، كما لا يتطلب بناء المحطات النووية العائمة إجراء دراسات الجدوى على الأرض وطبيعتها، بالإضافة إلى تأثيرها البيئي المحدود جدًا، وإمكان تفكيكها في موقع متخصص، وأخيرًا، تتسم تلك المحطات بخاصية مقاومة الزلازل، كما يمكن نقلها وتزويدها بالوقود، وتجديدها، وإيقاف تشغيلها بسهولة.

المصدر : https://annabaa.org/arabic/energy/37166

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M