انتكاسة أخرى لبايدن: “أوبك بلس” تتجاهل نداءه للمساعدة

 سايمون هندرسون

 

تتزايد التكاليف السياسية لتسعير النفط والغاز وسط الازدراء الدبلوماسي، والخدمات اللوجستية للغاز الطبيعي المسال، وبداية طقس الشتاء. وعلى الرغم من عدم مشاركة عدد هائل من قادة العالم في مؤتمر التغير المناخي في غلاسكو، إلّا أن غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان ملحوظاً، بل مفاجئاً. وقد غاب الأمير أيضاً عن قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في روما في وقت سابق.

يبدو أن ما يخبّئه المستقبل هو أزمةٌ أخرى تعود بنا إلى أزمات “منظمة الدول المصدّرة للنفط” (“أوبك”). فالمملكة العربية السعودية وبعض الدول الأخرى تخوض منافسةً محتدمة مع الولايات المتحدة ودول صناعية أخرى بشأن أسعار النفط، حيث يفضّل الكارتيل، المعروف الآن باسم “أوبك بلس”، بسبب الإضافة الفضفاضة لروسيا وكازاخستان وعدد قليل من الدول الأخرى، أن تبقى الأسعار كما هي – أي أكثر من 80 دولاراً للبرميل، مع نية الوصول إلى 100 دولار. فهذه الدول تُزيد الإنتاج بشكل هامشي فقط لكي لا يضعف السعر، في حين يريد معظم الناس في الولايات المتحدة المزيد من النفط وبأرخص ثمن.

ويبشّر هذا التوقيت بالخير. ففي الأسبوع الماضي على وجه التحديد، كان التعبير الطنّان الذي تردّد في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (“كوب 26”) في غلاسكو هو “الاستدامة”. إن درجات الحرارة المنخفضة خلال فصل الشتاء في جميع أنحاء الولايات المتحدة تعني أنه من المرجح أن يكون شعار هذا الأسبوع هو “التدفّؤ”. وسيشكل ذلك تحدياً للكثيرين: فهناك أيضاً نقصٌ محلي في زيت الوقود والغاز الطبيعي، وبالتالي، فما هو متوفر هو أغلى ثمناً.

وفي هذا السياق، تُعتبر أزمة “أوبك” الموازية مناسبةً بصورة مضاعفة لأن هناك حديثاً عن فتح “احتياطي النفط الاستراتيجي” في الولايات المتحدة، أي النفط المخزَّن في كهوف ملحيّة في ولايتي لويزيانا وتكساس الأمريكيتين تحسّباً لأي مشاكل في الإمدادات على غرار الحظر العربي الذي قادته السعودية عام 1973 أو عرقلة إيران للملاحة في الخليج العربي، الذي يشكل مصدراً رئيسياً لجزءٍ كبير من النفط المستورد في العالم. لكنّ الحديث عن “احتياطي النفط الاستراتيجي” أمر مثير للدهشة: ففي الماضي، كان صُنّاع السياسات والاقتصاديون يشككون في جدوى إخراج النفط من “احتياطي النفط الاستراتيجي” لمجرد ما قد يكون بضعة أشهر فقط من التحديات الصغيرة نسبياً.

والجدير بالذكر أن الأمريكيين يواجهون هذه الفوضى بسبب فشل الدبلوماسية. فوفقاً لـ مقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” في 4 تشرين الثاني/نوفمبر: “قال البيت الأبيض أن “أوبك بلس” تخاطر بتهديد الانتعاش الاقتصادي العالمي عبر رفضها زيادة إنتاج النفط بسرعة، وحذّر من أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام «كافة الأدوات» اللازمة لخفض أسعار الوقود”. وتابعت الصحيفة قائلة: “ألقى الرئيس بايدن باللوم على القيود الروسية والسعودية على النفط، معتبراً أنها السبب في زيادة أسعار [البنزين] في الولايات المتحدة، التي ارتفعت بنسبة 60 في المائة خلال الاثني عشر شهراً الماضية”.

وكان من السهل توقّع هذه الفوضى. فرغم أن عدداً هائلاً من قادة العالم جاء إلى غلاسكو لحضور مؤتمر التغير المناخي، إلّا أن غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان  كان ملحوظاً. وفي حين لم يكن يُتوقَّع حضور بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، إلّا أن غياب الأمير محمد بن سلمان كان مفاجئاً. وقد غاب الأمير أيضاً عن قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في روما في وقت سابق. ويبدو أن الرئيس بايدن لم يكن مستعداً للقائه، وربما شعر بعض قادة العالم الآخرين بالارتياح لغيابه أيضاً، إذ لا تزال سمعة الأمير محمد بن سلمان ملطخة بدماء المعارض السعودي المقتول جمال خاشقجي.

لكن مهما كانت محاسن هذه الألعاب البروتوكولية أو عدم وجودها، فإنها تعقّد لعبة الخداع التي غالباً ما تكون ضرورية لحل الخلافات المتعلقة بالسياسات. ولذا من المنطقي المراهنة على أنّ الأمور ستزداد سوءً قبل أن تتحسن.

أما المختلف في أزمة “أوبك” المجدَّدة فهو أنها تشمل أيضاً الغاز الطبيعي علاوةً على النفط، وهو ما يعكس التقدم الذي حققه الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة، فضلاً عن الواقع البسيط المتمثل في عدم إمكانية توفير وشحن الإمدادات الإضافية من “الغاز الطبيعي المُسال” في جميع أنحاء العالم، بنفس البساطة التي تتم بها زيادة إنتاج النفط. وعلى المستوى السياسي، تُعد روسيا مورّداً رئيسياً للغاز الطبيعي الذي يتم توفيره عن طريق خطوط الأنابيب إلى أوروبا، حيث تمارس موسكو ألعاباً عديدة مختلفة، أحدثها وفقاً لصحيفة “فايننشال تايمز” خفض كمية الغاز الذي تخزّنه في أوروبا.

لذلك، لا يجدر بأحد أن يتوقع من الدول المستهلكة أن تتوحّد بشكل كبير بما يتعدى نطاق التصريحات المعتادة عن أهدافها المشتركة. فقد سارعت بريطانيا إلى تأمين أربع شحنات إضافية من “الغاز الطبيعي المسال” من قطر، والتي من المفترض أن تكفيها حتى الشتاء، وتجعل من هذه الدولة الخليجية الصغيرة “المورّد الذي تلجأ إليه كملاذ أخير” للحصول على الغاز. كذلك يبدو أن الأمور أصبحت تجري بشكل متزايد على غرار “كل شخصٍ مسؤول عن نفسه”، وهي عبارة تليق برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، على الرغم من أنه لم يقُلها بعد.

ونظراً لأن واشنطن هي مكان الأحاديث غير المجدية، فقد قيل الكثير بالفعل حول سبب حدوث ذلك. وقد سارع الجمهوريون إلى الإشارة إلى أن القرار الذي اتخذته إدارة بايدن في يومها الأول بشأن إلغاء خط الأنابيب من كندا والحد من التنقيب عن النفط على الأراضي الفيدرالية لم يكن مجدياً. وصحيحٌ أن العزم على تحقيق “استدامة” الكوكب أمرٌ جدير بالثناء، إلا أنه لن يكون كذلك متى شعر الناخبون الأمريكيون بالبرد هذا الشتاء. وماذا حلّ بـ “استقلالية الطاقة” الأمريكية؟ لقد كانت الولايات المتحدة مستقلة نوعاً ما – أو تقريباً كذلك، من حيث الميزانية العمومية لواردات الطاقة كونها أقل من صادرات الطاقة. لكن النفط الصخري والغاز الصخري مرّا بمرحلة عصيبة، كما يرغب المستثمرون في استعادة شيءٍ من رؤوس أموالهم قبل البدء بالعطاء مجدداً.

وسوف يستقرئ المحنّكون السياسيون كل هذه الاتجاهات ويستنبطون منها الاستدلالات على تبعاتها المترتبة على انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة  بعد أقل من عام من الآن. ولربما لن يخلو الأمر من التداعيات، لكنّ الأزمة أمام الأمريكيين حالياً، والمستقبل بعيدٌ جداً.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/antkast-akhry-lbaydn-awbk-bls-ttjahl-ndah-llmsadt

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M