انعكاسات زيارة الرئيس الصيني المرتقبة على العلاقات الخليجية الصينية

أعلن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودي‭ ‬الأمير‭ ‬فيصل‭ ‬بن‭ ‬فرحان،‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬أكتوبر‭/‬تشرين‭ ‬الأول‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬مرتقبة‭ ‬للرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬‮«‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬وأعلن‭ ‬أيضاً‭ ‬إمكانية‭ ‬عقد‭ ‬‮٣‬‭ ‬قمم‭ ‬صينية‭ (‬سعودية،‭ ‬وخليجية،‭ ‬وعربية‭) ‬خلال‭ ‬الزيارة،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬العلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬ونموها‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬متقدمة‭.‬‭ ‬وقد‭ ‬تردد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الزيارة‭ ‬منذ‭ ‬مارس‭/‬آذار‭ ‬الماضي،‭ ‬عبر‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬وول‭ ‬ستريت‮»‬‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وأكدته‭ ‬كذلك‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الغارديان‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭/‬آب‭ ‬الماضي‭.‬

تتزامن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬مع‭ ‬التوترات‭ ‬الأمريكية‭ ‬السعودية‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تطور‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الخليجية‭ ‬تجاه‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬خصوصاً،‭ ‬والغربية‭ ‬عموماً،‭ ‬واتخاذها‭ ‬مواقف‭ ‬جديدة‭ ‬بشأن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭.‬

يحاول‭ ‬تقدير‭ ‬الموقف‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬مرتكزات‭ ‬العلاقة‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية،‭ ‬ومدى‭ ‬انعكاس‭ ‬الزيارة‭ ‬المحتملة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة،‭ ‬ومستقبل‭ ‬تطورها‭.‬

مرتكزات‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية

مع‭ ‬توسع‭ ‬النفوذ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬للصين‭ ‬سعت‭ ‬لتعزيز‭ ‬علاقتها‭ ‬أكثر‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬نظراً‭ ‬لموقع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬وأهميتها‭ ‬النفطية‭ ‬وعمقها‭ ‬الثقافي،‭ ‬ويظهر‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المرتكزات‭ ‬الرئيسة،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭:‬

التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المنفعة‭ ‬المتبادلة‭ ‬

يعد‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬الأرضية‭ ‬الصلبة‭ ‬المشتركة‭ ‬للعلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية،‭ ‬فالتبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬قرون‭ ‬طويلة‭ ‬سبقت‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬للدول‭ ‬الخليجية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وحلفائها‭. ‬وقد‭ ‬حافظ‭ ‬الجانبان‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬متوازنة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬انتهاج‭ ‬الصين‭ ‬سياسة‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي،‭ ‬واتجهت‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬تأثيرها‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المشاريع‭ ‬التنموية‭ ‬ودعم‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬تحت‭ ‬قاعدة‭ ‬المنفعة‭ ‬المتبادلة‭.‬

الاحترام‭ ‬السياسي‭ ‬المتبادل‭ ‬ورفض‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية

انسجمت‭ ‬أيديولوجية‭ ‬الصين‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وبناء‭ ‬الشراكات‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬العقيدة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬التي‭ ‬تفضل‭ ‬بقاء‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية‭ ‬المحلية‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬التأثير‭ ‬الخارجي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وجدته‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬شعار‭ ‬النأي‭ ‬بالنفس‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدول‭ ‬الداخلية‭.‬

الاحتياج‭ ‬الخليجي‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬الصينية‭ ‬مقابل‭ ‬الحاجة‭ ‬الصينية‭ ‬للنفط‭ ‬الخليجي

مع‭ ‬توسع‭ ‬نفوذ‭ ‬الصين‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬كانت‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬الخليجية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الأهداف‭ ‬لديها،‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الأسباب،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬الحاجة‭ ‬الصينية‭ ‬إلى‭ ‬النفط‭ ‬الخليجي‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬المشاريع‭ ‬الصينية،‭ ‬ولذلك‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬واتجهت‭ ‬إلى‭ ‬استيعاب‭ ‬حاجة‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الصناعية‭ ‬المدنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬مقابل‭ ‬الاستفادة‭ ‬الخليجية‭ ‬من‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الصينية‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬مشاريعها‭ ‬وخططها‭ ‬التنموية‭.‬

الانعكاسات‭ ‬المحتملة‭ ‬للزيارة‭ ‬الصينية‭ ‬المرتقبة‮ ‬

جاءت‭ ‬التصريحات‭ ‬السعودية‭ ‬بشأن‭ ‬الزيارة‭ ‬الرئاسية‭ ‬للصين‭ ‬ضمن‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التصريحات‭ ‬الداعمة‭ ‬لتعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬كافة،‭ ‬ومؤكدة‭ ‬موقف‭ ‬المملكة‭ ‬الثابت‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬الصين‭ ‬الواحدة‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬لم‭ ‬تعلق‭ ‬الخارجية‭ ‬الصينية‭ ‬أو‭ ‬سفارتها‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬على‭ ‬خبر‭ ‬الزيارة،‭ ‬واكتفت‭ ‬وزارة‭ ‬خارجيتها‭ ‬بالقول‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬معلومات‭ ‬لتقديمها‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬تصريح‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬خبر‭ ‬الزيارة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬التصريحات‭ ‬الصينية‭ ‬السابقة‭ ‬المؤكدة‭ ‬للتنسيق‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬الثنائية،‭ ‬ودعم‭ ‬استقرار‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬وخطط‭ ‬التنمية‭ ‬القائمة‭ ‬فيها،‭ ‬فإن‭ ‬احتمالية‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬واردة‭.‬

بناء‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الزيارة‭ ‬الصينية‭ ‬المحتملة‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬انعكاسات‭ ‬مختلفة‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الأخبار‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬الاستعدادات‭ ‬السعودية‭ ‬للزيارة،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مقاربة‭ ‬لبروتوكولات‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬حفاوة‭ ‬الاستقبال‭ ‬وضخامة‭ ‬التجهيزات‭ ‬ونوعية‭ ‬الحاضرين،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬انعكاسات‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬المستويات‭: ‬

الانعكاسات‭ ‬السياسية

ربما‭ ‬تعزز‭ ‬الزيارة‭ ‬المحتملة‭ ‬للرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬حالة‭ ‬التناغم‭ ‬السياسي‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬سابقاً‭ ‬تجاه‭ ‬بعض‭ ‬الملفات‭ ‬الخليجية‭ ‬والصينية،‭ ‬إذ‭ ‬شهد‭ ‬الجانبان‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬تبادلاً‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬الدعم‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬مصالح‭ ‬مشتركة،‭ ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬دعمت‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬موقفها‭ ‬الرافض‭ ‬لزيارة‭ ‬رئيسة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬نانسي‭ ‬بيلوسي،‭ ‬لتايوان‭ ‬مطلع‭ ‬أغسطس‭/‬آب‭ ‬الماضي،‭ ‬واتضح‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصريحات‭ ‬عديدة‭ ‬دعمت‭ ‬فيها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬مبدأ‭ ‬الصين‭ ‬الواحدة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الصين‭ ‬تبادل‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬الموقف‭ ‬ذاته‭ ‬بشأن‭ ‬حماية‭ ‬سيادتها‭ ‬الوطنية‭ ‬وحدودها‭ ‬القومية‭.‬

الانعكاسات‭ ‬الداخلية

إن‭ ‬استمرار‭ ‬حالة‭ ‬الدعم‭ ‬المتبادل‭ ‬للسياسات‭ ‬الداخلية‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ -‬طوال‭ ‬الفترة‭ ‬السابقة‭ ‬للزيارة‭ ‬المرتقبة‭- ‬يوحي‭ ‬بإمكانية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬سواء‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بإدارة‭ ‬شؤونهما‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬تنسيق‭ ‬علاقاتهما‭ ‬الثنائية‭.‬

ولعل‭ ‬تصريحات‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودي،‭ ‬فيصل‭ ‬بن‭ ‬فرحان،‭ ‬عند‭ ‬إعلان‭ ‬خبر‭ ‬الزيارة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬السعودية‭ ‬تسعى‭ ‬دائماً‭ ‬لتنسيق‭ ‬المواقف‭ ‬حيال‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬البلدين،‭ ‬وتؤكد‭ ‬على‭ ‬موقفها‭ ‬الثابت‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬موقف‭ ‬الصين‭ ‬الواحدة‭ ‬ورفض‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬وتسييس‭ ‬موضوعات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‮»‬،‭ ‬لعلها‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬سعي‭ ‬الجانبين‭ ‬لتطوير‭ ‬التعاون‭ ‬المتبادل‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬الداخلية‭.‬

ولما‭ ‬كانت‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬المرتقبة‭ ‬إلى‭ ‬الرياض‭ ‬تعد‭ ‬الزيارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأولى‭ ‬له‭ ‬منذ‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬والأولى‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جدد‭ ‬ولاية‭ ‬حكمه‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬لفترة‭ ‬ثالثة،‭ ‬فذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬قراره‭ ‬يحمل‭ ‬دلالات‭ ‬سياسية‭ ‬داخلية‭ ‬لدى‭ ‬الصين،‭ ‬تتمثل‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬ولايته‭ ‬الجديدة‭ ‬عبر‭ ‬عقد‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬المشتركة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بضمان‭ ‬استقرار‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬طويل‭. ‬كذلك،‭ ‬تحمل‭ ‬الزيارة‭ ‬المرتقبة‭ ‬دلالات‭ ‬سياسية‭ ‬خليجية؛‭ ‬فاختيار‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬للزيارة‭ ‬الأولى‭ ‬للرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬دليل‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬والصين‭.‬

الانعكاسات‭ ‬الخارجية‮ ‬

قد‭ ‬تبدو‭ ‬التصريحات‭ ‬الرسمية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬الإعلان‭ ‬السعودي‭ ‬بشأن‭ ‬الزيارة‭ ‬الصينية‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬التبرير‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الذرائع‭ ‬والمسوغات‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬والصرامة‭ ‬في‭ ‬موقفها‭ ‬الرسمي‭. ‬حيث‭ ‬صرح‭ ‬نيد‭ ‬برايس،‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوفمبر‭/‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬الجاري‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬لا‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأن‭ ‬هدف‭ ‬واشنطن‭ ‬هو‭ ‬‮«‬منح‭ ‬الدول‭ ‬خياراً،‭ ‬وجعل‭ ‬اختيار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وما‭ ‬تطرحه‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬الخيار‭ ‬الأكثر‭ ‬جاذبية‮»‬‭.‬

بناء‭ ‬عليه،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الزيارة‭ ‬ستعزز‭ ‬أكثر‭ ‬حالة‭ ‬الرغبة‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬توازن‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬ربما‭ ‬تؤدي‭ ‬زيادة‭ ‬التعاون‭ ‬والتنسيق‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والصين‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬أمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعلنت‭ ‬واشنطن‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬تجاه‭ ‬الصين،‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تشكل‭ ‬التحدي‭ ‬الأمني‭ ‬الأكبر‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬‮«‬هيمنة‭ ‬بكين‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬رئيسية‮»‬‭.‬

كذلك،‭ ‬فإن‭ ‬انتهاج‭ ‬الصين‭ ‬سياسة‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬وتطور‭ ‬علاقاتها‭ ‬المختلفة‭ ‬مع‭ ‬منافسين‭ ‬إقليميين‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬يجعل‭ ‬الموقف‭ ‬الصيني‭ ‬بشأن‭ ‬الترتيبات‭ ‬الأمنية‭ ‬للإقليم‭ ‬غير‭ ‬واضح‭. ‬فالدعم‭ ‬الصيني‭ ‬لإيران،‭ ‬والتوسع‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الصين‭ ‬بالكيان‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬قد‭ ‬يؤخر‭ ‬كثيراً‭ ‬التفاهمات‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والصين،‭ ‬وربما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انعكاسات‭ ‬غير‭ ‬إيجابية‭ ‬للزيارة‭ ‬المقبلة‭ ‬أو‭ ‬انخفاض‭ ‬سقف‭ ‬الطموحات‭ ‬المشتركة‭. ‬

الانعكاسات‭ ‬الاقتصادية

تعد‭ ‬الملفات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أجندات‭ ‬الزيارة‭ ‬وضوحاً،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬نيوم‮»‬‭ ‬إحدى‭ ‬محطات‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني،‭ ‬وهذا‭ ‬يعزز‭ ‬بالأساس‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بشكل‭ ‬محوري‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭.‬

لذلك‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تناقش‭ ‬الزيارة‭ ‬المسائل‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتجارة‭ ‬والنقل‭ ‬ومصادر‭ ‬الطاقة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وجلب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬ينعكس‭ ‬إيجاباً‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬التنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬بينهما‭. ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬بند‭ ‬يُتوقع‭ ‬إنجازه‭ ‬في‭ ‬الزيارة‭ ‬هو‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬المفاوضات‭ ‬بشأنها‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬بشأنها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المشاورات‭ ‬الثنائية‭ ‬المستمرة‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬وآخرها‭ ‬كانت‭ ‬المباحثات‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬المسؤولون‭ ‬الخليجيون‭ ‬أوائل‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬أثناء‭ ‬زيارتهم‭ ‬إلى‭ ‬بكين‭.‬

وفي‭ ‬حال‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والصين‭ ‬فمن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬الجانبان‭ ‬انعكاسات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬اقتصادهما‭ ‬المحلي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬امتلاكهما‭ ‬مقومات‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيضاف‭ ‬إلى‭ ‬بنك‭ ‬الأهداف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المشتركة‭ ‬لكلا‭ ‬الجانبين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأمين‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للصين‭ ‬وتنمية‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدول‭ ‬الخليجية‭.‬

الانعكاسات‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية

تعد‭ ‬الملفات‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية‭ ‬أقل‭ ‬بروزاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعلاقات‭ ‬الثنائية،‭ ‬فهي‭ ‬علاقات‭ ‬اقتصادية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأساسية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭ ‬الداعمة‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬خلو‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬من‭ ‬تنسيق‭ ‬مشترك‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأمن،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬القطاع‭ ‬العسكري‭ ‬لدى‭ ‬الصين؛‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬الصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬التقليدية‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬تكنولوجية‭ ‬عسكرية‭ ‬متقدمة‭ ‬ومتفوقة‭.‬

لذلك‭ ‬قد‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬الزيارة‭ ‬توسيع‭ ‬التجارة‭ ‬العسكرية‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة‭ ‬التي‭ ‬تنتجها‭ ‬الصين،‭ ‬مثل‭ ‬الأسلحة‭ ‬الحربية‭ ‬ذات‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المناورة‭ ‬والأسلحة‭ ‬الليزرية‭ ‬والأسلحة‭ ‬فوق‭ ‬الصوتية‭ ‬والمدافع‭ ‬الكهرومغناطيسية‭ ‬والروبوتات‭ ‬الذكية‭ ‬والمضادات‭ ‬للهجمات‭ ‬الجوية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬المتقدمة‭.‬

وتتنامى‭ ‬أهمية‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬زيادة‭ ‬مطالبة‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بشأن‭ ‬خفض‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إلغاء‭ ‬صفقات‭ ‬السلاح‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭. ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬عقد‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الأمنية‭ ‬خلال‭ ‬الزيارة‭ ‬الصينية‭ ‬المرتقبة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬ربما‭ ‬يشكل‭ ‬سابقة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والصين،‭ ‬وسيؤدي‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬تأزم‭ ‬العلاقة‭ ‬الخليجية‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

محددات‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية

أدت‭ ‬حالة‭ ‬التأزم‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير،‭ ‬وتأزم‭ ‬علاقة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬السعي‭ ‬الرسمي‭ ‬الخليجي‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يمنح‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬الخليجية‭ ‬موقفاً‭ ‬سياسياً‭ ‬متوازناً‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬أطراف‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬المخاطر‭ ‬الأمنية‭ ‬عليها‭ ‬ويمنحها‭ ‬فرصاً‭ ‬لتأمين‭ ‬استقرارها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬التغيرات‭ ‬الهيكلية‭ ‬العالمية‭ ‬والهشاشة‭ ‬الأمنية‭ ‬الإقليمية‭. ‬

بناء‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تتبنى‭ ‬الصين‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مرنة‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬التطلعات‭ ‬الخليجية،‭ ‬وقد‭ ‬تؤدي‭ ‬الزيارة‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬المحددات‭ ‬التالية‭:‬

السعي‭ ‬الخليجي‭ ‬لخلق‭ ‬علاقة‭ ‬متوازنة‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف‭ ‬الدولية

تسعى‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬علاقتها‭ ‬بالصين‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬منهجية‭ ‬تنويع‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬وعدم‭ ‬حصر‭ ‬علاقاتها‭ ‬في‭ ‬حليف‭ ‬وحيد،‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬تحاول‭ ‬إدارة‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يتصادم‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬نظراً‭ ‬للعلاقة‭ ‬التاريخية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬بينهما،‭ ‬وأي‭ ‬تعزيز‭ ‬للعلاقة‭ ‬الخليجية‭ ‬بالصين‭ ‬ربما‭ ‬لن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

مدى‭ ‬الاستجابة‭ ‬الصينية‭ ‬لمخاوف‭ ‬دول‭ ‬الخليج

إن‭ ‬محافظة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬النأي‭ ‬بالنفس‭ ‬عن‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية،‭ ‬ودعم‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬الخليجية،‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬المبادرات‭ ‬السياسية‭ ‬لتخفيف‭ ‬أزمات‭ ‬المنطقة‭ ‬كالأزمة‭ ‬اليمنية‭ ‬والسورية،‭ ‬قد‭ ‬ساعد‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬العلاقات‭ ‬ونموها‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ملامح‭ ‬السياسة‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬استيعاب‭ ‬المخاوف‭ ‬الأمنية‭ ‬لدى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬متأخرة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العلاقات‭ ‬الصينية‭ ‬الإيرانية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يجعله‭ ‬محدداً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬استشراف‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية‭ ‬المستقبلية‭.‬

إذ‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬وضوح‭ ‬السياسات‭ ‬الصينية‭ ‬تجاه‭ ‬المخاوف‭ ‬الأمنية‭ ‬للخليج،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمشروع‭ ‬الإيراني،‭ ‬وتحديد‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الصينية‭ ‬المتبعة‭ ‬بشأن‭ ‬ذلك،‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬استمرار‭ ‬النهج‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الملف‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬المسار‭ ‬ذاته،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬عن‭ ‬إيران،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية،‭ ‬لكن‭ ‬ربما‭ ‬لن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬انهيارها؛‭ ‬نتيجة‭ ‬الحرص‭ ‬الخليجي‭ ‬الصيني‭ ‬على‭ ‬استفادة‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬من‭ ‬الآخر‭.‬

الحضور‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج

يُتوقع‭ ‬ألا‭ ‬تتنازل‭ ‬واشنطن‭ ‬عن‭ ‬موقعها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬باعتبارها‭ ‬الحليف‭ ‬الأمني‭ ‬الأول‭ ‬للدول‭ ‬الخليجية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يلاحظ‭ ‬من‭ ‬التصريحات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بشأن‭ ‬مخاوفها‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الإيرانية‭ ‬المزعومة‭ ‬للسعودية،‭ ‬وأنها‭ ‬لن‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر،‭ ‬حسب‭ ‬تعبيرها،‭ ‬وقد‭ ‬صرحت‭ ‬واشنطن‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬نوفمبر‭/‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الزيارة‭ ‬الصينية‭ ‬إلى‭ ‬الرياض،‭ ‬وفي‭ ‬7‭ ‬نوفمبر‭/‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬واشنطن‭ ‬بوست‮»‬‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الوسطى‭ ‬أطلقت‭ ‬مقاتلات‭ ‬باتجاه‭ ‬إيران‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬التأهب‭ ‬الشاملة‭ ‬للقوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬السعودية‭.‬

ربما‭ ‬تشير‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬إلى‭ ‬المساعي‭ ‬الأمريكية‭ ‬لإعادة‭ ‬مراجعة‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬بعد‭ ‬خفوت‭ ‬الحضور‭ ‬مؤقتاً‭ ‬والانشغال‭ ‬بمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الآسيوي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقة‭ ‬الخليجية‭ ‬الصينية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬الملفين‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني،‭ ‬مرهونة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بمدى‭ ‬تقدم‭ ‬أو‭ ‬تراجع‭ ‬الرؤية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بشأن‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭.‬

التغيرات‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬

يشهد‭ ‬الهيكل‭ ‬العام‭ ‬للنظام‭ ‬العالمي‭ ‬تطورات‭ ‬كبيرة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تغيرات‭ ‬جوهرية‭ ‬فيه،‭ ‬لعل‭ ‬أهمها‭ ‬بروز‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬التعددية‭ ‬القطبية‮»‬‭ ‬وهبوط‭ ‬مركز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬العالمي،‭ ‬وظهور‭ ‬القوتين‭ ‬الصينية‭ ‬والروسية‭ ‬كحليفين‭ ‬رئيسيين‭ ‬لمواجهة‭ ‬هيمنة‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭.‬

ومن‭ ‬ثم‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬التغيرات‭ ‬المتسارعة‭ ‬في‭ ‬هيكلة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬تفاعل‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬معها،‭ ‬والتي‭ ‬ربما‭ ‬تحتم‭ ‬عليها‭ ‬إيجاد‭ ‬موقع‭ ‬متوازن‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالحلفاء‭ ‬التقليديين‭.‬

الخاتمة

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الزيارة‭ ‬الصينية‭ ‬المحتملة‭ ‬للخليج‭ ‬قد‭ ‬تحقق‭ ‬بعض‭ ‬التطلعات‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬الجانبان،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬تواجه‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التحديات،‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الزيارة‭ ‬وتوقيتها‭ ‬الحساس،‭ ‬أو‭ ‬التحديات‭ ‬الأخرى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بطبيعة‭ ‬العلاقة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬التفاؤل‭ ‬الخليجي‭ ‬والصيني‭ ‬المشترك،‭ ‬قد‭ ‬يعجلان‭ ‬موعد‭ ‬الزيارة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدوافع‭ ‬الخليجية‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والدوافع‭ ‬الصينية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالطاقة‭ ‬واستثمار‭ ‬العلاقة‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتحييدها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الصراع‭ ‬الأمريكي‭ ‬الصيني‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬تؤسس‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭.‬

‮ ‬

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M