انفتاح متنامٍ: أبعاد وأهمية زيارة أمير قطر إلى مصر

محمد فوزي

 

تطرح زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى مصر، والتي يلتقي خلالها بالرئيس عبد الفتاح السيسي، فرصًا واعدة أمام استكمال مسار الانفتاح الذي تبنته الدولتان في أعقاب المصالحة العربية الخليجية مع قطر في قمة العلا في 5 يناير 2021، خصوصًا على مستوى وضع أسس وقواعد واضحة حاكمة لهذا المسار، وتعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين في مواجهة التحديات المختلفة الراهنة إقليميًا ودوليًا، بما يُعزز من آليات العمل العربي المشترك في مواجهة هذه التحديات.

أهمية الزيارة

ترتبط أهمية زيارة أمير قطر إلى القاهرة بعدد من العوامل الرئيسة، وذلك على النحو التالي:

1- هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لأمير قطر إلى مصر منذ المصالحة العربية الخليجية مع قطر، والتي تمخضت عن قمة العلا التي عُقدت في السعودية في 5 يناير 2021، بعد مقاطعة طال أمدها، إثر الخلافات التي كانت سائدة حول عدد من الملفات المرتبطة بشكل رئيس بالعلاقات القطرية مع تيارات الإسلام السياسي في المنطقة.

2- تعد الزيارة استكمالًا وتتويجًا لمسار الانفتاح الذي تبنته الدولتان في أعقاب قمة العلا، وهو المسار الذي بدأ بتأكيد وزارة الخارجية المصرية بعد ثلاثة أسابيع من القمة أن القاهرة والدوحة اتفقتا على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وفي مارس 2021 زار وفد قطري القاهرة، في زيارة استمرت يومين؛ بهدف “تسريع استئناف العلاقات”. وفي مايو من العام نفسه، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس الوزراء وزير خارجية دولة قطر. وفي أغسطس الماضي، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على هامش قمة جوار العراق. وهي تحركات عكست “إيجابية” الخطوات المصرية القطرية على مستوى تحسين العلاقات الثنائية.

3- تأتي زيارة أمير قطر إلى مصر عقب عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي قمة ثلاثية في مدينة شرم الشيخ مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وكذا استقباله لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وعقد مباحثات ثنائية حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية، وتوقيع العديد من الاتفاقات الثنائية. ومن ثم فإن زيارة أمير قطر تمثل استكمالًا لهذه التحركات العربية التي تستهدف بشكل رئيس تعزيز آلية العمل العربي المشترك، وبناء رؤى عربية مشتركة إزاء التحديات الراهنة المختلفة، خصوصًا قبيل القمة التي ستُعقد في جدة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن وعدد من رؤساء وقادة الوطن العربي، وعلى رأسهم الرئيس الفتاح السيسي.

توقيت لافت

تأتي زيارة أمير قطر للقاهرة في توقيت لافت، وذلك على مستوى التحديات الدولية الراهنة المرتبطة بتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وكذا جائحة كورونا، فضلًا عن المتغيرات العديدة التي تشهدها الساحة الإقليمية في الفترة الراهنة، وهو الأمر الذي يُشير إلى بعض الرسائل والدلالات المهمة، وذلك على النحو التالي:

1- تُظهر الخبرات العربية أن تجاوز الخلافات البينية بين الدول العربية والبدء في مسار توافقي يأتي على الأرجح عند وجود تهديدات جسيمة للأمن القومي العربي، وتوافق الدول العربية على جسامة هذه التهديدات، وما أكثر التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي في الفترة الراهنة، سواءً على مستوى التهديدات التقليدية المرتبطة بالظاهرة الإرهابية، أو التحركات الإقليمية المزعزعة للاستقرار في الدول العربية، أو تصاعد ظاهرة الدول المأزومة في العالم العربي، وتنامي الخلافات العربية-العربية بما يهدد العمل العربي المشترك، فضلًا عن التهديدات المستحدثة المرتبطة بشكل رئيس بارتدادات الأزمة الروسية الأوكرانية، خصوصًا على الأمن الغذائي والطاقي، أو تداعيات جائحة كورونا التي لا تزال العديد من الدول تعاني من وطأتها.

2- تأتي زيارة أمير قطر في سياق يغلب عليه تراجع أو “أفول” تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، وذلك في ضوء عاملين رئيسين: الأول يرتبط بالهزائم المتكررة التي تعرض لها هذا التيار في المنطقة العربية وهو ما يتجسد في حالات: مصر، وتونس، والجزائر، والمغرب، والسودان. أما العامل الثاني فيرتبط بتراجع الدول التي كانت داعمة لهذا الاتجاه عن مقاربتها في هذا الصدد، ورفع مظلة الدعم والرعاية عن تيارات الإسلام السياسي بشكل نسبي وتدريجي، وهو عنصر محفز لاستكمال مسار الانفتاح المصري القطري.

3- شهدت الآونة الأخيرة تصاعدًا لافتًا في المؤشرات التي عكست بدء إرهاصات تكوّن مشهد عالمي جديد لم تُعرف معالمه بعد، وذلك في ضوء تداعيات جائحة كورونا، والأزمة الروسية الأوكرانية، وما صاحبها من تبني العديد من دول العالم لما يمكن وصفه بـ “خيار العصيان الاستراتيجي” أمام الولايات المتحدة والمحور الغربي، فضلًا عن صعود ما بات يُعرف بـ “الحياد الجديد”، في إشارة إلى مواقف الدول النامية والمتوسطة من الأزمة، وهي الدول التي طرحت مفاهيم مثل: “حركة عدم انحياز جديدة” أو “الاستقلال الاستراتيجي”. وقد عززت هذه المتغيرات الحاجة إلى مقاربة عربية توافقية حول التعامل الأمثل مع هذه المتغيرات.

4- كان ملف أمن الطاقة من أهم الملفات التي حظيت باهتمام كافة الدوائر العالمية في الأشهر الأخيرة، وبالتحديد منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير الماضي، وقد تصاعد هذا الاهتمام مع دخول ملف الطاقة على خط الحرب، وتوظيفه من قبل روسيا كسلاح ضد الدول الغربية، وهو الأمر الذي جعل الدول الغربية تبحث عن بدائل طاقية لروسيا، وهو الأمر الذي جعل قطر محط اهتمام هذه الدول، كمصدر بديل محتمل لروسيا.

وبالتزامن مع ذلك، حققت مصر نجاحات كبيرة على مستوى قطاع الطاقة في السنوات الأخيرة، خصوصًا على مستوى الاكتشافات الكبيرة التي تمت، أو على مستوى مشاريع البنى التحتية التي تم تنفيذها، وهو الأمر الذي جعل دوائر غربية تُشير إلى أن مصر تتحول تدريجيًا إلى مركز إقليمي للطاقة، فضلًا عن التأكيد على قدرتها على تلبية احتياجات أوروبا من كل من الغاز والهيدروجين الأخضر والأمونيا، وهو ما عزز الحاجة إلى تنسيق مصري قطري في هذا الملف المهم.

5- تأتي الزيارة في سياق إقليمي يشهد العديد من المتغيرات، وهي المتغيرات التي غلب عليها الاتجاه نحو “التهدئة”، وهو ما ارتبط بتداعيات قمة العلا، فضلًا عن الحوارات والمباحثات الخليجية المتكررة مع إيران، وبالتالي لا يمكن فصل الزيارة عن هذه المتغيرات التي تطرأ على السياق الإقليمي.

ملفات ذات أولوية

يعقد أمير قطر غدًا السبت مباحثات رسمية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي المباحثات التي يُحتمل أن تركز على عدد من الملفات المهمة، وذلك على النحو التالي:

1- حتى وإن كانت العلاقات المصرية القطرية تشهد خطوات متسارعة تدفع باتجاه تعزيز التعاون والانفتاح المتبادل، إلا أن هذا المسار لا يُمكن تتويجه بعودة العلاقات لطبيعتها بين ليلة وضحاها، خصوصًا في ضوء التوتر الذي ساد لسنوات، وبالتالي فإن هذا اللقاء قد يناقش المحددات الرئيسة التي ستحكم مسار الانفتاح في المراحل المقبلة، والقضايا الاتفاقية التي يمكن البناء عليها لاستكمال هذا المسار.

2- عانت الاقتصادات العربية بشكل كبير في الآونة الأخيرة بسبب تداعيات جائحة كورونا، وارتدادات الأزمة الروسية الأوكرانية، وهو العامل الذي سيجعل الملف الاقتصادي على رأس أولويات الزيارة والمباحثات الثنائية، وقد أشارت تقارير في هذا الصدد إلى أن الزيارة ستشهد توقيع اتفاقيات اقتصادية وضخ استثمارات قطرية بمصر، خاصةً في مجال الطاقة، فضلًا عن التوجه نحو إطلاق مجلس أعمال مصري – قطري مشترك بين البلدين، يتكون من رجال أعمال سيعملون على تعزيز العلاقات الاقتصادية ومجالات الاستثمار والتجارة بين البلدين.

3- سوف يشهد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بأمير قطر، بطبيعة الحال مباحثات حول الأزمات العربية الراهنة، وسبل حلحلة هذه الأزمات والتعاطي معها، فضلًا عن مناقشة المتغيرات الإقليمية التي سبق الإشارة إليها، والتنسيق بخصوص القمة التي ستُعقد في الرياض مع الولايات المتحدة، وكذا التنسيق بخصوص تأمين الممرات البحرية وسلاسل الإمداد، وهي ملفات تتعاظم الحاجة إلى التنسيق بخصوصها، فضلًا عن أنها تمثل ضرورة في ضوء الدور الإقليمي الكبير لمصر، وكون الدائرة الخليجية محورًا رئيسًا على مستوى الدور الإقليمي لمصر، فضلًا عن مقاربة مصر التي تستهدف تعزيز آليات العمل العربي المشترك.

وختامًا يمكن القول، إن زيارة أمير قطر لمصر تأتي كاستمرار لمسار الانفتاح المتبادل الذي أعقب قمة العلا، فضلًا عن كونها أحد تجليات الاستجابة المشتركة لمهددات الأمن القومي العربي الراهنة، والمتغيرات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، وهي العوامل التي حتّمت التنسيق المصري العربي عامة والتنسيق المصري الخليجي خاصة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/70971/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M