بايدن لن يتخلص من إرث ترامب بالكامل لو أصبح رئيسا

عندما انتُخب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة عام 2016، شرع على الفور، وباستمتاع واضح، في محاولة هدم إرث السياسة الخارجية التي صاغها بعناية سلفه باراك أوباما، وتعاقبت أيام وشهور وسنوات، انسحب فيها ترامب من اتفاق تجاري مع منطقة آسيا والمحيط الهادي، واتفاق عالمي للمناخ، واتفاقية نووية مع إيران وعملية تهدف لإنهاء عقود العداء مع كوبا، صوب الزعيم الجمهوري سهامه دون مواربة لحلفاء الولايات المتحدة القدامى من برلين إلى طوكيو بينما كان يكيل الثناء لحكام مستبدين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون. بحسب رويترز.

وبعد أن امتدح الرئيس الصيني شي جين بينج، أشعل فتيل معارك تجارية وكلامية مع بكين أثارت مخاوف اندلاع حرب باردة جديدة أو حتى صراع عسكري، ويقول دبلوماسيون سابقون كبار في جميع أنحاء العالم إن ترامب ألحق أضرارا بالغة بالثقة في القيادة الأمريكية، وإن فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني سيجعل عددا كبيرا من عواصم العاصم تتنفس الصعداء حتى عند المقارنة باللحظة التي فارق فيها جورج دبليو بوش البيت الأبيض قبل أكثر عقد من الزمان.

يتوقع هؤلاء الدبلوماسيون إجراء سريعا من قبل إدارة ديمقراطية لاستعادة سياسات عهد أوباما، بدءا باتفاق المناخ، لكن على الرغم من مشاعر الاستياء التي فجرها ترامب وانتشرت على نطاق واسع، لن يتم التخلص من سياساته كلها ولا يتوقع الحلفاء القدامى ولا الخصوم الاستراتيجيون تساهلا كبيرا من بايدن، نائب الرئيس في عهد أوباما والسناتور السابق لعقود وصاحب الخبرة والتمرس في السياسة الخارجية على مدار عشرات السنين.

ولا يتوقعون كذلك تغيرا كبيرا في التوجه للداخل الذي تجسد في نهج ترامب ”أمريكا أولا“، وقال جيرار أرو سفير فرنسا السابق لدى واشنطن ”نحن بالفعل في مرحلة زمنية انتقالية لتحديد سياسة أمريكية جديدة في سياسات القوة مع الصين وروسيا.. لذا (يمكن القول) إنه عالم جديد“، وأضاف ”سيكون الرؤساء الأمريكيون أشد التزاما بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة. لا تريد الولايات المتحدة أن تكون شرطي العالم بعد الآن.. أعتقد أن أوباما وترامب أدركا ذلك“.

تحدي ترامب للصين

في الوقت الذي أثارت فيه إدارة ترامب بعض الانزعاج بحدة هجماتها على الصين في الآونة الأخيرة بخصوص قضايا تتراوح بين فيروس كورونا والتجسس، فإن هناك اتفاقا على نطاق واسع بأنه لن يحدث تغير جوهري في ظل حكومة بايدن عندما يتعلق الأمر بالسياسة تجاه بكين، في واقع الأمر، ورغم سعي ترامب إلى تصوير أوباما وبايدن على أنهما ”متراخيان“ مع الصين، فإن الإدارة السابقة كان موقفها أشد صرامة إزاء بكين من موقف ترامب في بادئ الأمر، وقال مايكل بيلسبري، وهو مسؤول دفاعي أمريكي سابق ومحلل في شؤون الصين وكان قد عمل مستشارا لترامب ”في العامين الأخيرين من حكم أوباما، كانت لديهم استراتيجية جديدة إزاء الصين.. يعتقد كثيرون أن هذا من اختراع ترامب.. لا ليس كذلك.

وأشار إلى أن مستشاري بايدن، إيلي راتنر، وكورت كامبل، وبريان ماكيون، وتوني بلينكين، وبوب وورك، وآش كارتر قدموا تحليلات قاسية بخصوص الصين، واشتركوا جميعا في توجسهم الشديد حيال تعزيز الوجود العسكري وأنشطة التجسس والممارسات التجارية.

ولبيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، موقف من نهج ترامب إزاء الصين إذ يراه مستحقا لبعض الإشادة والتحذير أيضا، وقال ”لقد بلورت إدارة ترامب صورة القلق المتنامي إزاء أنشطة الصين، بما في ذلك زيادة الصرامة في سياستها الخارجية والقمع في الداخل“.

وأضاف ”استعداد ترامب للمضي قدما ومواجهة ذلك، ومحاسبة الصين، كان هذا شيئا إيجابيا. الخطر هو أنه يمكن الآن أن يذهب لأبعد مما يلزم ويدخل في حرب باردة شاملة معها“، وقال توم فليتشر، وهو مستشار السياسة الخارجية لثلاثة رؤساء وزراء بريطانيين سابقين، إنه لا يتوقع تغييرات كبيرة في السياسة مع الصين في ظل إدارة بايدن، وإن اختلف الأسلوب وأصبح أقل تشددا، وأوضح ”لا أعتقد أن سياسة بايدن ستكون على بعد مليون ميل من سياسة ترامب تجاه الصين. لكن ستختلف اللغة، وسيكون هناك المزيد من الحكمة والاستراتيجية“.

ويقول بعض المحللين إن تواصل ترامب غير المسبوق وغير الموفق حتى الآن مع كوريا الشمالية يمكن أن يكون لبنة بناء في المستقبل. ووصف بايدن دبلوماسية ترامب الشخصية بأنها ”مشروع غرور“ لم يكن ينبغي لها أن تحدث إلا من خلال استراتيجية تدفع عملية نزع السلاح النووي الكوري الشمالي إلى الأمام.

ضربة للمصداقية الأمريكية

قال ديفيد أوسوليفان، سفير الاتحاد الأوروبي السابق في واشنطن، إن ترامب كان له ”أثر مدمر للغاية“ وسيستغرق الأمر وقتا لإعادة بناء صورة أمريكا ودورها القيادي، لكنه أعرب بوضوح عن مخاوف عميقة يشعر بها الأمريكيون بشأن مدى التدخلات الأمريكية في الخارج والإحساس بأن بعض الحلفاء لا يسهمون بنصيبهم.

وقال أوسوليفان ”لن يذرفوا الدموع في أوروبا إذا خسر ترامب الانتخابات.. هذه الإدارة بلا كفاءة، بل إنها (إدارة) حمقاء بشكل واضح، وأقول بصراحة إنها تميل لاستعداء الحلفاء وبث مشاعر الارتياح لدى من كانوا يُعتبرون خصوما في السابق.

ومضى قائلا ”بالمثل، لا أعتقد أن هناك من يعيش في وهم أن إدارة بايدن ستكون بشيرا بعصر ذهبي من التعاون الأوروبي الأمريكي… ستبقى الخلافات، لكننا سنبدأ من نقطة الاحترام المتبادل“.

إرث ترامب الدبلوماسي.. ضياع للثقة وعلاقات تحمل ندوبا وعقوبات

قطع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعضا من أبرز وعود حملته الانتخابية في عام 2016 في مجال السياسة الخارجية، مثل التعهد بإعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة القوات الأمريكية من ”الحروب الأبدية“، وأوفى الرئيس الجمهوري، وهو رجل أعمال سابق من نيويورك يزهو بمهاراته في إبرام الصفقات، ببعض وعوده ونفذ أخرى بصورة جزئية، بينما أخفق تماما حتى الآن في إنجاز بعضها.

ويقول محللون ومسؤولون سابقون أمريكيون وأوروبيون إنه إذا خسر ترامب في انتخابات الثالث من نوفمبر تشرين الثاني أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، فإن التحدي الأصعب أمام الإدارة الجديدة سيكون استعادة مكانة الولايات المتحدة العالمية وجدارتها بالثقة.

وسيتولى حينها بايدن، الذي كان نائبا للرئيس في عهد باراك أوباما، إدارة علاقة أصابتها الندوب مع أوروبا، وخصومة شديدة مع الصين وحملات ضغط تركز على العقوبات ضد إيران وسوريا وفنزويلا، وفيما يلي نظرة على بعض أهم أولويات إدارة ترامب والتحديات التي تنتظر بايدن حال فوزه:

الصين

كان اتهام ترامب للصين ”باستغلال“ بلاده موضوعا أساسيا في حملته في عام 2016 تزامنا مع التعهد بإبرام اتفاق عادل للتجارة مع بكين يساعد الشركات الأمريكية ويوفر وظائف للأمريكيين، وبعد حرب تجارية على مدار عامين تقريبا مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لم يتمكن ترامب سوى من التوصل إلى مرحلة أولى من الاتفاق يتعثر تطبيقها حتى الآن في نفس الوقت، تبادلت واشنطن وبكين فرض رسوم على سلع بمئات المليارات من الدولارات وأدى تفشي فيروس كورونا في العالم انطلاقا من الصين إلى تدهور العلاقات الثنائية لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ عقود مما أثار مخاوف من اندلاع حرب باردة جديدة.

واتخذت واشنطن إجراءات ضد بكين على عدة جبهات: فقد أنهت الوضع الخاص بهونج كونج وفرضت عقوبات على مسؤولين كبار بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان وسعت إلى حظر عمل شركات تكنولوجية صينية في الولايات المتحدة، ويقول محللون إن إدارة بايدن لن يكون أمامها خيار يذكر سوى الحفاظ على هذا الموقف الصارم لكنها ستسعى على الأرجح لتخفيف نبرة الخطاب قليلا لإتاحة الفرصة للتعامل مع الصين.

الاتفاق النووي الإيراني

انسحب ترامب في 2018 من الاتفاق النووي الذي أبرم في 2015 بين إيران وقوى عالمية قائلا إن بإمكانه التوصل لاتفاق أفضل. كما دشن حملة ”أقصى الضغوط“ لخنق موارد طهران، ورغم مضي نحو عامين فرضت فيهما واشنطن عقوبات على كل شيء تقريبا، من إيرادات النفط والمعادن إلى البنك المركزي الإيراني، لم تتمكن بعد من إجبار طهران على تغيير سلوكها والعودة إلى طاولة المفاوضات. بل وتفاقم التوتر بين البلدين حتى أوشكا على الدخول في حرب، وقال بايدن إنه سيتعامل مع إيران عن طريق الدبلوماسية وسيعود إلى الاتفاق لكن بشرط عودة طهران أولا للامتثال للقيود التي يفرضها على برنامجها النووي.

حلف الأطلسي والعلاقات مع أوروبا

اشتكى ترامب مرارا من عدم وفاء الكثير من الشركاء في حلف شمال الأطلسي بأهداف الإنفاق الدفاعي. كما شكك في جدوى استمرار الحلف الذي تأسس عام 1949 في بداية الحرب الباردة مع روسيا.

وأدت انتقاداته إلى تدهور العلاقات مع عدة حلفاء أوروبيين لكن عددا أكبر من أعضاء الحلف زاد الإنفاق الآن لتحقيق الهدف المتمثل في أن يعادل اثنين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتعهد ترامب هذا العام بخفض عدد القوات الأمريكية في ألمانيا، متهما برلين باستغلال الولايات المتحدة بينما لا تفي بالتزاماتها في إطار الحلف، ويقول محللون إن إصلاح التحالف العابر للمحيط الأطلسي سيستغرق وقتا لكن يُتوقع أن يكون من أسهل المهام التي ربما تنتظر إدارة يقودها بايدن.

إعادة الجنود إلى الوطن

وعد ترامب في حملته الانتخابية في عام 2016 بالنأي عن الحروب الخارجية وإعادة الجنود الأمريكيين من أفغانستان التي تشهد أطول حرب خاضتها بلاده حيث دخلت الآن عامها التاسع عشر، وبدأت واشنطن خفض أعداد الجنود في أفغانستان بعد إبرام اتفاق مع طالبان في فبراير شباط يسعى لسحب كل القوات الأمريكية. لكن هذا يعتمد على محادثات متعثرة بين طالبان والحكومة الأفغانية، كما أمر ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا. وهوّن مساعدون له والجيش مرارا من أهمية القرار، ومع ذلك جرى خفض الأعداد بأكثر من النصف.

اتفاقية باريس للمناخ

كان أحد أكثر قرارات ترامب إثارة للجدل انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، وهو ما تعهد مرارا بفعله خلال حملته الانتخابية، وقال ترامب إن الاتفاق يشكل عبئا ماليا واقتصاديا هائلا على الولايات المتحدة وتعهد بالتفاوض على اتفاق أفضل، لكن لم يتم إنجاز اتفاق جديد. وقالت حملة بايدن الانتخابية إنه سيعود للالتزام باتفاق باريس الأصلي وسيقود مسعى لإجبار الدول الكبرى على تشديد أهدافها المحلية المتعلقة بالمناخ.

الشرق الأوسط

أوفى ترامب بوعده الذي قطعه خلال حملته الانتخابية في 2016 بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس المقسمة. قوبلت الخطوة بانتقاد معظم الدول العربية لكنها نالت استحسان الحكومة الإسرائيلية وأنصارها وأيضا المسيحيين الإنجيليين.

ورفض الفلسطينيون خطته الأوسع للسلام لأنها تسمح لإسرائيل بمواصلة السيطرة على مستوطنات الضفة الغربية التي يدور حولها النزاع منذ مدة طويلة، لكنها نالت بعض التعليقات المشجعة من عدة دول عربية.

ومن هذه الدول الإمارات التي طبعت علاقاتها هذا الشهر مع إسرائيل في اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة في خطوة يراها كثير من المحللين نصرا على صعيد السياسة الخارجية لترامب في وقت يتراجع فيه في استطلاعات الرأي عن بايدن.

كوريا الشمالية

فاجأ ترامب العالم بدخوله في محادثات غير مسبوقة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون. ومع أنه لم يحقق تقدما في إقناع كيم بالتخلي عن أسلحته النووية، يعتقد البعض أن دبلوماسية إذابة الجليد التي استخدمها قد تكون لبنة الأساس التي تبني عليها أي إدارة مقبلة.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/reports/24364

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M