تأملات قرآنية من الآية الثامنة والعشرين من سورة سبأ

بهاء النجار

 

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)

التأمل الأول :
الإنسان الرسالي الذي يحمل همّ الرسالة المحمدية يحمل همّ العالم بأجمعه مهما اختلف الزمان أو المكان ، وهمّه تبشير الناس بالجنة وإنذارهم من النار ليهديهم ولكي لا يكونوا ممن لا يعلمون ، ويمكن أن نعتبر صفة ( حمل همّ الرسالة وهداية البشرية مع اختلاف الزمان والمكان ) معياراً من معايير إتباع الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله ، وكلما كان اندفاعه لهداية الناس وعرض الثواب والعقاب الإلهيين كلما كان أقرب لخاتم الرسل صلى الله عليه وآله ، والعكس بالعكس بالتأكيد ، فهو أسوة حسنة لأولئك الرساليين .

التأمل الثاني :
إن من يرسله الباري عز وجل الى الناس كافة ليبشرهم وينذرهم ينبغي أن يتمتع بصفات خاصة ومتميزة بل وخارقة لا يمكن أن يتمتع بها أحدٌ ، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن من أُرسِلَ إليهم ليسوا في زمانه ومكانه فقط وإنما في كل زمان ومكان والى قيام الساعة ، لا بل إنه مُرسَلٌ حتى الى الرسل الذين سبقوه ولكن بِبُعده الملكوتي باعتباره واسطة الفيض الإلهي الى خلقه ، ولكن للأسف أكثر الناس لا يعلمون ، فإما لأنهم لا يؤمنون برسالته ورساليّته – أي أنه مُرسَلٌ من الله تعالى – وهذا حال غير المسلمين ، أو أنهم يؤمنون برسالته ورساليّته كالمسلمين ولكنهم منشغلون ولاهون وغافلون عن شخصية رسول الله إليهم صلوات الله عليه وآله ، أما الذي يعلمون بمكانة هذه الشخصية العظيمة فهم قلة ، وعليهم أن يسلّطوا الأضواء عليها كي يهتدي الناس بهداها.

التأمل الثالث :
من الناحية العملية فإن الرسول صلى الله عليه وآله مُرسَلٌ الى قومه ممن عاشروه وعاصروه ، ولا يمكنه أن يصل الى من لم يعاصروه أو ممن هم في بلدان بعيدة عنه خاصة وأنه لا يمتلك من تقنيات الاتصالات حتى يمكن أن يوصل رسالته الى كل العالم ، فكيف سيكون بشيراً ونذيراً لكل الناس وفي أي زمان ومكان ؟
لتحقيق هذه الحقيقة القرآنية لا بد من وجود من يبلّغ عنه رسالته يمتلك من الصفات والمؤهلات ما تمكنه من نقل الرسالة المحمدية بهيئتها الأصلية وكأن الرسول محمد صلى الله عليه وآله هو من بلّغها ، وهذا ما قام به أوصياؤه من أهل بيته عليهم السلام الذين بشّر بهم وأنذر من لم يتبعهم ، ولكن للأسف أكثر الناس لا يعلمون .

التأمل الرابع :
عرّف القرآن الكريم العالِم في عدة مواضع وبطرق مختلفة ، ومن هذه التعاريف أن العالِم هو من يستفيد من بشارة الرسول صلى الله عليه وآله في عمل الصالحات ( وتقديم الواجبات على المتسحبات ) ومن إنذاره في تجنب المعاصي والمكروهات ، لذا نجده مهتدياً سائراً على نهج الرسالة المحمدية الأصيلة .
أما من يعطي تعريفاً للعالِم وفق معطيات وأسس معينة تختلف عن الأسس القرآنية سيقع في إشكالات فكرية وعقدية ، لأن تعريفه سيتضارب مع التعريف القرآني وبالتالي سيجد العالِم وفق تعريفه لا يعلم وفق التعريف القرآني عندما لا يستفد من البشارة والإنذار المحمديين .

التأمل الخامس :
أحياناً يكون العالِم مطابقاً للتعريف القرآني وكذلك للتعريف العرفي أو الدنيوي وهو المختص في أحد علوم المعرفة ، فإذا كان العالِم مختصاً بمجال دنيوي معين كالطب أو الفيزياء أو الاقتصاد أو ما شابه ، فإن هذا العالِم سيشمله التعريف القرآني ( وهو من يستفيد من بشارة الرسول صلى الله عليه وآله في عمل الصالحات ومن إنذاره في تجنب المعاصي والمكروهات ) وذلك عندما يستخدم اختصاصه في خدمة البشرية وأن لا يكون عوناً للظالمين من حكّام وشركات ومتنفذين وأن لا تغرّه الدنيا ومغريات المال والمكانة الاجتماعية فيميل لمن يدفع إليه أكثر حتى لو كان على حساب خسارة آخرته .

التأمل السادس :
إن الرسل التي يرسلها الله تعالى الى الناس كافة ليبشرهم بثوابه وينذرهم من عقابه ليسوا فقط من الأنبياء سلام الله عليهم ، وقد أشرنا الى ذلك في أكثر من مناسبة ، غير أن الفرق أن الأنبياء عليهم السلام يتم إرسالهم بعلمهم وبتكليف مباشر ، أما باقي الرسل فيُرسلوا من دون علمهم أنهم مُرسَلون من الله سبحانه ، ولكن الله بإرادته المطلقة أرسلهم من حيث لا يشعرون لهداية الناس ، فعندما يبعث الله جلت قدرته غراباً ليعلم قابيل بن آدم عليه السلام كيف يواري سوأة أخيه فمن غير الغريب أن يبعث الله شخصاً وربما فاسداً ليوصل رسالة معينة الى الناس ليبشرهم أو ينذرهم وذلك من خلال كلمة أو موقف ، وهذا ما لا يعلمه أكثر الناس .

 

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M