تأملات قرآنية من الآية الحادية والخمسين من سورة سبأ

بهاء النجار

 

وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)

التأمل الأول :
ورد في أحد الأدعية المباركة للإمام زين العابدين عليه السلام في وصفه لله تبارك وتعالى ( إنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ ) ، والله عز وجل لا يخاف الفوت لأنه لا يفوته شيء ، فلا فوت لأحد من قدرته ، لذلك فهو حليمٌ لا يعجل في عقوبة العاصين لأنهم قريبون بالنسبة إليه سواء كان ذلك في الدنيا أم في الآخرة ، ولم يكونوا قريبين بإرادتهم – أي من الناحية التشريعية – بل كانوا قريبين من الناحية التكوينية التي فرضها الله سبحانه ، وبعبارة أخرى أن الله جل جلاله قريب منهم وليس العكس ، ولو كانوا قريبين بإرادتهم لما فزعوا .
بالنتيجة ، فإن المتقرب الى الله تعالى في عقيدته وعمله وعبادته سيأمن من الفزع وسيُؤخَذ أخذاً كريماً ، أما غير المبتعد عن الله سبحانه فسيُؤخَذ أخذاً أليماً .

التأمل الثاني :
إن الذين يفزعون يوم القيامة قد فَزِعوا بسبب ضعف تربية أنفسهم وتربية من ربّاهم على مواجهة مثل هذا الفزع الذي يصفه القرآن الكريم بيوم الفزع الأكبر ، إذ لم يُفزعهم أحدٌ ، وليس من صفات الله تعالى إفزاع خلقه ، ولكنه جل وعلا حذّر الناس من أهوال ذلك اليوم وأرسل رُسلَه لينذرونهم من هذا الفزع ، وأعطوهم أصول ومفاتيح التربية اللازمة للأمن من كل هول أعدده الله سبحانه ليوم القيامة ، فمن التزم بما جاء به الرسل عليهم السلام سوف لن يفزع في ذلك اليوم ولا يحزن ( لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ) بل ( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ) وتبشرهم بأن ( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) من قبل أنبيائكم ورسلكم .
فالأمر متروك للإنسان إن أراد الفزع أو أراد الأمان منه .

التأمل الثالث :
لم يكن القرب المكاني يوماً ما ميزة أو منقبة يتباهي بها المتباهون ، ولم يكن غاية يطمح إليها الباحثون عن الكمال ، نعم يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق غايات سامية ، فعلى سبيل المثال ما يروى في موطأ الإمام مالك عن لقمان الحكيم في وصيته لابنه : ( يا بُنيَّ جالس العلماء وزاحمهم بالركب فإن الله يُحيي القلوب بنور الحكمة ) فهذه المجالسة والقرب المكاني من العلماء إن لم تحيي القلوب فلا فائدة منها ، وكذلك القُرب المكاني من الأنبياء والمرسلين ، فليس كل من كان قريباً منهم – وعلى رأسهم خاتمهم صلى الله عليه وآله – كان مرضياً عند الله تعالى ، بل قد يكون فَزِعَاً يوم القيامة – والعياذ بالله – خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن القريبين يتحملون مسؤولية هذا القرب أكثر من البعيدين ، إلا أن تكون قلوبهم حيّة بنور الحكمة بسبب هذا القرب.

التأمل الرابع :
إن من يفزع من ذنوبه في دار الدنيا بالتأكيد سيأمن الفزع يوم الفزع الأكبر ، فلا يكفي أن يجاهد نفسه في ترك المعاصي – وإن كان هذا أمر عظيم – إلا أن الأضمن هو أن يرى تبعات الذنوب عياناً فيفزع منها لفزعه من هذه التبعات ، وهذا المستوى وإن كان عالياً إلا أنه يمكن الوصول إليه بتوفيق الله سبحانه ومجاهدة النفس بصورة مستمرة ، خاصة إذا كان الشعور بأن الله تعالى قريب منا وقريبون منه حاضر ويمكن أخذنا الى العذاب – نتيجة ذنوبنا – بكل سهولة وبأي وقت .
وقد بينّا في تأمل سابق أن من يخاف الفوت يعجل ، فلنكن عجولين في مجاهدة أنفسنا كي لا تفوتنا ثمار هذا الجهاد ولكي يفوتنا الفزع يومئذ .

 

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M