تاريخ اتفاقيات الحد من التسلح النووي بين الولايات المتحدة وروسيا

مروة عبد الحليم

 

من المقرر أن تستضيف القاهرة اجتماعات اللجنة الاستشارية الروسية الأمريكية بشأن تمديد معاهدة “ستارت” للأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة في الفترة من 29 نوفمبر الجاري حتى 6 ديسمبر المقبل. وتأتي هذه الاجتماعات في وقت وصلت فيه العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها على خلفية الأزمة الأوكرانية وتهديد روسيا باستخدام السلاح النووي في الحرب.

مع تزايد الخطاب العدائي والاستفزازات العسكرية بشكل كبير على طول محور الولايات المتحدة وروسيا، يتشابه العصر الحالى بشكل مثير للقلق مع أيام الحرب الباردة مما دفع، وقتها، البلدين إلى توقيع اتفاقيات مختلفة للحد من التسلح لإدارة التنافس بينهما والحد من خطر نشوب حرب نووية. ومع ذلك، عادت التصدعات العميقة إلى الظهور في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في السنوات الأخيرة، مما أثار مرة أخرى احتمال حدوث سباق تسلح نووي، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تعدان أكبر قوتين نوويتين موجودتين في العالم؛ إذ تملكان وحدهما ما يقارب 90% من إجمالي ترسانة القنابل النووية مقارنة بالدول الأخرى.

الإطار الزمني لسباق التسلح بين القوى النووية

1945: الولايات المتحدة تبدأ عصر الأسلحة النووية، في أوائل أغسطس من عام 1945، ألقت الطائرات الحربية الأمريكية قنابل ذرية على هيروشيما وناجازاكي، أسفرت عن مقتل أكثر من مائة ألف ياباني، فضلًا عن وفاة الكثيرين في وقت لاحق بسبب تأثير الإشعاعات النووية. وساعد الدمار في إجبار اليابان على الاستسلام في الحرب العالمية الثانية وأظهر فاعلية أسلحة الدمار الشامل.

1949: أول اختبار نووي سوفيتي: بينما كان التنافس بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة بدأ في الظهور، نجحت موسكو في إنتاج سلاح نووي خاص بها وفجرت أول قنبلة ذرية بنجاح في كازاخستان حملت الاسم الرمزي “البرق الأول”. ومن أجل قياس آثار الانفجار، شيد العلماء السوفييت مباني وجسورًا ومنشآت مدنية اخرى بالقرب من القنبلة، ووضعوا الحيوانات في أقفاص قريبة حتى يتمكنوا من اختبار تأثيرات الإشعاع النووي على الثدييات الشبيهة بالبشر.

1952-1955: القنابل تزداد فتكًا، مع اشتداد التنافس الجيوسياسي بينهما، تسابقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لتطوير الفئة التالية من الأسلحة، والمعروفة باسم القنابل النووية الحرارية أو الهيدروجينية. في أواخر عام 1952، فجر العلماء الأمريكيون أول هذه الأسلحة في جزر مارشال، وهو انفجار أقوى بمئات المرات من القنبلة التي ألقيت على هيروشيما. وخلال اختبار أمريكي آخر في عام 1954، والمعروف باسم قلعة برافو، أخطأ العلماء في تقدير خطورة الانفجار، مما أدى إلى تداعيات إشعاعية أضرت بالعديد من سكان جزر مارشال. واختبر الاتحاد السوفيتي أول جهاز نووي حراري له في نوفمبر 1955. ونجمت عن الاختبارات السوفيتية آثار صحية مدمرة على السكان القريبين في كازاخستان.

1957: إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في عام 1957، تم إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) في فيينا بوصفها منتدى للتعاون الدولي في البحوث النووية المدنية. وحدد ميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي وافق عليه بالإجماع أكثر من ثمانين بلدًا، مهمة من ثلاثة أجزاء: التحقق النووي والأمن والسلامة ونقل التكنولوجيا.

1962: أزمة الصواريخ الكوبية، كادت توترات الحرب الباردة أن تمتد إلى صراع نووي عندما كشفت طائرات الاستطلاع الأمريكية في أكتوبر من عام 1962عن قيام السوفيت ببناء قواعد صواريخ سرية في كوبا. بعد مواجهة استمرت ثلاثة عشر يومًا بين القوى العظمى، والتي شملت حصارًا بحريًا أمريكيًا لكوبا، وافق الاتحاد السوفيتي على سحب صواريخه. في المقابل، تعهدت الولايات المتحدة علنًا بعدم غزو كوبا، ووافقت سرًا على سحب صواريخها النووية من تركيا.

1963: معاهدة حظر التجارب النووية المحدودة، حظرت المعاهدة تجارب الأسلحة النووية في الغلاف الجوي، وفي الفضاء الخارجي وتحت الماء. ولم تمنع الدول من ممارسة التجارب النووية تحت الأرض، لكنها منعت انتشار تأثير التجارب خارج الحدود الإقليمية للدولة الممارسة للتجربة. وتعكس معاهدة الحظر المحدود للتجارب النووية المخاوف الدولية المتزايدة بشأن مخاطر التداعيات النووية.

1968: معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، شهدت أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات تقاربًا في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بشر ببدء حقبة مفعمة بالأمل للحد من الأسلحة النووية. وأبرم الجانبان اتفاقيتين رائدتين في عام 1972: حددت معاهدة الصواريخ المضادة للقذائف الباليستية (ABM) نشر البلدين لأنظمة الدفاع الصاروخي في عاصمتهما الوطنية وموقع واحد للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وقيدت معاهدة SALT I، عدد صوامع الصواريخ النووية وأنابيب الصواريخ التي تطلق من الغواصات لمدة خمس سنوات. وتجميد الأسلحة الاستراتيجية لدى كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة عند مستواها القائم وعدم إضافة أي أسلحة جديدة من هذا الطراز.

وفي يونيو 1979، وقعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اتفاقية SALT II التي كانت ستضع قيودًا إضافية على أسلحتهما النووية ومنصات الإطلاق، بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية، وفرضتا بعض متطلبات الإخطار وحظرا جديدا على التجارب. ومع اجتياح الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، ردت الولايات المتحدة على الغزو السوفيتي بتجميد النظر في معاهدة SALT II.

1981-1983: “خيار صفر” و “ستارت”، في عامها الأول، ركزت إدارة رونالد ريجان على تحديث الترسانة النووية الاستراتيجية الأمريكية وسرعة الحشد العسكري العام. ومع ذلك، قدم الرئيس ريجان للاتحاد السوفيتي ما يسمى بالخيار الصفري، حيث سيتم إزالة جميع الصواريخ النووية متوسطة المدى السوفيتية والأمريكية من المنشآت في جميع أنحاء العالم. واقترح ريجان معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية، أو ستارت، التي سعت إلى إجراء تخفيضات كبيرة في أعداد الرؤوس الحربية. وتصاعدت المخاوف السوفيتية عندما بدأت حلف شمال الأطلسي (الناتو) في نشر صواريخ بيرشينج المطورة في أوروبا الغربية، القادرة على ضرب أهداف في روسيا. وأثار إطلاق بيرشينج 2 احتجاجات ضخمة ضد الأسلحة النووية في دول الناتو الأوروبية.

1986-1987: معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى، كاد الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف ونظيره الأمريكي رونالد ريجان أن يتفقا على إلغاء أسلحتهما النووية الهجومية في غضون عشر سنوات. وعلى الرغم من فشلهما في التوصل إلى اتفاق نهائي، فإن الإجراءات التي تمت مناقشتها مهدت الطريق لدبلوماسية نووية لاحقة. في عام 1987، وقع جورباتشوف وريجان معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى (INF)، واتفقا على إزالة ترسانات بلديهما من الصواريخ النووية متوسطة المدى التي تطلق من الأرض بحلول عام 1991. وكان هذا أول اتفاق على خفض الأسلحة النووية.

1989-1992: نهاية الحرب الباردة، توقيع معاهدة ستارت ونزع سلاح جمهورية الاتحاد السوفياتي السابق، تسارعت محادثات نزع السلاح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعد سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989، والذي كان بمثابة بداية نهاية الحرب الباردة. في يوليو 1991، وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وجورباتشوف معاهدة ستارت. وكان الاتفاق ناجحًا حيث تعهد الجانبان، اللذان كان لكل منهما أكثر من عشرة آلاف رأس حربي منتشر في عام 1990، بخفض ترسانتيهما إلى أقل من ستة آلاف بحلول عام 2009.

ووقعت الولايات المتحدة وروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي وخمس وعشرون دولة أخرى في 1992 معاهدة الأجواء المفتوحة، التي سمحت للأعضاء بإجراء رحلات استطلاعية مجدولة فوق أراضي دولة أخرى. ووقعت بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا بروتوكول لشبونة الملحق باتفاقية ستارت في مايو 1992 والذي يلزم الدول المستقلة حديثا بنقل الترسانات النووية السوفييتية السابقة إلى روسيا.

2002: معاهدة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية SORT، وقع الرئيس بوش والرئيس الروسي فلاديمير بوتين معاهدة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية(SORT)، المعروفة أيضًا باسم معاهدة موسكو، واتفقا على خفض عدد الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية المنشورة بشكل كبير في غضون عشر سنوات. ودخلت SORT حيز التنفيذ في العام التالي بعد موافقة الكونجرس. وفي يونيو، سحب الرئيس بوش الولايات المتحدة من “معاهدة الحد من منظومات القذائف المضادة للقذائف الباليستية”، مدعيًا أنها تحد من قدرة الولايات المتحدة على تطوير دفاعات صاروخية ضد الإرهابيين وما يسمى بالدول المارقة، مثل إيران وكوريا الشمالية. وأثارت هذه الخطوة غضب روسيا، التي نظرت إلى السياسة الخارجية الأمريكية في أعقاب 11 سبتمبر بقلق متزايد.

2009-2010: انتخاب أوباما وبداية جديدة، كان الرئيس باراك أوباما يتطلع إلى وضع نبرة جديدة لانخراط الولايات المتحدة مع العالم، قائلًا إن الولايات المتحدة لديها “مسؤولية أخلاقية” لقيادة العالم في نزع السلاح النووي. وتعهد أوباما بالتفاوض على تخفيضات جديدة في الأسلحة الاستراتيجية مع موسكو. في أبريل من عام 2010، وقع أوباما والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف اتفاقية جديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية، لتحل محل معاهدة ستارت الأولى التي انتهت صلاحيتها في عام 2009. وقد ألزمت معاهدة “ستارت الجديدة” واشنطن وموسكو بجولة أخرى من التخفيضات في ترسانتيهما النووية.

2014: حقبة جديدة من التنافس الجيوسياسي، احتلت قوات الأمن الروسية شبه جزيرة القرم وضمتها لاحقًا عبر استفتاء شعبي، رفضه الغرب. وقد حفز هذا الحدث والرد الغربي على وضع حد لإعادة ضبط النفس بين الولايات المتحدة وروسيا وبشر بعصر متجدد من التنافس الجيوسياسي.

2018-2019: انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى INF\، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن بلاده ستنسحب من “معاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة” المبرمة مع موسكو أثناء الحرب الباردة، وزعمت الولايات المتحدة أن روسيا نشرت في جميع أنحاء البلاد وحدات متعددة من صاروخ كروز له القدرة على ضرب أهداف أوروبية غاية في الأهمية في انتهاك للمعاهدة. ونفت روسيا هذه المزاعم وقالت إن مدى الصاروخ يجعله خارج المعاهدة، ورفضت طلبًا أمريكيًا بتدمير الصاروخ الجديد (نوفاتور 9 إم729). وحظي الانسحاب الأمريكي، الذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس 2019، بدعم من حلفاء الناتو وجاء وسط سلسلة من النزاعات مع روسيا حول أوكرانيا وسوريا والتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.

2020: الانسحاب من معاهدة الأجواء المفتوحة، انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الأجواء المفتوحة الدفاعية. وزعمت إدارة ترامب أن روسيا كانت تسيء استخدام الاتفاق لسنوات. وأعرب العديد من أعضاء الناتو عن أسفهم لانسحاب الولايات المتحدة من الأجواء المفتوحة. وأعلنت روسيا انسحابها من المعاهدة، التي تسمح بالتحقق من التحركات العسكرية وتدابير الحد من التسلح في الدول الموقعة عليها، موضحة أن قرارها جاء نتيجة قرار مماثل اتخذته الولايات المتحدة.

2021: تمديد معاهدة ستارت الجديدة، قبل أيام من انتهاء معاهدة 2011، اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على تمديد معاهدة ستارت الجديدة لمدة خمس سنوات أخرى، مع الحفاظ على قيود يمكن التحقق منها على ترسانتيهما من الأسلحة النووية بعيدة المدى. وكان الاتفاق واحدًا من أول أعمال السياسة الخارجية الرئيسة التي اتخذها جو بايدن كرئيس للولايات المتحدة.

2022: الصراع في أوكرانيا، على خلفية الأزمة الأوكرانية أبلغت روسيا الولايات المتحدة أنها لن تسمح بتفتيش أسلحتها بموجب معاهدة ستارت الجديدة للحد من الأسلحة النووية مشيرة إلى أن العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا بسبب أوكرانيا قد غيرت الظروف بين البلدين.

وفي نوفمبر الجاري، اجتمع مسؤولو الاستخبارات الأمريكية والروسية في تركيا، من أجل التخفيف من خطر نشوب صراع نووي. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف: “اللقاء الذي تم بين مدير المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز في 14 نوفمبر في أنقرة تم بمبادرة من الجانب الأمريكي.. القضايا التي نوقشت هناك ذات طبيعة حساسة”. وقبل الاجتماع في القاهرة، قال ريابكوف إن روسيا تريد الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنه أكد أن مستقبل علاقاتهما يعتمد على واشنطن.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74186/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M