حركة الامام الحسين والظرف السياسي والاجتماعي

اسعد عبد الله عبد علي

 

كانت الحروب قد فعلت فعلتها بالمجتمع، حرب الجمل وصفين والنهروان التي اثارها خط النفاق بدفع من الداهية معاوية بن هند، بل ان الاشتباكات كانت غير متوقفة بين سرايا جيش معاوية مع المدن الحدودية للعراق، حيث كان يعمد معاوية على نشر الرعب، عبر غارات خاطفة لقتل الناس وتخريب القرى، واستفحل خطر معاوية بعد استشهاد الامام علي (ع)، حيث كان ينكل بالأمة ويحاول سحق المجتمع، بكل ما يملك من قوة العسكر والمال والسلطة، فكان الرعب والخوف يتسرب من قرية الى اخرى ومن حي الى اخر، بفعل سلوك نظام معاوية الارهابي.

في تلك السنوات اكتشف شيوخ القبائل ان مصالحهم لا تلتقي مع منهج الامام علي (ع)، بل ان سعادتهم في الدنيا تكمن في تحقيق رضا معاوية، وهذا لا يتم الا عبر السلم معه والانخراط ضمن مشروعه الاجرامي، وهكذا تسابقت القبائل لكسب الحاكم المتغطرس معاوية لدرء مخاطر جيشه، ولتحقيق السلام لمدنهم ولكسب الدنانير الاموية، فكان اول من باع نفسه لمعاوية هم شيوخ القبائل، ثم تبعهم افراد القبائل الباحثين عن الدعة والسلام والدنانير.

من سنة 40 الى سنة 60 للهجرة تم تحقيق تغيير خطير في المجتمع الاسلامي، بعد ان اصبحت القبائل في طاعة معاوية، ولم يقم الامام الحسين بالثورة في ايام معاوية لان المجتمع لم يكن مهيئاً للثورة، وكان هذا السبب هو الدفع للأمام الحسن (ع) لتوقيع اتفاقية هدنة لحين تغير ظروف المجتمع الاسلامي، ولم يكن للثورة ان تنجح مع تواجد معاوية بكل دهائه ومكره، والترتيبات التي يضعها للحيطة والحذر من اي تحرك ضد نظام حكمه، بل يمكنه ان يخنق اي ثورة تواجه ملكه، مع ما يملكه من جهاز اعلامي خطير (شعراء، ورواة حديث منافقين، ومستشارين يهود)، كل هذا جعل حكمه محصن ضد اي تحرك ضده.

وبموت معاوية زالت جميع الاسباب التي تؤجل حركة الامام الحسين (ع)، خصوصا مع اعلان المتهتك يزيد خليفة للمسلمين في دمشق بمعية اركان نظام ابيه، في واحد من ابشع ايام التاريخ الاسلامي.

ان يزيد كان على الضد من ابيه، فكان ابعد الناس عن الحيطة والحذر والتكتم، فمجونه كان ظاهرا للامة، وتحلله ما لا يخفى، لقد كان شخصا قليل العقل، متهور وسطحي، والدليل اسلوبه في معالجة الثورات التي واجهت حكمه، والسبب هي تنشئة يزيد المسيحية جعلته ضعيف الصلة بالعقيدة الاسلامية، مع انه حاكم بعنوان اسلامي!

وهكذا فشل “يزيد” في طمس اثار حركة الامام الحسين، التي كانت ضد الظلم ولإصلاح الاعوجاج الذي حصل في الامة، حتى ان انصار حكم يزيد فشلوا في تلويث ثورة الامام الحسين (ع) ولم ينفعهم اعلامهم وجيش النفاق في احداث تغيير للراي العام للامة حول حركة الامام الحسين (ع).

لقد ثار الامام الحسين (ع) من اجل الامة الاسلامية التي كانت غارقة في الانحرافات بالاضافة للظلم الذي يحيطها، لقد رفض بيعه يزيد الذي كان يسعى لتكريس منهج الظلم الذي سار عليه ابوه! حيث تبدد اموال الدولة الاسلامية، وتصرف على ملذات يزيد وزبانيته، وفي شراء الضمائر، وفي قمع الحركات التحررية، حكم يزيد كان حكما ظالما حيث كان يدفع المجتمع للاقتتال الداخلي، وقام بتعظيم شخصية القبيلة وشيوخ العشائر، في ارتداد مخيف عن صدر الاسلام وتعاليم زمن الرسول الاعظم (ص).

كل هذا الانحطاط في الامة وفي السلطة دفع بالأمام الحسين (ع) للتحرك لأيقاظ الامة من نومتها، بعد عقود من التخدير ونشر التراث الكاذب، الذي اصبح دين يتعبد فيه الناس من دون تعاليم الاسلام الاصيل، قد لخص الامام اسباب واهداف حركته في رسالته لأخيه محمد بن الحنفية حيث يقل: ” اني لم اخرج اشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، اريد ان امر بالمعروف وانهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليَ هذا أصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين”.

فالإصلاح في امة المسلمين هو الهدف الاساس لحركة الامام الحسين (ع)، لا طلبا لمنصب، وليس مجرد مزايدات سياسية، ولم تكن شعارات الاصلاح فقط لتكسب السياسي كما نراها في حاضرنا، بل كان الاصلاح شعاراً مع التطبيق الفعلي حتى تحقق الشهادة.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/ashuraa/24357

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M