حّلْ الدولتيّن: بضاعة في سوق الانتخابات الاميركية

لم ينطق وزير خارجية أميركا بحل الدولتيّن الاّ بعد مرور ثلاثة شهورعلى حرب الابادة الجماعية في غزّة. وتكرّرَ ذكر حّلْ الدولتيّن من قبل الادارة الأميركية، فالتقطَ الاوروبيون الاشارة وفهموا المطلوب، فراحَ السيد بوريل (منسق السياسة الخارجية في المفوضية الاوربية) يُردّدُ هو أيضاً حّلْ الدولتيّن، ويقول بصراحة وبغضب ”ماذا تريد إسرائيل من الفلسطينين؟ هل تريد مغادرتهم؟ هل تريد قتلهم جمعياً؟

يجب ان نعمل على حّلْ الدولتيّن“، وهو يخاطب وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، الذين تواجدوا في بروكسل يوم ٢٠٢٤/١/٢٢، وقبل لقائهم وزير خارجية إسرائيل. لا نشكُ في وعي وارادة السيد بوريل، وصدق تمنياته بالوصول فعلاً لحل الدولتيّن، ولكن نشّكُ برغبة وبقدرة أميركا على حمل إسرائيل بقبول حل الدولتيّن.

عاملان دفعا حلفاء إسرائيل ومؤيديها للحديث بحّل الدولتيّن: العامل الاول هو فشلهم واسرائيل بالانتصار على المقاومة، والقضاء على حماس و تحرير أسراهم . لذلك لم يتحدثوا بحّل الدولتيّن الاّ بعد ثلاثة شهور، اي بعد الفشل ونفاذ ما عندهم من ذخيرة معنوية و قدرات قبل نفاذ وشيك لما لديهم من ذخيرة صالحة لحرب الابادة. والعامل الثاني هو انتفاضة الرأي العام الدولي، ومثول إسرائيل امام القضاء الدولي، كذلك تدني كبير في الأصوات المؤيدة للرئيس بايدن في اختبارات الرأي العام ، وأميركا في عام انتخابي .

تدركُ الادارة الأميركية جيداً برفض نتنياهو، بل رفض إسرائيل لفكرة حّلْ الدولتّين، ولا تمتلك أميركا، ولا غير أميركا وسيلة تفرض على إسرائيل قبول فكرة ”دولة فلسطينية”، وما الترويج لحل الدولتيّن، الآن، الاّ لمتطلبات ولظروف المرحلة، وهي: انتخابات أمريكية، خدعة الرأي العام الأمريكي و العالمي، الكذب على الفلسطينيين مرّة اخرى، واعادة الروح للسلطة الفلسطينية، كي تنشط وتلعب دور في تغليف وتسويق بضاعة ”حّلْ الدولتيّن”، والعيش ثلاثة عقود، مرّة اخرى (بعد اتفاقيات اوسلو الفاشلة عام ١٩٩٣)، على ترّهات الوعود، وعلى حقائق توسّع إسرائيل والتهام ما تبقى من اراضي فلسطين .

هل تستطيع أميركا الآن ان تفرض على اسرائيل انهاء الحرب على أطفال غزّة؟ هل تستطيع أميركا او الامم المتحدة ان ترفع الحصار عن غزّة؟

كيف نصّدقْ اذاً بجدّية المساعي الأميركية والأوروبية للفرض على إسرائيل بقبول حّلْ الدولتيّن؟ في الأمس كانوا يخططون لتهجير او ترحيل مَنْ يسلمْ من حملة الابادة، إلى هذه او تلك الدولة او الجزيرة، واليوم يتحدثون عن دولة للفلسطينين، مَنْ ذا المُصّدِقْ فيهم قولاً؟ ”وما أنا بالمصّدقِ فيك قولاً … و قد شاهدتُ جُرمكّ بأمّ عيني ”، بعد السماح والاعتذار للشاعر الأمير عبد الله الفيصل آل سعود، للإقتباس والتصرف في بيت الشعر، ” وما أنا بالمصدق فيك قولاً … ولكني شقيتُ بحسن ظنّي ” من قصيدة ثورة الشك .

ثُّمَ ماذا يعني ”حّلْ الدولتيّن” ووفقاً لأي بنود او شرعية او تصّور؟ هل وفقاً للمبادرة العربية في قمة بيروت عام ٢٠٠٢، او وفقاً للشرعية الدولية وقرارت مجلس الامن او وفقاً لاتفاقيات اوسلو؟ وجميعها رُفضتْ من قبل الكيان المحُتل .

ومَنْ ذا الذي جعلَ رُعاة إسرائيل و حاميها أنْ يتحدثوا، من جديد، بحل الدولتين وحقوق الفلسطينيين، بعدما أسدلوا الستار على القضيّة وهمّوا بدفنها؟ غزّة وطوفانها والمقاومة الفلسطينية والإسلامية وشعبها وشهدائها، هُمْ من بعث الروح، من جديد، في القضيّة، هُمْ من بّدّدَ أحلام بني صهيون وحلفائهم وعملائهم.

وعجبي على الذين ينكرون على المقاومة في غزّة وفي فلسطين أصالتها وهويتها ويشكّكون في مآلاتها! فتارةً ينسبونها لإيران، ويتساءلون هل ستقبل ايران بحّلْ الدولتيّن؟ وهل سيقبل حزب الله بحّل الدولتيّن ؟ (اطّلعْ، بخصوص ذلك، مقالا بعنوان، ايران على حدود اسرائيل، للكاتب غسان شربل، ر.تحرير جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ ٢٠٢٤/١/٢٢، ص ١٢ آراء )، أليس، من الحق ان نستفهم هل رضيت إسرائيل بحّل الدولتيّن، وهل ستكتفي إسرائيل باحتلال فلسطين؟ ثُّم هل لإسرائيل حدود يعرفها ويقّرها المحتلون الاسرائليون؟

سياسيون وكتّاب آخرون يقولون ويكتبون بأنَّ حماس او المقاومة في غزّة صنيعة اسرائيل، وكان هدف نتنياهو اضعاف السلطة الفلسطينيّة وتقويض اقامة دولة فلسطينية! هذا ما قاله السيد بوريل، منسّق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي (جريدة الشرق الأوسط . ٢٠٢٤/١/٢٣. انظر، كذلك، ما كتبه السيد عبد الرحمن الراشد، في ذات الجريدة المذكورة، وبعنوان ايران والأخطبوط وحدود القوة، حيث يرى حماس ذراع من اذرع ايران، بعد ان وصفها صنيعة إسرائيل ونتنياهو، في مقال سابق بتاريخ ٢٠٢٣/١٢/٢٨ ، في جريدة الشرق الأوسط، ص ١٥، وعنوان المقال ”هذه هي الطريقة للتخلص من حماس ” .

ما ضرّهم لو يرشدونا إلى الصواب ! هل حماس صناعة إسرائيل ام ذراع لايران ام مقاومة شعب ضّد كيان محتل لأرضه لم يلق دعم كي يقاوم الاّ من إيران؟

هذا التخبّط الذي يعيشه بعض السياسين والكتاب، يجسّدُ التيه الذي تعيشه الادارة الأميركية ويعيشه الغرب الحليف ازاء ورطة اسرائيل في غزّة و في لبنان. ورطة لها تداعياتها البالغة على مصير الرئيس بايدن وادارته في الانتخابات المقبلة. وما لجوء أميركا و الحلفاء (من السياسين والكتاب) إلى حّلْ الدولتيّن سوى لتمرير الوقت، من اجل ايجاد حّلْ للمشكلتيّن؛ مشكلة نتنياهو ومشكلة بايدن، وكلاهما في مرمى حماس والمقاومة .انتصار المقاومة سيكلّل أيضاً بسقوطهما .

 

المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/37843

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M