داعش والقاعدة في أفريقيا: تحولات خريطة الانتشار وتغير حدود التأثير

صلاح خليل

 

تشهد القارة الإفريقية نشاطًا كبيرًا للفواعل المسلحة العنيفة من غير الدول، خاصة تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، في ظل تراجع دور الدولة، والفشل الذي لازم النخبة السياسية في أفريقيا بعد الاستقلال في توطين مشروع الدولة الوطنية. وأصبحت تلك الفواعل لاعبًا أساسيًا في الصراعات والنزاعات ذات الطابع القبلي والإثني، وهو الأمر الذي جعل عدم الاستقرار يسود جميع أقاليم القارة، كما أصبحت تلك الفواعل عنصرًا مهمًا في التفاعلات السياسية، في ظل بنية اجتماعية وسياسية وثقافيه هشة، مما جعل معظم البلدان الأفريقية تعاني من عدم الاستقرار طويل الأمد. ولا شك أن لجوء تنظيم الدولة الإسلامية وعناصر القاعدة بعد هزيمتهم في العديد من مواقع التأسيس إلى إفريقيا بوصفها بيئة أخرى مناسبة وحاضنة جديدة له، قد فاقم من الأزمات وحالة عدم الاستقرار.

أفريقيا.. بيئة جاذبة لعناصر داعش والقاعدة 

تتمركز الفواعل المسلحة في العديد من البلدان الأفريقية لأن البيئة تبدو شبه مواتية لنشاط هذه الجماعات، وذلك نتيجة لغياب الدور المؤثر للمؤسسات في تلك الدول، وهشاشة النظام الأمني السائد، أو وجود مؤسسات غير قادرة على وضع تدابير تخفف من الصراعات والنزاعات المرتبطة بالهوية الإثنية والقبلية.

بالإضافة إلى أن هياكل الدول لا تسعفها قدراتها على التقليل والتخفيف من حدة النزاعات والصراعات المرتبطة بالحدود القبلية والإثنية، وهو الأمر الذي جعل الفواعل المسلحة بديلاً لمؤسسات الدولة من خلال توفيرها الحماية والخدمات للسكان المحليين.

كذلك تتيح المناطق الحدودية غير المراقبة في معظم الدول الأفريقية فرصة لهذه التنظيمات للتحرك بحرية عبر الحدود، فضلاً عن وصول السلاح إليها من الموردين الخارجيين. ليس هذا فحسب، بل إن الصراعات الحدودية بين الدول، وانتشار الجماعات المعارضة المسلحة، أتاح فرصًا لهذه الجماعات للنمو والتكاثر وجذب التأييد، والدخول في تحالفات وعلاقات، سواء مع بعض الحكومات أو بعض الجماعات المسلحة، في تبادل مصالح.

كذلك تمنح البيئة الأمنية الهشة فرصة لممارسة هذه الجماعات الأنشطة غير المشروعة للحصول على الدعم والتمويل. على سبيل المثال، تعمل هذه الجماعات في الترويج لتجارة المخدرات وتجارة السلاح بعيدًا عن مراقبة الدول، والاتجار بالبشر، والجريمة العابرة للحدود، في ظل حدود يصعب مراقبتها. وارتفاع كبير في بؤر التوتر والصراع (الجماعات القبلية والإثنية المسلحة)، وأخيرًا غياب المشاريع التنموية.

من جهة أخرى، تتيح البيئة الاجتماعية مجالًا لهذه التنظيمات للانتشار والتغلغل بين السكان المحليين، فهم يقدمون بعض الخدمات الاجتماعية التي تعجز الدول عن الوفاء بها، مثل الصحة والتعليم والمساعدات

وإجمالاً يمكن القول إن تلك العوامل سهلت بدرجة كبيرة مهمة الفواعل المسلحة إلى الوصول إلى مبتغاها من خلال الاعتماد على التنسيق والتعاون مع السكان المحلين مقابل أن توفر لهم الحماية وتؤمن لهم التجارة غير المشروعة، فيما تحقق الفواعل المسلحة من المناطق الحدودية مركزًا مهمًا في التواصل مع التنظيمات والفواعل الأخرى بغرض تحقيق المصالح على الرغم من الاختلاف الأيديولوجي.

خريطة الانتشار والفاعلية

يعد شرق إفريقيا واحدًا من البوابات المهمة كمنطقة ساحلية تقع ضمن خطوط الملاحة الدولية، وقد ساهمت تلك المنطقة في دخول مقاتلي تنظيمات القاعدة وداعش بعد تراجع نشاطهما في مواقع أخرى حول العالم، حيث تمثل حركة الشباب المجاهدين الصومالية أوائل الجماعات الأكثر عنفًا في شرق القارة تأييدًا للقاعدة، فمن خلال هذا التأييد تتوغل القاعدة وداعش في شرق أفريقيا في كل من الصومال وكينيا وأوغندا وإثيوبيا، باعتبار تلك الدول ترتفع فيها حدة الصراعات والنزاعات المرتبطة بالهوية والجهوية. لهذا تحتل منطقة شرق أفريقيا المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات الإرهابية حتى أكتوبر 2022، بواقع 30 عملية تفجيرية في كل من الصومال وموزمبيق، أما منطقة غرب أفريقيا فشهدت 15 عملية تفجير أغلبها كانت في بوركينافاسو ومالي.

بينما في وسط أفريقيا أسس تنظيم الدولة الإسلامية فروعًا وولايات تابعة له، وتوسع في هذه المنطقة الجغرافية المهمة بفضل التحالف بين عدد من التنظيمات المسلحة المحلية في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وتنزانيا، والتي تجاوزت الاختلاف الأيديولوجي بينها لتبرم تحالفات مع تنظيمات إسلامية راديكالية كالقاعدة وداعش.

وتشهد أكثر من ثمانية أقاليم رئيسية في وسط إفريقيا تواجدًا أو سيطرة جزئية لتنظيمات الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة من خلال التحالفات على أسس غير أيديولوجية عقدتها الجماعات المسلحة، أو الجماعات التي انضمت تحت لوائهما، مثل تحالف القاعدة وتحالف القوى الديمقراطية في أوغندا اللذين يعملان معًا لإسقاط نظام الرئيس يوري موسفيني. كما أن تنظيم الدولة الإسلامية في وسط القارة، تمكن من الصمود أمام المواجهات التي قادها ضد جيوش تلك المنطقة، مما جعله يكتسب شعبية وانتشارًا سريعين وسط الفئات العمرية التي تتراوح ما بين 20 – إلى 30 سنة.

أما على مستوى غرب أفريقيا فتشهد الساحة نسقًا تصاعديًا في ارتفاع مؤشر العنف والتفجيرات الإرهابية في كل نيجيريا والكاميرون والنيجر ومالي وبوركينافاسو والكونغو وموريتانيا، وصولاً إلى حوض بحيرة تشاد، خاصة بعد تحالفات أو الانضمام لتنظمي القاعدة وداعش من قبل جماعة بوكو حرام في نيجيريا، وحركتي أنصار الدين السلفية الجهادية، والتوحيد والجهاد في جمهورية مالي.

كما أدى تنامي انتشار الفواعل المسلحة في منطقة غرب أفريقيا بمعدل كبير إلى تعقيد المشهد السياسي في تلك البلدان (مالي، النيجر، وبوركينافاسو)، فضلًا عن تصاعد وتيرة العنف بشكل كبير من قبل الفواعل المسلحة، خاصة بعد تحالفات وتأييد من حركتي أنصار الدين السلفية الجهادية، والتوحيد والجهاد في جمهورية مالي. كما تشير الأحداث لعدم تراجع مؤشر العنف والتفجيرات الإرهابية في تلك المنطقة. ومعظم الفئات العمرية للفواعل المسلحة قيادتها من الأجانب كوافدين جدد بعد التنسيق على مستوى غرب أفريقيا مع جماعة بوكو حرام في نيجيريا وحوض بحيرة تشاد، وفي شرق أفريقيا من شباب المجاهدين في الصومال، وفي وسطها من الجماعات الإسلامية المتشددة، تتراوح ما بين 20 إلى 30 عامًا، فضلًا عن خلفيات تعليمية ومهنية واجتماعية واقتصادية متنوعة.

الصراع بين داعش والقاعدة وأفق التواجد والانتشار

في ظل التنافس بين التنظيمين على التمدد في ساحات أوسع في القارة الإفريقية ارتفعت مؤشرات العنف بين داعش والقاعدة بصورة ملفتة لتطرح تساؤلات حول مدى زيادة رقعة الصراعات بين تنظيمي القاعدة وداعش في ظل المنافسة المحتدمة على الرغم من تطابق الرؤية الأيديولوجية. فحتى شهر سبتمبر 2022، بلغت الهجمات التي نفذها التنظيمان ضد بعضهما 54 عملية متفرقة داخل القارة الإفريقية، بسبب التنافس على النفوذ، فضلاً عن الخلافات الأيديولوجية. لكن سيظل التنافس على استقطاب مزيد من المقاتلين وتجنيدهم، هو الهدف لكل من القاعدة وداعش، بجانب التنافس على الموارد الاقتصادية المستخرجة من الأرض كالتنقيب عن الذهب والماس، بالإضافة إلى التجارة غير المشروعة والتهريب. كما يرتبط التنافس بين القاعدة وداعش داخل أفريقيا بديناميات التنافس القبلي، في ظل اعتماد كل من التنظيمين على تحالفات إثنية وقبلية تتداخل فيها العوامل الاجتماعية مع العوامل التنظيمية.

رغم هذه الخلافات ورغم الجهود والاستراتيجيات التي تبذلها جميع الحكومات لتهدئة الاستقرار في غرب وشرق ووسط أفريقيا، للحد من الفواعل المسلحة لغير الدول في تلك الأقاليم، إلا أنها جميعها باءت بالفشل نتيجة لعدم قدرة تلك الدول في معالجة جذور المشاكل التي تعيق من تمدد تلك الفواعل في تلك المناطق. حيث شهدت العديد من مناطق غرب أفريقيا ووسطها نشاطات مكثفة للفواعل المسلحة، واستخدام تكتيكات تنظيمية فاعلة، رفعت بها القدرات القتالية لمنتسبيها، في ظل عدم إحداث تلك الحكومات استراتيجية أمنية بديلة، فضلاً عن فشل تلك البلدان في بناء علاقات تنموية مع السكان المحليين، لإضعاف الفواعل المسلحة التي تستغل المناطق النائية في تنفيذ استراتيجيتها. إضافة إلى أن التحالفات بين الجماعات المسلحة وتنظيمي القاعدة وداعش داخل القارة الأفريقية كبد عدة دول خسائر مالية ضخمة. بالإضافة إلى أن استمرار صعود القاعدة وداعش في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية بين بعض الدول الإفريقية، يعيد إنتاج الحرب الأهلية في ظل التداخل القبلي والعرقي الذي لا يعترف بالحدود بين الدول. ومع ذلك فإن الأمر أكثر خطورة في ظل ضعف أداء الأجهزة الأمنية والمخابراتية للعديد من حكومات تلك الدول.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31872/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M