زيارة “لافروف” إلى أفريقيا.. محاولة لكسر العزلة

أحمد السيد

 

سعيًا نحو تشكيل أجندة دولية وإقليمية وبناء هيكل جديد في خِضم نظام عالمي يموج بمتغيرات وأحداث متسارعة؛ تسعى موسكو من خلال جولة دبلوماسية يقوم بها وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” خلال الفترة من 24 وحتى 28 يوليو الجاري، لكلًا من مصر وأوغندا وإثيوبيا والكونغو؛ إلى بلورة علاقات قوية مع تلك الدول المهمة في القارة الأفريقية، ولبناء هياكل متعددة المراكز بين الدول تتواكب مع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية الراهنة.

زيارة “لافروف” للدول الأفريقية، ستشهد مناقشات مع مسؤولي تلك الدول لتناول القضايا الثنائية فضًلا عن مناقشة القضايا الإقليمية والدولية، كما سيلقي “لافروف” كلمة في “جامعة الدول العربية” يتطرق خلالها لتطور العلاقات العربية الروسية، ومبررًا للدول العربية وللعالم دوافع روسيا لدخول الحرب ضد أوكرانيا، ومدافعًا عن بلاده إزاء المزاعم الغربية بأن موسكو المسؤول الأول عن أزمة الغذاء العالمية.

وفي هذا السياق، من المتوقع أن تتطرق جولة “لافروف” لمناقشة مجموعة واسعة من القضايا الدولية والإقليمية المهمة، مع التركيز على تشكيل أجندة دولية وإقليمية جديدة بعيدًا عن التحالفات الغربية.

روسيا وأفريقيا.. علاقات مُمتدة

تتمتع روسيا بعلاقات جيدة وطويلة الأمد مع أفريقيا منذ العهد السوفيتي، الذي دعم الدول الأفريقية في سعيها نحو إنهاء الاستعمار، وعندما ورثت روسيا الاتحاد السوفيتي قدمت المساعدات لحركات التحرر الوطنية للشعوب الأفريقية، كما ساهمت في صعود اقتصادات تلك الدول، من خلال تأسيس المئات من الشركات التي يشكل بعضها حتى الأن الأساس للعديد من الاقتصادات الأفريقية. ودبلوماسيًا، قادت روسيا في أروقة الأمم المتحدة الدفاع عن حق الشعوب الأفريقية في تقرير مصيرها وانهاء الاستعمار كجزء لا يتجزأ من القانون الدولي.

وجدير بالذكر أن الشراكة الروسية الاستراتيجية مع أفريقيا تعد من أولويات السياسة الخارجية الروسية، وتصرح “موسكو” باستمرار بسعيها لتعزيز التعاون مع الدول الأفريقية وخاصة التعاون في المجال الاقتصادي والحفاظ على علاقات تجارية واستثمارية تعود بالمنفعة المتبادلة للطرفين، كما تسعى روسيا لتسهيل حركة الأشخاص ورؤوس الأموال بين الجانبين.

لكن على الرغم من إيجابية تصريحات موسكو، وتأكيدها الاعتزام على تعزيز التعاون مع أفريقيا، فإنها تتجاهل حقيقة أن سياستها الخارجية تجاه القارة أخفقت إلى حد كبير في تحقيق نجاحات ونتائج ملموسة على الأرض، لا سيما فيما يخص الجانب الاقتصادي، فعلى مدار العقدين الماضيين كان الروس ينتقدون أدوار القوى الأخرى على الساحة الأفريقية، ورغم ذلك لم تبلور “موسكو” أي سياسة حقيقية فعًّالة لتعزيز دورها، ولا تزال تضطلع بدور محدود للغاية في مجالات البنية التحتية والزراعة والصناعة بالقارة.

من هذا القبيل، يفرض التوقيت الحالي على روسيا تبني نهج أكثر فعًّالية لتعزيز دورها في أفريقيا، لا سيما في ظل سياسة “الضغط الأقصى” التي تتعرض لها منذ هجومها على أوكرانيا، وما تلا ذلك من فرض عقوبات غربية قاسية وواسعة النطاق.

دلالات الزيارة

زيارة لافروف تعد الأولى للمنطقة منذ غزو أوكرانيا في فبراير الماضي، وتهدف إلى تعزيز العلاقات الروسية مع الدول العربية والأفريقية. كما تتواكب الزيارة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للشرق الأوسط، التي زار خلالها إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية. كما شارك بايدن في قمة جدة للأمن والتنمية التي ضمت الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق.

تأتي زيارة “لافروف” للدول الأربع في إطار المحاولات الروسية لتغطية أكبر عدد ممكن من الدول، والبناء على القمة الروسية الأفريقية الأولى التي عقدت في مدينة “سوتشي” الروسية عام 2019، تحت شعار “من أجل السلام والأمن والتنمية”، خاصة مع تصريحات روسية تٌفيد بأن روسيا تسعى لعقد قمة روسية أفريقية ثانية في عام 2023.

وتبدأ جولة “لافروف” لأفريقيا بزيارة القاهرة كمحطة أولى له، التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية “سامح شكري”، وأبدى الطرفان خلال المحادثات اهتمامًا خاصًا بالوضع حول أوكرانيا وتأثير التطورات الجارية على الإمدادات الغذائية لمصر؛ حيث تعد مصر من أكبر الدول المستورد للقمح في العالم، وتشتري ما بين 11 و13 مليون طن سنويًا، وهو ما يمثل نصف احتياجات البلاد من القمح. كما تُعد روسيا وأوكرانيا المصدرين الرئيسين للقمح إلى مصر، قبل أن يتسبب الصراع في أوكرانيا والعقوبات الغربية ضد روسيا في تعطيل سلاسل توريد الحبوب الرئيسة.

كذلك تعد مصر الشريك التجاري والاقتصادي الأول لروسيا في أفريقيا حيث تبلغ التجارة ما يقرب من 5 مليارات دولار، ويسعى الطرفان منذ 2015 لإنشاء منطقة صناعية. وفي السياق ذاته، سيحتل ملف الطاقة حيزًا على أجندة لافروف، بالنظر إلى قيام شركة “روس اّتوم” للطاقة النووية بالبدء في بناء أول محطة نووية في مصر في منطقة “الضبعة” على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويعد هذا المشروع الأكبر بين مصر وروسيا منذ مشروع اكتمال السد العالي في أسوان عام 1970.

وتعد مصر أيضًا من أكبر ثلاثة مستوردين للأسلحة الروسية في العالم وذلك وفقًا لتقرير صادر عن “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (SIPRI)، وتعد روسيا المورد الرئيس للأسلحة لمصر بنسبة 41٪ من إجمالي واردات الأسلحة المصرية. وناقش الطرفان تطورات الأوضاع على الساحة الليبية والسورية والقضية الفلسطينية؛ حيث تتلاقى مواقف البلدين في كل تلك الملفات.

على الجانب الأخر، وجدت روسيا الفرصة سانحة لاستعادة نفوذها في أفريقيا من خلال تقديم المساعدة الأمنية بشروط أقل من الغرب، وكانت إثيوبيا إحدى الدول التي أقامت روسيا علاقات معها، عندما توترت علاقات “أديس أبابا” مع الغرب بعد اندلاع الصراع في منطقة “تيجراي” الشمالية في عام 2020، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى تعليق دعم الميزانية، كما قامت الولايات المتحدة بتعليق صفقة تجارية تمنح إثيوبيا ميزة تفضيلية بالوصول إلى الأسواق، كما تسعى إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، إلى تحرير اقتصادها المتصلب الذي تديره الدولة بالبحث عن دول تُقدم لها الدعم، وقد تجد في روسيا الحليف الأمثل.

كما توترت العلاقات بين أوغندا الغنية بالنفط والغرب بسبب مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان من قبل قوات الأمن الأوغندية، فضلًا عن العنف الانتخابي والفساد المستشري، وهو ما تحاول روسيا الاستفادة منه لتعميق علاقتها مع أوغندا لكسب حُلفاء في القارة الأفريقية.

دوافع روسيا من جولة “لافروف”

تسعى روسيا لتقوية علاقاتها مع القارة الأفريقية لعدد من الأمور منها: 

  • تخفيف العزلة الدبلوماسية: تهدف جولة “لافروف” إلى تخفيف العزلة الدبلوماسية لروسيا بعد الحرب على أوكرانيا، وما تعرضت له من “عقوبات غربية” قوية.
  • تعزيز التجارة والاستثمار: تسعى روسيا –باعتبارها الشريك الصاعد لأفريقيا- لتعزيز قطاعات التجارة والاستثمار وذلك نظرًا لتواضع التجارة الروسية مع إفريقيا مقارنة بالولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي. مستغلة في ذلك قرار الاتحاد الأفريقي العام الماضي بإنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. والتي من شأنها تهيئة ظروف أفضل لتطوير الأعمال، وتشكيل مناخ جاذب للمستثمرين، فلدى روسيا خبرة واسعة تراكمت خلال الحقبة السوفيتية في تطوير مشروعات البنية التحتية في أفريقيا من قبيل بناء محطات الطاقة والسدود، بالإضافة لخبرتها في مجال التكنولوجيا، وتدشين معاهد للتدريب التكنولوجي في القارة.
  • ملء الفراغ: لسنوات، كانت روسيا تحاول توسيع نفوذها في أفريقيا ووضع نفسها كشريك موثوق للدول الأفريقية. وفي هذا السياق تسعى روسيا لتطوير شراكة شاملة مع الدول الأفريقية ويظل هذا الأمر أحد الأولويات الرئيسة لسياسة روسيا الخارجية.
  • النظر لأفريقيا باعتبارها قارة المستقبل: تشير العديد من التقارير إلى أن عدد سكان أفريقيا يزيد عن 1.3 مليار نسمة وهو ما يعادل الصين والهند. وهذا جزء كبير من العالم الحديث، يجعل أفريقيا واحدة من أكثر الأسواق الواعدة في العالم، ويدفع “موسكو” لكسب هذا السوق.
  • طمأنة أفريقيا: من خلال تأكيد “لافروف” للدول الأفريقية بـأن “موسكو” ستستمر في تسليم المواد الغذائية والأسمدة والطاقة وغيرها من السلع بموجب العقود لأصدقائها الأفارقة، وذلك على الرغم من الصعوبات التي أوجدتها العقوبات الغربية. كما سيسعى “لافروف” لدحض الدعاية الغربية التي تتهم موسكو بمحاولة تجويع أفريقيا من خلال شن الحرب ضد أوكرانيا.

ختامًا، إن التوقعات العامة من جولة “لافروف” للعواصم الأفريقية، ستسمح بتحليل أكثر تفصيلاً للآفاق الحالية والمستقبلية للتجارة، والاقتصاد، والاستثمار، والتكنولوجيا، والعلاقات الإنسانية. فروسيا لديها آلاف التعهدات التي لم يتم الوفاء بها منذ عقود من الزمن فضلًا عن العديد من الاتفاقات الثنائية الموقعة مع دول فردية في القارة؛ وهذا على الرغم من العدد الهائل وغير المسبوق من الزيارات الروسية إلى أفريقيا في السنوات السابقة، وبالتالي تسعى روسيا لبناء شراكات أكثر فعالية وموثوقية مع مصر وأوغندا وإثيوبيا وجمهورية الكونغو وبالطبع مع بقية الدول الأفريقية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71624/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M