قراءة في انتخابات تركيا: الحساسية القومية تغلب الصعوبات الاقتصادية

محمود سمير الرنتيسي

استطاعت تركيا إجراء انتخابات 14 مايو/أيار 2023 بشكل ديمقراطي وبنسبة مشاركة كبيرة بلغت 86.98%، وقد أسفرت نتائج الانتخابات التركية 2023 عن تأجيل حسم الانتخابات الرئاسية لمدة أسبوعين لتُجرى في 28 مايو/أيار 2023 بعد عدم نجاح أي مرشح رئاسي من المرشحين الثلاثة في الحصول على أكثر من 50%. وفيما جاء رجب طيب أردوغان بالترتيب الأول بنسبة 49.52% متقدمًا بحوالي 2.5 مليون صوت على أقرب منافسيه ومرشح تحالف الأمة، كمال كليتشدار أوغلو، الذي حصل على 44.88%، جاء مرشح تحالف الأجداد القومي المتبني لسياسات تدعو إلى إخراج اللاجئين من تركيا حاصلًا على 5.17% فيما حصل محرم إينجه بالرغم من انسحابه على 0.43%.

جدول 1: نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية(1)

رجب طيب أردوغان كمال كليتشدار أوغلو سنان أوغان محرم إينجه
49.52% 44.88% 5.17% 0.43%

أما أبرز نتائج البرلمان فقد استطاع تحالف الشعب تأمين الأغلبية البرلمانية وبشكل أكثر تفصيلًا يوضح الشكل التالي نتائج التحالفات والأحزاب في الانتخابات البرلمانية:

التحالف نسبة التحالف                                             عدد النواب للتحالف
تحالف الشعب 49.5%                                                            223
أحزاب تحالف الشعب حزب العدالة والتنمية 35.63%

268 نائبًا

حزب الحركة القومية 10.08%

50 نائبًا

حزب الرفاه الجديد 2.81%

5 نواب

حزب الاتحاد الكبير 0.98%

بدون نواب

تحالف الأمة

 

35.04%                                                                                                                                                         212
أحزاب تحالف الأمة حزب الشعب الجمهوري 25.35%

169 نائبًا

الحزب الجيد 9.69%

43 نائبًا

 
تحالف العمل والحرية

 

10.56%                                                                                                                                                            65
أحزاب تحالف العمل والحرية حزب اليسار الأخضر

8.83%

61 نائبًا

حزب عمال تركيا

1.73%

4 نواب

   
تحالف الأجداد            %2.43                                                                                                                                                                 0
أحزاب تحالف الأجداد حزب الظفر  2.23%  0 نواب حزب العدالة 0.20%       0 نواب  
  حزب البلد  0.92%    0 نواب  
آخرون   1.64% 0 نواب

جدول2: من إعداد الباحث(2)

ويمكن القول: إن أبرز النتائج السياسية التي تبنى على نتائج الانتخابات هي عدم إمكانية التحول من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني وهو الأمر الذي نادت به 7 أحزاب معارضة تركية وبالتالي فإن حصول تحالف الشعب على أغلبية البرلمان بالفوز بـ 322 مقعدًا من أصل 600 قد أنهى آمال الأحزاب المعارضة على الأقل لمدة 5 سنوات قادمة بخصوص إمكانية التحول مرة أخرى إلى النظام البرلماني حتى إن بعض قادة المعارضة بدأوا يتحدثون عن إمكانية التفاهم على إيجاد تعديلات لتحسين النظام الرئاسي.

وفي ذات السياق، يمكن القول: إن الحساسية القومية أو الشعور القومي كان له دور في حصول النتائج الحالية بالرغم من الصعوبات الاقتصادية إضافة لذلك برز ضعف المقولة التي استندت لها المعارضة في تحركاتها وتحالفاتها، وهي: “لا يمكن لأي طرف الفوز بالانتخابات بدون الحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطية ذي الأغلبية الكردية”، وقد ثبت ذلك عمليًّا في ظل تراجع نسبة الحزب خلال الانتخابات الأخيرة(3).

أبرز الرابحين والخاسرين

مع كل عملية انتخابية هناك رابحون وهناك خاسرون ومع البدء بالخاسرين يمكن الإشارة إلى أبرز الخاسرين:

  1. شركات الاستطلاع في تركيا

قامت عشرات شركات الاستطلاع في تركيا بإصدار نتائج تبين أنها كانت موجهة وغير دقيقة ولم تنجح سوى شركتين ربما في توقع قريب من النتائج النهائية التي صدرت صباح يوم 15 مايو/أيار(4).

  1. حزب الشعب الجمهوري

قام حزب الشعب الجمهوري بعقد صفقة مع 4 أحزاب صغيرة، هي: حزب المستقبل وحزب التقدم والديمقراطية وحزب السعادة والحزب الديمقراطي للدخول عبر قوائمه وأعطى هذه الأحزاب من خلال قوائمه كالتالي: السعادة 9 نواب، التقدم والديمقراطية 15 نائبًا، المستقبل 10 نواب، الديمقراطي 3 نواب. وبالتالي يمكن القول: إن عدد نواب حزب الشعب الجمهوري نزل من 146 في 2018 إلى 129 نائبًا مع خروج نواب هذه الأحزاب وعودتهم إلى أحزابهم(5).

  1. محرم إينجه

يعتبر محرم إينجه أحد الخاسرين في انتخابات 15 مايو/أيار لانسحابه أمام الضغوط التي مورست عليه من المعارضة التركية والتي وصلت إلى حد نشر صور فاضحة مفبركة بحقه، وقد أعلن الانسحاب أيضًا حتى لا يتم تحميله المسؤولية عن خسارة المعارضة، وبالتالي حصل إحباط لناخبيه من عملية انسحابه وقام كثيرون بالاستقالة من حزب البلد الذي أسسه في 2021.

  1. حزب الشعوب الديمقراطي

دخل حزب الشعوب الديمقراطي تحت اسم اليسار الأخضر لتجنب دعوى قضائيه لحظره، وحصل على 8.8% فيما كان قد حصل في 2018 على 11.10% وقد يواجه الحزب مشاكل في ظل تنافس التحالفين الأكبر (الشعب والأمة) على كسب أصوات القوميين الأتراك بعد حصول المرشح الثالث، سنان أوغان، على 5%.

  1. حزب النصر وسياسة معاداة اللاجئين

حصل حزب النصر الذي تبنى سياسة معادية للاجئين على 1% فقط ولم يستطع أن يفوز بأي نائب في البرلمان، ومع ذلك قد تشهد الفترة بين الجولتين الرئاسيتين خاصة من المعارضة تحشيدًا ضد اللاجئين السوريين تحديدًا لجذب الأصوات التي انتخبت مرشح حزب النصر وتحالف الأجداد للرئاسة، سنان أوغان.

أما الرابحون فأولهم حزب الحركة القومية الذي تقدم من توقعات بحصوله على 7% إلى حصوله على أكثر من 10% ثم حزب الرفاه الجديد الذي تأسس في 2018 بحصوله على 2.8% وحصوله على 5 نواب في البرلمان لأول مرة. وقد أسهم هؤلاء بهاتين النسبتين بالحصول على الأغلبية البرلمانية لتحالف الشعب. ويأتي بعد ذلك حزب العدالة والتنمية بتأمينه 36% بالرغم من كل الانتقادات والتحديات التي واجهها (وهنا لابد أن نشير أن الحزب تراجع من 42% في 2018 إلى 36% حاليًّا بالرغم من بقائه الحزب الأول في تركيا، وهذا يُظهر أن الناخب عاقب/أرسل رسالة تحذير لحزب العدالة والتنمية ولكن ليس بالدرجة التي تجعله يخسر المقدمة)، ثم الرئيس أردوغان حتى الآن بحصوله على الترتيب الأول في الانتخابات الرئاسية، وهذا يعطيه أفضلية في الجولة الثانية(6).

كذلك يمكن أن نضيف شخصية سنان أوغان للرابحين بحصوله على 5% من الأصوات وحصوله على فرصة أن يكون المرشح الثالث وإمكانية التفاوض مع كلا التحالفين فيما يتعلق بمصير الجولة الثانية، وحتى إمكانية دخوله للسياسة التركية من جديد بزخم أقوى من الإطار الذي دخل فيه إلى الانتخابات عبر حزب النصر لينتقل إلى الإطار القومي أكثر من إطار سياسات معاداة اللاجئين. لكن مع ذلك، يمكن القول: إن الفرصة التي حصل عليها أوغان مؤقتة إلا إذا أحسن استثمارها؛ حيث إن قسمًا كبيرًا من الذين انتخبوه صوتوا له كخيار ثالث وليس كمؤيدين يتحركون وفق رؤيته أو رهن إشارته. وبذلك يمكننا القول: إن التيار القومي في تركيا -الذي يضم الحركة القومية في الحكم والحزب الجيد في المعارضة وحتى من صوَّتوا لسنان أوغان وغيرهم ممن صوتوا لأحزاب أخرى- سيكون مأخوذًا بعين الاعتبار في تركيا ولهذا كان هناك تحول في خطاب كمال كليتشدار أوغلو نحو الناخب القومي بين الجولة الأولى والثانية للانتخابات الرئاسية.

العوامل التي أدت إلى حصول هذه النتائج

  1. المشاريع والحلول الاقتصادية والقائمة القوية

أسهم الجهد الاستثنائي والمشاريع الكبيرة في مجال التوظيف ورفع الأجور وتقديم الغاز مجانًا لمدة عام، وبدء مشاريع البناء لحل مشاكل غلاء السكن، والاعتناء بفئة الشباب والمترددين وغيرها من قبل الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في منع خسارته بالرغم من تجمع عدة أحزاب معارضة ضده. يضاف لذلك القائمة القوية لحزب العدالة والتنمية التي ضمت 11 وزيرًا وعدة قادة أحزاب حليفة مما أسهم في تقوية الحضور الميداني للحزب.

  1.  تعويض متضرري الزلزال

أسهم الجهد الاستثنائي لأردوغان وحزب العدالة والتنمية في مناطق الزلزال وكسب ثقة الناخبين فيها -بتعزيز صورة أنه الأقدر على تضميد جراحهم وإعادة الإعمار في المنطقة- في إعطاء مناطق الزلزال الأفضلية لأردوغان وحزب العدالة والتنمية.

  1. الحساسية القومية

كان لموقف الناخب القومي في تركيا دور مهم جدًّا في تحديد هذه النتائج؛ إذ كان هناك شعور بأن المعارضة مدعومة من حزب العمال الكردستاني ومنظمة فتح الله غولن المسؤولة عن انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 وأن لديهم وحدة هدف هي خسارة أردوغان وخسارة تحالف الشعب ولذلك قام الناخب القومي بدعم الجهة النقيضة لهذه المنظمات التي يعتبرها إرهابية، بالرغم من أنه قد يكون لديه انتقادات واستياء من الوضع السياسي أو الاقتصادي. ويمكن القول: إن الحساسية القومية للنسبة الأكبر من الناخبين كانت أكثر تأثيرًا من الوضع الاقتصادي(7).

  1. دخول الحركة القومية منفردًا

وعطفًا على ما سبق، كان لقرار زعيم الحركة القومية، دولت بهتشلي، بخوض الانتخابات تحت شعار الأهلة الثلاثة الذي يرمز للحركة القومية بدلًا من الدخول في قوائم حزب العدالة والتنمية دور كبير في تأمين الأغلبية في البرلمان. ومع ذلك دخل الحركة القومية في إطار تحالف الشعب لكن بشعاره الخاص(8).

  1. إبقاء الأصوات المستاءة داخل التحالف

منع تحالف حزب العدالة والتنمية مع الحركة القومية والرفاه الجديد والهدى بار من انتقال الأصوات المحافظة المستاءة من حزب العدالة والتنمية إلى المعارضة وأبقاها داخل إطار تحالف الشعب حيث كان هناك انتقال من أصوات حزب العدالة والتنمية لصالح حلفائه.

  1. شخصية مرشح المعارضة للرئاسة

لم يكن هناك توافق داخل المعارضة ولا حتى داخل حزب الشعب الجمهوري نفسه على شخصية كمال كليتشدار أوغلو كمرشح يمكن أن يفوز أمام مرشح مثل أردوغان، وقد كان 3 قادة أحزاب معارضة من أحزاب الطاولة السداسية يرون أن كمال كليتشدار أوغلو لا يستطيع الفوز أمام أردوغان، ولهذا لو قامت المعارضة بترشيح شخص آخر غير كمال كليتشدار أوغلو يتمتع بصفات قيادية أقوى لكان هناك احتمال أكبر لفوز المعارضة.

  1. تعدد وجوه المعارضة

لم يكن كمال كليتشدار أوغلو هو الزعيم الأول للمعارضة، كما ذكرنا في البند السابق، كذلك لم يكن له الحضور الأبرز في الدعاية الانتخابية حيث كانت دقائق الحديث له أمام الجمهور أقل من دقائق رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، في نفس المهرجانات الانتخابية، وهذا الأمر أثَّر على حضوره. كما استاء بعض الناخبين المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري من وجود إسلاميين سابقين، مثل أحمد داود أوغلو وتمل كارامولا أوغلو، يخاطبونهم خلال الدعاية الانتخابية في مهرجانات حزبهم(9).

  1. ضعف التحالف مع اليسار الأخضر

لم ينجح التحالف غير المعلن بين كمال كليتشدار أوغلو وحزب اليسار الأخضر في تأمين أصوات كافية لصالح كمال كليتشدار أوغلو للفوز بالرئاسة وتسبب في إزعاج عام للناخب التركي وتحديدًا في مناطق الأناضول. وحتى داخل أحزاب المعارضة لم تكن كتلة من ناخبي الحزب الجيد القومي متفهمة لتحالف كليتشدار أوغلو مع حزب اليسار الأخضر وربما أدى هذا لردة فعل عكسية تمثلت في تصويتهم لحزب الحركة القومية بدلًا من الحزب الجيد.

  1. التراجع الاقتصادي والغلاء في المدن الكبرى

كان للتراجع الاقتصادي وغلاء المعيشة دور مؤثر على الناخبين في المدن الكبرى، ومع ذلك كانت هناك صورة مزدوجة تعقِّد فهم موقف مدن مثل إسطنبول وأنقرة؛ حيث صوَّتت المدينتان لصالح تحالف الشعب في البرلمان لكن كليتشدار أوغلو حصل على أصوات أعلى من أردوغان فيهما. ولعل تفسير ذلك يعود لطبيعة النظام الانتخابي في البرلمان. وهذه النتيجة بالمناسبة اتبعت نفس المعايير في انتخابات بلدية إسطنبول في 2019 حيث فاز أكرم إمام أوغلو برئاسة البلدية لكن المجلس البلدي قادته أغلبية تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية. كما أن الناخب في المدن الكبرى وكأنه أراد أن يوصل رسالة استياء وشكوى لحزب العدالة والتنمية عبر هذه الفروق في عملية التصويت.

ويوضح الجدول التالي نتائج كل من أنقرة وإسطنبول وإزمير وهي أكبر 3 مدن من حيث عدد السكان:

الانتخابات البرلمانية إسطنبول أنقرة إزمير(10)
العدالة والتنمية 36.06% 32.53% 25.26%
الشعب الجمهوري 28.33% 30.56% 40.9%
اليسار الأخضر 8.19% 3.15% 7.54%
الحزب الجيد 8.19% 12.8% 11.39%
الحركة القومية 6.24% 10.25% 5.37%
البلد 1% 0.98% 1.18%
الانتخابات الرئاسية إسطنبول أنقرة إزمير
كليتشدار أوغلو 48.56% 47.32% 63.31%
أردوغان 46.68% 46% 31.48%
سنان أوغان 4.51% 6.39% 4.76%
محرم إينجه 0.25% 0.29% 0.45%

جدول3: نتائج انتخابات 14 مايو/أيار في المدن الكبرى

  1. تقييم غير دقيق لمواقف الشباب

كان من الواضح أن هناك رهانًا كبيرًا أو محاولة لخلق انطباع من قبل المعارضة بأن الأغلبية الساحقة من الناخبين الشباب أو ما يسمى بالجيل “زد” مع وجود حوالي 5 ملايين ناخب شاب جديد ستصوِّت لصالح المعارضة في الرئاسة والبرلمان لكن يبدو أن كتلة لا بأس بها منهم قد صوتت للرئيس أردوغان ولصالح حزب العدالة والتنمية. وفيما لا تعطي إحصائيات الانتخابات إمكانية لمعرفة لمن صوت الشباب بالتحديد ترى بعض التقديرات المقربة من حزب العدالة والتنمية أن نصف الشباب على الأقل صوَّت لصالح حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان(11).

  1. العامل الخارجي

أدى بدء تركيا لعملية مصالحات إقليمية مع عدة دول كانت العلاقات معها متوترة خلال عقد كامل، إضافة لدور تركيا المتوازن في الحرب الروسية-الأوكرانية، إلى جعل البيئة السياسية أقل عرضة للتدخل الخارجي، ومع ذلك كان هناك بعض المؤشرات مثل لقاء السفير الأميركي مع كليتشدار أوغلو بعد إعلان الأخير ترشحه، وكذلك مانشيتات وأغلفة بعض المجلات الغربية، وقد استخدم أردوغان وحزبه هذه المؤشرات لصالحه في سياق أن هذه الجهات تريد أن تفرض وصايتها على قرار الناخب وأن الناخب لابد أن يرد عليها بالتصويت لصالح تحالف الشعب(12). ويبدو أن شدة التنافس واحتمالات فوز أردوغان منعت عدة أطراف خارجية من التدخل، في ظل قدرتها على العمل مع أردوغان أيضًا.

سيناريوهات الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية

هناك عوامل عدة مؤثرة في نتيجة انتخابات الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في 28 مايو/أيار، وهي:

  1. نتيجة الانتخابات البرلمانية.
  2. الفارق بين المرشح الأول والثاني في الجولة الأولى.
  3. قرار المرشح الثالث.
  4. طبيعة الحملة الانتخابية للطرفين خلال أسبوعين قبل 28 مايو/أيار (الخطاب والنشاط).
  5. نسبة المشاركة في الانتخابات.
  6. السجال حول المسؤولية عن نتائج البرلمان والجولة الأولى من الرئاسة.
  7. الوضع الاقتصادي والصعوبات الاقتصادية.
  8. سلوك الناخب في الجولة الثانية.

بالنظر إلى العوامل أعلاه يمكننا القول: إن أغلب العوامل تصب لصالح الرئيس أردوغان حيث سبَّبت نتيجة الانتخابات البرلمانية إحباطًا بتغيير النظام من رئاسي لبرلماني وهي حُجَّة بَنَت عليها المعارضة رؤيتها للمستقبل وبالتالي سيرى قسم من ناخبي المعارضة أن انتخاب رئيس وفق النظام الرئاسي في ظل عدم وجود أفق للتحول للنظام البرلماني لا معنى له.

ثانيًا: تقدم الرئيس أردوغان بفارق 2.5 مليون صوت عن كليتشدار أوغلو وهذا الفرق يعطي أردوغان الأولوية، ومن زاوية أخرى وبالرغم من قرار المرشح الثالث، سنان أوغان، فإن كتلة أوغان القومية أكثر قربًا إلى أردوغان من كليتشدار أوغلو، وحتى مع افتراض المناصفة بين المرشحين لمن سيذهب منهم في الجولة الثانية فهذا يُبقي الأولوية لصالح أردوغان(13). كما وضع أوغان شرطًا يجعل كليتشدار أوغلو في مأزق وهو أنه لن يدعمه إلا إذا وافق على قطع العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي ويعتقد أن 8% على الأقل من أصوات كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى جاءت من أنصار حزب الشعوب الديمقراطي.

مع أن الذين لم يشاركوا في الجولة الأولى يصل عددهم لحوالي 8 ملايين وعدد الأصوات الباطلة يصل إلى مليون وهذه أرقام يمكن أن تقلب النتيجة، فلا يُتوقع أن تزيد نسبة المشاركة في الانتخابات عن الجولة الأولى بل على العكس يتوقع أن تقل، ولعل التقدير الصواب هو أن المعارضة هي التي ستعاني من تراجع عدد المصوِّتين لها بسبب الإحباط غالبًا، ولكن هناك تحد يتمثل بتراخي المصوتين لصالح أردوغان بسبب نتيجة البرلمان كما يوجد تحد أمام أردوغان فيما يتعلق بمناطق الزلزال لصعوبة التنقل بسبب بُعد المسافات منها إلى المناطق التي انتقل إليها متضررو الزلزال ولكن هذا الأمر أُخذ بعين الاعتبار من قبل أردوغان وبدأ حملته للجولة الثانية من مناطق الزلزال كما يعمل الحزب على تأمين الرحلات الجوية والبرية للناخبين الذين دعموه في الجولة الأولى.

أما بالنسبة لطبيعة النشاط والخطاب خلال الحملة فيُتوقع أن يبذل الطرفان جهدًا كبيرًا، وقد حذَّر الطرفان كوادرهما الحزبية من التراخي، وهنا يلاحظ ميل في خطاب أردوغان إلى الخطاب الأقل استقطابًا عن الجولة الأولى والأكثر احتضانًا والواعد بالاستقرار والتصالح وإعطاء الجميع الحق في العيش وفق نظام الحياة واللباس الذي يريده، فيما يلاحظ تحول في خطاب كليتشدار أوغلو إلى نَفَسٍ أكثر قومية واستحضارًا لمشكلة اللاجئين لكسب الناخبين الذين صوتوا لسنان أوغان في الجولة الأولى.

ختامًا، لم تخض تركيا في تاريخها الانتخابي جولة ثانية ولذلك هناك قراءات متعددة يرى بعضها، وهو غير مرجح، أن بعض الناخبين قد يميلون للتغيير عن الجولة الأولى. وسبب عدم ترجيح هذا الرأي هو أنه لم تحدث أي ظروف جديدة تدعو للتغيير لدى كتلة كبيرة من الناخبين. إضافة لذلك، وبشكل استئناسي، نجد أن الشركة التي توقعت نتائج الجولة الأولى بشكل دقيق تتوقع أن يفوز أردوغان بالجولة الثانية. وعليه وعلى كل ماسبق، يبدو من المرجح أن أردوغان سيفوز بالجولة الثانية من الانتخابات، وإن حصل هذا الأمر سيكون أول قائد لحزب سياسي ربما تاريخيًّا يحكم عبر انتخابات ديمقراطية لمدة 26 عامًا متوالية(14).

 

مراجع

  1. نتائج الانتخابات التركية، وكالة الأناضول، 19 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2023):  https://secim.aa.com.tr/
  2. المرجع السابق، وكالة الأناضول.
  3. كمال أوزتورك، هل الجولة الثانية سباق قومي؟، تليفزيون خبر تورك، 18 مايو/أيار 2023.
  4.   كانت شركة أوبتيمار والباحث في الرأي العام التركي، هاكان بيراكجي، هما الأقرب لتوقع نتائج الانتخابات من بين عشرات شركات الاستطلاع.
  5. كم نائبًا ربح حزب السعادة والمستقبل؟، صحيفة يني شفق، 15 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/42YYK4o
  6.  محمود الرنتيسي، أبرز الرابحين والخاسرين في الانتخابات التركية، تليفزيون سوريا، 20 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2023):  https://bit.ly/3IxxstN
  7.   هانده فرات، الناخب القومي وقرار بهتشلي، صحيفة حرييت، 16 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2023):  https://bit.ly/3WrQM1j
  8. المرجع السابق.
  9. كمال أوزتورك، هل الجولة الثانية سباق قومي؟، تليفزيون خبر تورك، 18 مايو/أيار 2023.
  10. لم يفز حزب العدالة والتنمية أبدًا من قبل في إزمير.
  11. مقابلة مع الخبير التركي في الشأن الداخلي التركي د.نبي ميش، 20 مايو/أيار 2023.
  12.   محمود الرنتيسي، التدخل الخارجي في الانتخابات التركية، العربي الجديد، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2023):  https://bit.ly/3omA476
  13. يرى الباحث في مجال الاستطلاعات، هاكان بيراقجي، أنه حتى لو دعم سنان أوغان كليتشدار أوغلو فإن أردوغان سيحصل على 1% فيما يحصل كليتشدار أوغلو على 2.2%، ولن يذهب للصناديق حوالي 2% من مجموع الـ5% التي حصل عليها أوغان في الجولة الأولى.
  14. تصريح حلمي داشدمير رئيس شركة أوبتيمار، صحيفة تقويم، 19 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3ofRH8B

 

.

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/5649

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M