قصة حياة برويز مشرّف تلخّص معاناة باكستان في علاقتها مع الولايات المتحدة

سايمون هندرسون

 

سلّطت جنازة الرئيس الباكستاني الراحل برويز مشرّف الضوء على العلاقات العسكرية-المدنية في العاصمة إسلام آباد، حيث لا يزال الجيش هو الطرف الأقوى على الرغم من تعاقب الحكومات فيها.

في 7 شباط/فبراير، دُفن الديكتاتور العسكري الباكستاني السابق برويز مشرّف في مدينة كراتشي الساحلية بعد وفاته في المنفى في الإمارات العربية المتحدة في 5 شباط/فبراير. وقد وصفته صحيفة “وول ستريت جورنال” في أحد عناوينها بأنه “أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة“، مستعينةً إلى حدّ ما باللغة الاصطلاحية التشكيكية التي يشتهر بها الصحفيون البريطانيون المتأثرون بالرواية الأدبية الكلاسيكية “سكوب” للمؤلف إيفلين ووه.

صحيح أن مشرّف وقف إلى جانب الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر التي نفذها انتحاريون تابعون لتنظيم “القاعدة” الذين كانوا قد اختطفوا طائرات لهذه الغاية وكانت “حركة طالبان” قد وفرت لهم ملجأ في أفغانستان، التي كانت حليفة لباكستان. ولكن وفقاً لمذكرات مشرّف التي نشرت عام 2006 بعنوان “على خط النار“، فقد تلقى اتصالاً في 12 أيلول/سبتمبر من وزير الخارجية الأمريكية آنذاك كولن باول قال له: “إما أن تقف معنا أو ضدنا”. وقد أعاد ريتشارد أرميتاج، نائب باول، تأكيد الرسالة الموجهة إلى باكستان حين قال لرئيس “وكالة الاستخبارات الباكستانية” التي يهابها الجميع أثناء زيارته واشنطن “… كان علينا أن نقرر إن كنا سنقف مع أمريكا أو مع الإرهابيين، ولكن إذا اخترنا الإرهابيين، علينا أن نكون مستعدين لحملة قصف عنيفة تعيدنا إلى العصر الحجري”. (ونزولاً عند إصرار واشنطن، تمّت تنحية رئيس الاستخبارات الذي كان حتى ذلك الحين حليفاً مقرباً من مشرّف).

وبدا واضحاً أن التصريحات العلنية لوزارة الخارجية الأمريكية تخفي صراحةً حادة وفظة.

ويشك كاتب هذه السطور فيما إذا كانت واشنطن قد وثِقت يوماً بمشرّف على وجه الخصوص. ما كان عليها أن تفعل ذلك. وبسبب وطأة الضغوط، كان مشرّف يقبل بعقد الصفقات، على غرار تلك التي حمّل فيها الدكتور الراحل عبد القدير خان كامل مسؤولية نقل التكنولوجيا النووية إلى دول من بينها ليبيا وإيران وكوريا الشمالية، مبرئاً الجيش من كل تهمة. ومن الأمثلة الأخرى على مكر مشرّف قبوله مرغماً في النهاية على التنحي عن السلطة في عام 2008، أي بعد مرور عامين على احتماء أسامة بن لادن في باكستان كما يُعتقد. هل كان مشرّف على علم بما يجري؟ بكل تأكيد تقريباً. فقد تبين أن الجيش الباكستاني، ولا سيما “وكالة الاستخبارات الباكستانية”، هما أساساً من كان يملك البيت الذي سكن فيه زعيم “القاعدة” الذي كان يعيش على بعد أقل من ميل واحد من الأكاديمية العسكرية الباكستانية المشابهة لأكاديمية “ويست بوينت” الأمريكية عندما قتل على يد “القوات الخاصة للبحرية الأمريكية” (مغاوير البحرية) عام 2011.

وجاءت جنازة مشرّف بمثابة فرصة لمراقبة وضع العلاقة العسكرية-المدنية في باكستان، حيث تتعاقب الحكومات المدنية بينما تبقى الكلمة الفصل للجيش. وكان منفاه في الإمارات حلاً، وإن كان غير حاسم، للمشكلة التي أحدثتها إحدى الحكومات المدنية عندما حاكمته بتهمة الخيانة العظمى لإنتهاكه الدستور ومن ثم حكمت عليه بالإعدام. ولم يكن الجيش مستعداً للسماح بتنفيذ هذه السابقة القضائية، كما أن صحة مشرّف المتدهورة كانت حجة إضافية لترحيله إلى دبي.

وحسب وكالة “رويترز”، أجريت مراسم التشييع وفقاً لـ “البروتوكول العسكري“. وقد حضر الجنازة رئيس لجنة هيئة الأركان المشتركة وهو أعلى مسؤول عسكري صوري حالياً، في حين غاب قائد الجيش الباكستاني الأكثر نفوذاً الجنرال عاصم منير حيث كان في زيارة إلى بريطانيا (وهو منصب كان مشرّف قد شغله سابقاً). ومن المسؤولين الذين حضروا الجنازة، نذكر الجنرال (المتقاعد) أشفق كياني الذي لا تتوفر الكثير من المعلومات عنه والذي كان رئيساً لأركان الجيش عندما قتلت قوات “مغاوير البحرية” الأمريكية بن لادن، والجنرال (المتقاعد) أسلم بيك الذي كشفت سيرته الذاتية التي نُشرت عام 2021 تفاصيل عن أسلحة باكستان النووية والعلاقات التي تجمع جيشها بإيران، بما في ذلك مع قاسم سليماني، القائد السابق لـ “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني الذي قُتل في غارة أمريكية بطائرة مسيّرة.

وعلى الرغم من أن مشرّف أطاح برئيس وزراء منتخب، إلا أنه خلال مواراة جثمانه الثرى في مقبرة عسكرية، أقيمت كامل التشريفات العسكرية له، بما في ذلك تأدية التحية بإطلاق النار. ومن المفارقات، كانت هذه التكريمات مشابهة لتلك التي قدمها الجيش للعالم النووي السيئ السمعة د. خان عندما توفي بسبب فيروس كورونا في أواخر عام 2021. وقد يدل ذلك على غطرسة الجيش الباكستاني من جهة وازدرائه لمفهوم الحكومة المدنية من جهة أخرى.

وبينما لا يألو رئيس الوزراء السابق عمران خان جهداً لإضعاف الحكومة الحالية لشهباز شريف – الذي أطاح مشرّف بشقيقه نواز أثناء الانقلاب الذي نفذه عام 1999 – فقد يكون من الصعب التنبؤ بالمستقبل القريب لباكستان. ولعلّ الأزمة الاقتصادية للبلاد تشكّل مصدر التهديد الأكبر لها. ففي 6 شباط/فبراير، نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” افتتاحية بعنوان “باكستان على شفير الهاوية“، تضمنت العنوان الفرعي التالي “تواجه الطاقة النووية ودائنوها خيارات صعبة إذا كانت ستتخلّف عن السداد“، علماً بأنه قبل بضعة أسابيع، عانت البلاد بأكملها من انقطاع التيار الكهربائي لمدة 12 ساعة.

ويبقى الأمل معلقاً على المملكة العربية السعودية لكي تقدّم إلى باكستان مساعدات أكبر من تلك التي سبق وتعهدت بها. وفي أفضل الأحوال، سيكون هذا حلاً مؤقتاً. فقصة حياة مشرّف تلخّص معاناة باكستان لتوطيد علاقاتها مع الولايات المتحدة ومنع البلاد من التدهور إلى الحضيض.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/qst-hyat-brwyz-mshrwf-tlkhws-manat-bakstan-fy-laqtha-m-alwlayat-almthdt

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M