قمة مؤيدة لإسرائيل في أربيل تقتحم آفاقاً جديدة

 دينس روس

 

في ظل مخاطر شخصية كبيرة، اجتمع قادة من المجتمع المدني في العراق للمطالبة بالانضمام إلى “اتفاقيات إبراهيم”. وتساءل أحد رؤساء “الصحوة” الذين شاركوا في مؤتمر أربيل عن إمكانية عودة اليهود العراقيين، ومنح جميع العراقيين من مختلف الديانات، بما فيهم اليهود، جنسياتهم المصادرة منهم.

في 24 أيلول/سبتمبر، شهد العراق حدثاً استثنائياً. ففي مدينة أربيل في شمال البلاد، اجتمع 312 عراقياً – غالبيتهم من السنة ولكن أيضاً من الشيعة، من المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد – لإصدار مطالبة بدخول بلادهم في علاقات مع إسرائيل وشعبها في إطار “اتفاقيات إبراهيم”، وقد فعلوا ذلك وهم يخاطرون بإثارة غضب إيران ووكلائها العسكريين. 

وضمّ المشاركون في المؤتمر [الذي حمل إسم “السلام والاسترداد”] زعماء دينيين، ومحتجين من الشباب، وأساتذة جامعات. وكان من بين قادة المؤتمر الشيخ السني وسام الحردان، الذي تتألف حركة “صحوة أبناء العراق” التي ينتمي إليها من رجال عشائر سنّة واجهوا، بدعم من القوات الأمريكية كلاً من تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» في ساحة المعركة. وكان ذلك ما أشار إليه الحردان عندما قال في المؤتمر: “لقد أظهرنا بالدم والدموع منذ فترة طويلة أننا نعارض جميع المتطرفين، سواء كانوا جهاديين سنة أو مليشيات شيعية مدعومة من إيران”.

وتابع الحردان قائلاً: “كما أظهرنا وطنيتنا: لقد ضحينا بالأرواح من أجل عراق موحد، ونطمح إلى تحقيق نظام حكم فيدرالي على النحو المنصوص عليه في دستور أمتنا”. وهو الآن يسعى إلى الترويج لعراق يقوم على التعايش محلياً وعلى مستوى المنطقة. وبالنسبة للمشاركين في المؤتمر، يتطلب ذلك التواصل مع الإسرائيليين الذين تنحدر عائلاتهم في الأصل من العراق.  

وعشية الحرب العالمية الثانية، شكل اليهود حوالي ثلث سكان بغداد وكانوا بارزين في حقول العلوم والشؤون المالية والثقافة. ومن خلال إعادة الاتصال مع اليهود الذين أُرغموا على مغادرة العراق عند تأسيس دولة إسرائيل، أعلن الحردان، واللواء عامر الجبوري (عضو بارز في الجناح الشيعي لعشيرة الجبور)، والمسؤولة الثقافية سحر كريم الطائي، والمشاركون الآخرون عن أملهم، كما قالت الطائي في خطابها، في وضع حجر الأساس لمستقبل عراق جديد – يتمتع فيه الناس من جميع الطوائف والمعتقدات والمذاهب ببركات العدل والمساواة. إنهم يرون السلام و”اتفاقيات إبراهيم” – التي هي السياسة المعلنة لإدارة بايدن في الولايات المتحدة – على أنها تشق مساراً للمستقبل الذي يريدون بناءه.

والآن يواجه المشاركون في المؤتمر ردود فعل عكسية، تتراوح بين تعليق عضوية الحردان من حركة “الصحوة” وإلى المزيد من التهديدات المباشرة من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. وتطالب تلك المليشيات باتخاذ خطوات صارمة بحق “العرائن الصهيونية-الأمريكية” والمشاركين “الخائنين” في أربيل. أما السياسيون الذين لا يرغبون في معاداة الإيرانيين فهم يدعمون الاعتقالات. كما يُعدّ الإيرانيون ووكلاؤهم عمليات تراجع قسرية حيث يتمّ إرغام بعض المشاركين على الإقرار بأخطائهم المزعومة.   

وبقدر أهمية قيام رواد المؤتمر بالخروج ببيان حول السلام مع إسرائيل، فهم كانوا في الوقت نفسه يعززون قضية حرية التعبير لكافة العراقيين. فهم يدركون أن الآخرين قد يختلفون معهم، ولكن إذا كان للعراق أن يتقدم، فيجب السماح بالتعبير عن آراء متنوعةإن الدعوات لاعتقال المشاركين هي تذكير مرير بالقيود على حرية التعبير في العراق – ومرة أخرى، علامة على النفوذ الذي تواصل إيران ممارسته، ولكنها أيضاً مؤشر على أن إيران تخشى الرسالة التي أتى بها مؤتمر أربيل. ولا شيء يمكن أن يكون أكثر تهديداً مما تسعى إليه إيران في العراق والمنطقة من توسيع نطاق السلام، ولا سيما إذا كان قادماً من الأساس.   

ويسعى رواد المؤتمر الآن إلى تشكيل مجموعات عمل معنية بالمتابعة مع جماعات إسرائيلية من المجتمع المدني، بدءاً بـ “مركز بيرس للسلام والابتكار” فضلاً عن صحفيين وأكاديميين. لقد عملتُ لعقود من أجل تعزيز السلام العربي-الإسرائيلي، بما في ذلك كمبعوث للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأعلم أنه في الوقت الذي يمكن فيه للحكومات المساعدة على إنهاء الصراعات وإضفاء الطابع الشرعي على عملية السلام، إلا أن صناع السلام الفعليين هم الناس. ويمكن للقادة أن يدعوا إلى المصالحة، ولكن تحقيق ذلك لا يمكن أن يأتي إلا من أسفل الهرم إلى أعلاه وليس عكس ذلك.   

إذاً كيف تمّ تنظيم هذا الحدث غير المسبوق بقيادة المجتمع المدني؟ إن منظم الحدث على أرض الواقع هي منظمة غير حكومية أمريكية صغيرة، تُدعى “مركز اتصالات السلام”، بقيادة مؤسسها ورئيسها جوزيف براودي. وتتمثل رسالة المنظمة في تعزيز العلاقات بين العرب والإسرائيليين. (الإفصاح الكامل: أنا أعمل كرئيس مجلس إدارة هذه المنظمة الصغيرة غير الربحية). وتنحدر عائلة براودي في الأصل من العراق، كما أن جد جدّه كان الحاخام الأكبر لبغداد. وعلى غرار الكثير من أبناء الجالية اليهودية في بغداد، خسر أجداده في عام 1950 جميع أملاكهم وأصولهم، وسُحبت عنهم جنسيتهم العراقية، وخُتِمت وثائقهم بعبارة “تحظر عودتهم إلى العراق”. وقد توجهوا إلى إسرائيل حيث بقي بعض أفراد العائلة في حين انتقل آخرون، بمن فيهم حفيدهم جوزيف، إلى الولايات المتحدة.      

ويركّز “مركز اتصالات السلام” على تعزيز الروابط بين الشعوب والثقافات في الشرق الأوسط، وليس الحكومات. وقد انبثق مؤتمر إربيل عما يرغب براودي بتسميته بـ “الدبلوماسية الاستكشافية“. وقد سهّل ممثل “المركز” في العراق شنّ حملة واسعة من التوعية العامة، شملت أعضاء من حركة “الصحوة” وعشيرة الجبور، لتعزيز هذه الجهود. وقد ناقش براودي والحردان وشيوخ القبيلة مبادئ عامة وفكرة عقد اجتماع للعمل وفقاً لتلك المبادئوقد عملوا معاً لوضع وثيقة يتمّ إصدارها خلال المؤتمر. كما انضم الحردان ونظراؤه في ما مجموعه ست محافظات – بغداد ونينوى وبابل وصلاح الدين وديالى، بالإضافة إلى محافظة الأنبار – لإعداد المؤتمر والمشاركة فيه، ووضع مفاهيم لاجتماعات المتابعة مع الإسرائيليين. (هناك قبائل متعددة في العراق من بينها، وأبرزها قبيلة الجبور، جناحان سني وشيعي).  وقد انضم لاحقاً إلى هذه القاعدة القبلية محركو احتجاجات الشباب الحضري في الفترة 2019-2021 (ما يسمى بثورة تشرين الأول/أكتوبر) والمثقفون.

ومن الواضح أن جميع من شارك في هذا المؤتمر يتمتعون برؤية للمستقبل. وقد عكست إلى حدّ كبير ما سمعوه خلال المؤتمر من حيمي بيرس، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل شمعون بيرس، الذي يرأس “مركز بيرس للسلام والابتكار”. ومن خلال الفيديو، توجه بيرس الإبن إلى المجتمعين وتحدث عن المشاريع المشتركة التي يمكن إطلاقها لتحسين حياة الجميع في الشرق الأوسط. ويدرك المشاركون في المؤتمر أن هناك الآن مساران مختلفان للمنطقة. مسار راسخ في “اتفاقيات إبراهيم” يروّج للتطور؛ واقتصاديات قائمة على المجال الرقمي؛ والتقدم العلمي؛ والأمن الغذائي والمائي والصحي؛ ومستقبل تكون فيه الحياة أفضل ويعيش فيه الناس بسلام بصورة آمنة. وتُعتبر البحرين والمغرب والسودان والإمارات خير دليل على هذا المسار. أما المسار الآخر فيقدّم صراعاً مستمراً. وهو ليس قائماً على التقدّم بل على “المقاومة”، بما يضمن فشل الدول أو سيرها على طريق الفشل حيث، كما هو الحال في لبنان وليبيا واليمن، تتّم التضحية بالاحتياجات الأساسية للشعب من أجل أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة ويستخدمون أيديولوجية الرفض لحمايتها. إنه مسار يضمن استمرار الماضي ويكفل مستقبلاً مليئاً فقط بالصراعات واليأس والإحباط.

لقد اختار المشاركون في مؤتمر إربيل المسار الأول. وصحيح أنهم سيواجهون تهديدات من إيران والميليشيات الشيعية، إلا أنهم لا يتوقعون من الآخرين الدفاع عنهم، لكنهم يعتمدون على دعم أمريكا، وهم بالتأكيد يستحقون ذلك.

وإذا كان بالإمكان استقاء أي عبرة من تدخلات أمريكا في الشرق الأوسط، فهي أنه لا يمكن للأمريكيين أن يفرضوا قيمهم، أو يعيدوا تشكيل المجتمعات، أو يصنعوا السلام من الخارج. لكن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية تقديم الدعم العملي والمادي للذين سيدافعون عن أنفسهم ويجسدون القيم ذاتها التي يؤمن بها الأمريكيون.

وبمناسبة الذكرى السنوية لـ “اتفاقيات إبراهيم” التي صادفت في أيلول/سبتمبر المنصرم، صرّح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: “نريد توسيع دائرة الدبلوماسية السلمية، لأن ذلك يصبّ في مصلحة الدول في جميع أنحاء المنطقة… لكي يتمّ معاملة إسرائيل كأي دولة أخرى”. ويطبّق المشاركون في مؤتمر إربيل كلمات وزير الخارجية الأمريكي، كما أن للولايات المتلحدة مصلحة في صمودهم ونجاحهم.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/qmt-mwydt-lasrayyl-fy-arbyl-tqthm-afaqaan-jdydt

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M