كيف تتحرر من عبودية العادات؟

نحن كبشر مخلوقات تميل إلى اتباع العادات، فعادة ما نستيقظ في نفس الوقت كل يوم ونغسل أسناننا ونتناول القهوة صباحًا ثم نذهب إلى العمل، هذا ما نفعله كل يوم، فلماذا من الصعب تشكيل عادات صحية جديدة؟

يقول علماء السلوك الذين درسوا تكوين العادات أن العديد منا يحاول خلق عادات جديدة بطريقة خاطئة، فنحن نتخذ خطوات جريئة لبدء ممارسة الرياضة أو فقدان الوزن دون أن نضع في اعتبارنا الخطوات التي نحتاجها للنجاح في ذلك.

يفترض غالبيتنا أن الأشخاص الذين يحققون إنجازات رائعة دائمًا، ويستطيعون دمج تمارينهم الرياضية، وتناول الطعام الصحي، وتحقيق أعلى الدرجات بالامتحانات، واصطحاب أطفالهم في الوقت المحدد، يتمتعون بقدرة انضباط خارقة.

ولكن، يشير العلم إلى إجابة مختلفة، ما نخطئ في اعتباره قوة إرادة غالبًا ما يكون سمة مميزة للعادات.

ونادرًا ما يحتاج الأشخاص الذين يتمتعون بعادات جيدة إلى مقاومة إغراء الاستلقاء على الأريكة، أو طلب وجبات طعام سريعة، أو المماطلة في أداء المهام، أو مشاهدة مقطع فيديو رائج آخر قبل المغادرة إلى مكان معين. وذلك لأن العادات تتولى زمام الأمور، ما يزيل إغراءات المماطلة من المعادلة، وبمجرد ترسيخ عادات جيدة، لا يتطلب الأمر سوى القليل من قوة الإرادة للتصرّف بحكمة.

وتتمثل المشكلة الوحيدة بأن بناء عادات جيدة يتطلب جهدًا وبصيرة.

أثناء قيامك بصياغة قراراتك للعام الجديد، قد تعتقد أن الأمر يستغرق 21 يومًا من تكرار الإجراء حتى تُصبح هذه الممارسة عادة.

لذلك، تقرر الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية لمدة 21 يومًا، معتقدًا أنه بحلول اليوم 22، سيكون التوجه إلى صالة الألعاب الرياضية أمرًا تلقائيًا – وربما ممتعًا أيضًا. وقد يكون من الصعب التفكير في الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية لمدة عام كامل، ولكن 21 يومًا بمثابة أمر ممكن.

في الواقع، تقدير الـ 21 يومًا هذا ليس صحيحًا. وفقاً لخبيرة العادات ويندي وود. وهذه الكذبة جاءت من كتاب للمساعدة الذاتية في الستينيات، ووصفت المدة التي يستغرقها المرء للاعتياد على مظهره الجديد بعد إجراء جراحة تجميلية.

إذا، ما المدة التي يستغرقها الشخص لتكوين عادة ما؟

لسوء الحظ، تظهر الأبحاث الأخيرة أنه لا يوجد رقم سحري.

مع ذلك، نحن نعلم أن الأشخاص من ذوي العادات الراسخة يحتاجون إلى الاعتماد بشكل أقل على قوة الإرادة لتنفيذ السلوكيات الجيدة، ولكن الأيام الأولى لتنفيذ السلوك الجيد عادة ما تبدو وكأنها شاقة للجميع. وفقط بعد التكرار المستمر، ستشعر بالإحساس المرغوب بمزيد من السهولة.

وفيما يلي بعض النصائح العملية والمبنية على أساس علمي والتي قد تساعدك في الوصول إلى هدفك بشكل أسرع:

– العادات الأبسط قد تتكون بشكل أسرع

نود جميعًا أن نصدق أن ممارسة الرياضة أو القيام بنشاط جديد صعب آخر سيكون أمرًا تلقائيًا خلال ثلاثة أسابيع قصيرة. وبدلاً من ذلك، يشير البحث إلى أن سرعة تكوين العادة قد تكون مرتبطة بمدى تعقيد هذه العادة التي نحاول تكوينها.

وعلى سبيل المثال عادة غسل اليدين، يكتسبها الأشخاص في غضون أسبوع إلى أسبوعين، بينما أن اكتساب عادة الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية تستغرق أشهرًا.

وفي الدراسة التي تحلل تكوين نوعين من العادات، أشارت النتائج إلى أن العادات البسيطة مثل غسل اليدين أو تنظيف الأسنان قد تصبح معتادة بشكل أسرع مما توحي به أسطورة الـ 21 يومًا القديمة.

لماذا يستغرق الأمر شهورًا وليس أسابيع حتى تصبح ممارسة الرياضة في صالة الألعاب الرياضية أمرًا معتادًا؟ تخمن الدراسة أن تعقيد الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية يبطئ تكوين العادة.

ويستغرق الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية وقتًا، وجهدًا، وتخطيطًا كبيرًا.

ولا يُعد الذهاب إلى الصالة الرياضية عادة يومية، ما يجعلها أقل تكرارًا بكثير من غسل اليدين على سبيل المثال. وبشكل عام، أوضحت الأبحاث السابقة أن المزيد من التكرار هو المفتاح لبناء العادات.

وإذا كنت ترغب في بناء عادة تتعلق بالنشاط البدني بشكل أسرع، فكر في تجربة شكل أسرع من التمارين – على سبيل المثال، القيام ببعض تمارين القفز أو القرفصاء – والقيام بذلك كل ساعة. وقد يساعد القيام بذلك في وضع عادتك الجديدة على وضع تلقائي في إطار زمني أقصر.

– اجعل من تكرار الهدف عادة ممتعة

عندما نبدأ في بناء عادة جديدة، يبالغ غالبيتنا في تقدير قوة إرادتنا. لنفترض أنك تأمل في تحقيق لياقة بدنية من خلال ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، من المرجح أنك ستبحث عن تمرين يمكن أن يحقق نتائج سريعة مثل إنهاك نفسك على جهاز المشي. لكن الأبحاث أظهرت أنك ستستمر لفترة أطول وستحقق المزيد في النهاية إذا ركزت بدلاً من ذلك على إيجاد طرق لجعل السعي وراء الهدف ممتعًا.

– خلق مواقف ملائمة للعادات

من الشائع الاعتقاد بأن تكوين عادات صحية يعتمد على قوة الإرادة، لكن الباحثين في مجال العادات لا ينصحون “بالاستعداد” لخلق عادة. وبدلاً من ذلك، ينصحون بالتركيز على خلق مواقف صديقة للعادات، وهي البيئات التي “ستأخذك” في النهاية إلى السلوك المرغوب.

ويمكن أن تتضمن الإشارات عناصر من بيئتك المادية، أو الوقت المحدّد من اليوم، أو حتى الأشخاص الذين تقابلهم. وعلى سبيل المثال، رؤية الساعة الرقمية في حمامك تومض “6:30 صباحًا”. قد يشير إلى تنظيف أسنانك في هذا الوقت سابقًا.

لفتت الأبحاث السابقة إلى أن التفكير في الزمان والمكان الذي تخطط فيه لتحقيق هدف ما أمر بالغ الأهمية لتكوين العادة الناجحة.

وكانت هناك نتائج جيدة من خلال استخدام إشارات مميزة لتحفيز ذاكرة الأشخاص.

لكن لا تيأس إذا لم تجد الإشارات الصحيحة على الفور. في الأيام الأولى من بناء أي عادة، يجب أن تتوقع مرحلة استكشافية لأن أجزاء من كل ما تحاول جعله عادة ستكون جديدة وستحتاج إلى تعلم كيفية دمجها في حياتك اليومية.

وبعد فترة من التجربة والتكرار، يمكنك في النهاية إنشاء عادات يمكن التنبؤ بها.

– العادات تجعلنا أقل مرونة

أما الجانب المظلم من العادات، فيتمثل أنه بمجرد ما أن تتشكل، فإنك تقوم بتفعيلها بشكل انعكاسي. وعلى سبيل المثال، إذا كنت تختار الفاكهة بدلًا من كعكة بوعي وجهد كل صباح، فمن المحتمل أن تلاحظ ما إذا كانت تفاحتك تبدو فاسدة.

ولكن إذا كنت تمسك بتفاحة بشكل تلقائي، فقد تكتشف أنها سيئة فقط بعد تناول أول قضمة منها.

فهل يشكل ذلك خطرا؟ هل نستجيب بشكل أقل للمعلومات التي تشير إلى أنه ينبغي لنا أو لا ينبغي لنا أن نلتزم بنشاط أو اختيار بعد أن أصبح عادة؟

ومن خلال النظر في كيفية استجابة مرتادي صالة الألعاب الرياضية للتدخلات المختلفة التي تحفز ممارسة الرياضة، وجد البحث أن الأشخاص الذين اكتسبوا هذه العادة بالفعل كانوا أقل حساسية تجاه المكافآت الجديدة في مقابل حضورهم إلى صالة الألعاب الرياضية.

وستجعلك العادات أقل مرونة عندما يكون هناك سبب وجيه لتغيير سلوكك. وفي الواقع، يمكن لبعض التباين في الروتين أن يبني عادات أكثر استدامة. لذا، كن حذرًا بشأن السلوكيات التي تقوم بها بشكل متكرر وتأكد من أنك تريد لهذه الأنشطة أن تُصبح معتادة، إذ أن السلوكيات التي قد نعتبرها “عادات سيئة”، مثل التحقق المستمر من هاتفك، هي عرضة لأن تُصبح تلقائية، ويصعب تغييرها.

– تعزيز المرونة

بحلول الوقت الذي نضبط فيه السلوك على الوضع الذاتي، يقع الكثير منا في إجراءات روتينية متسقة إلى حد ما، ويميلون إلى ممارسة الرياضة أو الدراسة أو تناول الدواء في الوقت ذاته من اليوم وفي المكان ذاته. ولكن عندما تكون في مرحلة البدء في بناء العادات، خلافًا للرأي السائد، تشير الأبحاث إلى أنه من المهم إدراج بعض التنوع عمدًا في روتينك.

ستظل ترغب في تنفيذ الخطة الأولية، وربما حضور جلسة تأمل في الساعة 8 صباحًا إذا كنت تحاول بدء عادة اليقظة الذهنية. ولكن يجب عليك أيضًا تجربة طرق أخرى لإنجاز المهمة.

ويعتمد بناء العادات الناجحة على تكرار السلوك، وإذا أصبح روتينك مملًا للغاية، فسوف تلتزم به بشكل أقل.

وتعني العادة المرنة أنه لا يزال بإمكانك القيام بما تحتاج إليه حتى عندما تتعطل أفضل خططك الأولية – على سبيل المثال، ازدحام مروري في طريقك لإيصال الأطفال إلى المدرسة، ما يعني تفويت جلسة التأمل الصباحية.

أما إحدى الطرق التي أثبتت فعاليتها لتكون مرنًا فتتمثل بأن تمنح نفسك “خطة طوارئ”، عبارة عن عدد محدود من الأيام التي لا يمكنك فيها حقًا قضاء 10 دقائق من ممارسة التأمل، أو الركض المنتظم، أو تعلّم اللغة الإسبانية على سبيل المثال.

– حدد هدفًا محددًا

تُعد الطريقة التي تحدد بها الهدف الذي تأمل في تحويله إلى عادة غاية في الأهمية. وأظهرت الأبحاث أن وضع أهداف مثل “ممارسة التأمل بانتظام” يُعتبر مجردًا للغاية، إذ يجب أن تكون أكثر تحديدًا بشأن ما تهدف إلى القيام به بالضبط وعدد المرات.

ولا يجب القول: “سوف أمارس التأمل بانتظام”، بل يمكن القول: “سأمارس التأمل لمدة 15 دقيقة كل يوم”.

ويجعل وجود هدف محدد والبدء بتحقيقه أقل صعوبة، كما يسهّل عليك متابعة تقدّمك.

– قم بإعداد خطة مفصّلة

الآن بعد أن وضعت هدفًا محددًا، حان الوقت للتفكير في ما سيشكل علامة لك للالتزام بالهدف. لقد أثبت العلماء أنك ستحقق المزيد من التقدم نحو هدفك إذا قررت ليس فقط ما ستفعله، ولكن متى ستكون هناك علامة لتنفيذه، وأين ستفعله، وكيف ستقوم بذلك.

وعلى سبيل المثال، وضع خطة مثل “سأدرس اللغة الإسبانية لمدة 30 دقيقة، خمسة أيام في الأسبوع” تُعد مقبولة. ولكن خطة مفصلة ومبنية على علامة مثل “في كل يوم عمل بعد انتهاء اجتماعي الأخير، سأقضي 30 دقيقة في دراسة اللغة الإسبانية في مكتبي” فإنها من المرجح أن تبقى راسخة أكثر كعادة.

ويقلّل وضع هذا النوع من الخطط من فرص نسيانك لإنجاز الهدف، إذ أن الزمان والمكان في خطتك سيكون بمثابة علامة تنشّط ذاكرتك.

– متابعة قراراتك

وخلال شهر يناير/ كانون الثاني، أثناء قيامك بتحديد القرارات ومحاولة جعلها عادات، تذكر أنه لا يمكنك الاعتماد على العادات التي يمكنك البدء بها بعد عدد سحري من الأيام. وإذا مرّ 21 يومًا ولا يزال يتعين عليك إضافة تمرين إلى التقويم لجعله عادة، فلا تفقد الأمل.

– الدعم الاجتماعي

عادة ما يتم تجاهل خطوة البحث عن الدعم الاجتماعي، ولا يقتصر الأمر فقط على وجود مشجعين أو أشخاص يحاسبونك – رغم أن هذا الأمر يمكن أن يضيف قيمة، لذلك يُفضّل إخبار أصدقائك وعائلتك عن أهدافك.

وتظهر الأدلة أننا نتأثر بشدة بسلوكيات الأشخاص القريبين من حولنا، لذا حاول أن تكتسب بعضًا منها من خلال قضاء الوقت مع الأشخاص الذين يتفوقون قليلًا على منحنى الإلتزام.

وبشكل عام، تظهر الأبحاث أن العثور على أشخاص للتواصل الاجتماعي ومحاكاة أولئك الذين أنجزوا بالفعل ما تريد تحقيقه يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا.

وكمكافأة إضافية، عندما تسعى لتحقيق أهدافك إلى جانب الأشخاص الذين تحبهم، فإن ذلك يجعل الأمر أكثر متعة.

 

المصدر : https://annabaa.org/arabic/variety/37615

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M