لماذا تنتشر أمراض المناعة الذاتية عند النساء أكثر من الرجال؟

تمثل النساء حوالي 80% من إجمالي حالات الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وهي فئة تشمل حالات مثل الذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي. ومع ذلك، لطالما كان تفسير هذا التحيز نحو النساء لغزًا محيرًا، يقول المتخصصون لطالما أزعجتْ هذه المسألة علماء المناعة والروماتيزم على مدار الستين أو السبعين عامًا الماضية…

بقلم: إيلي دولجين

لماذا تعد النساء أكثر عرضةً للإصابة بأمراض المناعة الذاتية من الرجال؟ توصل الباحثون إلى تفسير جديد لهذا التفاوت: قد يكون الغشاء الجزيئي الذي يغلف عادةً نصف الكروموسومات X لدى المرأة، وغير الموجود في خلايا الذكور، هو الذي يثير استجاباتٍ مناعيةً غير مرغوبة1.

ويُعد الغشاء – وهو مزيجٌ من الحمض النووي الريبي والبروتينات – محوريًّا في عمليةٍ تطوريةٍ تُسمى تعطيل الكروموسوم X. وقد اعتقد الباحثون فيما مضى في أن الهرمونات الجنسية، والتنظيم الجيني المعيب في الكروموسوم X هي الأسباب الكامنة وراء تفاوت المناعة الذاتية. لكن الاكتشاف المتعلق بأن البروتينات التي تُعد محورية في عملية تعطيل الكروموسوم X هي نفسها التي تدق ناقوس الخطر المناعي؛ يجعل الأمور أشد تعقيدًا. ويمكن لهذا الاكتشاف أن يطلق فرصًا تشخيصية وعلاجية جديدة.

تقول لورا كاريل، عالمة الوراثة في كلية الطب بولاية بنسلفانيا في هيرشي: “إن ذلك يضيف حقًا بعدًا جديدًا في فهم آلية عمل الأمراض المناعية”. نُشرت الدراسة في مطلع شهر فبراير الجاري في دورية «سِل»2 Cell.

لغزٌ طبي

تمثل النساء حوالي 80% من إجمالي حالات الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وهي فئة تشمل حالات مثل الذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي. ومع ذلك، لطالما كان تفسير هذا التحيز نحو النساء لغزًا محيرًا.

يقول روبرت لاهيتا، المتخصص في أمراض الروماتيزم في كلية هاكنساك ميريديان للطب في ناتلي بولاية نيوجيرسي: “لطالما أزعجتْ هذه المسألة علماء المناعة والروماتيزم على مدار الستين أو السبعين عامًا الماضية”.

والمشتبه به الرئيس هو الكروموسوم X؛ ففي معظم الثدييات، بما فيها البشر، عادةً ما تحتوي خلايا الذكر على نسخة واحدة فقط من هذا الكروموسوم، بينما تحمل خلايا الأنثى عادةً نسختين.

(يستعمل هذا المقال لفظتَي “نساء” و”أنثى” للدلالة على من يحملون كروموسومين X، ولا يحملون أية كروموسومات Y، وهو ما يعكس لغة الدراسة، مع الاعتراف – في الوقت نفسه – بأن الهوية الجنسية والتركيب الكروموسومي لا يتوافقان دائمًا).

يؤدي تعطيل الكروموسوم X إلى إخماد نشاط كروموسوم X في معظم الخلايا XX، ما يترك “جرعة” الجينات المرتبطة بالكروموسوم X مساوية لتلك المرتبطة بالخلايا YX في الذكور. وهذه العملية فيزيائية للغاية: فشرائط الحمض النووي الريبي الطويلة المعروفة باسم «إجزيست» XIST تلتفّ حول الكروموسوم، وتجذب عشرات البروتينات لتشكل مركّبات تُسكِت الجينات الموجودة بداخله بشكل فعّال.

ومع ذلك، لا تبقى جميع الجينات ساكتة؛ ويُعتقد أن تلك الجينات التي تُفلت من تعطيل الكروموسوم X تعزز حدوث بعض أمراض المناعة الذاتية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لجزيء «إجزيست» نفسه أن يحفز الاستجابات المناعية الالتهابية، حسبما أفاد الباحثون في عام 20232. لكن هذا ليس كل ما في الأمر.

منذ قرابة العقد، لاحظ هوارد تشانج – المتخصص في الأمراض الجلدية والوراثة الجزيئية في كلية الطب بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، والمؤلف المشارك في الدراسة الحالية – أن الكثير من البروتينات التي تتفاعل مع جزيئات «إجزيست» كانت أهدافًا لجزيئات مناعية شاردة تسمى الأجسام المضادة الذاتية.

تستطيع هذه الأجسام المارقة النشطة أن تهاجم الأنسجة والأعضاء، مما يؤدي إلى الالتهاب المزمن والضرر اللذَين يَسِمان أمراض المناعة الذاتية. ولأنه عادةً ما يُعبَّر عن جزيئات «إجزيست» في الخلايا XX فقط؛ لذا بدا من المنطقي الاعتقاد بأن الأجسام المضادة الذاتية التي تهاجم البروتينات المرتبطة بجزيئات «إجزيست» قد تمثل مشكلةً أكبر بالنسبة للنساء مقارنةً بالرجال.

ولاختبار هذه الفكرة، لجأ تشانج وزملاؤه إلى ذكور الفئران التي لا تعبر عادةً عن الجزيئات «إجزيست». وهنا أخضع الفريق الفئران إلى هندسةٍ حيوية بغية إنتاج شكل من أشكال جزيئات «إجزيست» لا يُسكِت التعبيرَ الجيني، بل يشكل مركّبات مميزة من الحمض النووي الريبي والبروتين.

وقد استحثَّ الفريق مرضًا شبيهًا بمرض الذئبة لدى الفئران؛ ووجدوا أن الحيوانات التي عبَّرتْ عن جزيئات «إجزيست» كان لديها مستويات أعلى من الأجسام المضادة الذاتية، مقارنةً بتلك التي لم تعبر عن تلك الجزيئات. كما كانت خلاياها المناعية أيضًا في حالة تأهب أعلى، وهي علامة على الاستعداد لهجمات المناعة الذاتية، وأظهرت تلفًا أوسع نطاقًا في الأنسجة.

فرط نشاط الجهاز المناعي

الجدير بالملاحظة، أن الأجسام المضادة الذاتية نفسها قد ثبت وجودها أيضًا في عينات دم من أشخاص مصابين بالذئبة، والتصلب الجلدي، والتهاب الجلد والعضلات؛ وهذا دليل على أن جزيئات «إجزيست» والبروتينات المرتبطة بها هي “أشياء يصعُب على أجهزتنا المناعية تجاهلها”، كما تقول أليسون بيلي، عالمة الأمراض الجلدية في كلية الطب بجامعة ميتشيجان في آن أربور.

وتشير مونتسرات أنجيرا، عالمة الوراثة في جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا، إلى البيانات البشرية باعتبارها تصديقًا على أن الآليات المرتبطة بجزيئات «إجزيست» – التي لوحظت في الفئران – لها صلة مباشرة بأمراض المناعة الذاتية البشرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار على إدارة المرض. فعلى سبيل المثال، يمكن للتشخيصات التي تستهدف هذه الأجسام المضادة الذاتية أن تساعد الأطباء الإكلينيكيين في الكشف عن اضطرابات المناعة الذاتية المختلفة ومراقبتها، وتضيف: “هذه بدايةٌ جيدة. فإذا تمكنا من الاستفادة من هذه المعلومات في تسريع التشخيص، فسيكون ذلك رائعًا».

 

المصدر : https://annabaa.org/arabic/sciences/38382

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M