لماذا توجه وزير خارجية الولايات المتحدة للنيجر ؟

بقلم : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

في تطور مُلفت للنظر في مسار العلاقات الثنائية بين النيجر والولايات المتحدة منذ إستقلال النيجر في 3 أغسطس 1960قام وزير خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن بزيارة النيجر في 16 مارس2023 إلتقي خلالها بالرئيس محمد بازوم ووزير الخارجية حسومي مسعودو في نيامي وناقش معهما سبل تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والنيجر في مجالات الدبلوماسية والديمقراطية والتنمية والدفاع وجهود مكافحة الإرهاب التي تستهدف ما تدعيه الولايات المتحدة لمن تزعم أنهم متطرفين إسلاميين في النيجر ومنطقة الساحل على نطاق أوسع , كما قام الوزير بلينكين بإشراك الشباب من مناطق النزاع في النيجر والذين أكملوا برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج والمصالحة (DDRR) وذلك للتعرف على مساهماتهم في السلام في النيجر , وتطرق الوزير الأمريكي إلي موضوع تعزيز التعاون في قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا فيما يتعلق بالسلام والأمن والحوكمة العالمية والإقليمية وأزمة المناخ .

الإطار الإستراتيجي لمثل هذه الزيارة هو السعي إلي مواجهة  النفوذين الصيني والروسي المُتزايد وإلانخراط بقوة مع إفريقيا عبر الوسائل الأمريكية الرئيسية المتاحة  وأهمها الزيارات المُتبادلة والسفارات الأمريكيةالمُعتمدة في دول القارة والقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM ووكالة التنممية الدولية الأمريكية USAID وقانون الفرصة والنمو الأفريقي AGOA ووسائل أخري .

كما سبقت الإشارة فلم يحدث منذ أكثر من عقد أن قام وزير خارجية أمريكي بزيارة للنيجر (ثالث أكبر منتج عالمي لليورانيوم) وما سبق كان زيارات مسئوليين أمريكيين دون مستوي الوزير وآخرهم الزيارة التي قام بها وفد أمريكي برئاسة Victoria Nuland نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي في زيارته للنيجر حين إلتقاها وزير خارجية النيجر حسومي مسعودو في 19 أكتوبر 2022 وبحثا معاً علاقات التعاون بين الدولتين ومساعدات التنمية والتعاون الأمني , وأثني وزير خارجية النيجر علي العلاقات الجيدة بين الدولتين منذ 1961وعلي علاقات التعاون في مجالات الأمن والديموقراطية والحكم الصالح والتنمية كما أشاد بالعون الأمريكي عبر المؤسسة الدولية للتنميةUSAID التي قدمت للنيجر عوناً يربو علي 200 مليون دولار لمجالات مختلفة , وإفادة النيجر من قانون الفرصة والنمو الأمريكي AGOA

لماذا هذه الزيارة الآن ؟

إن هذه الزيارة تأتي أولاً والدبلوماسية والعسكرية الفرنسية تشهد موجة جزر وإنحسار غير مسبوقة , إذ ألغت كل من مالي وبوركينافاسو تعاونهما العسكري مع فرنسا وتسجل روسيا عبر مجموعة فاجنر إختراقاً ووجوداً مهماً في أفريقيا الوسطي وتتطلع روسيا لحيازة قاعدة لها في بورسودان وسبقها حيازة الصين قاعدة بحرية هي الأولي خارج الصين في جيبوتي  .

الأهداف المُحتملة لزيارة وزير خارجية الولايات المتحدة للنيجر:

1- أحتمال شراء إيران ليورانيوم من النيجر :

تأتي هذه الزيارة علي خلفية إنسحاب الولايات المتحدة في 8 مايو 2018من خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بشكل غير رسمي بالاتفاق النووي الإيراني وهو اتفاق دولي حول البرنامج النووي الإيراني تم التوصل إليه في يوليو 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – بالإضافة إلى ألمانيا) والاتحاد الأوروبي , ومنذ فترة تبددت الآمال في تحقيق نجاح وشيك في المحادثات النووية مع إيران فلا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الحكومة في طهران راغبتان في الوقت الحالي من عام 2023 في مواصلة التفاوض بشأن برنامج إيران النووي، مما يعني تعليق المحادثات الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي للعام 2015 , ومنذ نوفمبر2022 دخلت المحادثات النووية بين الغرب وطهران نفقا مظلما على إثر إرسال إيران شحنات تصنيع طائرات بدون طيار إلى روسيا التي تخوض غمار حرب ضروس ضد أوكرانيا المدعومة من عسكرية الولايات المتحدة وعسكريات دول حلفNATO   , وليس هناك من وقت مناسب أكثر من الوقت الوقت الراهن حيث الحرب الروسية / الأوكرانية التي بدات في 24 فبراير 2022 حتي الآن و توقف المفاوضات الأمريكية / الغربية / الصهيونية الضاغطة علي برنامج إيران النووي الذي يتسارع في تقدمه إستغلالاً لهذه الظروف المواتية , وهو أمر تراقب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني خاصة تحركات إيران بشأنه , ومن بين هذه التحركات المُحتملة تحرك إيران بإتجاه الحصول علي كميات من الكعكة الصفراء (مُستخلص اليورانيوم)Yallow Cack  لتموين برنامجها النووي , وقد سبق أن أشار تقرير اللجنة التي كان يرأسها اللورد “باتلر” إلي معلومات مُوثّقة عن زيارات قام بها مسؤولون عراقيون لدولة النيجر المصدّرة لليورانيوم  أيدتها معلومات الاستخباراتية البريطانية الواردة من مصادر كثيرة وتشير إلى أن الغرض من تلك الزيارات كان الحصول على اليورانيوم لكن هذه المعلومات كانت بلا أدلة جازمة بأن العراق قد اشترى اليورانيوم بالفعل .

لكن الذي يؤكد أن زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة في 16 مارس 2023 كانت للإحاطة بـ وإحباط أي تحرك إيراني في إتجاه شراء يورانيوم من النيجر أنه في نهاية ديسمبر 2005 سافر وزير زراعة النيجر الذي كلف بمهام وزير تعدين النيجر(لإحكام سرية الزيارة) إلي طهران ووقع إتفاقية تعاون في مجال التعدين مع الحكومة الإيرانية وبخاصة اليوراتنيوم وبعد عودته بأقل من شهرين  أطاح إنقلاب عسكري في النيجر في 18 فبراير 2010قاده Salou Djibo وهوضابط مغمور أطاح  برئيس النيجر الراحل Mamadou Tandja لا لشيئ إلا لأنه تجرأ وإوفد وزير الزراعة لإيران من أجل هذا الإتفاق التعديني خاصة في ظروف متوترة في علاقات تعاون فرنسا مع النيجر في إستغلال يورانيوم شمال النيجر فقد كان رئيس النيجر Mamadou Tandja يُطالب الفرنسيين آنئذ بتغيير النمط التعاقدي غير العادل لإمتيازات تعدين يورانيوم النيجر(ثاني أكبر منتج عالمي)  مُهدداً إياهم بمنح إمتياز ثاني أكبر مسطح تعدين يورانيوم في العالم Imoraren بشمال النيجر للصينيين إن لم يفعلوا فوافقوا في 15 مارس 2009 خلال زيارة لنيامي إستغرقت 4 ساعت للرئيس ساركوزي بصحبة Anne Lauvergeon رئيسة مجموعة Areva لتعدين اليورانيوم , بعد ذلك ثم قام الفرنسيين بهندسة هذا الإنقلاب بالتعاون مع شركة Black Water ولدي تفاصيله , وهكذا كان إنقلاب مالي في 22 مارس 2012 بقيادة ضابط مغمور آخريُدعي Amadou Sanogo أطاح فيه بالرئيسAmadou Toumani Touré قبل شهر من إنتهاء ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة لا لشيئ إلا لانه رفض الإنصياع للفرنسيين لإجتثاث الإسلاميين الأفارقة والعرب  من وسط وشمال مالي بسبب رؤيته بأن ذلك سيؤدي في نفس الوقت لتمزيق النسيج الإجتماعي بمالي وتأجيج المقاومة للنظام السياسي وللفرنسيين وكذا إحياء الدعاوي الإنفصالية , وقال لهم أي للفرنسيين أنه يُؤثر التفاوض معهم , لكن الفرنسيين فضلوا إستمرار المواجهة مع المقاومة الإسلامية – أيا كان مُسماها – ثم تم لاحقاً تعيين Ibrahim Boubacar Keïta وهو أحد وكلاء فرنسا رئيساً مُنتخباً لجمهورية مالي والذي أُطيح به بإنقلاب عسكري في 18 أغسطس 2020 بالرغم من Keïta  كان متعاوناً مع الفرنسيين ولذلك نشطت المخابرات الفرنسية في تنصيبه بعملية ديموقراطية هزلية , لكن مع تردي كل أوضاع مالي وإشتداد المقاومة الإٍسلامية فقد تعرضت القدرات الفرنسية إلي تآكل وبالتالي فقد أخفقت في السيطرة علي الجيش المالي بل علي المؤسسات العسكرية بدول مجموعة الساحل الخماسية خاصة وأن هذه المؤسسات هي من تتعامل معها السياسة الفرنسية قبل القادة السياسيين والحزبيين بهذه الدول مما أكسبها مكانة خاصة ومُسيطرة ويزيد اللجوء الفرنسي إليها مع إشتداد المقاومة الإسلامية في عموم الساحل , لكن هذه الجيوش وخاصة جيش مالي أصابه الإنهاك من إستمرار القتال في حرب عصابات ليس مُعداً لها بالمرة شأنه شأن القوات الفرنسية ( إختزل الفرنسيون وحلفاءهم بالساحل المقاومة الإسلامية في كيان واحد هو تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبري EIGS بقيادة أبو وليد الصحراوي) ومع تصاعد الغضب الشعبي وشدة إلتزام أجنحة المقاومة الإٍسلامية بالصحراء الكبري  بقضية المقاومة للفرنسيين أخذ الوجود العسكري في مال يضمحل ويتراجع الفرنسيون نحو النيجر  , فلقد أدي هذا الغضب وتلك الشدة في الإلتزام إلي إمتدادات في شمال بوركينافاسو التي وصلت هجمات المقاومة الإسلامية علي المصالح الفرنسية لعاصمتها Ouagadougou وأستهدفت الفرنسيين هناك وحتي شمال الكاميرون Boko Haram التي وُضعت لها رواية وُزعت نسخها علي الإعلام الغربي والأفريقي بوصفها إرهابية مع أنها في المبدأ جماعة تربوية دعوية سلمية منشأ إرهابها أرهاب السلطات في نيجيريا لها بدفع من الكنيسة هناك ولما إستمر ذبح وترويع أعضاءها رفعت السلاح وخرجت الأمور عن سيطرة أعضاءها وعن العسكريين النيجيريين معاً .

مما يعزز إحتمال أن يكون الهدف الرئيسي من الزيارة هو وقف أي تحرك إيراني مع النيجر في التعاون أو لشراء كميات من الكعكة الصفراء أنه بمجرد إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي مع إيران تحررت الأخيرة من القيود علي برنامجها النووي بوجه عام وعلي طبيعته بوجه خاص  , ومن ثم وازنت إيران التقدم للأمام في برنامجها النووي في الإتجاهين معاً المدني والعسكري مع تكلفة الفرصة المضيعة فكان أن قررت وبسرعة الولوج إلي الإتجاهات الرئيسية التي تحقق مردودية البرنامج النووي لمصلحة أمن إيران القومي , ولنتذكر أن الدول ذات الإيدولوجية الواضحة والعميقة هي نفسها الدول التي تبغي الكمال لنظرية أمنها القومي دون إعتبار للخصوم بوجه خاص وهذا هو مناط خشية المُتربصين ببرنامج إيران النووي .

2- قاعدتي الطائرات التي بلا طيار Drones بالنيجر :

إن إنحسار نفوذ وتواجد فرنسا العسكري في أفريقيا الوسطي ومالي وبوركينافاسو وإقتحام روسيا عن طريق شركة “فاجنر” للمرتزقة الفراغ الذي نجم عن هذا الإنحسار أثار خشية الولايات المتحدة من تمدد الروس في النيجر التي يتجمع بها حالياً وبتشاد التواجد العسكري الفرنسي إلي أن تعيد فرنسا ترتيب تحركها السياسي والعسكري مُجدداً في غرب أفريقيا , وبناء علي ذلك ربما تمهد زيارة الوزير أنطوني بلينكن لتوقيع إتفاقية أمنية / عسكرية مع النيجر بموجبها تقترح التفاوض علي توسيع مدي ونطاق التعاون الأمني والعسكري ما بين النيجر والولايات المتحدة لإنشاء قاعدة عسكرية متعددة الأغراض بحيث لا يقتصر الأمر علي قاعدتي الطائرات بدون طيار في نيامي وأجاديز خاصة وأن موقع النيجر الجغرافي والجيوسياسي ممتاز فهي بين تشاد حيث الوجود الفرنسي العسكري الكثيف ( أرسلت الولايات المتحدة في مايو 2013 نحو 80 عسكري أمريكي لتشاد للعمل في قاعدة أقيمت للطائرات المُوجهة عن بعد DRONES وإدارة عملية مسح جوي للبحث عن البنات اللائي قيل أن جماعة Boko Haram إختطفتهن من منطقة بشمال نيجيريا المجاورة وبعد فترة أعترفت أفريكوم عن أنها خفضت عدد الطلعات الجوية والمسح الجوي للبحث عنهن من أجل التركيز علي مهام أخري) وجنوب ليبيا ومتاخمة لمالي (منطقة AZWAD ) وتعتبر إلي حد ما مستقرة سياسياً وبها عملية ديموقراطية مقبولة لدي الغرب .

هناك مبرر قوي لدي الأمريكيين للتواجد العسكري علي نحو خاص في النيجر ففي 11 سبتمبر 2001 كما هو معروف أصيبت الولايات المتحدة بصدمة في القلب , لذا بدأ الرئيس جورج دبليو بوش ما أسماه بالحرب الصليبية وبدأ الحرب ضد الإرهاب المزعوم والذي أصبح لازمة لدي القادة الديكتاتوريين في العالمين الأول والثالث معاً , وتحت هذا الزعم خاضت الولايات المتحدة حربها في العراق وأفغانستان وكذلك نظر المراقبون للصراعات في باكستان  , ومع تطور التكنولوجيا استخدم الأمريكيون الطائرات بدون طيار منذ عدة سنوات لا سيما في القتال ضد القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية المسلحة , وقلل خليفة بوش باراك أوباما من قوة وكالة المخابرات المركزية (CIA) على هجمات الطائرات بدون طيار من خلال منح تلك السلطة للجيش الأمريكي وأستند هذا القرار إلى حقيقة أن استخدام الطائرات المسيرة تسبب في وقوع إصابات في صفوف المدنيين ومع ذلك يبدو أن الأمور قد تغيرت منذ انتخاب دونالد ترامب للبيت الأبيض فخلال فترة ولايته عين الرئيس ترامب مايك بومبيو وزيرا للخارجية الذي أقنع الرئيس بتغيير القرار بشأن استخدام الطائرات بدون طيار , ومن المهم أن نذكر أن مايك بومبيو كان مديرًا سابقًا لوكالة المخابرات المركزية  وبدأت الولايات المتحدة مؤخرًا في استخدام قاعدة عسكرية في النيجر في ديركو , وشنت كالة المخابرات المركزية هجمات بطائرات بدون طيار ضد المتمردين الإسلاميين في ليبيا من قاعدة جديدة في شمال شرق النيجر , والمعلومات المتوفرة حاليًا لا تجعل من الممكن معرفة إلى متى تستخدم الولايات المتحدة هذه القاعدة , لكن وزيرا في الحكومة النيجيرية “إعترف بوجود طائرات أمريكية بدون طيار في هذه البلدة الصحراوية الصغيرة , وعلاوة على ذلك ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز ، “تنقل وكالة المخابرات المركزية حاليًا طائرات إلى شمال شرق النيجر لاستهداف المسلحين الإسلاميين في جنوب ليبيا ، مما يشير إلى توسع عمليات الطائرات بدون طيار , وتستخدم حكومة الولايات المتحدة هذه القاعدة للمراقبة وأيضًا لمحاربة “التهديد المتزايد المرتبط بمن أسمتهم “لمتشددين الإسلاميين ” , ومن المهم ملاحظة أن حكومة النيجر تدعم الولايات المتحدة في استخدامها للطائرات بدون طيار .

في عام 2014 أنشأ البنتاجون قاعدة طائرات بدون طيار في واحدة من أبعد الأماكن على وجه الأرض: مفترق طرق قافلة قديمة في وسط الصحراء في مدينة أجاديز بشمال النيجر وذلك بعد شهور من المفاوضات سمحت في نهايتها حكومة النيجر وهي دولة غير ساحلية في غرب إفريقيا للجيش الأمريكي بطيران طائرات مسيرة غير مسلحة من مدينة أجاديز الصحراوية ذات الأسوار الطينية وذلك وفقًا لما صرح به مسؤولين من النيجر والولايات المتحدة , ويمنح القرار الذي لم يكشف عنه من قبل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) مركزا آخر للمراقبة – الثاني في النيجر والثالث في المنطقة – لتعقب ما يصفهم الأمريكيين “بالمقاتلين الإسلاميين”الذين زعزعوا استقرار أجزاء من شمال وغرب إفريقيا  وهذه هي من القاعدة الثانية للطائرات بدون طيار في النيجر حيث القاعدة الأولي في نيامي عاصمة النيجر .

ذكرت وكالة رويترز في 30 يوليو 2018 أن مصدربالجيش الأمريكي قال : ” إن القوات الأمريكية بدأت في نشر طائرات مسيرة مسلحة في دولة النيجر الواقعة في غرب إفريقيا في وقت سابق هذا العام لمهاجمة متشددين إسلاميين” وقد منحت حكومة النيجر القوات الأمريكية في نوفمبر2018 إذناً بتسليح طائراتها بدون طيار , وكانت الطائرات الأمريكية بدون طيار تُستخدم قبل ذلك فقط للمراقبة , وقد توسع الوجود العسكري الأمريكي في النيجر في السنوات الأخيرة إلى قوة قوامها 800 فرد ترافق القوات النيجيرية في جمع المعلومات الاستخبارية وغيرها من المهام  مما يعكس مخاوف الولايات المتحدة بشأن تزايد التشدد في منطقة الساحل بغرب إفريقيا.

صرحت القيادة الأمريكية في إفريقيا في الأول من نوفمبر 2019  لإذاعة صوت أمريكا بأن القاعدة الجوية الجديدة التي بنتها الولايات المتحدة في أجاديز بشمال النيجر تعمل بكامل طاقتها حيث تقوم بأول رحلاتها الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع بدون طيار هذا الأسبوع , وقال ستيفن تاونسند قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا : “نحن نعمل مع شركائنا الأفارقة والدوليين لمواجهة التهديدات الأمنية في غرب إفريقيا. إن بناء هذه القاعدة يدل على استثمارنا في شركائنا الأفارقة والمصالح الأمنية المتبادلة في المنطقة ” , وقالت القوات الجوية الأمريكية إن القاعدة الجوية التي تبلغ تكلفتها 110 ملايين دولار هي واحدة من أقسى المواقع التي يعمل منها الجيش , وتم الانتهاء من المنشأة التي يطلق عليها اسم القاعدة الجوية 201 في وقت سابق من هذا العام بعد عدة تأخيرات ناجمة جزئيًا عن تحديات العمل في صحراء نائية .

هناك تيار إسلامي بالنيجر وهو كامن ولكنه قوي لدي قطاع عريض من السكان الذين هم خليط من قبائل الجيرما والهوسا والفولاني و99,5% منهم مسلمين علي المذهب المالكي , ومن مؤشرات وجود نمو وقوة هذا التيار أنه في أعقاب إنقلاب 18 فبراير 2010 وفي المرحلة الإنتقالية التي تولي فيها المجلس العسكري السلطة وإبان وضع المجلس الإستشاري لمشروع الدستور الجديد حظرت السلطات العسكرية مظاهرة شعبية كبيرة تطالب بتضمين هذا الدستور لمادة تنص علي أن الإسلام هو دين الدولة ولكن الإنقلابيين والنخبة الموالية بالمجلس الإستشاري أبقيا علي مبدأ علمانية الدولة وهو رفض شاذ إذ أن الدستور الأسباني مثلاً ينص علي كاثوليكية الدولة , فما هو الفرق وما هو الخطر من ذلك ؟ , وعلي كل حال فالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية عبر بعض المنظمات غير الحكومية ذات الأهداف الخاصة (وبالأخص الدينية) تحاول أن تنخر في بنية المجتمع النيجري , بالإضافة للجهود المؤسسية الأمريكية / الغربية , ولذلك وفي مواجهة ما تزعم الولايات المتحدة أنها منظمات/ جماعات و تيارات متطرفة أنشأت العسكرية الأمريكية ما يُسمي بـالشراكة المُضادة للإرهاب عبر الصحراء(Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership)  بل وساهمت الولايات المتحدة أيضاً في إنشاء قوة الساحل الخماسية التي روجت لها ودعمتها دبلوماسياً وعسكرياً فرنسا , فكأنهما أي الولايات المتحدة وفرنسا والحالة هذه تشجعان علي إقامة تنظيمات وترتيبات خارج إطار الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي السادر في نومه , وتعمل الشراكة المُضادة للإرهاب عبر الصحراء من داخل القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM , ثم أنه رغم أنه من المُتوقع أن يتم تنسيق العمليات بين الولايات المتحدة والقوة الخماسية للساحل , إلا أن قيادة AFRICOM فضلت أن تقوم هي وحدها بالتنسيق داخل هذه الشراكة  .

جنباً إلي جنب مع جهود القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا   AFRICOM والشراكة المُضادة للإرهاب عبر الصحراء Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership قال مصدر حكومي رفيع في النيجر عام 2014 إن النيجر سمحت بوضع طائرات استطلاع أمريكية بدون طيار على أراضيها لتحسين المعلومات الاستخباراتية بشأن المقاتلين الإسلاميين المرتبطين بالقاعدة في شمال مالي والصحراء الكبرى وقال المصدر إن سفيرة الولايات المتحدة لدى النيجر ، بيسا ويليامز ، تقدمت بالطلب خلال اجتماع مع الرئيس محمدو يوسفو الذي قبله على الفور , وقال المصدر الذي   “النيجر أعطت الضوء الأخضر لقبول طائرات استطلاع أمريكية بدون طيار على أراضيها لتحسين جمع المعلومات الاستخبارية عن الحركات الإسلامية” , وأوضح هذا المصدر إن الطائرات المسيرة يمكن أن تتمركز في منطقة أجاديس الصحراوية بشمال النيجر والمتاخمة لمالي والجزائر وليبيا بعد محادثاتها مع يوسفو ، قالت وليامز للصحفيين إنهما ناقشا التعاون الاقتصادي والعسكري وقضايا التنمية. كما أعربت عن تقدير واشنطن للمهمة العسكرية التي تقودها فرنسا لطرد تحالف من المقاتلين المرتبطين بالقاعدة من شمال مالي , وجدير بالإشارة إلي أن لدى الولايات المتحدة بالفعل طائرات بدون طيار وطائرات استطلاع متمركزة في عدة نقاط حول إفريقيا. تقع قاعدتها العسكرية الدائمة الوحيدة في دولة جيبوتي الصغيرة في القرن الأفريقي ، على بعد أكثر من 3000 ميل (5000 كيلومتر) من مالي .

هذا الوجود الأمريكي بالنيجر كان لمدة طويلة موضع تقدير من قبل النيجر وبالفعل  أشار عمدة مدينة ديركو بوبكر جيروم ، إلى أن “الطائرات بدون طيار ساعدت في تحسين أمن المدينة , وهناك حقيقة مهمة أخرى ففي عام 2015 وقعت الولايات المتحدة والنيجر اتفاقية من النوع العسكري والغرض منها هو “الأمن والحكم الرشيد ولكنها كانت أيضًا التزام متبادل “للعمل معًا على مكافحة الإرهاب  , فمن جانب النيجر تُعتبر الولايات المتحدة رصيدًا رائعًا لتطورها العسكري لكون النيجر دولة فقيرة تعيش مع مشاكل كبيرة على حدودها فيما يتعلق بمجموعات إرهابية مزعومة مختلفة , ومن ثم فإن مساعدة أكبر قوة عسكرية لا يمكن إهمالها تُعد هدفاً ثميناً , وعلى سبيل المثال ففي 4 فبراير 2019 تبرعت الولايات المتحدة بمبنى بقيمة 16.5 مليون دولار لمساعدة أنظمة الاتصالات في النيجر  .

تري الولايات المتحدة أن النيجر تتمتع بموقع جيد جيوستراتيجيًا فوفقًا لمصدر من المنطقة نُقل لصحيفة لوموند : أن”النيجر قريبة من تهديدين رئيسيين بوكو حرام والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وبحسب هذا المصدر  ستعقد الدولتان عدة اتفاقيات بينهما وفي الواقع ستسمح النيجر للولايات المتحدة بترسيخ وجودها عسكريًا بها وفي المقابل سيساعد الأمريكيون جيش النيجر سواء من حيث التسلح أو التدريب وتحظى النيجر أيضًا بشعبية بين الأمريكيين لأنها على عكس البلدان المجاورة الأخرى “مستقرة نسبيًا سياسيًا  , ويبدو أن العلاقة بين البلدين هي علاقة أخذ وعطاء لذلك ليس من المستغرب أن تقبل النيجر قاعدة الطائرات بدون طيار الأمريكية ومن المهم أيضًا التأكيد على أن رئيس النيجيري محمدو إيسوفو كان “أول زعيم أفريقي تستقبله إدارة ترامب في البيت الأبيض .

قام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بزيارة إلي النيجرفي   18 يوليو 2014 وتفقد المفرزة الجوية للجيش الفرنسي بقاعدة النيجر 101 في نيامي ، وهي في موقع سري تنطلق منه الطائرات الفرنسية بدون طيار مجهزة للاستخبارات أشار الرئيس فرانسوا هولاند إلى دعم فرنسا لقضايا الأمن في النيجروقال : “أتيت إلى النيجر إلى نيامي لأعيد تأكيد دعم فرنسا للرئيس إيسوفو ودعم فرنسا لتنميته …. ، ولكن دعم فرنسا أيضًا للأمن وأمن النيجر وأمن غرب إفريقيا وأمن فرنسا لأنه غير قابل للفصل ما يمكن أن يحدث في النيجر يمكن أن يؤثر على أمننا ومصالحنا وسكاننا ” .

تكتفي الولايات المتحدة حتي الآن بعدم الإشتباك علي الأرض (خلافاً لحالة الفرنسيين) مع الجماعات المسلحة أو المُتشددين كما يصفهم الغربيين في منطقة الصحراء الكبري الشاسعة , فقد أشار موقع GEOPOLIS Afrique في 5 أكتوبر 2017 ” أنه وعلي سبيل المفاجأة أُكتشف أن هناك ثمة وجود غير مُعلن للجنود الأمريكيين في الساحل فقد لقي بعض من عناصر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية مصرعهم وهم في مهمة في منطقة حدودية بين النيجر ومالي وذلك في كمين نصبته لهم مجموعة مُنبثقة عن تنظيم الدولة الإسلامية ” , وتساءل Jacques Deveaux كاتب هذا المقال عن عدد القوات الأمريكية بالنيجر ؟ مُعقباً بقوله أنه من المستحيل معرفة العدد , إلا أنه أشار إلي خطاب الرئيس Obama الذي أرسله لمجلس النواب عام 2015 وأشار فيه إلي أن عدد القوة الأمريكية بالنيجر يبلغ 350 رجل , لكن موقع STARS AND STRIPES في 6 أكتوبر 2017 أشار بالإحالة علي القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا إلي أن للولايات المتحدة موقعين تعمل بهما قواتها بالنيجر في إطار ما وصفه الموقع بـ “التعاون الأمني ” أحدهما في العاصمة Niamey والآخر في شمال النيجر بمدينة Agadezللطائرات بدون طيار وهي التي زارها قائد Africom الجنرال Thomas D. Waldhauser في 2 نوفمبر 2016  .

الــــــســــــفـــــير بــــــــلال الــــمــــصــــري – الــــــقـــــاهــــرة  –

حصريا المركز الديمقراطي العربي تــحــريـــراً في 14 مــارس 2023

.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M