مؤشرات مختلطة: التجربة الديمقراطية في “أرض الصومال”.

أسماء عادل

 

على الرغم من غياب الاعتراف الدولي بأرض الصومال التي انفصلت عن الصومال بشكل منفرد في مايو 1991، إلا أنها تحظى بسمعة جيدة في الحرص على ترسيخ العملية الديمقراطية في إقليم القرن الإفريقي؛ إذ يتم تصنيفها وفقًا لمؤسسة فريدوم هاوس للحقوق السياسية والحريات المدنية على أنها “حرة جزئيًا” بدرجة (42/100)، في حين تتراجع الحقوق السياسية والحريات المدنية في كل من الصومال حيث تأخذ درجة (7/100)، وكذلك إثيوبيا (22/100)، وجيبوتي (24/100)، حيث يتم تصنيف هذه البلدان على أنها “غير حرة”.

وتحاول هذه الورقة استكشاف كيف عملت أرض الصومال المعروفة باسم “صوماليلاند” على ترسيخ الممارسات الديمقراطية، وهو ما يتطلب معرفة السياق الذي صاحب انفصال أرض الصومال عن الصومال، واستعراض تجربة أرض الصومال في تأسيس نظام سياسي ديمقراطي عقب مرحلة الانفصال، ومحاولة معرفة مدى التزام أرض الصومال بالمعايير الديمقراطية على صعيد الممارسات على أرض الواقع.

تأسيس النظام السياسي في أرض الصومال

أثرت التطورات السياسية التي شهدتها الصومال في ستينيات القرن الماضي سلبًا على حالة الاستقرار السياسي في الصومال، فقد أدى الانقلاب العسكري الذي قاده محمد سياد بري في 1969 إلى إزاحة الحكومات المدنية وإلغاء البرلمان والدستور، وارتكاب مذابح وحشية ضد إقليم الشمال. وعلى إثر هذه المظالم التي تعرض لها إقليم الشمال الصومالي، فقد نشطت مجموعة مسلحة من الإقليم للتصدي للحملة العسكرية، وعرفت هذه المجموعة باسم “الحركة الوطنية الصومالية المسلحة”، وعملت الحركة على صياغة مجموعة من الأهداف التي تسعى لتحقيقها، ويأتي على رأسها التخلص من النظام العسكري، والانفصال عن الصومال. وقد تبنت الحركة آلية المؤتمرات التي انخرط فيها زعماء العشائر في إقليم الشمال إلى جانب قادة الحركة لتبادل الرؤى وتنسيق الجهود بشأن تحديد مستقبل إقليم الشمال، وقد جاءت مخرجات هذه المؤتمرات بالاتفاق بشأن إعلان استقلال أرض الصومال عن الصومال 1991، وتشكيل حكومة انتقالية لمدة عامين مع مراعاة التمثيل العادل للعشائر الشمالية فيها.

وقد عملت النخبة الفاعلة في إقليم أرض الصومال على الانخراط في عملية وضع الدستور خلال الفترة الزمنية (1991 -1997)، بحيث يتم تحديد قواعد اللعبة السياسية، وذلك في ضوء عدد من الركائز التي تستند إلى تبني المبادئ الديمقراطية بمفهومها الغربي، حيث إننا نتحدث في فترة تسعينات القرن الماضي؛ إذ شهدت القارة الإفريقية موجة التحول الديمقراطي، والتحول من نظام الحزب الواحد إلى نظام التعددية الحزبية، ويبدو أن النخبة في أرض الصومال قد تأثرت بهذا السياق. وقد جاءت فلسفة دستور أرض الصومال على دمج العشائر في إقليم الشمال في هياكل سياسية مؤسسية، بحيث يكون الولاء للدولة بدلًا من الولاءات الأولية (العشيرة)، والتأكيد على تداول السلطة، والحرص على عقد انتخابات دورية، والسماح بتعددية الأحزاب.

ووفقًا للدستور الذي تم إقراره بموجب الاستفتاء الشعبي المنعقد عام 2001، يتم إجراء انتخابات حرة ونزيهة لاختيار الرئيس، حيث يتم انتخاب الرئيس بشكل مباشر لمدة أقصاها فترتان مدتهما خمس سنوات ويقوم الرئيس بتعيين مجلس الوزراء. كما يتم انتخاب الممثلين التشريعيين من خلال الانتخابات؛ إذ يتم انتخاب أعضاء المجلس التشريعي الأدنى (مجلس النواب) المكون من 82 مقعدًا، بشكل مباشر لمدة خمس سنوات، في حين أن أعضاء الغرفة العليا مجلس الحكماء “غورتي” المكونة من 82 مقعدًا، يتم انتخابهم بشكل غير مباشر لمدة ست سنوات.

ويشجع الدستور الأحزاب السياسية، ولكن الدستور يسمح فقط بوجود ثلاثة أحزاب سياسية بحد أقصى، حيث إنه يتم تصعيد الجمعيات السياسية الثلاث التي تحصل على أعلى الأصوات من انتخابات المجالس المحلية في جميع أنحاء البلاد إلى الأحزاب الوطنية التي تخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ونجد أن المغزى وراء اقتصار الحياة الحزبية على ثلاثة أحزاب، يرجع إلى تجنب الانقسامات العشائرية، وتأسيس أحزاب على أساس قاعدة وطنية.

المؤشرات المختلطة للأداء الديمقراطي في أرض الصومال

يحاول هذا الجزء من الورقة البحثية محاولة معرفة مدى التزام أرض الصومال بالمعايير الديمقراطية على صعيد الممارسات على أرض الواقع، وهو ما يمكن استكشافه من خلال استعرض عدد من المؤشرات، والتي يمكن تصنيفها إلى نوعين من المؤشرات؛ مؤشرات إيجابية التي تعد بمثابة نقاط القوة في النموذج الديمقراطي لأرض الصومال، ومؤشرات يتراجع فيها الأداء الديمقراطي، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

  1. مؤشرات إيجابية: يمكن القول إن هناك سمات تبرز نقاط القوة في النموذج الديمقراطي الذي تطرحه أرض الصومال، ويمكن توضيحها على النحو التالي: 
  • التعددية الحزبية: في عام 2002، تم تسجيل 6 من الجمعيات السياسية، والتي نافست على الانتخابات المحلية، حيث حصل ثلاث منها على المراكز الأولى هي؛ الحزب الديمقراطي الشعبي المتحد “أودب” وحزب التضامن “كلمية” وحزب العدالة والرفاهة “أوعيد”، وهو ما يعني أن الانخراط في الحياة السياسية في أرض الصومال يقتصر على هذه الأحزاب الثلاثة. ولكن نجد أن المجال السياسي قد تم فتحه في عام 2011، فقد تم إجراء تعديلات على القانون المنظم لعمل الأحزاب بحيث يتم تسجيل الجمعيات السياسية كل عشر سنوات، وبموجب هذا التعديل تشارك الجمعيات الجديدة المسجلة مع الثلاثة القائمة في الانتخابات المحلية، ونجد أن أول ثلاث جمعيات تحصد أعلى الأصوات تتحول إلى أحزاب سياسية لمدة عشر سنوات جديدة. وعلى إثر هذه التعديلات، تم تسجيل جمعيات جديدة في عام 2012، وشاركت في الانتخابات المحلية مع الأحزاب الثلاثة القائمة، وجاء في المراكز الثلاثة الأولى، حزب التضامن “كلمية” والحزب الوطني “وداني” وحزب العدالة والرفاهة “أوعيد”.
  • تراجع سيطرة الحزب الحاكم وصعود أحزاب المعارضة: نجد أنه يحدث تداول سلمي للسلطة من خلال إجراء الانتخابات بشكل دوري، حيث إن الحزب الحاكم يخسر في الانتخابات ويحل محله حزب المعارضة، ويتضح ذلك جليًا في نجاح حزب “كلمية” في أن يحل محل الحزب الحاكم “أودب” منذ انتخابات 2010، حيث فاز مرشح الحزب “كلميه”، أحمد سيلانيو، في انتخابات الرئاسة 2010، كما تمكن رئيس الحزب والرئيس الحالي، موسى بيحي، من الفوز في انتخابات الرئاسة 2017. ونجد أن سيطرة الحزب الحاكم الحالي “كلمية” في الانتخابات التشريعية والمحلية قد تراجعت في الانتخابات التشريعية والمحلية التي عقدت في مايو 2021، حيث تمكن حزبا المعارضة “وداني” و”أوعيد” في تحقيق الأغلبية في البرلمان بالحصول على 52 مقعدًا من أصل 82 مقعدًا يتكون منها البرلمان مقابل 30 مقعدًا حصل عليها حزب “كلمية” الحزب الحاكم، كما نجح حزبا المعارضة من تحقيق الفوز في الانتخابات المحلية.
  • تداول السلطة بشكل سلمي: يتم انتخاب الرئيس من خلال الانتخابات المباشرة؛ إذ يتم انتخاب الرئيس مباشرة لمدة أقصاها فترتان مدتهما خمس سنوات ويعين مجلس الوزراء. ففي عام 2017، أجرت أرض الصومال ثالث انتخابات رئاسية. فاز فيها الرئيس الحالي لأرض الصومال موسى بيحي عبدي من في المنافسة بنسبة 55 في المائة من الأصوات، يليه عبد الرحمن محمد عبد الله من بنسبة 40 في المائة، وفيصل علي وارابي بنسبة 4 في المائة وفيما يتعلق باختيار الممثلين التشريعيين، يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب بشكل مباشر، في حين يتم انتخاب أعضاء الغرفة العليا بشكل غير مباشر.
  1. مؤشرات تراجع الأداء الديمقراطي: هناك مؤشرات تكشف عن التناقض بين الخطاب الرسمي للسلطات الحاكمة في أرض الصومال الذي يتشدق بالالتزام بالمعايير الديمقراطية، وبين الممارسات الفعلية على أرض الواقع، لاسيما فيما يتعلق بالحريات العامة. ويمكن ذكر أبرز هذه المؤشرات على النحو التالي
  • المؤشر الأول: يتمثل في القيود على حرية الرأي إلى جانب استخدام المفرط للقوة من جانب قوات الامن في أرض الصومال لفض المظاهرات المعارضة للسلطات في أرض الصومال، وهو ما يمكن الاستدلال على ذلك من خلال الاحداث التي نشبت في مدينة “لاسعانود”، ويمكن استعراض هذه الأحداث، وتحليلها على النحو التالي:
  • تصاعد الاحتجاجات: شهدت مدينة لاسعانود الواقعة في إقليم سول أواخر العام الماضي 2022، ومطلع هذا العام، انطلاق عدد من الاحتجاجات والمواجهات المسلحة بين عشيرة ” طلبهنتي” والقوات الأمنية، على وقع اغتيال أحد السياسيين المعارضين من قبل عناصر مسلحة، وفي ضوء تفجر هذه الاحتجاجات قد اتسمت الأوضاع العامة في المدينة بالتدهور وعدم الاستقرار الأمني.
  • استخدام القوة ضد المحتجين: نجد أن تعاطي السلطات في أرض الصومال مع الاحتجاجات التي نشبت قد اتسمت بالعنف؛ إذ عمدت القوات الحكومية إلى استخدام القوة ضد المحتجين، واعتقال العشرات منهم، وهو ما أسفر عن مقتل العشرات.
  • إشكالية الاندماج الوطني: تكشف اشتباكات مدينة لاسعانود عن إشكالية تواجه أرض الصومال الذي انفصل بشكل إرادي عن الصومال تتعلق بالاندماج الوطني؛ إذ لم تتمكن السلطات في أرض الصومال من احتواء المكونات العشائرية ودمجها في الكيان السياسي، وهو ما يتضح جليًا في البيان الذي صدر عن العشائر القاطنة في المدينة البالغ عددهم 14 زعيمًا عشائريًا إلى جانب لجنة فنية تتألف من 33 شخصًا من أعيان وأكاديميين ينحدرون من المنطقة، واستمرت أعماله ما بين 28 يناير – 6 فبراير 2023. وقد جاءت مخرجات هذا الاجتماع بالتأكيد على أن إقليمي سول وسناج ليسا جزءًا من أرض الصومال، وأنها لا تتبنى الرؤية الانفصالية التي بنيت عليها. وأن هذه المحافظات جزء لا يتجزأ من الجمهورية الفيدرالية الصومالية ورمز للوحدة، وعلى إثر ذلك يتم الخضوع لقوانين الجمهورية الفيدرالية الصومالية.
  • المؤشر الثاني: يتضح في تراجع الالتزام بالأطر الزمنية لإجراء الانتخابات؛ إذ تشهد أرض الصومال أزمة سياسية حاليًا، حيث تتهم قوى المعارضة الرئيس الحالي لأرض الصومال موسى بيحي، والذي انتهت مدة ولايته في 13 نوفمبر الماضي 2022، بأنه يعرقل إجراء الانتخابات الرئاسية ويسعى لتمديد فترة ولايته رغم انتهائها. ولكن نجد أن رئيس أرض الصومال الحالي موسى بيحي يطالب بضرورة تسجيل الجمعيات السياسية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية. ويمكن تفسير توجه رئيس أرض الصومال بأنه يخشى خسارة منصبه، حيث إن الحزب الحاكم يعاني من انقسامات داخلية إلى جانب خسارته الأغلبية في البرلمان، ولذلك يسعى لتوحيد الجهود لتسجيل الجمعيات السياسية بحيث تنخرط في المنافسة مع الأحزاب القائمة، وهو ما يعني تفتيت قوة المعارضة، وهو ما سيصب لصالح الحزب الحاكم. لا شك أن الخروج من هذا المأزق مرهون بالتفاهمات بين رئيس أرض الصومال والمعارضة السياسية بشأن التوافق حول ما إذ سيتم إجراء انتخابات الرئاسة أولًا، واتمام عملية تسجيل الجمعيات السياسية لاحقًا أو حدوث العكس، وهو ما سيساهم بدوره في الاستقرار السياسي في أرض الصومال التي دائمًا ما يروج قادتها أنها تحرص على تعزيز معايير الحكم الديمقراطي، وإجراء الاستحقاقات الانتخابية بشكل منتظم، وهو ما يساهم في الانتقال السلمي للسلطة.

وفي الختام، يمكن القول إن أرض الصومال استطاعت منذ استقلالها بشكل منفرد عن الصومال في مايو 1991، قد تمكنت من بناء نموذج سياسي مستقر، يراعي المعايير الديمقراطية في بعض الجوانب، لكن نجد أن هناك بعض الممارسات التي تحتاج إلى مراعاة الأعراف الديمقراطية من جانب السلطات في أرض الصومال. فالديمقراطية لا تقتصر على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فحسب، وإنما تمتد لتشمل احترام حرية الرأي، وتلبية مطالب الشعب بالطرق السلمية، وهو ما يحقق استقرار للتجربة الديمقراطية. 

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/32931/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M