مالم يُعلن عنه في زيارة ماكرون إلى بغداد

واثق الجابري

ما تزال مقولة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في تسعينات القرن الماضي؛ عندما رفض دعوة الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في حرب الخليج ،حين قال: “نحن لسنا مهادنين ايضاَ ولكن لنا مصالح في أفريقيا”، وكأنها تمثل مرتكز السياسة الفرنسية والإنطلاق من تلك المقولة للتفاعل مع المتغيرات الدولية.
يبدو أن الرئيس الفرنسي آنذاك إنطلق من تقسيمات الشرق الأوسط وأفريقيا ضمن سياسة المحاور، وكل يتحرك ضمن أرض نفوذه.
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية كسر تلك السياسة في حرب الخليج، وأسمته (النظام العالمي الجديد)، وكأنها تغادر عالماً قديماً وتحمل راية الريادة في العالم الجديد، وتقوم بسياسات تحالفات دولية ،ولكنها في الواقع لم تبتعد عن أصل التقسيم السابق كما حدث في ليبيا، فلم تتدخل أمريكا بشكل مباشر، ولكن الأمر مختلف في سوريا والعراق واليمن ولبنان، والتواجد الأمريكي كان مباشراً أو غيره في دول لم تكن كمناطق نفوذ لها، ومعها دول أخذت على عاتقها دور النيابة، وكأن منها من شعر أن الخطر الأمريكي يداهمه، وأخرى ظنت أن تحالفه مع الولايات المتحدة يجعلها أقوى في ظل تنافس إقليمي.
إختلفت الدول المتحالفة في ملفات وإتفقت في أخرى، كتركيا وإيران والسعودية وقطر وأمريكا وفرنسا وبريطانيا، حتى دول صغيرة أرسلت مقاتلين ضمن التحالفات الدولية، كي تحصل على الأقل على نسبة من النفوذ والمشاريع، وأن لا تبقى في عزلة دولية.
ما يهمنا الآن تلك الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون إلى لبنان والعراق، وما فيهما من تشابه البيئة والتقسيمات السياسية، واستُغِلَّت الأزمات في البلدين وعلى رأسها التفكك السياسي، وبعد حادثة بيروت دخلت فرنسا كلاعب أساس في الساحة اللبنانية، وبدور أشبه بعودة روسيا إلى الساحة السورية، بعد قناعة من أن استمرار الصراعات فيها سيفقدها النفوذ هناك، ولكنها أصبحت ساحة تتجاذبها صراعات دولية أهمها الأمريكي الإيراني، مع وجود حلفاء ومريدين لكل طرف من الأطراف السياسية والشعبية، وربما دخول الفرنسيين إلى العراق ولبنان، سيكون أقل مجابهة سياسية وشعبية في البلدين.
تأتي الزيارة في ظل تصاعد وتيرة أحداث المنطقة، سيما بعد حادثة بيروت، وتريد فرنسا إستغلال الأزمة للدخول كمنافس دولي كبير، ولكن لايحمل صفة البديل عن أمريكا في العراق، رغم وجود علاقات سياسية عراقية ولبنانية مع فرنسا على حساب التقرب للجانب الأمريكي، وعقدت فرنسا اتفاقيات مع الحكومات العراقية السابقة.
جاءت الزيارة مع حاجة العراق للتعاون الدولي لأن يكون وسيطاً في حل مشكلات المنطقة، وربما يكون الجانب الفرنسي أكثر مقبولية من الجانب الأمريكي سياسياً وشعبياً، في حين أن الجانب الأمريكي، يعده بعض العراقيين جزءاً من المشكلة، أو يريد ضم العراق الى محوره المعادي لإيران، وظاهر السياسة العراقية هي الإبتعاد عن المحاور، في ظل أجواء سياسية داخلية منقسمة بين المحور الامريكي والايراني، ولهذا تسعى فرنسا أن تتخذ من جملة المواقف محلاً لتواجدها السياسي والاقتصادي بقوة في المنطقة، وما يلفت النظر ،وأهم ما لم يعلن عنه في زيارة الرئيس الفرنسي، أنه حضر الى بغداد بوجود الوفد الكوردي، وأجتمع بالقوى السياسية كما فعلها في لبنان، فهل ستكون زيارة ماكرون ترتبط بخيوط الماكِرين الذين يرسمون للعراق سياسة ترضيهم وترضي حلفاءهم الخارجيين؟ وفرنسا ليست مهادنة كما تقول مرتكزات سياساتها، وربما عُرِضَت فكرة التقارب الفرنسي العراقي، تنفيذاً لما يطرحه ترامب بوجوب إقتراب العراق إلى أوربا، وأظن أنه لا يقصد روسيا، و في الوقت نفسه يبعده عن الصين، وبذلك لا يكون بعيداً عن أنظار الولايات المتحدة الأمريكية.

 

المصدر: عبر منصات التواصل للمركز

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M