المقاربة السوسيولوجية في البحث الاجتماعي
إن التعامل مع نظريات علم الاجتماع على أنهـا أرشـيف مهمـل يمكـن تجـاوزه، أو الاطمئنـان الكلـي إلـى هذا الأرشيف، اطمئنانا يدفع بالباحث إلـى إجـراءات “التـرزيم “، أو التجميـع المكثـف لهـذه النظريـات، دون حاجـة بحثية آنية براغماتية، كلا هاتين النظرتين تقعان خارج المنطق المنهجي للبحث السوسيولوجي.
والحقيقة أنه إذا كانت النظرية جهازا مفاهيميا معرفيا افتراضـيا، يوصـف بأنـه مجـردا ويحقـق قـدرا عاليـا من الترابط والتناسق، فان تزكية مقولات هذا الجهاز علميـا – نظريـا وامبيريقيـا – مـا كانـت لتـتم لـولا الجاهزيـة التي يتمتع بها هذا النظـام المعرفـي الافتراضـي، لاقتـراب الواقـع الاجتمـاعي وتفسـيره، وبهـذا المعنـى تصـبح المقاربة السوسيولوجية تعني المرور بالمفاهيم مـن حالتهـا النظريـة المجـردة ، إلـى الحالـة الامبيري قيـة الملموسـة، بغية بناء الواقع الاجتماعي وتحويله إلى واقع علم واجتماعي، ليس بكـل الجهـاز المفـاهيمي النظـري ضـرورة، بـل قد يكون ببعض منه. هذا وقد سميت مقاربـة كـذلك لاسـتحالة عمليـة المطابقـة التامـة للمفهـوم النظـري بـالواقع العياني، وذلك لخصوصيات مجتمعية كثيرة.
لذا فان الحديث عن المقاربـة السوسـيولوجية، يجـد مشـروعيته فـي السـؤال التـالي : كيـف وبـأي جهـاز مفاهيمي يمكن للباحث في علم الاجتماع، أن يدرك واقع موضوع بحثه ويراقب متغيراته؟
المقاربة السوسيولوجية:
تحديد لغوي:
ماهو امبريقي للمفهوم ” يرجع مدلول مصطلح مقاربـة (Approche ) فـي اللغـة إلـى الـدنو والاقتـراب، مـع السـداد وملامسـة الحق، فيقال: قارب فلان فلانا إذا دناه، كما يقال: قارب الشـيء إذا صـدق وتـرك الغلـو ومنـه : قـرب، أي : أدخـل السيف في القراب.”(مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1972 ،ص723.)
أما من الناحية الماهوية أو النظرية، المقاربة السوسـيولوجية هـي :
” أنموذجيـات نظريـة، مفـاهيم مفتاحيـة، نتائج بحث قيمة، تشكل في مجموعها عالما مألوفا للتفكير عنـد البـاحثين، فـي فتـرة محـددة مـن تطـور تخصـص معين.”.(جاك هارمان، 2010 ،ص 16 .) فــي حــين يقــول (ج. ميشــال برتيلــو Berthelot Michel. 1999J،ص81 “:). فــي الواقــع هنــاك عنصر… يجب أخذه بعين الاعتبار، وهـو مـا يسـمى حسـب المـؤلفين مقاربـة أو مثـالا نموذجيـا أو نمطـا مـن الفهم، فيتعلق الأمر بطريقة محـددة فـي بنـاء موضـوع الدراسـة نظريـا و اختباريـا فـي الوقـت نفسـه، بإعطـاء ” الأفضلية لعلاقة معينة أو لبنية تفسيرية…
بهذا المعنى تصبح إذا المقاربة السوسيولوجية تعنـي إجرائيـا : جملـة المفـاهيم التـي زكتهـا تجربـة البحـث الاستكشافي وتبنتها الدراسة، أي أن للمقاربة السوسيولوجية هوية، وهويتهـا هـي نسـبها العلمـي أو حقلهـا النظـري الذي تنتمي إليه، مما يتعين على الباحث مسـؤولية تـدقيق المسـتند المعرفـي لدراسـته، أي ربـط مفـاهيم قاربتـه بإطارها النظري المنتمية إليه كما أشرنا. إلا أن هذه العمليـة تتطلـب ثقافـة نظريـة للباحـث، أي معـرفته بأصـول النظريـة السوسـيولوجية وتفرعاتها، سواء أكان ذلك مرتبط بعلم الاجتماع العام، أو بإحدى تخصصاته.
المستويات البنيوية في اختيار، عرض وتوظيف المقاربة السوسيولوجية:
1 -هناك مستويين بنيويين في اختيار المقاربة السوسيولوجية هما كما يلي:
أ- مستوى التراث النظري السوسيولوجي العام.
ب- مستوى التراث النظري السوسيولوجي المتخصص. أي أن الباحث يختـار مقاربتـه إمـا مـن الماكروسوسـيولوجي،أو أن يختارهـا مـن الميكروسوسـيولوجي، مـع الإشارة انه كلما كان اختيارها من هذا المستوى الأخير كانـت أفضـل لأسـباب كثيـرة ، أهمهـا عـل الإطـلاق القرب المفاهيمي الذي تعتبر نظريات التخصص حقله ووعائه المباشر .
2 – كما أن للمقاربة السوسيولوجية منهجية خاصة في عرضها وتوظيفها:
أ.على مستوى العرض:
– تبيين الإطار النظري الذي تنتمي إليه هذه المقاربة؛
– عرض المفاهيم الكبرى لهذا التيار النظري؛
– عرض الإشكالية العامة لهذا التيار النظري؛
– عرض الفرضية العامة لهذا التيار النظري؛
– ثم أخيرا عرض مفاهيم المقاربة السوسيولوجية الخاصة بالدراسة.
ب- على مستوى التوظيف:
هناك سؤال يمكن أن نطرحه في هذا السياق: مـاهي المؤشـرات الدالـة علـى أن دراسـة مـا، قـد وظفـت مقاربة سوسيولوجية ؟
إن المؤشر القوي يتجلى أولا على مستوى البناء النظري للدراسـة، فـإذا كنـا نـتكلم علـى أن المقاربـة علـى علاقة بالمفاهيم التي صغنا بها أسئلة إشكالية دراستنا، وعلى علاقـة كـذلك بالمفـاهيم التـي تحولـت إلـى متغيـرات في فرضياتها، فينبغي أن يتحول كل هذا –خصوصا الفرضيات – إلى فصول ومطالب وغيرها في الجانب النظري لهذه الدراسة.
المؤشـر القـوي الثـاني يتجلـى فـي الجانـب الميـداني للدراسـة ، ونعنـي بالضـبط التفسـير أو التأويـل السوسيولوجي للبيانات الكمية والكيفية للدراسـة، والـذي يسـتلهم فيهـا الباحـث خيالـه السوسـيولوجي مـن مفـاهيم المقاربة المتبناة في هذه الدراسة.
رابط المصدر:
