ما هي منظمة أنصار الدولية التي حظرتها ألمانيا لتمويلها الإرهاب؟

حامد فتحي

يبدو أنّ ألمانيا تعيد اكتشاف العجلة في مكافحة الإرهاب من خلفية إسلامية، رغم خبرتها الكبيرة وصرامتها في مكافحة اليمين المتطرف من الجذور، بينما تركت الفكر السلفي الجهادي ينمو تحت أعين سلطاتها، حتى وصل عدد معتنقيه إلى 13 ألف فرد، نصفهم فقط انضموا للتيار خلال العقد الأخير.

يوجد 13 ألف من المنتمين إلى السلفية الجهادية في ألمانيا، من بينهم 1350 امرأة، وصنفت السلطات 700 شخص على أنهم من المحتمل قيامهم بعمليات إرهابية

وبينما فصلت طلاباً من أكاديمية الشرطة بسبب تبادل رسائل معادية للاجئين على جروب خاص للتواصل الاجتماعي تركت السلفية الجهادية لتنشر أفكارها المعادية للمجتمع والمحضة على الجهاد في عشرات المساجد، وحتى حظرها لجمعية “أنصار الدولية” جاء تحت طائلة قانون مكافحة تمويل المنظمات الإرهابية، دون حديث عن خطورة نشر الفكر السلفي الجهادي، إلا أنّ الخطوة تكشف عن تطور نوعي في مواجهة التطرف الديني بين المسلمين، خاصة بعد تعزيز ألمانيا قدرات أجهزة المخابرات الداخلية التي كان لها الفضل في كشف تورّط الجماعة بتمويل منظمات مصنفة إرهابياً.

إرهاب بغطاء إنساني

صبيحة الرابع من شهر أيار (مايو) الجاري، داهمت السلطات الأمنية في ألمانيا مقرات جماعة أنصار الدولية، وعدد من الجمعيات المستقلة المرتبطة بها، بتهمة تمويل منظمات مصنفة إرهابياً، من أموال التبرعات التي تحصل عليها المؤسسة وفروعها باسم النشاط الإنساني.

وأعلن وزير الداخلية، هورست زيهوفر، حظر منظمة “أنصار الدولية” الإسلامية، وتسع منظمات تابعة لها، ومنها؛ مؤسسة أنيس بن حتيره، اللجنة الصومالية للإعلام والمشورة، جمعية حقوق المرأة، مساعدة المقاومة العالمية، ونداء العالم افضل.

واتّهمت السلطات المنظمة بتمويل جماعة النصرة في سوريا، وحركة حماس، المصنفتَين على قوائم الإرهاب الأوروبية، إضافة إلى حركة الشباب المجاهدين.

وصرح وزير الداخلية بأنّ “بعض التبرعات تذهب لتموّيل أنشطة جماعات إرهابية، كما أنّ الجماعة متهمة بخرق القانون الألماني”، وذكرت الوزارة أنّ الجماعة ترسل الأطفال إلى بيئات سلفية خارج البلاد من أجل تلقيهم الفكر المتشدد، وأكد زيهوفر، أنّ مكافحة الإرهاب تبدأ بتجفيف منابع تمويله.

وفي حديثه لـ “حفريات“، ذكر الباحث في الأمن الدولي والإرهاب، جاسم محمد، أنّ الجماعات المتطرفة جميعاً تتخذ من الأعمال الخيرية، مثل مساعدة الأيتام والأرامل وغيرها، غطاء لجمع التبرعات وتموّيل الأنشطة الإرهابية، وتنشط منظمة أنصار الدولية في الدعاية لأنشطتها لجذب المانحين والمتبرعين.

وأضاف جاسم محمد؛ أنّ الوزير زيهوفر كان له دور واضح في تنشيط وزيادة فعالية أجهزة الأمن في مكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد تنامي موجة الإرهاب في أوروبا، منذ عام 2015.

وتابع بأنّ، عدد أعضاء المنظمة في ألمانيا 800 شخص، وفي الخارج 2500 عضو، والغريب أنّها لا تملك فروعاً في دول أوروبا، عدا أربع دول في البلقان، التي توفر ملاذاً للجهاديين الأوروبيين.

الباحث في الأمن الدولي والإرهاب، جاسم محمد

الباحث في الأمن الدولي والإرهاب، جاسم محمد

وكانت المنظمة تحصل على إعانات من الحكومة الألمانية، إلى جانب التبرعات التي تأتيها عبر الداعمين لأنشطتها الإنسانية في 51 بلداً حول العالم، وتتمتع بعلاقات قوية بحكومات ومنظمات دولية، إذ حصلت على شهادات تكريم من الحكومة الصومالية، وحازت على تغطية إيجابية واسعة في وسائل إعلام عربية وأجنبية.

وكانت الأجهزة الأمنية نفذت مداهمة كبيرة لشبكة أنصار، في نيسان (أبريل) 2019، تمت خلالها مصادرة مواد كبيرة، ما استدعى سلسلة من التحقيقات، وصدر إثرها قرار بحظر الجماعة.

الباحث في الأمن الدولي جاسم محمد لـ”حفريات”: الجماعات المتطرفة جميعاً تتخذ من الأعمال الخيرية، مثل مساعدة الأيتام والأرامل وغيرها، غطاء لجمع التبرعات وتمويل الأنشطة الإرهابية

وفي إطار حرص ألمانيا على تجفيف منابع تمويل الإرهاب، أقرت السلطات تعديلات على قانون مكافحة غسيل الأموال لتوسيع نطاق تطبيقه، وعززت من الموارد المالية والبشرية في أجهزة الأمن والمخابرات، إلى جانب بحث تشريعات قانونية تسهل عمل الأجهزة الأمنية ووضع اشتراطات على التوظيف في المرافق الحيوية، مثل المطارات، لمنع تسلّل ذوي الخلفيات الجهادية والإجرامية إلى الطائرات.

مواجهة غير متكاملة

وأشار الباحث جاسم محمد، إلى تأخر السلطات الألمانية في مواجهة التطرف الديني، وذكر أنّ منظمة أنصار الدولية تأسست عام 2012 بترخيص من السلطات، وظلت لأعوام عديدة تمارس مهامها بعيداً عن رقابة حقيقية تكشف عن أنشطتها الخفية في الخارج.

ويعيق عمل الاستخبارات الداخلية البيروقراطية التي يتسم بها القضاء الألماني، وقصور قوانين مكافحة الإرهاب من بيئات إسلامية، على الرغم من فعالية قوانين مكافحة النازية والعنصرية البيضاء، فقد فصلت الشرطة 6 طلاب لتبادل شعار الصليب المعقوف في جروب محادثة شخصية، ما يعني أنّ القوانين تسمح بذلك، لكن مقابل ذلك تراقب السلطات العناصر السلفية، ولا تستطيع فعل شيء، حتى تجاه العناصر التي تصنَّف على أنّها خطرة، وكثيراً ما يرتكب هؤلاء أعمالاً إرهابية، ثم تعلن السلطات أنّ مرتكب الجريمة كان على قوائم التصنيف الخطر.

وكشف تمرير قانون بخصوص سلطات السلامة الجوية العام الماضي عن أزمة في تبادل المعلومات بين أجهزة الدولة، فالقانون ينصّ على حصول سلطات السلامة الجوية على معلومات من الشرطة الاتحادية وسلطات مكافحة الجريمة للتأكد من توظيف أشخاص ذوي سجلٍّ خالٍ من الإجرام أو التطرف، وهو الأمر الذي جاء متأخراً، ويكشف ضعف التنسيق بين أجهزة الأمن المختلفة في البلاد.

لكن، وفق مراقبين، بدأت هذه النمطية في التغيّر مع تولي الوزير زيهوفر وزارة الأمن الداخلي، عام 2018، وبدا ذلك في سلسلة التشريعات التي أقرتها السلطات التشريعية خلال عام 2020، إلى جانب قيام الوزارة بتوسيع الرقابة على الأنشطة المتطرفة، خصوصاً مع عودة مواطنين قاتلوا في صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق، ولمواجهة مخاطر ظاهرة الذئاب المنفردة.

السلفية الجهادية

وبحسب تقارير أمنية ألمانية، يوجد 13 ألف من المنتمين إلى السلفية الجهادية في ألمانيا، من بينهم 1350 امرأة، وصنّفت السلطات 700 شخص على أنّه من المحتمل قيامهم بعمليات إرهابية، ويدير السلفيون 90 مسجداً، إلى جانب 16 مسجداً يديرهم أفراد خطيرون محسوبون على الإخوان المسلمين.

ويكشف موقع منظمة أنصار الدولية فعالية كبيرة في استخدام وسائل الاتصالات في جذب المؤيدين وجمع التبرعات وتسويق وجودهم في المجتمع، فلدى الموقع أقسام متعددة، من بينها قسم للتواصل مع وسائل الإعلام والرد على الانتقادات واليمين المتطرف المسيحي، وما يزال الموقع فعالاً على الرغم من حظر المنظمة، وهو خلل يحتاج إلى معالجة، وربما تقف القوانين وراء ذلك.

وكانت وزيرة شؤون الأسرة، فرانتسيسكا غيفاي، أعلنت العام الماضي وجود إستراتيجية من سبعة بنود لمواجهة التطرف بين المواطنين المسلمين، وتضمّنت بنوداً قريبة من قانون “مكافحة الانفصالية” الذي تمّ إقراره في فرنسا، ومنها؛ إلزامية التعليم ودعم المدارس والمعلمين أمام ضغوط أولياء طلاب مسلمين يرفضون الامتثال للمناهج الدراسية والتربوية، خصوصاً الرياضية مثل السباحة للبنات، ومناهج التاريخ التي تتناول الهولوكوست، وشددت الوزيرة في تصريحات سابقة على ضرورة عدم التنازل ومساعدة المدارس لمواجهة ضغوط أولياء التلاميذ، ولكن لم يرَ هذا القانون النور بعد.

ويعيش في ألمانيا أربعة ملايين مسلم، جاء معظمهم إلى البلاد عقب الحرب العالمية الثانية في إطار سياسة استقدام العمالة من أجل التنمية، ومعظمهم من تركيا وشرق أوروبا والمغرب وغيرها من البلدان الإسلامية.

وشرعت ألمانيا بالتعاون مع منظمات ومراكز إسلامية في تدريب الأئمة داخل البلاد، باللغة الألمانية، لقطع الطريق على التأثيرات المتشددة من الأئمة الوافدين، والتدخلات التركية عبر المؤسسات الدينية التي تستهدف خلق نفوذ ديني وسياسي بين المسلمين في ألمانيا وأوروبا بشكل عام.

رابط المصدر:

https://hafryat.com/ar/blog/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A3%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AD%D8%B8%D8%B1%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D8%9F?language_content_entity=ar#.YJfjxQ6MVfw.twitter

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M