نشاط داعش في نيجيريا وأثره على الانتخابات

رشا رمزي

 

في ظل الاستعداد الذي يجري على أشده في نيجيريا لعقد الانتخابات في 2023؛ فإن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يكسب أرضًا ويحقق تقدمًا كبيرًا؛ حيث حققت ولاية غرب إفريقيا نجاحًا كبيرًا في نيجيريا عام 2022، ونفذت عدة هجمات ناجحة في العاصمة أبوجا ومدينتي كانو وكادونا مقر صناعة النفط؛ بل إن التنظيم في سبيله الآن لإنشاء قواعد في ولاية دلتا النيجر وحولها، وهو أمر جديد؛ فقد اعتادت الجماعات الإرهابية التمركز في شمال ووسط نيجيريا حيث تتمركز الأغلبية المسلمة.

الإرهاب في نيجيريا

يتميز نسيج المجتمع النيجيري بالتنوع والتعدد بشكل واضح؛ إذ ينقسم المجتمع إلى جماعات لها طابع مميز، سواء أكان طابعًا عرقيًا أو إقليميًا. وتعد نيجيريا الأعلى في أفريقيا في عدد السكان وضمن العشرة الأوائل في العالم. ويبلغ عدد سكانها حاليًا حوالي 211.11 مليون نسمة، وتعد موطنًا لأكبر عدد من السكان المسيحيين والمسلمين في العالم؛ إذ تنقسم إلى النصف تقريبًا بين المسلمين الذين يعيشون في الغالب في الشمال، والمسيحيين الذين يعيشون في الغالب في الجنوب الشرقي، بينما أتباع ديانات السكان الأصليين مثل إثنيتي الإيجبو واليوروبا، تنتشران في وسط نيجيريا والجنوب.

وظهر نشاط الجماعة الإرهابية منذ نهايات تسعينيات القرن الماضي المنبثقة عن الحركة السلفية والتي كانت منتشرة في شمال نيجيريا. وقد بدأت بوادر حركة بوكو حرام منذ نهاية التسعينيات كحركة اجتماعية سلمية أولًا لدعم الهوية الاسلامية في محاربة الهوية الاستعمارية في شمال نيجيريا المسلم؛ وهي امتداد لتاريخ طويل من الحركات السلفية الاسلامية منذ ستينات القرن الماضي مثل جماعة “نصر الاسلام” بعد أن كانت الصوفية هي سمة الإسلام في شمال نيجيريا.[i]

ثم تحولت إلى حركة مسلحة؛ نتيجة التضييق على الحركات الإسلامية من قبل الحكومات الجنوبية في فترة الثمانينيات التي استولت على الحكم وتم استبعاد الولايات الاسلامية الخمس (كانو-برونو-كاتسينا-بوتشي-سوكوتو). ففي الفترة من 2009-2010 تحولت من حيث المنهج والحجم والتنظيم من الشكل السلمي إلى التهديد الصريح المباشر للمجتمع والدولة في نيجيريا. لكنها لم تحاول من قبل التوغل نحو المناطق المسيحية أو من معتنقي الديانات الطبيعية.[ii]

إذًا فهذا التحول وانتشار الجماعات الإرهابية جنوبًا ممثلة في داعش وليست بوكو حرام التي واصلت أيضًا توسعها في نيجيريا، وشقت الآن طرقًا في الجزء الجنوبي من نيجيريا، ويقال إنها مسؤولة عن هجوم في أوندو، جنوب غرب نيجيريا، أودى بحياة حوالي 40 شخصًا؛ لهو بالأمر الجديد.

داعش في نيجيريا وعام 2022

تعرف ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلاميةISWAP ؛ بوصفها جماعة متشددة وفرعًا لتنظيم الدولة الإسلامية مختصًا بغرب أفريقيا، وهي جماعة سلفية جهادية متشددة. تنشط ISWAP بشكل أساسي في حوض تشاد، وينتشر نشاطها بشكل واسع النطاق الكاميرون وتشاد والنيجر، ثم دخلت نيجيريا عام 2009. تعمل ISWAP كمنظمة جامعة لجميع فصائل داعش في غرب أفريقيا بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرىIS-GS) ) على الرغم من العلاقات الفعلية بين ISWAP و ISWAP- GS محدودة.[iii]

شكل عام 2022 ناجحًا في نيجيريا؛ فقد نفذ تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا هجمات كبيرة في الأشهر الأخيرة في نيجيريا. في 5 يوليو 2022، داهم مسلحو ISWAP عملية اقتحام سجن Kuje الأقصى في أبوجا في العاصمة النيجيرية. وبحسب مصادر إعلامية؛ فجر المسلحون “عبوات ناسفة عالية الجودة”، مما أدى إلى مقتل ضابط أمن وإصابة ثلاثة آخرين. ونتيجة لذلك، فر 879 نزيلاً، وأعيد أكثر من نصفهم إلى السجن بينما ظل 443  سجينًا طلقاء. أيضًا وقعت غارة بعد شهر واحد فقط من قيام مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا بتفجير متفجرات وفتحوا النار على كنيسة كاثوليكية في ولاية أوندو في جنوب غرب نيجيريا وقتل ما لا يقل عن 40 إلى 50 شخصًا وجرح 87 آخرين.[iv]

منافسة أم تعاون

حاول زعيم بوكو حرام أبو بكر شيكاو زيادة مكانته الدولية بين الإسلاميين، من خلال التحالف مع تنظيم الدولة الإسلامية في مارس 2015. وهكذا أصبحت بوكو حرام “ولاية غرب أفريقيا التابعة للدولة الإسلامية” ISWAP. ثم حدث الانفصال حينما رفض شيكاو تنفيذ أوامر القيادة المركزية لداعش بوقف التفجيرات الانتحارية بالنساء والأطفال، لكن العديد من متمردي ISWAP ظلوا موالين لداعش. ونتيجة لذلك، انقسمت الحركة المتمردة إلى فصيل موالٍ لشيكاو (“جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” والمعروفة عمومًا باسم “بوكو حرام”)، وفصيل تنظيم الدولة الإسلامية بقيادة أبو مصعب البرناوي (والذي استمرت جماعته في حمل “ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية”). وقد اشتبكت هاتان المجموعتان منذ ذلك الحين مع بعضهما البعض، على الرغم من أنهما تعاونتا في بعض الأحيان ضد الحكومات المحلية.[v]

في السنوات التالية، أعيد توحيد كل من ISWAP بقيادة برناوي وبوكو حرام بقيادة شيكاو، وعلى الرغم من أن ISWAP نمت لتصبح المجموعة الأكثر قوة. ففي حين كان تحت قيادة شيكاو ما بين 1000 إلى 2000 مقاتل بحلول عام 2019؛ كان الموالون للدولة الإسلامية وصلوا إلى 5000 جندي. وغيرت تكتيكاتها وحاولت كسب دعم المدنيين المحليين على عكس بوكو حرام التي اشتهرت بالعنف العشوائي المكثف. بدأت ISWAP في تقديم الخدمات الأساسية للسكان وركزت جهودها على مهاجمة أهداف مسيحية بدلًا من أهداف إسلامية. ومع ذلك، واصلت المجموعة أيضًا مهاجمة العاملين في المجال الإنساني ومجتمعات مسلمة مختارة.[vi]

ثم بدأت الحرب بين الجماعتين 3 ديسمبر حينما قاد علي نغولدي، أحد كبار قادة بوكو حرام المسؤول عن ماندارا متين؛ مئات المقاتلين لشن حرب ضد ISWAP في غابة سامبيسا. وقالت مصادر إن الهجوم بدأ بمفاوضات فاشلة بدأتها جماعة بوكو حرام، ودعت منافستها تنظيم ولاية غرب إفريقيا الإسلامية ISWAP  لمبايعتها، وأنهم مستعدون لتسليم أنفسهم لقيادة مشتركة IS / ISWAP مرة أخرى، لكن المفاوضات باءت بالفشل واندلع القتال لتقوم بوكو حرام بقتل 33 من نساء ISWAP.

الموقف الدولي من ISWAP

في حين كان للولايات المتحدة دور رئيس في هزيمة داعش في كل من سوريا والعراق، إلا أنها ليست قلقة على الإطلاق بشأن الصعود المطرد للتنظيم الإرهابي في نيجيريا. هذا الدور الذي أصبح من الأهمية بمكان لأنها المرة الأولى التي تعلن ISWAP مسؤوليتها عن هجوم في جنوب غرب نيجيريا. قبل ذلك، نفذت بشكل منتظم هجمات في شمال شرق نيجيريا أو شمال غربها. وهكذا، شنت ISWAP سلسلة من الهجمات ضد قوات الأمن النيجيرية وأهداف حكومية أخرى في البلاد.

علاوة على ذلك، تقوم أيضًا بتجنيد الأعضاء وبناء الدعم حيث تعلموا الاندماج في المجتمع ككل من خلال طمأنة السكان المحليين بأنهم لن يتعرضوا للأذى في المناطق التي تسيطر عليها ISWAP طالما أنهم لا يتعاونون مع الجيش النيجيري.

وهكذا، وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حققته المنظمة الإرهابية في البلاد، فقد اختار كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن يكونا متفرجين صامتين، على الرغم من أنهما دعتا إلى إجراء “انتخابات حرة ونزيهة” في البلاد، وهو أمر يصعب تنفيذه في ظل عدم الاستقرار الأمني الحادث بسبب الارهاب.

وانتشرت تساؤلات بين النيجيريين حول كيف تريد الولايات المتحدة تثبيت نظامًا يواليها في نيجيريا والوصول إلى مواردها من خلال التحكم في نتائج الانتخابات المقبلة. وهكذا، فإن الولايات المتحدة التي تجعلها بخلاف ذلك نقطة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مستشهدة بالإرهاب وقضايا حقوق الإنسان بقيت في الغالب هادئة في نيجيريا حتى بعد التقدم الكبير من قبل ISWAP في البلاد والتي تهدد إمكانية أي حرية أو عدالة أو انتخابات سلمية في البلاد.

الإرهاب والانتخابات

تجري إحدى أكثر الانتخابات خطورة التي تشهدها نيجيريا منذ عقود في 25 فبراير 2023. وسيتوجه النيجيريون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم الجديد ونائبه وجميع أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب البالغ عددهم 469، في ظل هذه الأحداث الإرهابية المقلقة. إلا أن هناك مخاوف بسبب وجود تهديدات العام المقبل، وأهمها الأنشطة العنيفة للعديد من الجماعات المسلحة الارهابية التي أعلنت عن رغبتها في تقويض الديمقراطية الضعيفة في نيجيريا. فلا تزال جماعة بوكو حرام؛ التي حاولت تعطيل الانتخابات السابقة توسع نطاق عملياتها؛ بالإضافة لعمليات ولاية غرب أفريقيا التي تحاول الاتجاه جنوبًا نحو المحيط.[vii] وما يزيد حدة من التوتر أن التجارب النيجيرية السابقة تُظهر أن الانتخابات يمكن أن تكون حافزًا للعنف، مع احتمال انتشار الاضطرابات الاجتماعية. ويزداد هذا الخطر من خلال اختيار الحزب الحاكم لمرشحين للرئاسة ونائب الرئيس ينتمون إلى نفس الديانة، فضلًا عن انتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي


[i] ظهرت العديد من الجماعات في هذه المنطقة منها جماعة نصر الاسلام 1962، جماعة إزالة وإقامة السنة 1978، جماعة طلاب المسلمين1979، جماعة أصار الدين 1923، جماعة الدعوة1979، جماعة محمد مروة “مياتسين”

[ii] De Montclos, Marc-Antione Preouse : Nigeria’s International Insurgency. Addressing the Boko Haram Crisis, African Program (London: Cathman House, Sep. 2014) p4

[iii] Boko Haram and the Islamic State West Africa Province, Congressional Research Service  ( Washington, D.C.: Feb. 2022)

[iv] Ope Adetayo: THE Good, Bad, and The Ugly: West Africa’s Big Issues in 2022, The Alkamba Times ( Abuja:  22 Dec 2022)

[v] Facing the Challenge of the Islamic State in West Africa

[vi] Aymenn Jawad Al-Tamimi: “The Defeat of Abu Bakr Shekau’s Group in Sambisa Forest”, crisis group (28 June 2021)

[vii] Audu Bulama Bukarti: Democracy Under Threat: Why the Security Risks to Nigeria’s 2023 Elections Must Not Be Overlooked, Tony Blair Institute for Global Change ( 1st December 2022)

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74811/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M