نيجيريا في عامها الـ61 بعد الاستقلال: “العملاق” لا يزال نائمًا

 د. حكيم نجم

 

احتفلت نيجيريا بالذكرى الـ61 لاستقلالها في اليوم الأول من شهر أكتوبر الجاري، ولكنَّ الملاحَظ أن حالة الاحتفال خافتة لدى معظم المواطنين الذين تساءلوا عن ما يدعوا للاحتفال، وأبدوا استياءهم من الوضع الراهن، وعدّدوا آمالهم تجاه البلاد.

وقد انقسم المحتفلون فيما بينهم إلى من يرى أن هناك إنجازات لا يمكن تجاهلها, ومن ربط سبب الاحتفال بالنجاح في الحفاظ على “الوحدة” بين الأقاليم المختلفة رغم تصاعد النعرات الانفصالية والصراعات الإثنية بسبب الفشل في إتباع مقولة “الوحدة في التنوع” بالخطوات العملية الخالية من العصبية والمحسوبية.

عرض سريع لما مضى:

تشكلت ما يُعرف بنيجيريا في عام 1914م عندما دمجت بريطانيا المحمية الشمالية مع المحمية الجنوبية لتشكيل مستعمرة نيجيريا التي حصلت على استقلالها من الحكم الاستعماري في عام 1960م. واليوم كان من السمات البارزة لنيجيريا –على المستوى الدولي- أنها سابع الدولة من حيث عدد السكان في العالم؛ حيث يُقدر عدد سكانها بحوالي 211 مليون شخص, وأنها دولة ذات التأثير الإقليمي والثراء التاريخي والثقافي؛ حيث تجمع أكثر من 400 مجموعة عرقية مختلفة.

وقد اتخذت المسارات السياسية في نيجيريا منحى آخر في يناير من عام 1966م عندما أطاحت مجموعة من القادة العسكريين الشباب بالحكومة الديمقراطية في انقلاب عسكري عنيف، وهو أول انقلاب عسكري في تاريخ البلاد؛ لتتبعها انقلابات أخرى حكَم العسكر من خلالها دولة نيجيريا لسنوات متقطعة بلغت في مجملها 29 عامًا. وأحكمت مجموعة من الضباط العسكريين الشباب سيطرتهم على السياسة النيجيرية منذ ذلك الوقت إلى اليوم، وشهدت البلاد حربًا “أهلية” بعد مواجهات إثنية أعلنت بسببها حركة “بيافرا” الانفصالية الاستقلال عن الكيان النيجيري، وما زالت التحركات الانفصالية جارية رغم انتهاء الحرب “الأهلية” بعد ثلاث سنوات في عام 1970م، خاصةً بعد اكتشاف النفط وتأثيره على مسار الحرب “الأهلية”، واستشراء الفساد الذي عمّقتْه مراسم الحكومات العسكرية التي وضعت جميع الموارد الطبيعية تحت سيطرة الدولة المركزية, الأمر الذي رسَّخت بسببها ثقافة الفوز بكرسي سياسي أو الموت دونه.

وفي غضون 39 عامًا (من 1960 إلى 1999م)؛ سجّلت نيجيريا نموًّا اقتصاديًّا من خلال الأرباح من الإنتاجات الزراعية, ثم النفط في السبعينيات، وأصبحت أغنى دولة في إفريقيا. كما انضمت إلى منظمة البلدان المُصدّرة للنفط (أوبك) في عام 1971م, ووصلت أرباحها في عام 1976م من النفط إلى أعلى مستوى لها عند 5.3 مليار نَيْرَا.

وقد استعادت نيجيريا ديمقراطيتها في عام 1999م، وبدأت المرحلة الجديدة التي تعرف بـالجمهورية الرابعة. وبإمعان النظر في هذه المرحلة، وتتبّع مكوناتها يمكن القول بإنها إحياء للجمهورية الثانية (من عامي 1979 و1983م). بل لم يكن دستور الجمهورية الرابعة سوى نسخة طبق الأصل من دستور الجمهورية الثانية نفسها. ولذلك تعاني هذه المرحلة من القصور والتحديات نفسها التي عانتها الجمهورية الثانية، وخاصة فيما يتعلق بالمناصب التي تُعتبَر لدى النيجيريين إهدارًا للأموال العامة والوزارات الكثيرة التي عقّدت عمليات تخطيط السياسات وصنع القرار, إضافة إلى عدم تفصيل الدستور لبعض الأمور الوطنية المهمة وتوضيح بعض البنود.

ووصف باحثون سياسيون الجمهوريةَ الرابعة بـ “العصر الذهبي” لنيجيريا بسبب المؤشرات الاقتصادية الكبيرة وأرقام الإنجازات الاجتماعية الإيجابية التي أحرزتْها البلاد منذ ذلك الوقت إلى اليوم. وكان انتقال نيجيريا عام 1999م من حكومة عسكرية إلى حكومة ديمقراطية مدنية لحظة حاسمة في التاريخ النيجيري؛ حيث مثلت بداية أطول حكومة غير منقطعة منذ الاستقلال.

وقد لخّص المؤرخ الاقتصادي “ترحمبا ووام” هذا التقدم في أن أكبر الموارد التي تتمتع بها نيجيريا اليوم هم مواطنوها المتعلمون؛ إذ كان عدد السكان المتعلمين في نيجيريا عند الاستقلال أقل من 5 في المئة, واليوم بلغت النسبة أكثر من 60 في المئة مع استمرار زيادة عدد الملتحقين بمراحل ما بعد التعليم الثانوي.

على أن ما يعتبره المؤرخون إنجازات لنيجيريا ليست ضمن ما يريد شباب اليوم سماعه, كما أنها تختلف عن روايات الحنين إلى الماضي التي يحكيها الكبار الذين عايشوا نيجيريا إبَّان ازدهارها الاقتصادي في السبعينيات. إضافة إلى أن الملايين من هؤلاء الشباب عاطلون عن العمل، ويصعب للبسطاء والفقراء الذين يبلغون 40 في المئة أو 83 مليون شخص -وفق الإحصاء الوطني النيجيري في عام 2020م- أن يتعاملوا مع الضغوط التضخمية والغلاء المفرط للغذاء ومتطلبات المعيشة الأساسية الأخرى.

“العملاق” لا يزال نائمًا:

هناك تفسيرات كثيرة لأسباب تسمية “نيجيريا” بـ”عملاق” إفريقيا؛ فتفسيرٌ يقول: إن الاسم كان لعدد سكان نيجيريا الكبير واقتصادها الهائل الذي أصبحت منذ السنوات الماضية أكبر اقتصادات في إفريقيا, ولكونها من الأسواق الناشئة. وتفسير آخر يقول إنها “عملاق” إفريقيا لقوتها الإقليمية والقارية ومكانها كقوة متوسطة في الشؤون الدولية ولاعتبارها قوة صاعدة على مستوى العالم.

ومهما تكن أسباب التسمية؛ فإن “العملاق” لا يزال يكافح سلسلة التحديات؛ فالاقتصاد الذي سجّل معدل نمو متوسط ​​6.68 في المئة بين عامي 1999م و2015م قد تراجع منذ عام 2016م، ودخلت البلاد في الركود مرتين. وعلى رأس الإصلاحات الاقتصادية برامجُ الرئيس “محمد بخاري” لتقليل الاعتماد على النفط وتطوير القطاع الزراعي، وتوسيع دائرة الإيرادات الضريبية من خلال الاعتماد على مصادر أخرى. وقد أتت هذه الجهود بنتائج إيجابية نسبيًّا, ولكن تداعيات جائحة كوفيد -19، وانخفاض أسعار النفط وضعف قيمة العملة ساهمت في تفاقم الانكماش الاقتصادي؛ حيث لا تزال تعتمد نيجيريا على عائدات النفط رغم الاستثمارات الكبيرة في الزراعة وقطاعات أخرى.

يضاف إلى ما سبق أن الأزمة الأمنية عادت إلى مسرح النقاش الوطني منذ عامين تقريبًا بعد تحسّن الوضع الأمني بين عامي 2015 و2018م. وأصبح السرد الحكومي بهزيمة “بوكو حرام” في شمال شرق البلاد شبه دعاية وغير مُقنع؛ بسبب استمرار الهجمات المكثّفة وزيادة عدد الوفيات من أنشطة الجماعة. إضافة إلى أزمة قطاع الطرق ومسلحين “مجهولين” الذين يُحدثون فوضى في مناطق شمالية من خلال عمليات خطف وارتكاب مذابح وهجمات انتقامية. ويعزّز التعامل الانتقائي مع المجرمين انتشار العنف وتوسيع الحركات المسلحة لعملياتها وانتقال المسلحين المتطرفين من منطقة لأخرى. ويؤثر استمرار انعدام الأمن على بيئة الأعمال في نيجيريا وتدفقات الأعمال إلى مناطق بشرق وشمال البلاد. كما يؤثر سلبًا في قدرة الولايات التي تعتمد عليها نيجيريا للإنتاجات الزراعية.

وبعيدًا عن الجدالات بين مؤيدي الحكومة الحالية ومنتقديها، وفي ظل الأزمات القائمة وعدم وضوح السياسات الاقتصادية؛ تحتاج نيجيريا قيادة وطنية قادرة على فهم وتحديد مسار وتوجيه النمو والتنمية على الصعيد الوطني. وهذه القيادة يجب أن تضمّ في طياتها جميع المواطنين دون تحيُّز عرقي أو جيوسياسي, وذلك لكي تحقق الأهداف الموحدة للبلاد والمتمثلة في النمو والازدهار الجماعي لكل من ينتمي إلى الكيان النيجيري.

وكما لخّصه “ترحمبا ووام”, لم تتمثل التحديات التي تواجه نيجيريا اليوم فقط في فساد قيادتها السياسية، بل في أن قدرتها محدودة على حكم البلاد بشكل فعّال؛ لقلة الدور الذي تلعبه حكومات الولايات التي تكونت منها نيجيريا؛ فالقيادة الفعّالة بحاجة إلى إدارة سياسية حديثة لا يكون دور الولاية فيها مجرد الحفاظ على الوضع الراهن وفق أهواء من هم في المكاتب المركزية في أبوجا. فحكومة كل ولاية بحاجة إلى إعادة توجيه متعمد نحو تفسير أكثر اتساعًا للمشروع النيجيري، والتركيز على النمو الاقتصادي السريع، وتوفير المنافع العامة لسكانها كي يصبحوا فاعلين هادفين في التحوّل الإيجابي الشامل للمجتمع النيجيري.

 

.

رابط المصدر:

https://www.qiraatafrican.com/home/new/%D9%86%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%8061-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%82-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%84-%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D8%A7#sthash.I99vEKGe.qQILR2fM.dpbs

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M