الحـرب ضـد الإرهــاب هل ستبقى حرب مفتوحة ؟

رافد الحسناوي

في الأصل فإن اسرائيل هي الدولة الإرهابية الأولى في العالم، وبما أنها قامت في الأساس في العام 1948 على يد العصابات اليهودية المتعددة فإنها جمعت بين ارهاب الدولة والمنظمات. وفي مسيرتها العسكرية والأمنية لم تتخل اسرائيل عن ممارسة الأسلوبين معا: الحروب التقليدية، والعمليات الأمنية الخاصة التي تهدف الى بث الرعب في نفوس “العدو” الذي هو الفلسطينيون وكل العرب والمسلمين. ولقد نجحت في ذلك الى حد بعيد الى أن حصلت حرب تشرين/رمضان 1973 ومن ثم عمليات المقاومة الوطنية فالإسلامية في لبنان التي انتهت الى تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 ومن بعدها هزيمة العدو في حرب تموز 2006، بعد ذلك كان صمود غزة في حربين في مواجهة إسرائيل ليوسع “بيكار” المقاومة وكسر أساليب العدو النفسية قبل المادية.

غير أن العرب والمسلمين لم يستفيدوا من نهج المقاومة والتحدي والتصدي.ولم يكن أمام النظام العربي والاسلامي سوى اطلاق مبادرة تعزز يد اسرائيل في الوجود من جهة وفي التطبيع من جهة ثانية، وهو ما تمثل في المبادرة العربية للسلام التي تفتح أبواب الوطن العربي للنفوذ الإسرائيلي من دون أخذ أية ضمانات مسبقة من أن اسرائيل ستلتزم بالإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة وأن توافق على اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية في حال قيامها. ولقد توسع مفهوم الإرهاب وما عادت لمفاهيمه ضوابط تقليدية ووصل الى مرحلة من أخطر المراحل التي تمر فيها الأمتان العربية والإسلامية.

ولقد ساهم ما سمي بـ “الربيع العربي” في تعزيز منطق الفوضى. معارضات تنتفض على الأنظمة الحاكمة لكنها تفتقد لمشروع بديل في السلطة فما عاد معروفا من هم المنتفضون ولا من يقودهم. وهو ما أدى الى حال الفوضى الشاملة بل الدموية في كل مكان حصلت فيه حراكات ضد السلطة.كما لو أن المقصود من هذه الحراكات أن تحصل لمجرد الحصول فتطيح بالأنظمة وتحول دون بناء الدولة البديلة لتقع البلاد في الفوضى السياسية أولا وفي غياب القدرة الأمنية على الإمساك بالوضع ومن هنا هدم الجيوش وحلها، ومن ثم الانتقال الى المرحلة الأخيرة وهي تفكيك الكيان الى كيانات جهوية ودينية ومذهبية وإتنية. وفي حال تعذر رسم حدود جغرافية فإن الحدود الإجتماعية ستكون هي الحدود الضمنية غير المرئية بين مكونات البلدان والمجتمعات.

لقد عرفت الجغرافيا الاسلامية والعربية عبر تاريخها عددا كبيرا من الجماعات العنفية والإرهابية والتكفيرية في عهود صدر الإسلام والدولة الأموية ومثلها العباسية والسلجوقية والعثمانية. غير أن الأدوات التي استخدمها الغرب واسرائيل وبعض القوى العربية والاسلامية في الصراع الدائر حاليا في المنطقة كان أبعد مما هو متصور ومتخيل.فظهرت تنظيمات مثل “داعش” وأخواتها في كل مكان من الأرض العربية من سوريا والعراق الى اليمن وليبيا ومصر والجزائر وشمال أفريقيا وفي أفريقيا نفسها وصولا الى شبه القارة الهندية. إن ما تمارسه داعش، باسم “الدولة الإسلامية” وباسم الإسلام، من أساليب يقشعر لها البدن حرقا أو ذبحا أو تقطيعا أو طمرا ومن هتك للكرامة الإنسانية المتعلقة باسترقاق المرأة وتحويلها الى جارية، لا يمكن ان يوافق عليها أي انسان عنده ذرة واحدة من الإنسانية ومن الإيمان برسالة الإسلام وبدعوة النبي محمد.

إن مجرد تدفق عشرات الآلاف من الإرهابيين من مختلف دول العالم ولا سيما من أوروبا وشمال أميركا واستراليا والقوقاز، يعكس مدى المؤامرة الدولية بمساعدة أدوات إقليمية، لتحويل منطقة العالم العربي تحديدا الى بقعة من الدم والموت والنار والخراب، إلى عصف مأكول لا يبقي ولا يذر فلا يبقى سوى الرماد المنثور من حضارات عربية واسلامية وما سبقهما من حضارت أشورية وبابلية وغيرها تباد وتدمر بمطارق الجهل المقيت والأحقاد العمياء التي لا يمكن لمنفذيها أن يكونوا من طينة البشر.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M