إسرائيل ومعضلة «محور فيلادلفيا»: صخبٌ كثير، وخياراتٌ محدودة

  • بعد تكرار نتنياهو تصريحاته المشددة على ضرورة سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا الفاصل بين قطاع غزة ومصر، أصبح يتحدث أخيراً عن هدف إغلاق الثغرات في المحور لمنع دخول السلاح لقطاع غزة، إذ اصطدم بمعارضة مصرية وأمريكية وتحديات سياسية وقانونية، فضلاً عن الصعوبات العسكرية في احتلال المحور.
  • بينما أبْدت مصر موافقة أولية على تركيب مجسات إلكترونية على السياج الفاصل بين غزة ومصر، إلا أنها لم توافق على بقية الطلبات الإسرائيليةالمتضمنة تحليق طائرات إسرائيلية مسيّرة فوق الحدود لمعالجة الإنذار، وتسيير دوريات مشتركة، لما فيها من انتهاك للسيادة المصرية. 
  • يُتوقع أن تنفذ إسرائيل عملية عسكرية نحو مدينة رفح على الحدود مع مصر، وبعد ذلك لن تبقى قواتها في محور فيلادلفيا، بل ستتوصل إلى تفاهمات مع الجانب المصري، بدعم أمريكي، لتعزيز الرقابة الأمنية والعسكرية على الحدود المصرية-الفلسطينية.

 

في ظل سعي الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو لصياغة مستقبل قطاع غزة ما بعد الحرب الحالية، طرح نتنياهو في الآونة الأخيرة خيار عودة السيطرة الإسرائيلية الكاملة على حدود القطاع مع مصر (محور فيلادلفيا)، وذلك كجزء من رؤيته لنزع سلاح قطاع غزة ومنع تحويله إلى تهديد أمني مرة أخرى لإسرائيل.

 

تتناول هذه الورقة خيار السيطرة الإسرائيلية على “محور فيلادلفيا”، وإمكانية تطبيقه في ظل التطورات العسكرية الحالية في قطاع غزة، والمواقف الفلسطينية والمصرية والأمريكية الرافضة له، فضلاً عن القيود الدولية.

 

خلفية حول “محور فيلادلفيا”

كان الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، الذي يُطلق عليه إسرائيلياً اسم “محور فيلادلفيا” وفلسطينياً “صلاح الدين”، يُعد مكوناً رئيساً في منظومة الأمن الإسرائيلي حتى عام 2005. وكانت أهميته تصل إلى مستوى الأهمية الأمنية للحدود الأردنية مع الضفة الغربية. وقد أُسس محور فيلادلفيا بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء عام 1982، ويصل عرضه إلى مئات الأمتار وطوله إلى نحو 15 كيلومتراً، من ساحل البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة. ثم انسحبت إسرائيل من المحور مع تنفيذ خطة فك الارتباط الأحادي عن قطاع غزة في أغسطس 2005، وتم بناء منظومة أمنية للمحور تعتمد على تعاون بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية قبل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، حيث بقي لإسرائيل تأثير على معبر رفح بسبب العلاقات والتفاهمات مع مصر بهذا الخصوص.

 

عارضت جهات إسرائيلية حينها، ومنها جهاز الأمن العام (الشاباك) الانسحاب من المحور، واعتبر المعارضون للانسحاب أن ذلك يمسّ باتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية التي تتضمن في ملحقها العسكري بنوداً تتعلق بوضع المحور ونشر القوات العسكرية على جانبيه، ولأجل ذلك أقرت الحكومة الإسرائيلية عام 2005 دخول 750 جندياً مصرياً مُجهزين بمعدات ثقيلة لتأمين الحدود مع قطاع غزة، بيد أن سيطرة حماس على قطاع غزة قلبت هذه التفاهمات المصرية-الإسرائيلية، حيث سيطرت حركة حماس عملياً على المحور من الجانب الفلسطيني، ما دفع إسرائيل إلى الرد بفرض الحصار على قطاع غزة.

 

الحرب على غزة و”محور فيلادلفيا” 

تَعتبر إسرائيل أن محور فيلادلفيا يُمثل القناة الرئيسة لتهريب السلاح والمعدات ومواد بناء القدرات العسكرية لحركة حماس، وذلك بعد سيطرة الحركة على القطاع عام 2007. وبالرغم من أن مصر، منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، هدمت أو أغرقت بالمياه آلاف الأنفاق بين مصر وقطاع غزة، وشيدت جداراً خراسانياً على الحدود يبلغ ارتفاعه نحو ستة أمتار وبقواعد خرسانية تصل إلى ثلاثة أمتار تحت الأرض تقريباً، كما قامت بهدم بيوت وتجريف أراضٍ لإقامة منطقة عازلة في مدينة رفح المصرية المحاذية للحدود مع غزة، إلا أن ذلك -وفق الزعم الإسرائيلي- لم يمنع حماس من بناء ترسانة وشبكة كبيرة من الأنفاق على الحدود؛ لذلك تربط إسرائيل بين القضاء على البنية العسكرية لحركة حماس وبين إغلاق الثغرات في محور فيلادلفيا. وفي هذا الصدد، يشير غيورا إيلاند، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، إلى أن مصر “فشلت” خلال السنوات الثمانية عشرة الماضية في منع تهريب السلاح إلى قطاع غزة.

 

منذ شن إسرائيل عمليتها “السيوف الحدودية” ضد قطاع غزة، رداً على عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها حماس ضد غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، لم تنفذ إسرائيل عملية عسكرية كبيرة في منطقة رفح الفلسطينية، فحتى اللحظة تمتنع إسرائيل عن شن هجوم عسكري مكثف في المنطقة التي لجأ إليها ما يقارب مليون فلسطيني، على الرغم أنها أبلغت مصر نيتها فعل ذلك. وينتظر الجيش الإسرائيلي قرار الحكومة للبدء بعملية واسعة في رفح، ويتمحور التفكير حول تهجير السكان والنازحين إلى جنوب غربي قطاع غزة، لتمكين الجيش من تنفيذ العملية العسكرية الشاملة هناك.

 

يرى تمير هايمن، رئيس معهد دراسات الأمن القومي ورئيس شبعة الاستخبارات العسكرية سابقاً، أنه من أجل تحقيق الهدف المتمثل في حسم المواجهة مع حماس، فإنه يجب على إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية إلى منطقة رفح والوصول حتى محور فيلادلفيا. ولا يوضح هايمن موقفه جيداً من هذه النقطة، ولكن نستطيع القول إنه يقصد الوصول إلى المحور وتأمينه ثم الانسحاب، ولكن الوصول للمحور بالنسبة له هو شرط لحسم المعركة مع حركة حماس. وفي المقابل، هناك من يعتقد أن محور فيلادلفيا يمثل معضلة لإسرائيل؛ فمن جهة فإن السيطرة عليه تعد عاملاً مهماً لمنع عودة حماس إلى بناء قدراتها العسكرية، ومن جهة ثانية فإن السيطرة عليه تعيد إلى الأذهان الخسائر التي كان يتكبدها الجيش جراء سيطرته على المحور، مما يدخله في حرب استنزاف على المحور، لذلك فإن الخيار الأفضل -بحسب هذه التقديرات- هو السيطرة عليه من بعيد من خلال وسائل تكنولوجية.

 

أعلن نتنياهو في 30 ديسمبر 2023 عن خيار سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا، حيث قال إن “على إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا من أجل ضمان أن يكون مغلقاً”، وأشار إلى أن كل خيار آخر- غير السيطرة الإسرائيلية- لن يضمن نزع سلاح قطاع غزة. وأشارت مصادر إلى أن إسرائيل أخبرت مصر أنها تستعد لتنفيذ عملية عسكرية للسيطرة على محور فيلادلفيا، ووضع جنود إسرائيليين على نقاط حدودية من الجانب الفلسطيني.

 

وفي وقت لاحق كان نتنياهو أقل وضوحاً في حديثه، فلم يتحدث عن سيطرة إسرائيلية على محور فيلادلفيا، بل عن الوصول إلى هدف إغلاق الثغرات فيه لمنع دخول السلاح إلى قطاع غزة. ففي مؤتمر صحفي عقده في 13 يناير 2024 قال نتنياهو “لن ننهي الحرب قبل إغلاق هذه الثغرة، وغير ذلك فإننا سوف نقضي على حماس، وننزع السلاح عن القطاع، وعندها ستدخل وسائل قتالية من خلال الثغرة الجنوبية. هناك عدة خيارات لإغلاقها، نحن نفحصها ولم نتخذ قراراً نهائياً”.

 

وكان من الخيارات التي طرحها الجانب الإسرائيلي تركيب مجسات إلكترونية على السياج الحدودي تُنذِر إسرائيل بتحركات لحفر أنفاق أو تهريب سلاح من الحدود المصرية عبر محور فيلادلفيا، وتمكين طائرات مسيّرة إسرائيلية من التحليق فوق المحور لاستهداف هذه الخروقات. وجرت مباحثات مصرية-إسرائيلية في هذا الشأن، حيث أبدت مصر موافقة أولية على تركيب مجسات إلكترونية، لكنها لم توافق على الطلب الثاني بالسماح لطائرات إسرائيلية مسيّرة من التحليق فوق الحدود ومعالجة الإنذار لما فيه من انتهاك للسيادة المصرية. وذكرت مصادر إسرائيلية أن خياراً آخر طُرح على الجانب المصري يرتكز على إجراء دوريات مشتركة إسرائيلية-مصرية على امتداد المحور، وقد رفضت مصر هذا المقترح أيضاً.

 

كما طُرح خيار سيطرة إسرائيل على معبر رفح وإغلاقه، وتحويل معبر كرم أبو سالم إلى الممر الوحيد لدخول قطاع غزة والخروج منه، وقد رفضت مصر هذا الخيار، وأوضح الرئيس السيسي موقفه المعارض لاحتلال المعبر من الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن أن مصر ترى في معبر رفح مصدر قوة لحفظ مكانتها كدولة مؤثّرة في قطاع غزة، وجزء من حفظ مكانة السلطة الفلسطينية التي تراها مصر شريكاً في إدارة المعبر وليس إسرائيل.

 

صورة التقطتها أقمار اصطناعية للمنطقة الحدودية بين قطاع غزة ومصر، وفيها يظهر موقع “محور فيلادلفيا” على الشريط الحدودي (الجزيرة)

 

التوجهات الإسرائيلية نحو “محور فيلادلفيا” والمعوقات أمامها

من خلال رصد وتحليل التقديرات الإسرائيلية، تُمكن الإشارة إلى ثلاثة توجهات إسرائيلية بخصوص التعامل مع محور فيلادلفيا:

 

الأول، تعزيز السيطرة المصرية على الحدود. يشير هذا التوجه إلى أنه يتعين على إسرائيل التوصل إلى تفاهمات مع مصر حول محور فيلادلفيا تهدف إلى تعزيز الرقابة المصرية على الحدود بين مصر وقطاع غزة. ويربط هذا التوجه بين تعزيز الدور المصري وطرح تصور سياسي إسرائيلي لقطاع غزة يكون مقبولاً للجانب المصري، والمتمثل تحديداً في عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، بحيث يكون اليوم التالي للحرب منسجماً مع المصالح المصرية، لدفع مصر نحو أخذ موقف أكثر حزماً في الرقابة على محور فيلادلفيا.

 

الثاني، تعميق الرقابة الإسرائيلية دون سيطرة على المحور. يشير هذا التوجه إلى أنه يجب على إسرائيل التوغل في قطاع غزة واستمرار عملياتها العسكرية حتى الوصول إلى محور فيلادلفيا، ومعالجة الثغرات في المحور التي تُمكّن حركة حماس من تهريب السلاح إلى القطاع. كما يشير هذا التوجه إلى أهمية بناء منظومات رقابة إسرائيلية على الحدود المصرية-الفلسطينية، والانسحاب من المحور. ويتفق هذا التوجه مع التوجه الأول في أن الأمر لا يمكن تنفيذه من دون تنسيق مع الجانب المصري، ولكنه يختلف عنه في التعويل الشامل على مصر في موضوع الرقابة، إذ يقترح شراكة مصرية-إسرائيلية في الرقابة على الحدود دون سيطرة إسرائيلية عسكرية على محور فيلادلفيا.

 

الثالث، السيطرة الإسرائيلية العسكرية والأمنية الكاملة على محور فيلادلفيا. وهو توجه يستوحي مَنطقه من تجربتين: الأولى في الضفة الغربية بالسيطرة الإسرائيلية على الحدود الأردنية-الفلسطينية (غور الأردن) التي أعاقت تحويل الضفة الغربية إلى قطاع غزة من حيث القدرات العسكرية، حيث تَعتبر إسرائيل أن السيطرة على الحدود عامل مركزي في كل تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين. والثانية، هي التجربة الإسرائيلية السابقة في قطاع غزة، حيث يَعتبر هذا التوجه أن انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا كان خطأً أمنياً ساهم في تطوير القدرات العسكرية لحركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية، وأن السيطرة الإسرائيلية على المحور هي الكفيلة بمنع إعادة بناء القدرات العسكرية لحركة حماس في قطاع غزة ما بعد الحرب.

 

وتوجد معوقات أمام تنفيذ السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا، سواء كانت سيطرة مؤقتة أو دائمة، ويمكن رصد أهم المعوقات على النحو الآتي:

 

أولاً، الموقف المصري. تُعارِض مصر أي عملية عسكرية للسيطرة على محور فيلادلفيا، فمصر تَعتبر السيطرة الإسرائيلية على المحور انتهاكاً للتفاهمات الأمنية بين البلدين التي تم التوقيع عليها عام 2005، وإقراراً بفشلها في تأمين حدودها، وذلك على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها لتأمين الحدود مع قطاع غزة، حيث اتهمت مصر إسرائيل بأنها تنشر الأكاذيب بخصوص دخول السلاح من المحور، إذ إن مصر تؤمّن حدودها بعوائق متعددة تمنع تهريب السلاح إلى قطاع غزة، وتَعتبر مصر أن نشر هذه الأكاذيب يهدف إلى شرعنة احتلال المحور. وقال ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، إن مصر دمرت أكثر من 1500 نفق، وعززت الحدود بجدار خرساني، كما أن وجود ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح المصرية يُصعب عملية تهريب السلاح إلى قطاع غزة. ومصر التي ترفض المقترحات التي لا تصل حد السيطرة الإسرائيلية على المحور، مثل زرع مجسات رقابية أو تسيير دوريات مشتركة مع الجيش الإسرائيلي، سترفض حتماً السيطرة الإسرائيلية على المحور. بالإضافة إلى ذلك، تَعتبر مصر أن مساعي إسرائيل للسيطرة على المحور قد يصب في هدف تهجير الفلسطينيين بسبب الضغط العسكري الذي سيقع على السكان النازحين إلى جنوب القطاع بسبب العمليات العسكرية، كما أنه يزيد حالة التوتر الأمني، مما قد يُهدد القوات المصرية على الحدود أو يزجها في الصراع العسكري الدائر. لذلك ترفض مصر أي وجود إسرائيلي دائم على المحور، وتفضل التوصل إلى تفاهمات مع إسرائيل بخصوص زيادة الرقابة وتأمين المحور.

 

ثانياً، صعوبة العملية العسكرية. فمن أجل إعادة احتلال محور فيلادلفيا، يتعين على إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية كبيرة في جنوب قطاع غزة، حيث يتجمع هناك نحو مليون نازح فلسطيني، ويسكنون فيما يُشبه “مدن خيام”، وتنفيذ العملية سوف يؤدي إلى خسائر كبيرة في الجيش الإسرائيلي (وقد أثبتت أحداث خان يونس الأخيرة وقتل 24 جندياً، ما ينتظر الجيش الإسرائيلي في أعماق جنوب غزة)، وبين المدنيين الفلسطينيين فضلاً عن مفاقمة الأزمة الإنسانية، وهو أمر أيضاً سوف يضع إسرائيل في مواجهة الولايات المتحدة التي ترفض استمرار الخسائر الكبيرة بين المدنيين الفلسطينيين، كما أنه سيُعقّد صورة إسرائيل دولياً، لا سيّما في أعقاب رفع جنوب أفريقيا قضية ضد إسرائيل بارتكابها إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية.

 

ثالثاً، الموقف الأمريكي. ففضلاً عما ورد أعلاه من تداعيات العملية على المدنيين، فإن تنفيذ عملية لاحتلال المحور سوف يحتاج إلى قوات كبيرة وهو أمر يتعارض مع الضغط الأمريكي على إسرائيل المتعلق بالانتقال إلى عملية عسكرية أقل حدة في القطاع، فضلاً عن أن ذلك يتعارض مع الرؤية الأمريكية لليوم التالي التي تتمثل بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وربما الدفع بحل الدولتين.

 

رابعاً، الموقف الفلسطيني. سينظر الجانب الفلسطيني إلى هذه العملية بأنها انتقاص جديد للسيادة الفلسطينية. فمن جهة فإن السلطة الفلسطينية لن تقبل العودة إلى القطاع دون سيطرة فلسطينية على الحدود مع مصر، وتشير مصادر إلى أن موقف السلطة الفلسطينية نُسِّقَ مع مصر خلال لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عمّان في شهر يناير الجاري. ومن جهة ثانية، فإن حركة حماس سوف ترى في العملية العسكرية لاحتلال محور فيلادلفيا محاولةً لتشديد الخناق عليها، وفشلاً لها في الحفاظ على ما أنجزته في العام 2007 بإنهاء الوجود الإسرائيلي على محور فيلاديلفيا، مما سيدفعها إلى الدفاع عن المحور باستماتة، وتكبيد القوات الإسرائيلية خسائر كبيرة.

 

خامساً، التجربة التاريخية الإسرائيلية؛ التي تشير إلى عدة نقاط:

  1. أن السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا لن تمنع تهريب السلاح إلى قطاع غزة، بل إن تشييد الأنفاق بين مصر وقطاع غزة بدأ حين كانت إسرائيل تسيطر على المحور، كما أن الهجمات الصاروخية على مستوطنات “غوش قطيف” بدأت وإسرائيل كانت موجودة في القطاع وتسيطر على المحور؛ لذلك فإن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل سياسياً ودولياً لا يوازي المكاسب الأمنية من السيطرة على المحور.
  2. بناءً على النقطة السابقة، فإن السيطرة على المحور سوف تَعني من حيث القانون الدولي أن إسرائيل أعادت احتلال قطاع غزة وأنها لم تنسحب منه، في حين أن التبرير الإسرائيلي لشن هجماتها على قطاع غزة كان يرتكز على ادعائها بأنها انسحبت من القطاع لكنها لا تزال تتعرض لهجمات الفصائل الفلسطينية. وكان هذا المبرر هو الذي دفع رئيس الوزراء الإسرائيل أرئيل شارون إلى الانسحاب من المحور، ضمن خطة فك الارتباط، رغم معارضته لذلك، وذلك لأن الانسحاب من قطاع غزة من دون المحور لن يُعتبر دولياً بمثابة إنهاء للاحتلال الإسرائيلي للقطاع.
  3. السيطرة على محور فيلاديلفيا سيُحوّل القوات الإسرائيلية إلى هدف مشروع للهجمات الفلسطينية، وذلك على غرار الشرعية التي يدعيها حزب الله في هجماته ضد إسرائيل باعتبار أنها لا تزال تحتل أرضاً لبنانية (مزارع شبعا وتلال كفر شوبا أساساً)، وفي نهاية المطاف ستضطر إسرائيل للانسحاب من المحور مُرغمَة.

 

استنتاجات

يتضح من تصريحات نتنياهو الأخيرة أنه تراجَع عن فكرة احتلال محور فيلادلفيا والسيطرة عليه كما كان الحال قبل فك الارتباط عن قطاع غزة عام 2005، بسبب صعوبة تنفيذ ذلك عسكرياً وسياسياً. قد تنجح إسرائيل عسكرياً في الوصول إلى محور فيلادلفيا، ولكن ثمن ذلك سيكون كبيراً لجهة الخسائر في صفوف الجيش والمدنيين الفلسطينيين، وربما في حياة الأسرى والرهائن الإسرائيليين، ولكنها لن تستطيع فرض بقائها فيه لأن ذلك سيواجَه بمعارضة من مصر، التي سترى في ذلك تهديداً مباشراً لأمنها القومي، فضلاً عن معارضة أمريكية لأنه قد يُهدد المسعى الأمريكي لفرض تصورها السياسي لليوم التالي للحرب، والذي يتمحور في عودة سلطة فلسطينية “متجددة” إلى القطاع. كما أن السيطرة العسكرية الإسرائيلية الدائمة على المحور ستكون بنظر المجتمع الدولي إعادة احتلال قطاع غزة، وهو أمر لن يخدم إسرائيل في نهاية الأمر.

 

لذلك، من المتوقع أن تنفذ إسرائيل عملية عسكرية نحو مدينة رفح، التي تُجمع أغلب التقديرات الإسرائيلية على أنها عملية مركزية في طريق حسم المعركة مع حركة حماس، وبعد ذلك لن تبقى إسرائيل في محور فيلادلفيا، بل ستتوصل إلى تفاهمات مع الجانب المصري، بدعم أمريكي، لتعزيز الرقابة الأمنية والعسكرية على الحدود المصرية-الفلسطينية، وقد تُسهم إسرائيل في تعزيز هذه الرقابة من خلال وسائل تكنولوجية على المحور بالتنسيق مع الجانب المصري دون وجود عسكري إسرائيلي؛ لذلك تتوقع الورقة دمجاً بين التوجه الأول والثاني الإسرائيليين بحيث يكون الخيار الإسرائيلي تنفيذ عملية عسكرية محدودة وترك تأمين الحدود للجانب المصري.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/israyil-wamuedilat-mihwar-filadilfya-sakhab-kathir-wakhiarat-mahduda

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M