إسلاميو السودان: الدور والمستقبل في سياق الصراع على السلطة

هدف الورقة فهم ما انتهت إليه الحركة الإسلامية السودانية بعد تجربتها في السلطة ومعها، ومراجعة الأدوار التي اضطلعت بها عموم القوى الإسلامية ورصد مستقبلها، بعد أن شهد السودان ثورة وإزاحة للإسلاميين عن صدارة المشهد السياسي.

التنظيمات الإسلامية السياسية في السودان بصيغتها التقليدية قديمة، ظهر بعضها في فترة الاحتلال الإنكليزي مثل طائفة الأنصار التي تنتمي لفكر الإمام المهدي، وطائفة الختمية التي تنتمي للطريقة الختمية الصوفية بقيادة علي الميرغني، وجماعة أنصار السنة المحمدية، وهي جماعة سلفية سودانية معتدلة، ظهرت فعليًّا في عام 1916، ورخص لها الاحتلال في ممارسة نشاطها في عام 1946، لكن الإسلام “الحركي” السياسي في السودان كانت بدايته الفعلية في عام 1946 من خلال جمال الدين السنهوري. كان السنهوري مقربًا من حسن البنا، عاد إلى السودان خلال تلك الفترة لتأسيس نشاط الجماعة؛ حيث بلغ عدد شعب الإخوان في السودان آنذاك خمسين شعبة، بينما بدأ النشاط السياسي للإخوان المسلمين، في ديسمبر/كانون الأول 1955، عندما نظموا مؤتمرًا حضره الجناحان الدينيان للأنصار والختمية، علاوة على عدد من الجمعيات الإسلامية، لتأسيس “الجبهة الإسلامية للدستور” للمطالبة بدستور إسلامي بعد الاستقلال، وشاركت فيها كل التنظيمات الإسلامية المعروفة آنذاك؛ ليؤسس بعدها د. حسن الترابي في الستينات “جبهة الميثاق الإسلامي” التي ضمت الإخوان المسلمين وأنصار السنَّة والطرق الصوفية مثل التيجانية وغيرها.

هذه التشكلات من الطيف الإسلامي ظلت ملازمة للمشهد السوداني حتى اللحظة الراهنة، ولعل آخرها بروزًا “التيار الإسلامي العريض”، في أبريل/نيسان 2022، بإعلان اندماج عشرة تنظيمات ومجموعات إسلامية، وهو ما قد يُرى أنه عودة لظهور فصائل إسلامية في الساحة السياسية بعد إقصائها من الساحة السودانية، في 11 أبريل/نيسان 2019، حين أطاح كبار قادة الجيش بحكومة الرئيس عمر البشير تحت ضغط واحتجاجات شعبية استمرت لشهور.

ترمي هذه الورقة لفهم ما انتهى إليه الفصيل الإسلامي الرئيسي في السودان، الحركة الإسلامية السودانية، بعد تجربة في التعامل مع السلطة أو ممارستها، ومراجعة الأدوار التي اضطلعت بها عموم القوى الإسلامية لرصد أدوارها في المستقبل، بعد أن شهد السودان ثورة وإزاحة للإسلاميين عن صدارة المشهد السياسي، تلتها مرحلة انتقالية هشة، أسلمت البلاد لاشتباكات مسلحة بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع التي كانت تسعى للوصول للسلطة عبر حراك عسكري بدأته في 15 أبريل/نيسان 2023. وترصد أهم التحولات التي شهدتها التيارات الإسلامية في السودان بشكل عام، وأين سيكون منها الفصيل الإسلامي الرئيسي، وفهم البيئة الحاضنة والسياقات المحلية والإقليمية فضلًا عن التفاعلات التي حكمتها وستحكمها، بجانب الوقوف على دور الإسلاميين عمومًا في المشهد السياسي الراهن، وأهدافهم التي يسعون إليها في السياق السياسي السوداني.

التيارات الإسلامية في السودان: ترسيم أولي

يمكن تقسيم التيارات الإسلامية الناشطة في السودان إلى ثلاثة تيارات رئيسية، هي:

أولًا: التيار الحركي

مصـــطلح “التيار الحركي” أو “الحركـــات الإســـلامية”، أو الاتجاه الإسلامي، أو الإسلاميين، أو “الإسلاموية”، كلها مصطلحات تطلق على الحركـات التـي تنشط في الساحة السياسية، وتنادي بتطبيق قيم الإسلام وشرائعه في الحياة العامـة والخاصــة علــى حدٍّ ســواء، وترتبط بفكر جماعة الإخوان المسلمين. ويغلب إطلاق هذا المصطلح “الحركة الإسلامية” على الحركات التي تصف نفسـها بهـذا الوصـف وتنشـط فـي المجـال السياسـي، ونـادرًا مـا يُطلـق وصـف الحركـات الإسـلامية علـى الجماعـات الصـوفية التـي لا تنشـط فـي مجـال السياسـة، كما لا يطلـق هـذا الوصف أيضًا على الأحزاب التقليديـة ذات الخلفيـة الإسـلامية كحـزب الأمـة فـي السـودان أو الاستقلال فــي المغــرب، بينمــا تطلــق هــذه الصــفة علــى حركــات المعارضــة للأنظمــة السياسية القائمة في الدول العربية(1).

والحركة الإسلامية الحديثة بمغزاها ومآلها كلها “حركة تجديد وإصلاح شامل” تُبنى على “التقاليد الإصلاحية” الخاصة التي سنَّها جمهور من سلف الفقهاء والصوفية، ولا تقف عندها. والحركة الإسلامية الحديثة كلها تعتبر بتراث البناء العفوي الطوعي الذي مكَّن أسس المجتمع الإسلامي المتدين عبر التاريخ، والحركة كذلك ذات هَمٍّ سياسي وبُعد عالمي(2).

أما “الحركة الإسلامية السودانية” فهو اسم الفصيل الإسلامي الرئيس في السودان، وهي حركة لبعث العمل الإسلامي الحركي من “أجل النهضة، وتجديد الفكر” بعد الجمود، وحركة سياسية لمقاومة “المشروع الاستعماري” وامتداده في النخبة والصفوة المحلية العلمانية واليسارية(3). وهي نفسها الحركة التي وصلت إلى السلطة في السودان بإنقلاب الإنقاذ العسكري الذي قاده المشير عمر البشير، في يونيو/حزيران 1989، وبقيت في السلطة لحين خلع الرئيس البشير، في أبريل/نيسان 2019.

لم تنفرد الحركة الإسلامية في السودان في نشأتها التنظيمية عن بقية الاتجاهات الإسلامية، وإنما ارتبطت بجماعات صوفية وسلفية وعشائرية وأهلية، وحتى في الجبهة الإسلامية للدستور في عام 1954 قبيل استقلال السودان؛ فهؤلاء كانوا يشكلون ثلاثة أرباع الجبهة. ثم جاءت “جبهة الميثاق الإسلامي” في الستينات من القرن الماضي فكان الصف أوسع، والوجود الآخر أوسع، ثم الجبهة الوطنية المعارضة لنظام الرئيس جعفر نميري في النصف الثاني من عقد السبعينات، والتي تحالفت فيها الحركة الإسلامية مع حزبي الأمة والديمقراطي وقوى سياسية أخرى، وأيضًا كانت جزءًا من كل، ثم جاءت الجبهة الإسلامية القومية في الثمانينات وهي كيان واسع جدًّا، استطاع أن يكسب في انتخابات 1986 أكثر من مليون صوت، من بين حوالى ثلاثة ملايين منتخِب، وحازت 54 مقعدًا في البرلمان.

لكن حين نضع الإنقاذ كنظام حكم للإسلاميين بمعنى النظام السياسي في عام 1989 فلن نجد نظامًا سياسيًّا متصلًا، بل هو نظام مرَّ بمراحل وعلاقته بالحركة الإسلامية متنوعة تخللتها مراحل ومحطات، منها: مرحلة المفاصلة عام 1999، ومرحلة الصراعات الداخلية في حزب المؤتمر الوطني من مذكرة العشرة والعلاقة بين الحزب والحكومة، وانتخابات 2010 التي أعقبها انفصال جنوب السودان، وانتخابات 2015 التي فاز فيها البشير، وانتخابات 2020 التي كانت ترمي لإعادة ترشيح البشير لولاية رئاسية ثالثة في مخالفة صريحة لدستور 2005، لتعاجلها ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 على نظام الإنقاذ لاعتبارات مختلفة، منها إعلان الرئيس البشير عن جملة تعديلات دستورية تسمح له بالترشح لدورة رئاسية جديدة، التي أتت متأخرة عن ربيع العرب أو -بعبارة أخرى- موجة ثانية منه، نموذجًا سودانيًّا مرتبطًا ببيئته المحلية، ومختلفًا في سياقاته التاريخية وفي شروط صيرورته(4).

ويمثل التيار الحركي المرتبط بفكر جماعة الإخوان المسلمين في السودان حاليًّا طيفًا متعددًا: الحركة الإسلامية السودانية بقيادة الأمين العام، علي كرتي، وزير الخارجية الأسبق، وحزبها المؤتمر الوطني (المحلول) بقيادة إبراهيم غندور، وزير الخارجية الأسبق، وحركة الإصلاح الآن بزعامة غازي صلاح الدين، وحركة المستقبل للإصلاح والتنمية بزعامة عبد الواحد يوسف، وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة علي الحاج محمد (نائب الترابي سابقًا)، وفصائل صغيرة مثل مجموعة “سائحون” بقيادة فتح العليم عبد الحي، ومجموعة الإحياء والتجديد الفكرية بقيادة محمد مجذوب محمد صالح.

ثانيًا: التيار السلفي

التيار السلفي في السودان له فصائله المتعددة من سلفية علمية وسلفية صحوية، بجانب فصائل ترفض التنظيم والتأطير، غير أنها تعتنق العقيدة السلفية المعروفة، وتشمل:

  1. السلفية التقليدية أو ما تعرف بالسلفية العلمية، وتمثلها في السودان جماعة أنصار السنَّة المحمدية بشقيها: جماعة أنصار السنة المحمدية بزعامة إسماعيل عثمان الماحي، وجماعة أنصار السنة (الإصلاح) بزعامة عبد الكريم محمد عبد الكريم. ومن واجهات السلفية العلمية الأخرى بالسودان مثل جمعية الكتاب والسنة بزعامة عثمان الحبوب، وهي ذات علاقة خاصة بالمملكة العربية السعودية، ولهذه المجموعة حضور كبير في العمل الخيري، وحضور سياسي في الحكومة المكلفة لإدارة شؤون السودان حاليًّا، ممثلًا في وزير الشؤون الدينية والأوقاف، عبد العاطي أحمد عباس، ووزير الصحة، هيثم محمد إبراهيم.
  2. السلفية الصحوية: وهو تيار كبير ينطلق من بعض الواجهات والمنظمات الخيرية، مثل منظمة المشكاة الخيرية ومنظمة ذي النورين الخيرية، وأبرز مشايخه عبد الحي يوسف ومحمد عبد الكريم وعلاء الدين الزاكي ومدثر أحمد اسماعيل وغيرهم.
  3. السلفية الرافضة للتنظيم، وتمثلها مجموعات تلتف حول عدد من المشايخ السلفيين مثل مختار البدري، وعبد الرحمن حامد آل نابت، ومزمل فقيري وغيرهم، ولهم عدد من المساجد والمؤسسات الدعوية ينطلقون منها، مثل الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدُّعاة(5)، ويشاركون في عدد من الأنشطة الدعوية والفكرية والسياسية في بعض الأحيان خاصة عند مناهضة بعض الأنشطة المخالفة للدين مثل التطبيع مع إسرائيل والتوقيع على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وخطاب الكراهية وتداعياته على المشهد السياسي وغيرها.

4. تيار الأمة الواحدة وهو تيار أسسه “الداعية”، محمد علي الجزولي، رئيس حزب دولة القانون والتنمية(6). يشغل الجزولي في التيار منصب المنسق العام للتيار، ويقول تيار الأمة الواحدة عن نفسه إنهم مجموعة من المسلمين عزموا على القيام بوظيفة المسلم الأولى بعد تحقيقه للتوحيد وهي الحركة لهذا الدين والعمل على إقامته في الأرض، وهو ليس جماعة دعوية ولا حزبًا سياسيًّا، بل تيارًا فكريًّا وملتقى للمنصفين من أبناء جماعات العمل الإسلامي الذين لا ينكرون الخير في الآخرين ولا يتعصبون لمذاهبهم ومرئياتهم ولا ينغلقون على جماعاتهم(7). لتيار الأمة الواحدة حضور جماهيري واسع خاصة وسط الشباب، وفي شبكات التواصل الاجتماعي، ويقوم بتنظيم الكثير من الفعاليات الفكرية والدعوية وتظاهرات المساندة للمستضعفين في كل العالم.

ثالثًا: التيار الصوفي

التيار الصوفي بشقيه: التقليدي والجديد. التقليدي تمثله بيوت وطرق التصوف القديمة في السودان مثل القادرية والسمانية والختمية والتيجانية وغيرها. التصوف الجديد تمثله مجموعات متعددة على رأسها تجربة الشيخ الأمين عمر الأمين الذي ينتمي للطريقة المكاشفية بمنطقة ود البنا بأم درمان، وهو نوع من التصوف الحديث يتغلغل في شرائح لم يكن التصوف التقليدي يستطيع الوصول إليها، يشبه تيار الدعاة الجدد. التصوف الجديد يخالف التصوف القائم على الزهد، وهو يتنعم بمطايب الدنيا، ويلقى قبولًا، خاصة من الشرائح المترفة في السودان، ويتفادى الدخول في دهاليز السياسة.

ظهرت للتيار الصوفي السوداني التقليدي مواقف سياسية تنم عن حضور سياسي، مثَّله الشيخ الطيب الجد العباس، شيخ الطريقة القادرية، الذي تزعَّم مبادرة “نداء أهل السودان” للوفاق الوطني التي انطلقت في أغسطس/آب 2022، وتقوم على مجموعة مرتكزات، أبرزها: إجراء حوار شامل مع كافة مكونات الشعب السوداني دون إقصاء لأي طرف، وتحديد فترة انتقالية لا تزيد على عام ونصف يتم بعدها إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية المستقلة غير الحزبية، ورفض أي تدخلات من أي جهة خارجية كانت(8).

كشفت مبادرة نداء أهل السودان بأبعادها السياسية عن بدء تشكل رؤية ذات خصوصية وسط قادة الطرق الصوفية، وهم حلفاء محتملون للإسلاميين دائمًا في مواجهة اليسار السوداني، وقادت هذه الرؤية الطُرق الصوفيَّة للاستقلال بقرارها السياسي، لاسيما بإطلاقها مبادرة نداء أهل السودان، برغم أن قوى إعلان الحرية والتغيير لم تشارك في هذه المبادرة، لأنها اعتبرت أن الحوار يمنح شرعية لحكم البرهان وحلفائه انطلاقًا من الاعتقاد بأن الطيب الجد صاحب المبادرة، يقيم روابط وثيقة مع “نظام” الرئيس البشير(9).

استطاعت المبادرة في حالة نادرة كسب تأييد مجموعات سلفية سودانية للمبادرة لتنتقل العلاقة بين الطرفين من مربع الحرب الشرسة إلى المهادنة والتهدئة. من أبرز هؤلاء “الداعية”، محمد مصطفي عبد القادر، عضو جماعة أنصار السنة المحمدية، الذي قال إنه على وفاق تام مع بنود مبادرة نداء أهل السودان ويؤيدها بلا تحفظ، وكذلك خطيب مسجد السلام بالطائف شرقي الخرطوم، مهران ماهر عثمان، الذي أعلن مناصرته لمبادرة أهل السودان، وهاجم بعنف رافضيها، ودعا عموم السلفيين وقادة الجماعات الإسلامية والدعوية لدعم مبادرة نداء أهل السودان، وابتدار حوار يشمل كافة مكونات المجتمع السوداني بلا استثناء. كما أيد المبادرة “الداعية” عبد الحي يوسف، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومختار البدري ومدثر أحمد إسماعيل من قيادات الاتحاد السوداني للعلماء والدعاة، بل كان البدري من أوائل المؤسسين للمبادرة. كما أيد الاتحاد السوداني للعلماء والدعاة القريب من السلفيين المبادرة مؤكدًا أنَّ ما تضمنته هي ذات البنود التي ظل الاتحاد يدعو إليها منذ نشأته(10).

بجانب ما ذُكر من فصائل وتيارات وأشخاص هناك حضور واسع للفكرة الإسلامية العامة وسط فصائل مختلفة تحت العديد من الواجهات والجمعيات العلمية والدعوية والفكرية وحتى السياسية، مما يؤكد عمق الحضور العام للفكرة الإسلامية في التربة السودانية.

التيار الإسلامي العريض

أعلنت، في 18 أبريل/نيسان 2022، عشرة تنظيمات ومجموعات إسلامية في السودان توحدها في كتلة واحدة تحت مسمى “التيار الإسلامي العريض”، أبرز مكوناته (الحركة الإسلامية السودانية) التي تُعد المرجعية والحاضنة الأساسية لحزب المؤتمر الوطني في ظل حظره. يؤكد هذا التطور ظهور ملامح لعودة إسلاميي السودان إلى المشهد وترتيب الأوراق من جديد، والانتقال من الانسحاب إلى الحضور، ومن الخطاب العام الفضفاض إلى الخطوات الإجرائية. كما يعني أنه يمكن لهذا التكتل والتيار الإسلامي العريض أن يفتح الباب واسعًا أمام عودة (الحركة الإسلامية السودانية) للممارسة السياسية بعد إقصائها من الساحة، في 11 أبريل/نيسان 2019، حين أطاح جنرالات في الجيش بحكومة الرئيس عمر البشير تحت ضغوط واحتجاجات شعبية متطاولة(11).

يضم “التيار الإسلامي العريض” مجموعة من الكيانات والأحزاب والتنظيمات ذات الخلفية الإسلامية، تحالفت لمجموعة أهداف ودوافع، من بينها: صيانة السيادة الوطنية، وتنزيل قيم الدين على جميع أوجه الحياة، وبسط الحريات العامة وصيانة الحقوق للأفراد والجماعات، وإصلاح الشأن السياسي، وتأكيد حاكمية الشورى وإعلاء البعد المؤسسي، وتوسعة قاعدة المشاركة في الشأن العام بما يرسخ أسباب الاستقرار في السودان.

يضم تحالف التيار الإسلامي كلًّا من:

  •  “الحركة الإسلامية السودانية”، وقَّع عنها الوزير السابق و”المفكر الإسلامي”، أمين حسن عمر.
  • “حركة الإصلاح الآن” بزعامة غازي صلاح الدين العتباني، الوزير السابق بحقبة الإنقاذ وأحد أبرز مستشاري الرئيس البشير السابقين قبل أن ينشق عن حزب المؤتمر الوطني في عام 2013 مشكِّلًا تنظيمًا منفصلًا ينادي بالإصلاح والمحاسبة، ورفعت الحركة الوليدة حينها شعارات تدعو لبناء تيار شعبي جامع لأهل السودان.
  •  “منبر السلام العادل”، حزب سياسي أسسه المهندس الطيب مصطفى، وزير الدولة بوزارة الإعلام والاتصالات، ومدير التليفزيون السوداني السابق في حقبة الإنقاذ. وهو شخصية معروفة بتأييدها لانفصال جنوب السودان. أسس منبر السلام العادل وصحيفته الناطقة باسمه صحيفة (الانتباهة)، وكان يعد قبل تأسيس منبر السلام العادل من قادة حزب المؤتمر الوطني.
  •  حزب دولة القانون والتنمية، وقَّع عنه رئيس الحزب محمد علي الجزولي.
  • الإخوان المسلمون- السودان، وقَّع عنهم المراقب العام للإخوان المسلمين بالسودان، عادل على الله.
  •  جماعة الإخوان المسلمين السودانية بزعامة المراقب العام للجماعة، سيف الدين أرباب، والذي تولى منصبه بعد انتخابه من قبل المؤتمر العام التاسع للجماعة، في يونيو/حزيران 2022، خلفًا للمراقب العام السابق، عوض الله حسن.
  •  تحالف العدالة القومي برئاسة التجاني السيسي، حاكم دارفور السابق، ورئيس السلطة الإقليمية لدارفور في حقبة الإنقاذ.
  • تيار النهضة، وهو تيار فكري شبابي جديد متأثر بأطروحات الدكتور حسن الترابي، يقوده أستاذ الفكر السياسي بجامعة النيلين، محمد مجذوب محمد صالح.
  • مبادرة وحدة الصف الإسلامي، وهي تيار لإسلاميين اختاروا الوقوف على الحياد حين انقسمت الحركة الإسلامية في العام 1999.
  • حركة المستقبل للإصلاح والتنمية، حركة إسلامية شبابية فيها عدد من أبناء الجيل الثاني والثالث في الحركة الإسلامية، يرأسها عبد الواحد يوسف، الوزير والوالي السابق في حقبة الإنقاذ.

وهناك قوى إسلامية مؤثرة ما زالت خارج التيار الإسلامي العريض مثل جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان بزعامة إسماعيل عثمان الماحي، وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة علي الحاج محمد، نائب حسن الترابي في قيادة الحزب سابقًا، والتيار الصوفي بطرقه المتعددة، وفصائل سلفية وأحزاب ومجموعات إسلامية عديدة.

تشكيل التيار الإسلامي العريض لم يكن هو الملمح الوحيد لمحاولة عودة الإسلاميين في السودان إلى المشهد؛ برزت عدة فعاليات تعطي مؤشرات واضحة على حضور الإسلاميين في المشهد السوداني، مثل صعود صوتهم خلال الفترة التي سبقت اندلاع الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع -في أبريل/نيسان 2023- في الأنشطة والتحالفات الوطنية المناهضة للاتفاق الإطاري (ديسمبر/كانون الأول 2022)، ومبادرة نداء أهل السودان للوفاق الوطني وغيرها. هذا الحضور للإسلاميين أظهرهم قوة سياسية واجتماعية لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها في أي عملية تسوية أو إنهاء للصراع الدائر في السودان. وهو ما ألمح إليه، رئيس البعثة الأممية في السودان (UNITAMS)، فولكر بريتس، بقوله: “إن عودة الإسلاميين إلى المشهد السياسي واردة”(12). وقال ياسر عرمان، نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال، أحد مكونات الحرية والتغيير: إنه “لا أحد يستطيع اجتثاث الإسلاميين، ودعاهم إلى مراجعة برنامجهم ومشروعهم القديم”(13).

خلال فترة عمل التيار الإسلامي العريض الماضية تبين أن التيار هو جسم جبهوي تنسيقي بين التنظيمات الإسلامية العاملة في الساحة السودانية، والتي تتحد في كثير من الأفكار وتأتلف حول كثير من التصورات مثل وحدة السودان وسلامة أراضيه ورفض التدخل الأجنبي في قضاياه، وتحكيم الشريعة وغيرها، كما تتفق حول واقع مشكلات السودان ومستقبله السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وكان المقصود بالتيار من حيث علاقتهم بعضهم ببعض، هو إحكام التنسيق في القضايا التي تهم المجتمع السوداني وقضايا الأمة الكبرى مثل: القضية الفلسطينية واستهداف الإسلام والمسلمين ورسولهم في الغرب وغيرها. وقد سعى التيار للوصول لمرحلة الوحدة الاندماجية بين التنظيمات الأعضاء في التيار، لكن يبدو أن الوقت ما زال مبكرًا للوصول إلى هذه الوحدة الكاملة.

الحضور الأبرز في هذا التيار العريض هو للاتجاه الحركي المرتبط بفكر “جماعة الإخوان المسلمين”، بتعدد واجهاته وتنظيماته، وعلى رأسها الحركة الإسلامية السودانية، وهي الأبرز في هذه التنظيمات. وقد سبق للحركة الإسلامية السودانية تكوين مثل هذه التنظيمات الجبهوية مثل الجبهة الإسلامية للدستور 1955، وجبهة الميثاق الإسلامي 1965، والجبهة الإسلامية القومية 1985، وهم الأكثر تمثيلًا للإسلاميين من حيث العدد والحضور في الساحة الفكرية والسياسية، وعدد التنظيمات والواجهات التي تتفق معهم في الفكرة.

حفَّز قيامُ التيار الإسلامي العريض حزبَ المؤتمر الوطني، الجناح السياسي للحركة الإسلامية السودانية، لبدء عملية سياسية داخلية تستهدف إعادة بناء قواعده وكوادره على المستويات كافة، وعقدت قياداته لقاءات حاشدة لكوادره في 18 ولاية سودانية، واجتمع ممثلوه مع القوى السياسية السودانية كافة بما فيها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي. وعقد حزب المؤتمر الوطني لقاءات مع ممثلي الاتحاد الإفريقي وسفراء الدول في الخرطوم، وعمل على إعلان مواقفه حيال القضايا السياسية والوطنية، منددًا بالأوضاع الحالية ومناديًا بالتغيير الحتمي، متجاوزًا بذلك قرار حلِّه الصادر في أبريل/نيسان 2019.

تنبع قوة التيار من قوة التنظيمات القائمة تحت لوائه، لذا سعت معظم هذه التنظيمات لبدء حملات بناء داخلي وترتيب للصفوف ومراجعة للأدوار، كما كان الشأن مع حزب المؤتمر الوطني، وشكلت فترة الحرب -التي بدأت في أبريل/نيسان 2023- فرصة للإسلاميين للسعي نحو مزيد من التوحد والالتفاف حول الجيش الوطني، وقد تطوع عدد كبير منهم للعمل مع الجيش في مواجهة “التمرد”. العمل مع الجيش ليس جديدا على الإسلاميين فقد ساندوا الجيش في حربه ضد “المتمردين” في جنوب السودان وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي وما تلاها.

يمكن القول: إن التيار الإسلامي العريض يمثل خطوة نحو الوحدة الاندماجية للتنظيمات الإسلامية، وقد ينجح في جمع شملهم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ السودان، وهذا أحد دواعي قيامه. كما يمكن على الأقل أن يبقى جسمًا تنسيقيًّا للإسلاميين لحين حلول وقت الاندماج؛ إذ يبدو أن التيار الإسلامي في هذه المرحلة يركز على البناء على العوامل المشتركة والقضايا غير الخلافية والمجمع عليها، والتركيز على قضية بقاء السودان والحيلولة دون نجاح السعي الدولي والإقليمي لتقسيمه مجددًا، والتي كانت الحرب الحالية أحد سيناريوهات هذا التقسيم المرتقب.

التحولات واتجاهات المستقبل

فرضت تطورات الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023 بين الجيش والدعم السريع وقائع جديدة على الأرض؛ حيث سارع عدد من المنتمين للحركة الإسلامية والسلفيين والصوفية وغيرهم من التشكيلات الإسلامية لمساندة الجيش السوداني.

من أبرز المجموعات الإسلامية التي أعلنت موقفها الداعم للجيش: المجموعات التي تشكل التيار الإسلامي العريض، وجماعة أنصار السنة المحمدية بفصيليها، وغالب الجماعات الإسلامية والطرق الصوفية، والمؤسسات الإسلامية الرسمية. ومن هذه الأخيرة مجمع الفقه الإسلامي الذي يتكون من كبار علماء الدين، ويتشكل من كل المجموعات الإسلامية الناشطة في البلاد، بما فيها هيئة شؤون الأنصار التي تمثل الجناح الديني لحزب الأمة القومي الذي كان يتزعمه الراحل، الإمام الصادق المهدي، وهيئة شؤون الختمية، الجناح الديني للحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني.

لم يُخْفِ الإسلاميون الحركيون تأييدهم للجيش، واستعدادهم للذود عنه والقتال في صفوفه بصفته رمز سيادة البلاد، وكان موقف “الحركة الإسلامية السودانية” هو الأبرز؛ قال الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، علي كرتي، بعد أسبوع من بدء الحرب بين الجيش والدعم السريع: إن “الحركة الإسلامية حددت موقفها المعلن بالوقوف خلف القوات المسلحة”(14). وأعلن الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني، أحمد هارون، عقب هروبه من سجن كوبر، في تسجيل صوتي، تأييده للجيش، ودعوته لقواعد حزبه للالتفاف حول القوات المسلحة، بجانب قول القيادي بالحركة الإسلامية السودانية، أمين حسن عمر: إن “الحركة الإسلامية لن تكف عن إظهار دعمها للجيش كمؤسسة قومية ممسكة بالبلد، وقد قاتلت الحركة الإسلامية مع القوات المسلحة خندقًا بخندق؛ فنحن رفقاء خنادق مع الجيش، وسنبقى ندعم هذه المؤسسة القومية(15).

أبدت أغلب الفصائل الإسلامية في السودان انحيازها إلى الجيش، وهو ما يتقاطع ويلتقي مع موقف جزء كبير من الشارع السوداني الداعم للجيش الوطني؛ حيث سيرت معظم الفعاليات الشعبية والأهلية والقبائل بولايات السودان قوافل الدعم والمساندة للجيش والمجهود الحربي، وتطوع الآلاف من الشباب في “معركة الكرامة” للقتال ضد قوات الدعم السريع. وقد دعمت الفصائل الإسلامية الجيش لأسباب عديدة، منها(16):

  1. أن قوات الدعم السريع “تريد تفكيك” الجيش الوطني السوداني و”إحلال” قوات الدعم السريع محله، لتصبح جيشًا وطنيًّا بديلًا.
  2.  العداء المعلن من قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، تجاه الحركة الإسلامية السودانية ككل، وهو موقف يتسق مع تحالفاته الخارجية مع دول لها مواقف سلبية من الإسلاميين أو معادية.

3- دور قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، في الانقلاب على حكومة الرئيس السابق، عمر البشير، المحسوبة على الإسلاميين.

4- “هيمنة” قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، على السلطة في السودان، و”استخدامه” تحالف أحزاب “قوى الحرية والتغيير” اليسارية أداة لمنح سلطته شكلًا شرعيًّا، وهو ما يتعارض مع مصالح الإسلاميين.

5- يتوقع أن يعزز دعم الإسلاميين للجيش الوطني، من الحضور الشعبي للإسلاميين في المستقبل المنظور، خاصة بعد قتال عدد كبير من المحسوبين على الفصائل الإسلامية، وخاصة الحركة الإسلامية السودانية مع الجيش.

من المؤكد أن عودة الإسلاميين بمختلف تمظهراتهم في السودان إلى المشهد ومؤشرات حضورهم وحظوظهم لا ترتبط بالعامل الذاتي، أي بقدرتهم على ترتيب الصفوف وإعادة التموضع فقط، بل هناك عوامل تتعلق بالبيئة السياسية السودانية التي تشكلت خلال المرحلة الانتقالية، والتي أسهمت في جزء من حيثياتها عملية تسهيل عودة الإسلاميين. يمكن إيجاز تلك العوامل في الآتي(17):

  1. فشل المدنيين والعسكريين السودانيين في التوافق على وقف التدهور والصراعات وتسليم السلطة وإجراء الانتخابات خلال فترة الحكومة الانتقالية التي شاركوا فيها.
  2. انسحاب الإسلاميين من المشهد السياسي الذي كان سائدًا قبل اندلاع الحرب، في أبريل/نيسان 2023، أسهم في ترميم رصيدهم الشعبي على حساب رصيد قوى الحرية والتغيير والعسكر.
  3. استمرار المراجعات النَّقدية والمبادرات الإصلاحية لمسيرة الحركة الإسلامية في الحكم وخارجه، وهو أمر رافق مسير الحركة منذ النشأة والتأسيس؛ حيث عقدت مؤتمرات كثيرة دارت حول مراجعات فكرية وخلافات أشهرها مؤتمر العليفون 1969، لمعالجة الخلاف الذي نشأ بين مجموعة الترابي ومجموعة صادق عبد الله عبد الماجد، وتلت ذلك وسبقته مراجعات كثيرة  قبل أن تصل الحركة إلى الحكم، وبعد وصولها إليه(18).
  4. إقرار الإسلاميين بكثير من الأخطاء التي صاحبت مسيرتهم السابقة خلال حكم الرئيس البشير، وإقرارهم بضرورة المراجعة والتقييم للمرحلة السابقة؛ فبدا الإسلاميون أكثر قدرة على التعافي وإعادة التنظيم والتوافق وتقديم خطاب وموقف موحد، مقارنة بغيرهم.

5- تبني الإسلاميين في السودان لخطاب وموقف رافضيْن للتدخلات الخارجية في الشأن السوداني. ظهر ذلك في مساندتهم لمبادرة نداء أهل السودان الرافضة لأي نوع من أنواع التدخل الأجنبي، بجانب رفض كثير من القوى المحسوبة على الإسلاميين مثل حركة المستقبل للإصلاح والتنمية وحركة الإصلاح الآن وغيرها للتدخل الأجنبي في الشأن السوداني؛ وهو ما يتقاطع مع المزاج السوداني الشعبي العام، الذي يرى أن تلك الأطراف الخارجية تستهدف استنزاف السودان ونهب موارده، وأنها السبب في إطالة أمد المرحلة الانتقالية بوقوفها ودعمها لأحد طرفي الصراع الدائر الآن في السودان.

عودة الإسلاميين بمختلف تمظهراتهم في السودان إلى المشهد ومؤشرات حضورهم وحظوظهم تتداخل فيها عوامل تتعلق بالبيئة السياسية السودانية التي تشكلت خلال المرحلة الانتقالية، والتي أسهمت في جزء من تفاعلاتها وما نجم عنها في بروز الحديث عن إمكانية عودة الإسلاميين. من ذلك قدرة تنظيمات الإسلاميين على بناء تركيب فكري معرفي جديد، أي تيارًا واسعًا متعددًا يتمثل أفكار الحركة الإسلامية ومهامها في المجتمع(19)، وقدرتهم على إجراء المراجعات والجراحات العميقة داخل تنظيمهم، وتقديم قيادة جديدة، والالتفات إلى العيوب الداخلية ومعالجتها باكرًا، وهي خاصية تميزوا بها(20).

التوقعات التي تتحدث عن الدور والمستقبل للإسلاميين في المشهد السياسي المقبل، ترى أن هذا الأمر رهين بقدرتهم على تجاوز المحن التي مرت بهم خلال الفترة الماضية مثل حل حزب المؤتمر الوطني ومصادرة ممتلكاته وسجن قياداتهم، وتجاوز الشيطنة التي تمت لهم من قبل خصومهم، كما أن احتمالية عودة الإسلاميين إلى المشهد مرة أخرى في السودان، محكومة بعدد من الدوافع والكوابح يمكن إيجازها في الآتي:

  1. مدى قدرة الإسلاميين على مراجعة الشكل القديم للتنظيم الإسلامي، والأدبيات، وطرق التكتل والتحالف السياسي، والخطاب الفكري وغيرها كأمور حيوية تقضيها المرحلة الحالية.
  2.  تضعضع الرفض الشعبي للإسلاميين تحت ضربات الإحباط الشعبي من الأداء الضعيف للحكومة الانتقالية. وهذا كان عاملًا إيجابيًّا في صالح البروز الجديد للإسلاميين؛ إذ لم يعد العداء الشعبي ثابتًا بعد برود الثورة، وانتهى العداء إلى انحصاره مع أعداء سياسيين ذوي منطلقات أيديولوجية معادية للإسلاميين تاريخيًّا، مثل: الحزب الشيوعي السوداني، وقوى اليسار الأخرى، وبعض التيارات الليبرالية(21).
  3. موقف الدول المؤثرة في الداخل السوداني (أميركا، والسعودية، والإمارات، ومصر، وربما بريطانيا وقطر) من الإسلاميين السودانيين في مرحلة ما بعد سقوط سلطتهم.
  4. فشل التركيبة الحاكمة من عسكريين ومدنيين منذ أبريل/نيسان 2019 في إدارة دفة الحكم، وانزلاقها إلى حرب أبريل/نيسان 2023، وعجزها عن إنهاء الصراعات أو اختتام الفترة الانتقالية الحالية بتراض وطني وقيام انتخابات عامة يختار فيها الشعب السوداني من يمثله.
  5. “ارتماء” قوى الحرية والتغيير خلال الفترة الماضية في أحضان “الأجنبي” ومحاولة حل المشكل السوداني من عواصم عديدة غير محايدة، أسهمت في عودة الإسلاميين اليوم إلى ساحة العمل السياسي بقوة أكبر؛ وبقبول شعبي واسع؛ فهم “يبدون” اليوم في مقدمة الصفوف يدافعون عن أعراض الناس وعن ممتلكاتهم، ويدافعون عن الدولة ووجودها وقدموا “شهداء في سبيل ذلك”.
  6. تعقيدات الوضع الراهن ترجح كفة الإسلاميين حيث إنهم تصدوا خلال فترة حكمهم لكثير من الإشكاليات التي تعاني منها الدولة السودانية حاليًّا، نجحوا في بعضها، وفشلوا في البعض الآخر؛ مما جعل كثير من المواطنين -وقلقًا من مخاوف انهيار الدولة وانتشار الفوضى وتنامي النفوذ الأجنبي- يفضلون عودة الإسلاميين للمشهد السياسي.

خاتمة

أضاعت القوى التي جاءت بعد الثورة، وخاصة قوى الحرية والتغيير، فرصتها في إعادة تشكيل السلطة في السودان بسبب كثرة أخطائها، وقدمت بذلك فرصة أخرى للإسلاميين للعودة إلى المشهد السياسي السوداني.

تبدو الحركة الإسلامية السودانية اليوم الفصيل الأوفر حظًّا لسيادة المرحلة القادمة؛ إذ إنها الأكثر تنظيمًا وقدرة على التعامل مع معطيات الواقع، وهي الأكثر دراية بتعقيدات العمل داخل دولاب الدولة بحكم تجربة حكم السودان لثلاثة عقود. وتبدو كذلك كأنها الفصيل الأكثر قدرة على مجابهة التحديات الماثلة في الداخل السوداني؛ حيث إن معظم القضايا التي تعانيها الدولة السودانية راهنًا هي ذات القضايا التي كانت تعاني منها غداة وصول الإنقاذ إلى السلطة في 30 يونيو/حزيران 1989.

كما يبدو أن تجربة الخروج من السلطة إلى المعارضة أسهمت في تعافي شعبية الإسلاميين نسبيًّا؛ حيث جرت مقارنات بين رصيدهم في الحكم، ورصيد من جاء خلفهم للحكم، وقد شهدت البلاد في عهدهم تراجعات. كما أن البيئة السودانية المحافظة دينيًّا لن تقف ضد عودة الإسلاميين للحكم في ظل أن السلطة التي حكمت خلال الفترة الانتقالية، قدمت نموذجًا في “العداء” للدين والتدين.

وبقطع النظر عن شكل تجربة الحكم المتوقعة في السودان خلال الفترة القادمة؛ فإن حظوظ الإسلاميين أيضًا كبيرة في العودة للسلطة في حال حدوث انتخابات، والإسلاميون هم الأكثر مطالبة بإجرائها بعكس خصومهم الذين كانوا يطالبون بفترة انتقالية طويلة تصل إلى عشر سنوات لتجميع صفوفهم، وبناء أحزابهم وكوادرهم، ويرون أن أي دعوة لانتخابات في هذه الفترة مرفوضة لأنها ستكون بمنزلة تقديم السلطة للإسلاميين على طبق من ذهب.

المصدر : https://studies.aljazeera.net/ar/article/5802

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M