كيف يمكن فهم نشاط داعش في الفلبين؟

أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف قداسًا كاثوليكيًا في جنوب الفلبين في 4 ديسمبر الجاري، حيث أسفر عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل وإصابة حوالي 50 آخرين، وقد وقع الانفجار في صالة للألعاب الرياضية في جامعة ولاية مينداناو في مدينة ماراوي، وقال التنظيم في بيان له عبر تطبيق تليجرام أن “جنود الخلافة فجروا عبوة ناسفة على تجمع كبير للمسيحيين في مدينة مراوي”، فيما صرح الرئيس الفلبيني “فرديناند ماركوس” بقيام إرهابيين أجانب بتنفيذ الهجوم.

وعلى الرغم من أن سياسات مكافحة الإرهاب في دول جنوب آسيا بصفة عامة والفلبين بصفة خاصة ساهمت في تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية، إلا أن العملية سالفة الذكر تشير إلى أن ولاية “جنوب شرق آسيا” التابعة لتنظيم “داعش” لا زالت نشطه وقادرة على شن هجمات، وهو الأمر الذي يُثير جملة من الملاحظات الأساسية التي يمكن تناولها على النحو التالي:

الملاحظة الأولى: تُشير إلى ملامح تواجد تنظيم “داعش” في الفلبين، حيث بدأ التنظيم في تعزيز نفوذه هناك منذ منتصف عام 2014، وذلك بمبايعة عدد من القيادات الإرهابية في المنطقة للتنظيم على رأسهم “إسنيلون هابيلون” (قيادي في جماعة أبو سياف ومقرها الفلبين)، واعترف التنظيم رسميًا بالجماعة باعتبارها تابعة له في عام 2016، حيث عين “هابيلون” أميرًا لولاية “جنوب شرق آسيا”.

 وقد اعتمد داعش في منطقة جنوب آسيا بصفة عامة على توظيف استراتيجية الإرهاب المحلي، والتي يقصد به الاعتماد على جماعات إرهابية محلية نشطة تقوم بمبايعة التنظيم العالمي وتنسب نفسها إليه، مقابل تلقيها الدعم المالي والبشري واللوجستي، مع تمتعها بقدر من الاستقلالية.

وبالتالي يستطيع التنظيم توسيع مساحات نشاطه وإعادة تموضعه الجغرافي في مناطق مختلفة دون الحاجة إلى السيطرة على الأرض. وتعد أبرز هذه الجماعات الإرهابية المحلية التي تحالفت مع التنظيم في الفلبين هي جماعة ماوتي، وجماعة أبو سياف، ومقاتلو بانجسامورو الإسلاميون من أجل الحرية، وأنصار الخلافة.

الملاحظة الثانية: تنصرف إلى أهمية الفلبين بالنسبة لتنظيم “داعش”، حيث تبرز أهميتها بالنسبة له في إطار جُملة من العوامل؛ يتعلق أولها بكون الفلبين بيئة حاضنة للإرهاب بسبب ارتفاع معدلات الفقر والتحديات الاقتصادية، فضلًا عن التهميش العرقي والديني، ومن ثم تمثل هذه العوامل محفزات خطرة من شأنها تسهيل تجنيد الأفراد من قبل التنظيمات الإرهابية.  وينصرف ثانيها إلى موقعها الجغرافي، حيث تقع الفلبين في منطقة تكثر بها الجزر الصغيرة والتي يمكن استخدامها من قبل العناصر الإرهابية كحصون للاختباء. ويتصل ثالثها بهشاشة الحدود التي يسهل اختراقها، حيث منطقة الحدود الثلاثة في بحري سولو وسيليبس، والتي تضمن ولاية الصباح في شرق ماليزيا والفلبين وإندونيسيا. ومن ثم تساهم هذه العوامل في خلق مساحات تعزز من نفوذ التنظيمات الإرهابية.

الملاحظة الثالثة: تنصرف إلى أهداف تنظيم “داعش” من العملية، فثمة أهداف متعددة خلف تنفيذ التنظيم هذه العملية في الوقت الحالي؛ يتعلق أولها بالثأر من مقتل قياداته، حيث أعلنت أنها قتلت قائد الفصيل الفلبيني للتنظيم في ديسمبر الجاري، كما أعلنت مقتل “أبو زكريا” أمير ولاية “جنوب شرق آسيا” في يونيو 2023، ناهيك عن قيام السلطات الفلبينية بالقبض على عدد كبير من قيادات وعناصر التنظيم.

وينصرف ثانيها إلى رغبة التنظيم في التأكيد على وجوده في خريطة الإرهاب العالمي لا سيما في ضوء تقويض نفوذه في معاقله التقليدية. ويتصل ثالثها بسعيه إلى اجتذاب مجندين جدد، حيث يهدف التنظيم بهذا النمط من العمليات إلى استقطاب عناصر جديدة خاصة بعد فقدانه عدد كبير من عناصره سواء عن طريق التصفية أو السجن.

الملاحظة الرابعة: تشير إلى دور المقاتلين الأجانب في التنظيمات الإرهابية، حيث صرح الرئيس الفلبيني بتورط مقاتلين أجانب في الحادث، فضلًا عما لفتت إليه تقارير متعددة حول انتقال عدد من المقاتلين الأجانب من الشرق الأوسط إلى منطقة جنوب شرق آسيا بهدف تنفيذ هجمات إرهابية. وتكمن خطورة هؤلاء في عدة عوامل رئيسة؛ يتعلق أولها بتعزيز قدرة التنظيمات الإرهابية على الصمود أمام الضغط العسكري. وينصرف ثانيها إلى تطوير استراتيجيات قتال تلك التنظيمات على المستويين العملياتي والتكتيكي، وذلك في ضوء الخبرات التي اكتسبها هؤلاء من مناطق الصراع المختلفة. ويتصل ثالثها إلى تحول هؤلاء إلى حلقات وصل بين التنظيمات الإرهابية الداخلية والخارجية.

مجمل القول، اتخذت الفلبين وغيرها من دول جنوب شرق آسيا العديد من السياسات التي نجحت في تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية وتقليص عدد عملياتها، إلا أن هذه السياسات لم تنجح في منع جميع الهجمات، على خلفية مرونة التنظيمات الإرهابية، لا سيما تنظيم “داعش” والذي يتمتع بقدرة على التكيف والاستمرار برغم الاستنزاف الذي تعرض له على أصعده مختلفة، سواء على المستوى البشري أو المالي أو اللوجستي. وهو الأمر الذي يستدعي مرونة استراتيجيات المكافحة حتى تتواكب مع مرونة تحركات التنظيم، من حيث تعزيز آليات الإنذار المبكر ببحث أنماط القيادة الخاصة به، وآليات التمويل الجديدة، وتكتيكات العمل المستحدثة من أجل إيجاد تصور شامل عن تحولاته المستقبلية واتجاهات عمله المرحلية.

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80119/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M