استراتيجية الصين الرقمية: خطوة نحو تشكيل قواعد النظام التكنولوجي العالمي

كشفت وسائل إعلام يوم 27 فبراير 2023 أن مجلس الدولة واللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أعلنا عن إصدار المبادئ الرسمية “لخطة جديدة” تسعى إلى تحويل المجتمع الصيني نحو الرقمنة تحت مسمى: استراتيجية الصين الرقمية. وبينما قدمت وسائل الإعلام الخطة باعتبارها استراتيجية جديدة كلياً، إلا أنها في الواقع ليست جديدة تماماً، لاسيما أن الاستراتيجية ومبادئها الرسمية كانت معمّمة داخل الصين منذ عام 2012. وبينما نُشِر معظم المعلومات باللغة الصينية، لم تلق الاستراتيجية رواجاً خارج الصين على مدار عقد كامل، ولذا تجاهلتها دول الغرب.

 

وبهذا، فقد شهد يوم 27 فبراير الماضي، لأول مرة، تقديم الاستراتيجية للعالم، وهو الجديد في الأمر، وليس استراتيجية الصين الرقمية في حد ذاتها. وبعد الإعلان عن الاستراتيجية بات من المُلِحّ فهم أبعادها الاستراتيجية، واستكشاف محدداتها، وتداعياتها على النظام العالمي، والفرص التي توفرها لمنطقة الخليج والجنوب العالمي الأوسع.

 

أبعاد استراتيجية الصين الرقمية وأثرها في المجتمع الصيني

تعود جذور استراتيجية الصين الرقمية إلى عام 2000، عندما أطلق الرئيس شي جينبنغ – وكان وقتها حاكماً لمقاطعة فوجيان المتقدمة اقتصادياً – استراتيجية “فوجيان الرقمية” بوصفها وسيلة للارتقاء بنظام الحوكمة المحلية والأداء الاقتصادي. وأثرت هذه التجربة بشكل عميق في شخصية شي، الذي أشار في وقت لاحق إلى أنه “أولى أهمية كبيرة وقتها لتطوير التكنولوجيا الرقمية والاقتصاد الرقمي”. وفي عام 2012، عندما تولى شي منصب الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، قدَّم رؤيته للتحول الرقمي على المستوى الوطني للقيادة الصينية. وفي عام 2017 تم ترقية استراتيجية الصين الرقمية بشكل رسمي إلى استراتيجية قومية رئيسة. ومن ثم، يمكن النظر إلى استراتيجية الصين الرقمية باعتبارها بصمة شخصية لشي.

 

يمكن النظر إلى استراتيجية الصين الرقمية باعتبارها الاستراتيجية الرقمية الكبرى الأولى عالمياً. وتمتاز هذه الاستراتيجية بالشمول، وبأنها طويلة المدى، وصُمِّمَت لتغيير جميع مجالات التنمية القومية الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والاجتماعية، والبيئية. وكما الاستراتيجيات الكبرى عموماً، ينتظر أن تطبيق “الصين الرقمية” على مجموعة واسعة من القرارات والتعديلات والمهام، وحتى أصغر المشاريع الخاصة بالحزب الشيوعي، وعلى مدار شهور وسنوات من خلال اتباع نهج التجربة والخطأ نظراً لحداثتها النسبية. وتقترح الاستراتيجية تحوُّل الصين إلى الرقمنة كلياً بحلول عام 2025، لتصبح بيجين رائدة عالمياً في المجال الرقمي في غضون عام 2035. وتُطوَّر استراتيجية الصين الرقمية وفقاً لإطار عمل رسمي يُعرَف باسم “2522”، ويمثل كل رقم واحداً من البنود الرئيسة للاستراتيجية.

 

وللخطة بعدين واضحين: الأول، تحويل البنية التحية التقليدية إلى نظام رقمي متكامل. والثاني، خلق نظام على المستوى القومي لإدارة البيانات والتحكم فيها. وسيتم تحقيق الهدف الأول من خلال ما يسمى بـ “نوع جديد للبنية التحتية“، وهو مصطلح يشير إلى قائمة من التقنيات التي ستُثبَّت على المستوى القومي: مثل إنترنت الأشياء، والإنترنت الصناعي، وتكنولوجيا الجيل الخامس والجيل السادس، وحتى تكنولوجيا البلوكتشين والذكاء الاصطناعي. وستخضع “المجالات الخمسة” للبنية التحتية التقليدية (الاقتصادية، والسياسة، والثقافية، والاجتماعية، والبيئية)، خلال هذا التحول، إلى عملية “دمج عميقة” مع التكنولوجيا الرقمية. وبمجرد الانتهاء من عملية الدمج، ستتحول هذه المجالات الخمسة إلى الرقمنة وستصبح جاهزة لتطبيقها على المستويين المحلي والدولي. ويعكس ذلك تطلع بيجين إلى خلق مجتمع ذكي وفعال داخلياً، ومن ثم تصدير هذا النموذج إلى الخارج بحثاً عن تأمين مكانتها كقوة عظمى.

 

يتمثل ثاني بُعد للخطة في خلق الصين نظام قومي للتحكم في البيانات. وبينما تُعدّ البيانات، خلال هذه المرحلة، مورداً مفككاً وموزعاً عبر المصادر العامة والخاصة، فإنه يمكن للحكومات، والأشخاص، وقطاعات الأعمال المختلفة أن تحقق نتائج أفضل فقط إذا كان لديهم وصول أسهل لحجم بيانات أكبر. وتسعى الصين إلى تحقيق هذا الهدف من خلال عدة مبادرات مثل مبادرة “شنغهاي لتبادل البيانات”، وهو سوق لتبادل البيانات، حيث يمكن لقطاعات الأعمال المختلفة أن تتصفح قائمة بالبيانات المتاحة، ولأي غرض يمكن استخدامها. وبهذه الطريقة، يمكن لمجالات الأعمال الصينية الوصول لبيانات تخص شركات أخرى، ومن ثم بناء تصورات تساعد في اتخاذ القرارات التي ستُسهِم في عمليات التطوير والتنمية. على سبيل المثال، يمكن لشركة ناشئة أن تستخدم بيانات شركة ناشئة أخرى لتحديد الموقع الأمثل لإنشاء متجر جديد. ولهذا، تعمل الصين على تحويل البيانات إلى أصول استراتيجية يمكن تبادلها وبيعها، على قدم المساواة مع سلع استراتيجية أخرى كالنفط، والغاز الطبيعي، والذهب. وقد تحدثت تقارير، في مارس الجاري، عن توجه الحزب الشيوعي الصيني إلى إنشاء مكتب وطني للبيانات، بحيث يكون الهيئة المنظّمة الوحيدة التي ستكون مسؤولة عن إدارة كل الأنشطة ذات الصلة بالبيانات، في إشارة إلى مدى اهتمام الصين بمجال التحكم بالبيانات.

 

وتسعى الصين، من خلال استراتيجية الصين الرقمية، إلى أداء دور قيادي خلال الثورة الصناعية المقبلة، وهي الحقبة التي ستمثل فيها البيانات بنية تحتية محورية في المدن الذكية وستغير حياة البشر بشكل كلي، وهو المجتمع الذي تطلق عليه الصين اسم “حضارة ذكية“. ستُستخدم البيانات، في هذا المجتمع، لبناء خطط تقاعدية حديثة، ولمكافحة الأمراض، ولخلق اقتصاد أخضر، وستقوم الخوارزميات بتنظيم حركة المرور، وحساب عوامل خطر وقوع حوادث السير، وستقيس مخاطر حدوث فيضانات في أوقات الأمطار الغزيرة، وحساب احتمالية اندلاع الحرائق خلال موجات الحر الصيفية، وتحديد هوية الإرهابيين أو تجار المخدرات أثناء سيرهم في الشوارع.

 

التداعيات على التنافس مع الولايات المتحدة وتموضع الصين العالمي

تحظى استراتيجية الصين الرقمية بطبيعة ليست فقط تحويلية على مستوى عميق، وإنما تمتلك كذلك جوهراً تنافسياً في نطاقها. وتعد المنافسة التكنولوجية المستمرة مع الولايات المتحدة أحد أهم محركات الاستراتيجة الجديدة. وإذ ترى الصين أن النظام الدولي يخضع لسيطرة الغرب بقيادة الولايات المتحدة، فإنها تؤمن في الوقت نفسه بأن استراتيجيتها الرقمية تُقدِّم فرصة لإصلاح هذا النظام وبناء نموذجها الرقمي الخاص. وأحد أهم المحددات الاستراتيجية لتركيز القيادة الصينية على الخطة الجديدة تحول الصين، في النظام الدولي الجديد، من مُستقبلة للقواعد الدولية إلى صانعة لها والمهندس القائم على كتابة المعايير وتطوير آليات الحوكمة. وتفترض بيجين أن العالم الرقمي الجديد يملك مقومات جعل الحياة اليومية “أكثر ذكاءً” وأكثر فعالية، وأن الكثير من أعضاء المجتمع الدولي سيرغبون في الانضمام إليها. وبشكل مُبسّط، تبنّت استراتيجية الصين نهج “قم ببنائها وسوف يلحقون بك“.

 

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن رؤية الصين الرقمية العالمية تُمثِّل تحدياً مركزياً؛ إذ في الوقت الذي تحاول واشنطن احتواء صعود الصين، تحاول بيجين استخدام استراتيجية الصين الرقمية ليس فقط من أجل وضع المعايير الدولية ولكن أيضاً وسيلة لتعزيز التعاون مع الدول الأخرى وإقامة وتقوية تحالفات جديدة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تصبح الاستراتيجية، بالنسبة للصين، وسيلة لإضفاء الشرعية على نموذج الحوكمة الخاص بها ونشره في الخارج، والذي يتضمن تحكم حكومة مركزية بالبيانات وإشرافها على إدارة مخازن ضخمة من المعلومات.

 

ويمثل فهم واشنطن المحدود لاستراتيجية الصين الرقمية الجانب الأكثر إشكالية ضمن هذه المعادلة، وينتج عنه نطاق استجابة ضيق. على سبيل المثال، تبذل الولايات المتحدة جهوداً لمقاومة استخدام معدات تكنولوجيا الجيل الخامس التي تُصنِّعها شركة هواوي الصينية، بينما تقر استراتيجية الصين الرقمية بأن معدات تكنولوجيا الجيل الخامس تعد جزءاً صغيراً في الصورة الرقمية والتكنولوجية الصينية الأكبر. وقد استغرق تطوير استراتيجية رقمية كبرى في الصين عقداً كاملاً. وتمثل هذه الاستراتيجية وحدة شاملة ومنسّقة قائمة بذاتها، تتضمن مئات الشركات، ووكالات حكومية، وسلطات إقليمية ومحلية، وموردين في مجال الاتصالات، وتقنيات عديدة أكثر تطوراً تتخطى حدود تكنولوجيا الجيل الخامس. ويقول خبراء “إن التركيز على تقنية واحدة مثله مثل التركيز فقط على الأشجار وإهمال الصورة الأكبر للغابة”. ومع ذلك، فإن جهود واشنطن الحثيثة لاحتواء تصدير مكونات الرقائق الإلكترونية إلى الصين من شأنه أن يضر بهذه المبادرة القومية، لاسيما أن هناك مجموعة من الصناعات الصينية، تتراوح بين السيارات ذاتية القيادة وحتى الحوسبة فائقة السرعة، تتعرض بالفعل لضغوط كبيرة.

 

وتُظهِر الأدلة إلى الآن أن أحد أسباب محدودية فهم الولايات المتحدة والقوى الغربية لاستراتيجية الصين الرقمية هو أن بيجين اختارت التركيز على جوانب الاستراتيجية الأكثر أهمية في ترجمة الوثائق الرسمية باللغة الإنجليزية. ونتيجة لذلك، حازت الاستراتيجية على انتباه دائرة محدودة من الصينيين وخبراء التكنولوجيا الذين لا يزالوا يواجهون صعوبات لإدراك الطبيعة الاستراتيجية الكبرى للخطة. ولا يعود ذلك فقط لتعقيد الترجمة التقنية الصينية، ولكن أيضاً لأن الاستراتيجية نفسها تتضمن مفاهيم رئيسة صيغت بمصطلحات مبهمة خاصة بالحزب الشيوعي الصيني، وغالباً ما يصعب استيعابها. وبالنسبة للباحثين والمتخصصين في الولايات المتحدة ودول الغرب، ربما شعر كثيرون بأن استراتيجية الصين الرقمية هي “مجرد شعار آخر” في سياق الدعاية للحزب الشيوعي الصيني.

 

لكن شهد يوم 27 فبراير الماضي تغيراً تجسَّد في زيادة الإهتمام الغربي بالاستراتيجة، عندما أعلنت بيجين عن استراتيجيتها الرقمية الكبرى لأول مرة باللغة الإنجليزية. وبعد الإعلان بيومين، ظهرت استراتيجية الصين الرقمية على موقع وزارة الخارجية الأمريكية لأول مرة. كما نشر المسؤولون مقابلة مع اثنين من الخبراء البارزين في منتدى المحيط الهادئ، وهو معهد دراسات بحثية يقع في ولاية هاواي الأمريكية الذي يعتبر واحداً من – إن لم يكن الوحيد – القليل من المؤسسات الأمريكية التي عكفت منذ فترة طويلة على تحذير واشنطن من أهمية الاستراتيجية. وخلال المقابلة، ناقش الخبيران استنتاجاتهم التي توصلا إليها فيما يخص استراتيجية شي الرقمية الكبرى. وبرغم اعتراف الخبراء بأن الاستراتيجة يمكن أن تكون فقط مجرد حملة دعاية صُمِّمت خصيصاً للوصول إلى الجمهور غير الناطق بالصينية، إلا أن هذا المنظور تشوبه الكثير من المغالطات. صحيح أن الرسالة صيغت خصيصاً لهؤلاء خارج حدود الصين، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الاستراتيجية لا تعتبر حقيقة راسخة ستنتج تبعات جوهرية.

 

ويطرح هذا الواقع تساؤلات حول توقيت إعلان وسائل الإعلام الحكومية الصينية عن الاستراتيجية باللغة الإنجليزية بعد عقد من الصمت. وأحد الأسباب هو استعداد الصين الآن لإكساب استراتيجية الصين الرقمية طابعاً دولياً، ومن ثم تصدير هذا النموذج إلى الخارج. كانت الصين، في الماضي، تبذل دائماً جهوداً أكبر في البعد القومي والداخلي للاستراتيجية. أما الآن، فقد اكتسبت المبادئ التوجيهية للاستراتيجية “البعديْن” القومي والدولي، اللذيْن يقفان على قدم المساواة في الاستراتيجية من حيث الأهمية. وبذلك توجه بيجين، من خلال تقديم الاستراتيجية باللغة الإنجليزية، دعوات رسمية إلى المجتمع الدولي للإنضمام إليها، وربما أرادت القيادة الصينية كذلك إيصال رسالة ضمنية ومطمئنة في نفس الوقت للمستثمرين، وهو ما ظهر جلياً فور الكشف عن الاستراتيجية عندما شهدت أسهم شركات الاتصالات، مثل شركة “تشاينا يونيكوم”، وشركة “تشاينا تيليكوم”، وشركة “تشاينا موبايل”، ارتفاعاً وصل إلى مستويات قياسية في بورصة شنغهاي.

 

المكاسب والتحديات أمام الجنوب العالمي ودول الخليج العربي

ربما تشكل استراتيجية الصين الرقمية فرصة للاقتصادات الناشئة. فعلى سبيل المثال، أحد أهم مكونات مشروع “نوع جديد للبنية التحتية” هو اليوان الرقمي. ووفقاً لتقرير نشره البنك الدولي في عام 2018، فإن حوالي 1.7 مليار شخص حول العالم لا يمتلكون حساباً بنكياً، على الرغم من أن ثلثي هذا العدد يمتلك هاتفاً ذكياً. وربما يمكن لليوان الرقمي أن يصبح خياراً جاذباً لإدراج هؤلاء المستخدمين في النظام المالي العالمي، إذ قد يمكّنهم اليوان الرقمي من تسديد فواتيرهم فقط من خلال مسح رمز الاستجابة السريع باستخدام هواتفهم الذكية، دون الحاجة إلى فتح حساب بنكي. بالإضافة إلى ذلك، لن تبني استراتيجية الصين الرقمية مدناً ذكية أكثر فحسب، لكنها ستبني أيضاً قرى رقمية مزودة بتقنيات التجارة الالكترونية، والدفع باستخدام الهاتف، وتكنولوجيا البلوكتشين. وفي بعض القرى الريفية الصينية، على سبيل المثال، تُربَّى الدجاج باستخدام تقنية البلوكتشين، إذ تمنع هذه التكنولوجيا بشكل أساسي تزوير السجلات والبيانات.

 

يمكن للصين أيضاً، من خلال استراتيجيتها الرقمية، أن تُصدِّر معدات تكنولوجية أخرى أكثر تطوراً لدول الجنوب العالمي. وفي بعض مناطق الريف الصيني، توفر نماذج الذكاء الاصطناعي التي تحتوي على بيانات لانهائية يمكن للمزارعين الوصول إليها بسهولة، وبدقة تفوق القدرة البشرية. فمثلاً تحدد هذه النماذج أنسب الأوقات للزراعة وفقاً للطقس، وكذلك أنسب وقت لجمع ثمار الفاكهة وضمان درجة نضج مثالية.

 

كما تُسهِم تكنولوجيا المعلومات في تطوير مجال التعليم، حيث يمكن للطلاب في بعض المناطق الجبلية بالصين الوصول بسهولة إلى نفس الكتب التي يدرسها أقرانهم في المدارس بالمدن الحضرية، كما يمكنهم حضور فصول دراسية كان صعباً عليهم حضورها في السابق، مثل فصول الموسيقى والذكاء الاصطناعي.

 

وبالإضافة إلى تسهيل دول الجنوب العالمي للوصول إلى الكثير من الخدمات القائمة على التكنولوجيا المتطورة، ستعمل الاستراتيجية الرقمية على الأرجح على تعزيز قوة الصين الناعمة، التي لا يمكن مقارنتها حالياً بالقوة الناعمة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، على مستوى دولي.

 

ويُحتمل أن توسّع بيجين هذه التقنيات المتطورة وتصدّرها لشركائها من الدول الأعضاء في مبادرة الحزام والطريق، وتُمثِّل دول الخليج أرضاً خصبة مثالية لتطبيق بعض محددات استراتيجية الصين الرقمية. وبينما يمكن للمنطقة أن تُقدِّم بيئة أعمال مرنة وجذابة إلى جانب استقرارها السياسي، تُقدِّم استراتيجية الصين الرقمية تصورات للطموحات المستقبلية العديدة في منطقة الخليج. وبينما تبذل دول مجلس التعاون الخليجي جهوداً كبيرة لتنويع اقتصاداتها ورقمنتها بعيداً عن مركزية مصادر الطاقة، يمكن لاستراتيجية الصين الرقمية أن تُسهِّل تحقيق زيادة الكفاءة، والأتمتة، ورفع مستويات المعيشة، وكذلك التقليل من كلفة العمالة.

 

لذا، من المفيد أن تولي دول مجلس التعاون الخليجي الكثير من الاهتمام لاستراتيجية الصين الرقمية. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية لا تزال في مراحلها الأولية ويصعب استيعاب بعض أبعادها، فإنه من المُستحسَن أن تُسارِع دول الخليج لإطلاق جهود بحثية مكثفة حول استراتيجية الصين الرقمية بغرض استخلاص الدروس والفوائد التي يمكن للمنطقة الاستفادة منها، مع الوضع في الاعتبار المخاطر المحتملة لتعميق الشراكة التكنولوجية مع بيجين، إذ قد يؤدي ذلك إلى زيادة الضغوط الناجمة عن تصاعد حدة التنافس التكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة في ظل سعي واشنطن لتقويض نفوذ بيجين في المنطقة. ومن ثم، سيكون على القوى الخليجية خلق مقاربة متزنة بين القوتين في إطار سياسة “التحوط الاستراتيجي” وتنويع الشراكات الدولية التي تتبناها دول الخليج حالياً.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/astiratijia-alsiyn-alraqamia-khatwa-nahw-tashkil-qawaeid-alnizam-altiknuluji-alalami

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M