الانتخابات البرلمانية المُنتظَرة في كردستان العراق: هل بإمكانها إنقاذ الإقليم؟

  • تحظى الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان العراق في العاشر من يونيو المقبل، بأهمية خاصة بالنظر إلى القضايا الوجودية والسياسية والاقتصادية التي تواجه الإقليم، كما تأتي في سياق أزمة رفض الحزب الديمقراطي الكردستاني قرارات المحكمة العليا بخصوص النظام الانتخابي، وقضايا أخرى مثل توطين رواتب موظفي الإقليم.
  • يسعى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إلى تعزيز قوته من خلال الانتخابات المقبلة، وهو يحظى بدعم من الإطار التنسيقي وإيران. ومع قرارات المحكمة الاتحادية العليا يُعتَقد أنه سيحصل على المزيد من المقاعد في البرلمان المقبل.
  • مع أن الحزب الديمقراطي لوَّح بمقاطعة الانتخابات والانسحاب من العملية السياسية برمتها، اعتراضاً على القرارات الأخيرة للمحكمة الاتحادية العليا، إلا أنه من المتوقع أن تجري بغداد مفاوضات مع الحزب للتوصل إلى تسوية تجعله يشارك في الانتخابات.
  • تحمل الانتخابات المقبلة في الإقليم انعكاسات على مستقبل العلاقات بين أربيل وبغداد، وعلى مصالح كُلٍّ من إيران وتركيا والولايات المتحدة.  

 

في 3 مارس 2024، وبعد عدة محاولات فاشلة، وقَّعَ رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، مرسوماً يُحدد تاريخ الانتخابات العامة للدورة السادسة لبرلمان كردستان العراق في 10 يونيو 2024. وحظي تحديد موعد الانتخابات بترحيب المجتمع الدولي، من منطلق أنَّه مخرج من حالة الجمود الراهنة في إقليم كردستان، الذي لم يشهد أبداً في تاريخه انتخابات أكثر أهمية من الانتخابات المنتظرة، حيث يتعامل الإقليم مع عدد من القضايا الوجودية والسياسية والاقتصادية الصعبة. فما هو الدور الذي ستؤديه الانتخابات المنتظرة في بيئة الأزمة هذه؟ هل ستساعد هذه الانتخابات في انطلاق عهد جديد من خلال توفير الحلول لهذه المشاكل بين أربيل وبغداد، وفي إعادة الشرعية إلى مؤسسات الحكومة الإقليمية، والأهم من ذلك كله وضع حد للاستقطاب الداخلي المتزايد؟

 

السياق

عمد برلمان إقليم كردستان خلال الدورات الخمس السابقة إلى التمديد لنفسه من دون أي أساس قانوني في نظامه الداخلي للقيام بذلك. وقال لطيف مصطفى عضو برلمان الإقليم عن “حركة التغيير” إن الحركة حاولت الاعتراض على مسألة التمديد للبرلمان لدى المحكمة الاتحادية العليا في العراق عام 2009 دون جدوى.

 

ودعم 80 من أصل 111 نائباً في أكتوبر 2022 التمديد للبرلمان لعام آخر، لكنَّ رئيس البرلمان السابق يوسف صادق اعترض على التمديد الأخير أمام المحكمة الاتحادية العليا في العراق. وجاء قرار المحكمة بأن التمديد لبرلمان كردستان العراق عام 2022 غير دستوري. وعليه فقد عُدَّت كل القرارات التي اتخذها برلمان الإقليم منذ تاريخ التمديد في 9 أكتوبر 2022 باطلة. وأدى قرار المحكمة إلى شل البرلمان. ونتيجة لذلك لم تتمكن حكومة إقليم كردستان من سنِّ أي قانون، مثل قانون يقضي بانتهاء تفويض لجنة الانتخاب والاستفتاء في الإقليم، ما يجعل من المستحيل إجراء الانتخابات.

 

لذلك تعيَّن على إقليم كردستان العراق الانتظار حتى صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق بعد أن رفع “الاتحاد الوطني الكردستاني” قضيتين يعترض فيهما على قانون الانتخابات رقم 1 لعام 1992، قبل إجراء الانتخابات في الإقليم. وقضت المحكمة في 21 فبراير 2024 بعدم دستورية بعض مواد قانون انتخاب برلمان كردستان العراق لسنة 1992 المعدل، وضرورة تعديل المادة المتعلقة بعدد المقاعد، ومقاعد الكوتا، وتغيير عدد الدوائر الانتخابية. وتباينت ردود أفعال الأحزاب السياسية المختلفة على هذه التعديلات. ويتعين علينا قبل التركيز على هذه الجزئيات التوصل إلى حل لمعضلة إذا ما كانت الانتخابات ستُجرى أصلاً؟

 

هل ستُجرى الانتخابات؟ 

بالرغم من تحديد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق تاريخ إجراء الانتخابات، وإعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق عن استعدادها لإجراء الانتخابات، فإن هناك عقبات قد تتسبب في تأجيل هذه الانتخابات أو حتى إلغائها. وتتمثل العقبة الرئيسة في أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني” غير راضٍ عن الظروف الراهنة، وبخاصة في أعقاب صدور عدد من القرارات عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق، إذ يرى الحزب أن هذه القرارات موجهة ضده. وللتعبير عن امتعاضه، طلب الحزب من قاضي المحكمة الاتحادية العليا عبدالرحمن سليمان زيباري الانسحاب من المحكمة، ثم أعلن الحزب في 18 مارس عن مقاطعته للانتخابات، ولوّح أيضاً بالانسحاب من مجمل العملية السياسية.

 

وعلى صعيد متصل بهذا الأمر أعلنت عشرة أحزاب تركمانية عن مقاطعتها لانتخابات إقليم كردستان العراق المقبلة. وجاء هذا القرار مدفوعاً بقرار المحكمة الاتحادية العليا في إلغاء مقعد الكوتا المخصص للأقلية، وهو ما يعكس مشاعر مماثلة صدرت عن المجموعات المسيحية، بما في ذلك الأحزاب الكلدانية والسريانية والأشورية والأرمنية. كما أصدر المجلس القضائي في إقليم كردستان العراق بياناً جاء فيه “بأنه لا يوجد أي سبب لتغيير الفقرات الدستورية المتعلقة بإقليم كردستان لأنها دستورية أصلاً”.

 

ويؤشر كل هذا إلى أن الأقليات، و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”، غير راضين عن الوضع الراهن، ويعتقدون بأنهم لن يتمكنوا في حال إجراء الانتخابات من الحفاظ على وضعهم الحالي.

 

المحكمة الاتحادية العليا ضد إقليم كردستان العراق

يؤثر عدد من القرارات التي اتخذتها المحكمة الاتحادية العليا بالعراق في كيفية إجراء الانتخابات المقبلة في إقليم كردستان العراق.

 

ويتبنى كلٌّ من “الاتحاد الوطني الكردستاني”، و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” آراءً متناقضة حول قرارات المحكمة الاتحادية العليا، فبينما أيد الأول قرارُ المحكمة بإلزام رئيس وزراء الحكومة الاتحادية ورئيس وزراء إقليم كردستان العراق بتوطين رواتب جميع موظفي الإقليم، عَدَّهُ “الحزب الديمقراطي الكردستاني” خطوة سياسية لتقويض الوضع القانوني والدستوري لإقليم كردستان العراق، إذ قال مسعود بارزاني، زعيم الحزب، إن “جميع قرارات المحكمة الاتحادية منحازة بامتياز ضد إقليم كردستان العراق”.

 

كما أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارات بخصوص النظام الانتخابي في إقليم كردستان العراق، وتغيير الإقليم من دائرة انتخابية واحدة إلى عدة دوائر. وجاء هذا القرار بعد أن رفع “الاتحاد الوطني الكردستاني” قضية بهذا الشأن، حيث استغرقت القضية أكثر من ثمانية أشهر. وتضمن قرار المحكمة تقليص عدد مقاعد برلمان إقليم كردستان من 111 إلى 100 مقعد، بعد إلغائها مقاعد الكوتا المخصصة للأقليات العرقية في الإقليم، وعليه فإن محافظة أربيل ستحظى بـ 34 مقعداً، ومحافظة السليمانية بـ 38 مقعداً، ومحافظة دهوك بـ 25 مقعداً، ومحافظة حلبجة بـ 3 مقاعد فقط. كما عمدت المحكمة الاتحادية إلى تغيير إقليم كردستان العراق من دائرة انتخابية واحدة إلى أربع دوائر انتخابية، ما يعني أن كل محافظة في الإقليم تُمَثِّلُ دائرة انتخابية مستقلة. وأخيراً، أكد قرار المحكمة عدم دستورية دور البرلمان بوصفه مرجعية للأحزاب السياسية في الإقليم للتعامل مع بغداد، وسيؤثر مثل هذا القرار بطرق كثيرة في العلاقات بين بغداد وأربيل.

 

لوَّح الحزب الديمقراطي الكردستاني بمقاطعة الانتخابات والانسحاب من العملية السياسية برمتها (AFP)

 

التحديات التي تواجه الإقليم

يتجه إقليم كردستان العراق إلى الانتخابات في وقت صعب وحاسم بالنسبة للإقليم، إذ بواجه الإقليم عدداً كبيراً من التحديات، والتي ستؤثر بلا شك في الانتخابات وفي سلوك الناخبين التصويتي.

 

أولاً، التحديات الاقتصادية

يعتمد اقتصاد إقليم كردستان العراق بشكل أساسي على النفط، وهو إرث ورثه من العراق. لكنَّ النفط في ظل حكم إقليم كردستان العراق أصبح أكثر من مجرد سلعة اقتصادية، وتحول إلى أساس لمشروع اجتماعي وسياسي. وتمثلت إحدى نتائج ذلك في توظيف أغلبية القوى العاملة في القطاع العام. ويعتمد هذا النموذج الاجتماعي على تقاسم الدخل والسيطرة على السياسة. ونتيجة لذلك، لا يوجد في إقليم كردستان العراق أي عائلة تقريباً لا يعمل أحد أفرادها في القطاع العام. ومما لا شك فيه أن هذا النموذج مُكلّف لأنه يتسم بالهشاشة، نظراً لوجود خلاف بين الإقليم والحكومة المركزية حول موارد الإقليم الطبيعية. ويعد قطاع النفط في العراقي مسكوناً بالمشاعر الوطنية والخطاب المناهض للإمبريالية، ما يُترجم إلى إدارة مركزية لقطاع النفط في البلاد.

 

وتوقف مشروع النفط في إقليم كردستان العراق عندما فازت بغداد بقضية التحكيم ضد تركيا لدى غرفة التجارة الدولية. وقبل ذلك رأت المحكمة الاتحادية العليا العراقية عام 2022 أن قانون النفط والغاز لعام 2007 في إقليم كردستان العراق غير دستوري، ما منح الحكومة المركزية السيطرة على عمليات استخراج النفط وتصديره.

 

وصل اقتصاد النفط في إقليم كردستان العراق إلى نهاية الطريق في أعقاب قرارَي غرفة التجارة الدولية والمحكمة الاتحادية العليا العراقية، ما يعني أن خيار الإقليم الوحيد لضمان بقائه الاقتصادي يَتَمَثَّلُ بالعودة إلى بغداد. وتُعَدُّ عدم قدرة حكومة الإقليم على دفع الرواتب إحدى العواقب لهذه الظروف. وكان المدرسون الفئة الأكثر تضرراً في القطاع العام، حيث تعرضوا لتأخير وتخفيض في رواتبهم، ما أدى إلى خروجهم في مظاهرات ومقاطعة التدريس.

 

وأدى قرار المحكمة الاتحادية العليا في 21 فبراير 2024 بإلزام رئيس الوزراء العراقي ورئيس حكومة إقليم كردستان العراق بدفع أجور الموظفين في الإقليم مباشرةً، إلى جعل بغداد جزءاً من الحملة الانتخابية. لكنَّ المصاعب الاقتصادية قد تثني الكثيرين على مقاطعة الانتخابات. كما أدى قرار المحكمة إلى مزيد من الانقسام بين “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”، حيث انتقد الأول القرار في حين رحب الأخير به. ومن المتوقع أن يستغل “الاتحاد الوطني الكردستاني” هذا الموقف، الأمر الذي سيؤدي إلى خسارة “الحزب الديمقراطي الكردستاني” للأصوات في حال مشاركته في الانتخابات.

ثانياً، التحديات السياسية

لطالما توقّف استقرار إقليم كردستان العراق على الديناميات بين قواه المحليّة والقوى الإقليمية والدولية. فعلى الصعيد الداخلي، كان العنصر الأساسي هو التوازن بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. وهذا التوازن بين الطرفين الرئيسَين يتأثّر دائماً بالقوتين الإقليميتين، أي إيران وتركيا، وأحياناً يتشكّل من خلالهما. وقد أثّرت القوى الإقليمية تاريخياً في هذا التوازن بين الطرفين المحليَّين وحددتّه باستمرار. وعندما يتعلّق الأمر بالقوى الدولية، تؤدي الولايات المتحدة دوراً كبيراً في المنطقة، ويختلف نموذج القوة الأمريكية عن نموذج القوى الإقليمية الأخرى.

 

ففي حين أن إيران وتركيا تحاولان دائماً الحفاظ على التوازن بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، فإن الولايات المتحدة تدفع باتجاه تجاوز الانقسامات والوحدة بين الحزبين، والأهم من ذلك إضفاء الطابع المؤسّسي على العلاقة. فعلى سبيل المثال، عندما التقى رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أعرب الأخير عن دعمه “لوحدة أكبر داخل حكومة إقليم كردستان العراق لتعزيز الاستقرار والازدهار الاقتصادي لجميع أبناء الشعب العراقي”. وفي المُقابل، لا إيران ولا تركيا ولا حتى العراق يدفعان باتجاه الوحدة الكردية.

 

وبالحديث عن الوحدة، فهي الآن في أسوأ لحظاتها؛ فقد وصل الأمر بالحزب الديمقراطي الكردستاني في السنوات القليلة الماضية إلى تهميش الاتحاد الوطني الكردستاني بعد أن فقد الأخير زعيمه التاريخي جلال طالباني، وعانى الانقسامات الداخلية، والأهم من ذلك فقدان الدعم في أوساط قاعدته الشعبية. وقد أتت هذه الخطوة من الحزب الديمقراطي الكردستاني بنتائج عكسية، حيث حاول الاتحاد الوطني الكردستاني موازنة نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني من خلال دعم بغداد، كما أن السلطة المركزية في العاصمة العراقية، وبخاصة الإطار التنسيقي، لديها أجندة مُماثلة لأجندة الاتحاد الوطني الكردستاني. ويهدف الاتحاد الوطني الكردستاني في الانتخابات المُقبلة إلى زيادة مقاعده والفوز بمحافظة السليمانية من أجل تحقيق التوازن مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. ويأتي ذلك بعد حملة ناجحة للاتحاد الوطني الكردستاني في الانتخابات المحلية الأخيرة في كركوك، عندما فاز الحزب بخمسة مقاعد بعد حصوله على 139,373 صوتاً.

 

ثالثاً، العزوف التصويتي

تتّسم السلوكيات المُتعلّقة بالانتخابات في العراق بشكل مُتزايد باللامبالاة والامتناع عن التصويت. وتُفيد التقارير المحلية أنه خلال السنوات العشرين الماضية، انخفضت نسبة المُشاركة في التصويت من 95% إلى 35%. وهناك العديد من العوامل وراء هذا الانخفاض المُطّرد في المشاركة في التصويت، والتي تشمل الوضع الاقتصادي، والحكم، وعدم المساواة، وخيبة الأمل. وتتأثّر جميع الأحزاب السياسية بذلك، وإن كان ذلك بشكل مُختلف. وسيؤثّر انخفاض نسبة المشاركة في التصويت في الأحزاب السياسية الجديدة والمُستقليّن، إذ إن معظم الناخبين المُنتظمين هم أعضاء الأحزاب التقليدية وموظفو الدولة، بما في ذلك عدد كبير من موظفي القطاع الأمني.

 

أما فيما يتعلّق بالأحزاب الرئيسة، فمن المتوقّع أن يحصل الاتحاد الوطني الكردستاني على عدد أصوات أكثر نتيجة مطالبه بشأن المخصصات المالية لأربيل ضمن ميزانية بغداد. وينظر الاتحاد الوطني الكردستاني نفسه إلى الانتخابات المُقبلة من هذا المُنطلق، وفق دارا خيلاني، مُنسّقة العلاقات الدولية في الاتحاد الوطني الكردستاني. وهذا أمر مُتوقّع، لأن العديد من الموظّفين الحكوميين يؤيّدون مطلب الاتحاد الوطني الكردستاني بأن تدفع بغداد بشكل مُباشر رواتب القطاع العام في كردستان، إلاّ أن هذا المسعى قد لا يكون مُستداماً؛ فإجراءات دفع الرواتب ليست بسيطة، من وجهة نظر سياسية أو فنية. وسيُضيف الدفع المُباشر للرواتب من قبل بغداد عبئاً إضافياً على الميزانية العامة العراقية.

 

وعلى الرغم من هذه التغييرات، يرى العديد من المُراقبين المحلييّن أنه من غير المُتوقّع أن تتغيّر نسبة المشاركة في التصويت بشكل كبير. فبالإضافة إلى ذلك، هناك أكثر من مليون ناخب لم يسجّلوا أسماءهم للتصويت؛ وبالتالي لا يحق لهم التصويت، ما يؤثّر بالفعل سلباً على نسبة المُشاركة في الاقتراع.

 

إن ضعف الإقبال على الانتخابات، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل نظام تعدّد الدوائر الانتخابية، سيصب في مصلحة الأحزاب التقليدية ويضر بالمُتنافسين الجُدد. وفي هذا الصدد، وإلى جانب الحزبين الرئيسيَن، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ستكون هناك الأحزاب السياسية الإسلامية وعدد من أحزاب المُعارضة الجديدة التي تستهدف الأجيال الجديدة التي خاب أملها في الأحزاب التقليدية.

 

محاور الحملة الانتخابية

سيُهيمن عدد من القضايا على الناخبين في كردستان خلال الحملة الانتخابية والانتخابات.

 

أولاً، الاستدارة نحو بغداد

ستكون الاستدارة نحو بغداد بوصفها بديلاً عن أربيل، أحد المحاور الرئيسة في الانتخابات. فباستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني، سيخوض مُعظم الأحزاب السياسية الأخرى حملتها الانتخابية على أساس أن توثيق العلاقات بين أربيل وبغداد، وتقديم المزيد من التنازلات لبغداد سيكون السبيل الوحيد لإنعاش اقتصاد حكومة إقليم كردستان، وضمان دفع رواتب حكومة الإقليم بانتظام. وسيؤطَّر الموضوع على أنه تنازل سياسي مُقابل مكاسب اقتصادية مأمولة. وهذه النظرة ترى في الاستدارة نحو بغداد حلاً سحرياً؛ لكن مع مرور الوقت سيظهر أن ذلك ليس أكثر من مُجرّد سراب؛ فبغداد ساحة تتنافس فيها العديد من القوى والشخصيات المُختلفة ذات المصالح ووجهات النظر المُتباينة، وستكون أزمة كردستان أحد المواضيع الرئيسة في انتخابات البرلمان العراقي العام المُقبل. وكلما ازداد تسييس العلاقة بين بغداد وأربيل استعصت عقدة العلاقة بين بغداد وأربيل عن الحل.

 

ثانياً، الدفاع عن الوضع الخاص لكردستان

مع فقدان إقليم كردستان النفوذ، سيكون الدفاع عن الوضع الخاص للإقليم، أحد محاور الحملة الانتخابية. وهذا ما سيروّج له الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث قال رئيس الوزراء الحالي بهذا الخصوص: “لا يُمكننا أن نتهاون بذلك الآن؛ يجب أن نستمر في حماية حريّات وحقوق شعب إقليم كردستان التي اُنتُزِعَت بشق الأنفس”. لقد كان هذا الموضوع في صلب الخطاب القومي الكردي، ويرتبط هذا الموضوع حالياً بالعديد من الصعوبات التي تواجه إقليم كردستان.

 

وبالإضافة إلى ذلك، فإن القضايا المحليّة مثل التوظيف، وبخاصة بالنسبة لخريجي الجامعات، وانتظام دفع رواتب القطاع العام ومُكافحة الفساد، ستطغى على الانتخابات. وفي هذه الأثناء، فإن القضايا الأخرى مثل تحسين الحوكمة، أو الحكومة الإلكترونية على سبيل المثال، أو حرية التعبير، أو المناخ، لا تكاد تشغل بال أحد في الإقليم، وفقاً لاستطلاع رأي محلّي.

 

ستكون الاستدارة نحو بغداد بوصفها بديلاً عن أربيل، أحد المحاور الرئيسة في انتخابات كردستان العراق (منصة إكس)

 

وجهات النظر الإقليمية والدولية

سيتركّز الاهتمام الدولي والإقليمي على الانتخابات البرلمانية المُقبلة في كردستان؛ فبالنسبة لغالبية أعضاء المجتمع الدولي، سيتمكّن إقليم كردستان من تجديد ولايته واستعادة شرعيته نتيجة الانتخابات. علاوة على ذلك، سيكون للانتخابات المُقبلة تأثير كبير على ميزان القوى الإقليمي بالنسبة للقوى الإقليمية الكبرى. ولن تكتفي إيران بالاهتمام بالانتخابات فحسب، بل ستؤدي دوراً مباشر وغير مباشر فيها. فبالنسبة لإيران، ستكون العودة إلى توازن القوى، أي المزيد من القوة للاتحاد الوطني الكردستاني، والحد من قوة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الهدف المنشود. فالهدف الاستراتيجي لإيران هو زيادة هيمنة بغداد على أربيل، وتقليص سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني. وكان هذا واضحاً من خلال استهداف إيران لأربيل عسكرياً بشكل مُباشر.

 

أما القوة الإقليمية الأخرى التي تهتم بانتخابات إقليم كردستان العراق فهي تركيا. وفي الوقت الراهن، فإن التوتّرات بين تركيا والاتحاد الوطني الكردستاني على أشدّها؛ حيث أغلقت تركيا مجالها الجوي أمام الطائرات التي تقلع من محافظة السليمانية التابعة لإقليم كردستان العراق وتهبط فيها، مُشيرةً إلى أن ذلك يعود إلى “تكثيف حزب العمال الكردستاني” نشاطه في المدينة والمطار. وبالإضافة إلى مسألة حزب العمال الكردستاني، تشعر تركيا أيضاً بالقلق من نفوذ بغداد، والأهم من ذلك، من هيمنة إيران في العراق.

 

وتتنافس القوتان الإقليميتان في العراق على المصالح والنفوذ. وفي الوقت الراهن، يتراجع نفوذ تركيا مع تراجع نفوذ حلفائها في العراق. ووفقاً لمصادر تركية، تستعد القوات المُسلّحة التركية لشن عملية شاملة في شمال العراق وسورية بعد الانتخابات المحليّة التركية في 31 مارس. وتُنفّذ تركيا عمليات عسكرية في المنطقة من دون نجاح يُذكر، وبخاصةٍ مع ارتفاع عدد القتلى بين الجنود الأتراك. وتتمثّل خطة تركيا في احتلال منطقة أمنية عازلة بعمق 30-40 كيلومتراً. وبالإضافة إلى الجانب الأمني، تهدف العمليات العسكرية التركية إلى تأمين المنطقة لبناء “مشروع طريق تنمية العراق”، وهو مشروع الطريق السريع والسكك الحديدية المُزمع إنشاؤه بطول 1200 كيلومتر، والذي سيربط منطقة الخليج بتركيا عبر العراق. وتقوم تركيا والعراق بتبادل الوفود، وتشكيل لجان في مجالات المياه والأمن ومجالات أخرى.

 

وتُعد الانتخابات المُقبلة حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة لضمان استعادة مؤسّسات إقليم كردستان العراق شرعيتها. ويُعدّ تجديد السلطة هذا مُهم في الوقت الذي تحاول الولايات المتحدة دعم كردستان بالرغم من ضغوط بغداد. وخلال لقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع مُستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، على هامش المُنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، قال سوليفان للسوداني إن “زيارته [للبيت الأبيض] يجب أن تكون في سياق جيد، سياق يشهد تقدّماً في العلاقة مع أربيل”.

 

إن ضعف كردستان يجعل من الصعب على الولايات المتحدة دعم الإقليم، ولطالما شدّدت الولايات المتحدة على الحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان، والتعاون البنّاء بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، فضلاً عن تحقيق وحدة أكبر داخل الإقليم بين الأحزاب الكردية.

 

الحزب الديمقراطي الكردستاني و”المقاطعة”

أصدر “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بياناً في 18 مارس 2024 يُعدد فيه القرارات غير الدستورية الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق، ويرى الحزب أن تبني قرارات غير دستورية لا يصب في مصلحة الشعب أو البلاد؛ أي المشاركة في الانتخابات.

 

وجرى تفسير هذا البيان في وسائل الإعلام المحلية والدولية على أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني” سيُقاطع الانتخابات، مع أن الحزب كان يهدف إلى القول بأن من الصعب على الحزب المشاركة في الانتخابات في ظل الظروف الراهنة، وأن الحزب على استعداد للمشاركة في حال حلّ عدد من الصعوبات عبر المفاوضات. وإلى جانب خسارة المقاعد (إذ إن مقاعد الكوتا في البرلمان تكون تاريخياً من نصيب الحزب)، يخشى “الحزب الديمقراطي الكردستاني” من صدور مزيد من القرارات المحتملة عن المحكمة الاتحادية العليا، لذلك شكّل بيان الحزب انتقاداً لقرار المحكمة، ومحاولة لمنع صدور قرارات جديدة. وحاول “الحزب الديمقراطي الكردستاني” فور إصدار البيان تصعيد الوضع، ورأى أنها “لحظة مفصلية”، وهدد بالانسحاب من مجمل الحياة السياسية العراقية.

 

لكنَّ قرار “الحزب الديمقراطي الكردستاني” لم يلقَ أي دعم، سواء من الأحزاب السياسية الكردية الأخرى، أو من المجتمع الدولي. وأعلن المكتب السياسي لـ “التحالف الوطني الكردستاني” أن الحزب يفضل إجراء الانتخابات في موعدها، كما دعت “بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق” الأطراف كافة للعمل بما فيه مصلحة الشعب باتجاه التوصل إلى حل وليس الدخول في مأزق آخر مطول، مُشيرةً إلى أن إجراء الانتخابات في إقليم كردستان العراق في 10 يونيو 2024 أمر ضروري.

 

وفي بغداد، طلب عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة الوطني، من الحزب الديمقراطي الكردستاني مُراجعة القرار. ويُنظر إلى الحكيم على أنه مُعتدل، وتربطه علاقة جيدة بالأكراد؛ لذلك اُختيرَ لتبليغ الرسالة نيابة عن الإطار التنسيقي. وعلاوة على ذلك، عندما التقت السفيرة الأمريكية في بغداد، ألينا رومانوسكي، برئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، صرّح الأخير بأن الحزب لم يقاطع الانتخابات، وهي إشارة واضحة على تغيير الحزب لتوجّهه من التصعيد إلى التهدئة. علاوة على ذلك، سيرسل الحزب الديمقراطي الكردستاني وفداً من المكتب السياسي إلى بغداد للتفاوض.

 

ومن المُتوقّع أن تكون بغداد راغبة في إجراء مُفاوضات محدودة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبخاصةٍ في مجال السماح للحزب بإدارة توزيع الأموال على مَن هُم على جدول رواتبه. وفي هذا الصدد، طلبت حكومة إقليم كردستان أن تتم المدفوعات من خلال نظام “حسابي”، وهو نظام رقمي أطلقته حكومة الإقليم العام الماضي بهدف إنشاء حسابات مصرفية لجميع الأشخاص الذين يتلقّون الرواتب. وتحرص حكومة إقليم كردستان على استخدام هذا النظام للمدفوعات، لأنه سيمنح أربيل نفوذاً أكبر على العملية مما لو أودعت بغداد الأموال مباشرةً في حسابات المستحقين في البنوك الحكومية.

 

الخلاصة والاستنتاجات

لا تُشبه الانتخابات البرلمانية المُقبلة في كردستان العراق أي انتخابات سابقة؛ فكردستان مُنقسمة ومُستقطبة من الداخل. فعلى الصعيد الداخلي، يرى كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وهما الحزبان الرئيسان في السلطة، أن كلاً منهم يُشكّل تهديداً للآخر. وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني يرى نفسه في السابق الحزب الرائد في الإقليم، ولم يحتمل الاتحاد الوطني الكردستاني ذلك الأمر وحاول المُقاومة. وأسفرت المُنافسة غير الديمقراطية بين الحزبين عن حكومة عاجزة، وإقليم مُنقسم، واستقطاب حاد. ويعتقد الاتحاد الوطني الكردستاني أن الانتخابات المُقبلة ستصبُّ في صالحه، وتضع إقليم كردستان في وضع أكثر توازناً بين الحزبين. وهذا النوع من التوازن، أو الانقسام المعروف تاريخياً باسم المُناصفة يحمل دلالة سلبية، وله تأثير سيئ على حكم كردستان.

 

ويشعر الحزب الديمقراطي الكردستاني بالقلق إذا كان الاتحاد الوطني الكردستاني مُتحمّساً. ويُعتقد أن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد يفقد مكانته السياسية “الرائدة” في هذه الانتخابات. وقد ظهر سيناريو جديد على هذه الخلفية نتيجة تراجُع أربيل وصعود بغداد.

 

ويترتّب على ذلك أن نية الاتحاد الوطني الكردستاني تقديم 200 مُرشّحاً للمقاعد المئة، وتوقّعه الفوز بعدد مقاعد أكبر بكثير من الانتخابات السابقة ليس أمراً صادماً. ومع ذلك، قد يثبت أن توقعات الاتحاد الوطني الكردستاني هذه لا أساس لها من الصحة إذا قرّرت الغالبية العظمى من الناس عدم الإدلاء بأصواتهم، وظهر حزب جديد برئاسة لاهور الطالباني، الرئيس السابق لاستخبارات الاتحاد الوطني الكردستاني وأحد أفراد عائلته، مُنفصلاً عن الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي قد يحظى بدعم من ناخبي الحزب الأساسيين. مع ذلك، من المفهوم أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يشعر بالقلق من الوضع الذي نشأ نتيجة القرارات التي صدرت عن المحكمة الاتحادية العليا العراقية، ويخشى أن يفقد هيمنته على حكومة الإقليم ويخسر بعض مقاعده. وبينما ينظر الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى كل ذلك على أنه مؤامرة، فإنه يقوم بالعديد من المحاولات للضغط على بغداد.

 

وتجتذب الانتخابات أيضاً القوى الوطنية والإقليمية؛ فبينما تُراقب هذه القوى الاستعدادات للانتخابات، فإنها قد تشارك فيها فعلياً. ومن الواضح أن الاتحاد الوطني الكردستاني يحظى حالياً بتفضيل النُخب الحاكمة في بغداد، وتحديداً الإطار التنسيقي. وبالإضافة إلى بغداد، تُراقب كل من إيران وتركيا الوضع عن كثب، وتُصبحان أكثر انخراطاً في شؤون الإقليم. ويسود الاعتقاد بأن إيران تقف وراء كل شيء في المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، وضعت إيران إقليم كردستان تحت الضغط، وبخاصةٍ الحزب الديمقراطي الكردستاني، بشكل مُباشر وغير مُباشر. وعلى نحو يُشبه بغداد، ترغب طهران في رؤية الاتحاد الوطني الكردستاني يكتسب قوة والحزب الديمقراطي الكردستاني يخسر قوته، من أجل قلب موازين القوى في إقليم كردستان وتعزيز قبضة بغداد عليه.

 

وثمة قوة إقليمية أخرى معنية بالانتخابات وتراقبها وهي تركيا. وثمة تقارب يجري حالياً بين تركيا والعراق، لا سيما في المجالات الاقتصادية والأمنية. وفي هذا الإطار، يُعد إقليم كردستان العراق مُهمّاً من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لتركيا. وسيكون لإضعاف الحزب الديمقراطي الكردستاني تأثير على نفوذ تركيا في العراق، حيث إن تركيا مُهتمة بالأمن والتنافس الإقليمي والتجارة والاقتصاد. وعلى الصعيد الدولي، كثيراً ما طالبت الولايات المتحدة والمُجتمع الدولي ككل بإجراء هذه الانتخابات. وقد دعت الولايات المتحدة وغيرها من الدول إلى الوحدة والشرعية وسيادة القانون في مواجهة القوى الإقليمية.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/alaintikhabat-almuntzara-fi-kurdistan-aleiraq-hal-bi-imkaniha-inqadh-aliqlim

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M