الانتخابات البلدية التركية 2024: استعدادات الأحزاب، وخريطة التحالفات السياسية

  • ستكون الانتخابات البلدية في تركيا هذا العام حُبلى بالمفاجآت، بسبب تشتت أصوات الناخبين، وتراجع التحالفات السياسية للأحزاب، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان تخمين الفائز في أي بلدية، حتى تلك التي تبدو مضمونة لحزب معين.
  • مع ذلك، يُتوقع أن يحقق حزب العدالة والتنمية الحاكم في هذه الانتخابات نتائج أفضل من سابقتها التي جرت في عام 2019، بسبب تفكك تحالف المعارضة ودخول أحزابها في صراعات داخلية وبينية، وتراجع آمال الناخبين بتحقيق تغيير سياسي ملموس عن طريق التصويت لأحزاب المعارضة.
  • العامل الوحيد الذي يهدد الحزب الحاكم في هذه الانتخابات في مختلف المحافظات هو حزب الرفاه الجديد الإسلامي، الذي يُراهِن على استمالة أصوات الغاضبين من سياسة الرئيس أردوغان لصالح مرشحيه، وقد يحقق هذا الحزب نتائج مفاجئة هذه المرة على حساب الحزب الحاكم. 

 

بعد مرور نحو عشرة شهور فقط على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023، تستعد تركيا لإجراء الانتخابات البلدية والمحلية في 31 مارس المقبل، وهي انتخابات لا تقل أهمية عن سابقتها، خصوصاً في هذا التوقيت الذي يسعى فيه الرئيس رجب طيب أردوغان لتتويج فوزه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، باستعادة البلديات الكبيرة التي فقدها في انتخابات عام 2019، وعلى رأسها بلديتا أنقرة وإسطنبول، من أجل قطع أي أمل للمعارضة بالمنافسة مجدداً على الحكم، والاستعداد لسن دستور جديد للبلاد.

 

الانتخابات البلدية في تركيا: النطاق والأهمية

تشمل الانتخابات البلدية في تركيا اختيار رؤساء 30 بلدية كبرى تسيطر على محافظات بأكملها، وضمنها 519 بلدية صغرى في نفس هذه المحافظات الثلاثين، و51 بلدية في بقية المحافظات، و403 بلديات في مقاطعات، و390 بلدية في بلْدات أو قرى. وتعد الانتخابات البلدية مهمة للأحزاب ليس فقط من أجل تجديد قوتها في الشارع، وإنما لما يحققه الفوز في بلدية ما من موارد مالية -بحسب حجم البلدية وميزانيتها- يمكن تسخيرها لرجال الأعمال المقربين من الحزب وناخبيه. فهي بالنسبة للأحزاب الصغيرة أهم من الانتخابات البرلمانية، إذ لا يكون للحصول على عدة مقاعد برلمانية أي تأثير يذكر في الحياة السياسية في مواجهة الأحزاب الكبرى المهيمنة. وبسبب الاستقطاب السياسي الكبير الحاصل، فإن الانتخابات البلدية وحملاتها لا تركز فقط على المشاريع الخدَمية للمرشحين، وإنما تحولت في جزء منها إلى انتخابات سياسية عامة تناقش سياسات الحكومة والرئيس أردوغان، وخصوصاً في مجال الاقتصاد.

 

وعلى الرغم من الإقبال الكبير للناخبين على الانتخابات في تركيا على مر العقود، إلا أن الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الماضية في 31 مايو، أظهرت تراجعاً في نسب الإقبال على التصويت، في إشارة إلى تسلل اليأس لدى أوساط من الناخبين في قدرة العملية الانتخابية على إحداث تغيير حقيقي في سياسة البلاد. وستكون نسبة الاقتراع في الانتخابات البلدية مؤشراً مهماً على مدى إيمان الناخب وثقته بالعملية الانتخابية برمتها.

 

في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة فاز التحالف الحاكم المكون من حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، وحزب الرفاه الجديد الإسلامي، وحزب هدا بار الكردي الإسلامي، وحزب الوحدة الكبرى القومي. ويبدو هذه المرة أن حزبي الرفاه الجديد، وهدا بار الكردي سيشقان طريقهما منفردين عن هذا التحالف في غالبية المحافظات. وفي المقابل، خسر تحالف المعارضة السداسي المكون من حزب الشعب الجمهوري، وحزب الجيد القومي، وحزب السعادة الإسلامي، وحزب الدواء اليميني، وحزب النصر الإسلامي، وحزب الديمقراطي اليميني الانتخابات، وتفكك بعدها دون عودة، مما جعل حزب الجيد القومي يتجه حتى إلى معارضة مرشحي حزب الشعب الجمهوري الذي تحالف معه سابقاً ويرشح منافسين له في العديد من المحافظات. أما حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي دعم بشكل غير رسمي، وغير علني، المعارضة في الانتخابات السابقة، فهو الآخر أعلن عن ترشيح عدد من قياداته ضد مرشحي حزب الشعب الجمهوري المعارض، مما يجعل المشهد السياسي أكثر تعقيداً حالياً، وإن كان يميل إلى كفة التحالف الحاكم قليلاً.

 

ويختلف نظام الاقتراع في الانتخابات البلدية عن نظام الاقتراع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ففي الانتخابات البلدية يفوز صاحب العدد الأكبر من الأصوات برئاسة البلدية المرشح لها بغض النظر عن تحقيقه نسبة 50+1%، وهو ما يجعل السباق قوياً، ويجعل التحالفات بين الأحزاب أكثر أهمية.

 

استراتيجية الحزب الحاكم وحملته الانتخابية 

لم تتفكك جبهة الحزب الحاكم بشكل كامل مثل جبهة المعارضة، لكنها تواجه تصدعات بسيطة، إذ لا يبدو الرئيس رجب طيب أردوغان متحمساً -على عكس الانتخابات الرئاسية الأخيرة- لتشكيل تحالفات مع الأحزاب الصغيرة، التي حاولت مساومته -على حد قوله- على الحصول على عدد من البلديات الصغيرة في الأناضول مقابل دعمها له في البلديات الكبيرة مثل إسطنبول وأنقرة، وذلك لأن الحصول على أصوات الأحزاب الصغيرة مهم في الانتخابات الرئاسية، وقد منح أردوغان تلك الأحزاب مقاعدة محدودة في البرلمان على قوائم حزبه حينها، وهو أمر لا يغير من توازنات البرلمان بالنسبة للرئيس أردوغان الذي يعتمد على أصوات حزب الحركة القومي لتأمين الأغلبية المطلوبة، لكن في البلديات فإن لكل بلدية ميزانيتها التي يُستَفَاد منها سياسياً، لذلك فإن التفاوض عليها يكون صعباً.

 

وهنا شق حزب هدا بار الكردي الإسلامي طريقه في محافظات جنوب وشرق تركيا، حيث الغالبية الكردية، وقدَّم مرشحيه لها، فيما سيدعم الحزب الحاكم في بقية البلديات، لكن أصواته في المدن الكبيرة التي يحتاج إليها أردوغان تكاد لا تذكر. وفي المقابل، فك حزب الرفاه الجديد الإسلامي تحالفه مع الرئيس أردوغان، وقرر تقديم مرشحين له في كل المحافظات بشكل سيؤثر سلباً في أصوات مرشح الحزب الحاكم، خصوصاً في الأناضول وإسطنبول، إذ إن نسبة أصوات الحزب في المدن الكبيرة تصل أحياناً إلى 5%، وفي معظمها أصوات انشقت عن الحزب الحاكم.

 

فيما يستمر التحالف بقوة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومي كما جرت العادة، وخصوصاً في بلديات المدن الكبيرة، إذ سيتعاون الحزبان بدعم مرشحي الطرف الآخر، وعدم تقديم مرشح عنهم في 59 بلدية في المحافظات الكبرى، وأهمها إسطنبول وأنقرة وإزمير، التي تُركَت لمرشحي حزب العدالة والتنمية، فيما قدم الحزب القومي مرشحين في المدن الكبرى في مرسين ومانيصا، حيث سيحظى بدعم أصوات ناخبي الحزب الحاكم الذي امتنع عن تقديم مرشحين له هناك. كذلك تنازل حزب العدالة والتنمية الحاكم للحزب القومي عن محافظات صغيرة مثل بارتن وأرزنجان وكرك قلعة وعثمانية، ليرشح فيها قياداته بدعم من ناخبي الحزبين. وفي المقابل امتنع الحزب القومي عن تقديم مرشحين في 24 محافظة سيدعم فيها الحزب الحاكم.

 

ومن المهم هنا الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم قدّم وزير التعمير السابق مراد كوروم مرشحاً لبلدية اسطنبول الكبرى في مواجهة مع رئيس البلدية الحالي المعارض أكرم إمام أوغلو، وكوروم مرشح ضعيف لكنه يحظى بدعم القوميين له، ومع تشرذم أصوات تحالف المعارضة وتقديم أكثر من حزب معارض مرشحه في إسطنبول، فإن حظوظ كوروم ليست قليلة للفوز. وفي المقابل قدم الحزب الحاكم مرشحاً من أصول قومية وهو تورغوت ألطون أوك لمنافسة مرشح بلدية أنقرة المعارض الحالي منصور يواش، الذي ينتمي لحزب الشعب الجمهوري، والذي هو الآخر من أصول قومية. لكن أرقام استطلاعات الرأي الحالية ترجح كفة ياواش للاحتفاظ بالبلدية، بسبب سمعته الطيبة وأدائه المتميز والنزيه خلال فترة حكمه في السنوات الخمس الماضية.

 

خاض الرئيس أردوغان الانتخابات الرئاسية الأصعب في مايو الماضي بسبب تراجع شعبية حزبه عبر سنوات الحكم، والأزمة الاقتصادية التي باتت متجذرة عبر عدة سنوات، لذا فإنه يدرك صعوبة الوضع على الأرض في الوقت الحالي، ويدرك أن استعادة بلديتي أنقرة وإسطنبول لكن يكون بالأمر السهل، وهو هنا يراهن على ثلاثة عوامل:

 

الأول، الاستفادة من تشتت المعارضة وأصواتها وترشيحها لأكثر من مرشح، خصوصاً في إسطنبول، حيث سيفقد رئيس البلدية الحالي المعارض أكرم إمام أوغلو أصواتاً كان قد كسبها في انتخابات 2019 الأخيرة. لكن بسبب كاريزما إمام أوغلو، ونظر الكثيرين له على أنه المنافس الوحيد المتبقي أمام الرئيس أردوغان على الساحة السياسية، فإنه من المتوقع ألا يستجيب الناخبون المعارضون لدعم مرشحي أحزابهم، وأن يصوتوا لصالح إمام أوغلو مرة جديدة، لكن نسبة هؤلاء هي التي ستحدد مصير إمام أوغلو هذه المرة.

 

الثاني، محاولة ربط مرشحي المعارضة، وخصوصاً من حزب الشعب الجمهوري، بالإرهاب والتعاون مع حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، كما فعل أردوغان في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة، وهي استراتيجية مؤثرة، خصوصاً في حال حصول هجوم من قبل حزب العمال الكردستاني قبل الانتخابات أو قيام الجيش التركي بعملية في شمال سورية أو العراق.

 

الثالث، ربط حصول البلديات على دعم مالي من الحكومة لمشاريعها الكبيرة، وخصوصاً بلديات المحافظات التي تأثرت بزلزال فبراير 2023، بفوز مرشح الحزب الحاكم في تلك المحافظات. ففي 6 فبراير الماضي قال أردوغان خلال كلمة ألقاها في محافظة هاتاي في الذكرى الأولى للزلزال إنه “في حال عدم وجود انسجام بين البلدية والحكومة المركزية، فإن مدينة تلك البلدية لن تحصل على الدعم الكافي من أجل إعادة الإعمار والخروج من تبعات الزلزال المدمر”. وهنا يستخدم أردوغان قوة الحكومة وتأثيرها للضغط على الناخبين المحتاجين للإسراع بعملية إعادة الاعمار قبل أي شيء آخر. وقد كرر أردوغان تهديده هذا في أكثر من مناسبة.

 

قد يُحقق حزب الرفاه الجديد نتائج مفاجئة تضعه على خريطة الأحزاب المؤثرة في الانتخابات البلدية لهذا العام (AA)

 

حزب الرفاه الجديد قد يكون الحصان الأسود في هذا السباق

كان حزب الرفاه الجديد بزعامة فاتح أربكان، نجل الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، من الأحزاب المعارضة لسياسات الرئيس أردوغان وحزبه، لكنه انضم إلى تحالفه الحاكم في آخر لحظة في الانتخابات الرئاسية الماضية مقابل الحصول على 4 مقاعد في البرلمان من حصة قوائم الحزب. لكن حزب الرفاه الجديد استمر في توجيه انتقادات لسياسات الحكومة الاقتصادية بعد تلك الانتخابات، وعزز حضوره في الشارع لهذا السبب. وطالب حزب الرفاه الجديد بالحصول على دعم الحزب الحاكم للفوز ببلديتي كوجا علي وسكاريا، بالإضافة إلى ثلاث بلديات صغيرة في إسطنبول، لكن الرئيس أردوغان رفض ذلك العرض واعتبره ابتزازاً سياسياً. وعليه قرر حزب الرفاه الجديد خوض الانتخابات البلدية منفرداً، واستفاد من ضم عدد من رؤساء البلديات من حزب العدالة والتنمية الحاكم الذين رفض أردوغان ترشيحهم مرة أخرى لنفس البلديات فانشقوا عنه. ومع تقارب الأيديولوجيا بين حزب الرفاه الجديد وحزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن التنافس بينهما سيكون قوياً، وسيحصل الرفاه الجديد على قسم من أصوات ناخبي الحزب الحاكم في كل البلديات التي سيترشح لها. وأعلن حزب الرفاه الجديد عن التنافس على 51 بلدية، بينها بلدية مدينة إسطنبول، و456 بلدية مقاطعة صغيرة في محافظات الأناضول وإسطنبول وأنقرة.

 

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ناخبي حزب العدالة والتنمية الغاضبين من سياسات الرئيس أردوغان، الذين فضلوا التصويت لحزب الحركة القومية في الانتخابات الأخيرة في إشارة إلى انزعاجهم من سياسات أردوغان لكن دون أن يدفعهم ذلك إلى دعم مرشح المعارضة، قد يتجهون هذه المرة إلى دعم مرشحي حزب الرفاه الجديد في الانتخابات البلدية، مما سيفقد الحزب الحاكم قدراً مهماً من الأصوات، خصوصاً من قبل التيار الديني الذي أزعجه موقف الحكومة من أزمة غزة بسبب استمرار التجارة مع إسرائيل، وكذلك زيارة الرئيس أردوغان للقاهرة والمصالحة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي. ويرى المحلل السياسي ابرهيم أوصلو أن حزب الرفاه الجديد بنى حملته الانتخابية بوصفه حزباً معارضاً لسياسات الرئيس أردوغان، وأنه مع ترشيحه لعدد كبير من المرشحين في مختلف المحافظات التركية، فإنه قد يحقق نتائج مفاجئة تضعه على خريطة الأحزاب المؤثرة في هذه الانتخابات.

 

تفكُّك جبهة المعارضة

أولاً، حزب الشعب الجهوري

بعد خسارة زعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو الانتخابات الرئاسية في مايو الماضي، أُطيحَ به من زعامة الحزب في نوفمبر الماضي، وتولى أوزغور أوزال المقرّب من أكرم إمام أغلو زعامة الحزب. ونشأ عن ذلك انقسام جزئي في داخل الحزب لصالح التيار العلوي، الذي لا يزال يدعم كليجدار أوغلو، ولن يقدم الدعم المطلوب على الأرض في هذه الانتخابات أملاً في تحقيق نتائج ضعيفة تسمح بإجراء انتخابات داخلية جديدة وعودة كليجدار أوغلو إلى زعامة الحزب، وهو أمر سيؤثر في أصوات ناخبي الحزب من التيار العلوي، أو قسم منه، على الأقل في الأناضول. لكن تركيز زعيم الحزب الحالي ينصب على الاحتفاظ بالبلديات الكبرى التي انتزعها الحزب في انتخابات عام 2019 من الحزب الحاكم، وأهمها أنقرة وإسطنبول، وهنا تنصب جهود الحملة الانتخابية على فريق رئيسَي البلدية أكثر من كوادر الحزب، لكن عملية مراقبة صناديق الاقتراع في أنقرة وإسطنبول ستكون في خطر بسبب الحاجة إلى عدد كبير من كوادر الحزب للمراقبة، خصوصاً مع تكرار الاتهامات للحزب الحاكم بالتزوير في الانتخابات.

 

وبسبب حداثة عهد أوزغور أوزال بزعامة الحزب، وافتقاده للكاريزما المطلوبة، فإن الحزب لم يعلن استراتيجية واضحة لحملاته الانتخابية، سوى التركيز على الوضع الاقتصادي وانتقاد سياسات الحكومة، وهي استراتيجية لم تثبت نجاعتها في الانتخابات السابقة، وعليه فإن الحزب قد يخسر بعض البلديات في الأناضول. لكنْ في إسطنبول وأنقرة يعتمد المرشحان عن حزب الشعب الجمهوري هناك على سمعتهما وأدائهما في الفترة الماضية. وإن كان وضع مرشح الحزب في أنقرة منصور ياواش يبدو جيداً حتى الآن، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن أكرم إمام أوغلو سيواجه منافسة شديدة وصعبة في إسطنبول، بسبب تقديم حزب الجيد المعارض وحزب الشعوب الديمقراطية مرشحين هناك ستذهب إليهما جزء من الأصوات التي ساندت إمام أوغلو عام 2019. وحتى بداية شهر مارس الحالي يبدو أكرم إمام أوغلو متقدماً على مرشح الحزب الحاكم بثلاثة نقاط فقط، وهو فارق ضئيل يمكن جسره لاحقاً.

 

ينصب تركيز حزب الشعب الجمهوري على الاحتفاظ بالبلديات الكبرى، وأهمها أنقرة وإسطنبول (AFP)

 

ثانياً، حزب الجيد القومي المعارض

بادرت زعيمة حزب الجيد السيدة ميرال أكشنار إلى فك التحالف مع المعارضة وحزب الشعب الجمهوري بعد الانتخابات الرئاسية الماضية، وألْقت باللوم في خسارة تلك الانتخابات على كمال كيلجدار أوغلو مرشح المعارضة حينها، وأعلنت أن حزبها سيخوض الانتخابات البلدية مُنفرداً، وهو ما دفع العديد من قيادات الحزب إلى الاستقالة، لأنهم اعتبروا قراراها هذا انتحاراً سياسياً، ودعماً بشكل غير مباشر لحزب العدالة والتنمية الحاكم، لأنه من المعروف أن أصوات حزب الجيد وحدها لا توفر الدعم الكافي لفوز مرشحيها في هذه الانتخابات، وأن تشتيت أصوات المعارضة يصب في صالح مرشح التحالف الحكومي.

 

وهكذا وجدت السيدة ميرال أكشنار صعوبة في العثور على مرشحين أقوياء، لذا اضطرت إلى ترشيح عدد من نواب الحزب في البرلمان لهذه الانتخابات في إسطنبول وأنقرة وإزمير وبالكسير ودنيزلي وبورصة وأضنة، وهي محافظات يتقدم فيها حزب الشعب الجمهوري حالياً بمرشحيه على حزب العدالة والتنمية، وعليه يمكن اعتبار سياسة حزب الجيد تصب في صالح الحزب الحاكم في هذه الانتخابات. لكن السيدة ميرال أكشنار تدافع عن موقفها هذا بالقول بأن التحالف مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات السابقة أدى إلى تراجع شعبية حزبها، بسبب انزعاج الناخبين القوميين من هذا التحالف مع حزب يساري ومرشح علوي، لذا فإنها رغم علمها بأنه قد لا تفوز ببلديات في هذه الانتخابات، إلا أنها تأمل في استعادة شعبية حزبها من خلال النسبة العامة من الأصوات على مستوى الجمهورية، عبر استقطاب الأصوات القومية المعارضة بشكل عام على حساب حزب الحركة القومية الداعم للحكومة.

 

ثالثاً، حزب الشعوب الديمقراطي الكردي

مثّلت أصوات الأكراد أهمَّ عامل ساعد على نجاح المعارضة في انتزاع العديد من البلديات من الحزب الحاكم عام 2019، وخصوصاً في أنقرة وإسطنبول، حيث لم يرشح الحزب الكردي منافسين من طرفه ودفع ناخبيه إلى دعم مرشحي المعارضة هناك. لكن بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بدأ الحزب الكردي في أخذ مسافة من المعارضة، وخصوصاً حزب الشعب الجمهوري، الذي اتهمه بعدم الوفاء له، والتهرب من “رد الجميل” للناخبين الأكراد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من خلال رفض ضم الحزب الكردي في التحالف السياسي. كما اعتبر الحزب الكردي أن تحالفه مع المعارضة في الانتخابات الأخيرة أدى إلى تراجع نسب التصويت في المحافظات ذات الأغلبية الكردية في جنوب تركيا وشرقها.

 

لذا سعى الحزب إلى التفاوض بشكل غير مباشر مع حزب العدالة والتنمية الحاكم في هذه الانتخابات، وعرض خلال تصريحات متفرقة دعم مرشح الحزب الحاكم في إسطنبول من خلال تشتيت أصوات المعارضة هناك، وتقديم مرشح له يقلل من حظوظ مرشح المعارضة إمام أوغلو في الفوز، مقابل وعد من أردوغان بعدم تكرار ما حصل بعد انتخابات عام 2019، حيث قام وزير الداخلية حينها سليمان صويلو بعزل أكثر من 80 رئيس بلدية كردياً منتخباً في جنوب وشرق تركيا بحجة تورطهم في دعم “الإرهاب”، وعيّن بدلاء عنهم هناك من المقربين من الحزب الحاكم. لكن أردوغان رفض التعليق على هذا العرض.

 

وعليه، فإن الحزب الكردي سيخوض الانتخابات منفرداً دون أي تحالف، وحظوظه قوية في كسب عدد كبير من بلديات جنوب تركيا وشرقها في حال أقنع ناخبيه بالمشاركة في الانتخابات، لكن مرشحه لبلدية إسطنبول لن تكون له أي حظوظ، كما أن غالبية ناخبيه هناك من المتوقع لهم دعم أكرم إمام أوغلو وعدم التصويت لمرشح الحزب الكردي، وذلك لأن القاعدة الحزبية للحزب الكردي في إسطنبول تغلب عليها الطبقة الوسطى المثقفة سياسياً، والتي تعلم أن دعم مرشح الحزب لأسباب حزبية بحت سيصب في صالح مرشح الحكومة التي يرفضون سياساتها.

 

استنتاجات 

ستكون الانتخابات البلدية هذا العام حُبلى بالمفاجآت، بسبب تشتت أصوات الناخبين، وتراجع التحالفات السياسية، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان تخمين الفائز في أي بلدية حتى تلك التي تبدو مضمونة لحزب معين. كما أن رد فعل الناخبين على الوضع الاقتصادي قد يكون أكبر هذه المرة ضد الحزب الحاكم، على اعتبار أن الناخب قد أعطى فرصة أخيرة للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية الماضية لكنه لم يرَ أي تحسن في الوضع الاقتصادي، بل إن الرئيس أردوغان تراجع عن عدد من وعوده الانتخابية بعد الانتخابات، وخصوصاً فيما يتعلق برفع أجور المتقاعدين، وهي كتلة انتخابية مهمة بالنسبة للحزب الحاكم. كما أن المعارضة بصورتها وأدائها السابق في الانتخابات الرئاسية لا تعطي كثيراً من الأمل للناخبين، لذا فإن التركيز سيكون على انتخابات بلدية إسطنبول تحديداً، من أجل استكشاف شعبية الرئيس أردوغان وحزبه وسياساته، فيما من المتوقع أن تشهد نتائج انتخابات البلديات الأخرى مفاجآت، وربما صعوداً للأحزاب الصغيرة على حساب الأحزاب الكبيرة التقليدية.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/alaintikhabat-albaladia-alturkia-2024-aistiedadat-alahzab-wakharitat-altahalufat-alsiyasia

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M