التنافس الدولي داخل الساحل الإفريقي

اعداد : نور طارق جمال الدين – باحثة ماجستير  – كلية الدراسات الإفريقية – جامعة القاهرة – مصر

 

المقدمة:

تُعد منطقة الساحل الإفريقي واحدة من أهم المناطق الجغرافية والاستراتيجية، ليس فقط في افريقيا ولكن في العالم، تستحوذ هذه المنطقة علي موقع جغرافي متميز، إلا أن على الرغم من ذلك تحوم حول هذه المنطقة العديد من التحديات والمخاطر والتي تشكل في مجملها تهديداً مباشراً لأمن دول الاقليم، والتي تواجه اشكاليات متعددة وتحديات متشابكة ومعقدة سواء كانت داخلية كالحروب الاهلية وتدهور الاوضاع سياسياً وأقتصادياً وأمنياً، وإقليمياً الصراعات الحدودية بين دول الاقليم، والخلافات السياسية، ووجود حركات القرصنة، وعالمياً الصراعات الدولية من جانب الدول الكبرى لكسب النفوذ والسيطرة.

منطقة الساحل الإفريقي هو مفهوم ليس بالضيق وله العديد من الإعتبارات سواء تلك الإعتبارات السياسية والجغرافية، مفهوم الساحل الإفريقي تطلق على الدول التي تقع في النطاق الجغرافي ما بين السودان وموريتانيا، ويشمل في ذلك تشاد والنيجر ومالي وجنوب الجزائر نيجيريا والسنغال.

 

 

بالنظر إلى دول الساحل الإفريقي، نجدها دول غنية بالثروات الطبيعية وهو ما جعلها منطقة نفوذ للدول الكبرى التي تسعى لفرض سيطرتها وهيمنتها على دول الساحل، وأصبحت منطقة تنافس للقوى الدولية، خصوصاً بعد التحولات والأحداث التي جدت على النظام العالمي، وأوجد الحاجة إلى المزيد من التحول في سياسات الدول الكبرى، وظهور الحاجة إلى توسيع نطاق النفوذ لخدمة المصالح والتطلعات المستقلبية، وهو من أعطى المنطقة أهمية للقوى الخارجية وعلى رأسها فرنسا الشريك وصاحب النفوذ التاريخية داخل المنطقة، والولايات المتحدة الأمريكية الدولة صاحبه السيطرة والهيمنة، وكذلك وتركيا وايران روسيا.

  • المحور الأول: الطبيعة الجيوسياسية لمنطقة الساحل الإفريقي.
  • المحور الثاني: الدوافع الدولية للتنافس في الساحل الإفريقي.
  • المحور الثالث: التنافس الدولي داخل منطقة الساحل الإفريقي.
  • المحور الرابع: تأثير الإنقلاب العسكري في مالي على منطقة الساحل الإفريقي ومجموعة إيكواس.

 

 

المحور الأول: الطبيعة الجيوسياسية لمنطقة الساحل الإفريقي.

 

 

منطقة الساحل الإفريقي واحدة من أهم المناطق الجيوسياسية في القارة الإفريقية والتي يمتد تأثيرها إلى خارج القارة الإفريقية، والتي جعلتها مطمعاً للعديد من القوى الدولية المتصارعة والمتنافسة لفرض نفوذها، لما تمتلكه من أهمية كبرى وموقع استراتيجي هام، وكذلك احتوائها على العديد من الموارد الطبيعية كالثروات المعدنية والنفطية، ولما تمتلكه دول الساحل من أهمية لجذب قوى العالم نحوها، فمنطقة الساحل الإفريقي تعتبر المنطقة الإفريقية التي يطلق عليها المنطقة شبه الجافة، والتي تقع في الصحراء الكبرى شمالاً حتي السافانا جنوباً، وتمتد حتي السنغال وموريتانيا  ومالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد ونيجيريا والسودان غرباً، وتمتد حتي اثيوبيا شرقاً، كما ينظر إلى الحدود الجغرافيا لمنطقة الساحل الإفريقي، هي تلك المنطقة الواقعة بين خطي عرض 12 درجة، وحتي 20 درجة شمال خط الإستواء[1].

كما تعتبر منطقة الساحل الإفريقي واحدة من أهم المجالات الجيوسياسية الهامة والتي تعتبر نقطة أهتمام للقوى الكبرى، وكما تعرضت المنطقة للعديد من التهديدات والتحديات، خصوصاً بعد التحولات والأحداث التي جدت على النظام العالمي، كما أن أغلب هذه التهديدات والتحديات كانت بسبب إفتقار دول المنطقة للإستقرار الاقتصادي والسياسي وغياب الأنظمة الأمنية التي تستطيع فرض سيطرتها وهيمنتها على المنطقة.

بروز الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الساحل الإفريقي كان نتاجاً لما أكتسبته القارة الإفريقية من أهمية خاصة لدي الدول الكبرى، والتي سعت إلى زيادة نفوذها داخل افريقيا، ولما تتمتع به القارة من أهمية وموقع استراتيجي هام وتوسطها للقارات ووقوعها في مركز العالم، كما زادت الأهمية بعد اكتشاف حقول البترول والنفط خاصاً داخل منطقة الساحل الإفريقي، كما تعتبر المنطقة تتوسط حركة التجارة العالمية ولاسيما طريق التجارة النفطية من وإلى دول الخليج العربي والجزائر وكذلك أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا[2]، كما أن الأهمية لا تقتصر على الموقع الجغرافي فقط، بل ترتبط بالموارد الطبيعية والحيوية وكذلك العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية.

الوضع الاقتصادي لدول الساحل الإفريقي.

تمر دول الساحل الإفريقي بالعديد من الأزمات الاقتصادية وتعاني من وجود الإقتصاديات المتدهورة والضعيفة، وهي نتيجة لتشابك وتراكم العديد من الأسباب والعوامل والتي تعتبر أهمها أرتفاع معدل الهشاشة للدول، وزيادة في معدلات الفقر والبطالة، وجود حالة من عدم الاستقرار في الموارد للدول والتي تعتمد عليها في تغطية متطلباتهم الحياتية، كما تظهر حالة الفشل والتدهور الاقتصادي لدول الساحل نتيجة عدم استقرار الموارد الزراعية للدول بسبب معاناتهم من الظروف المناخية التي تمر بها الدول، فقد تمر بفترة جفاف طويل ثم تليها فترة مطر قصير.

كما تظهر هشاشة الدول نتيجة ضعف التنمية ونقص في معدلات النمو وارتفاع معدلات الفقر، وهي من أهم اسباب زيادة معدلات الجريمة وانتشار التهديدات الارهابية والتطرف والتمرد، وظهر المصطلح في البداية “بالدول الفاشلة” لكن مع مطلع تسعينيات القرن الماضي أُستُبدل بمصطلح “الدول الهشة” وخاصةً من الجانب الامريكي في حقبة بيل كلينتون في وصف الدول الغير قادرة علي فرض سيادتها وتهدد الأمن الدولي[3]، حيث ظهرت العديد من التعريفات لمفهوم الدول الهشة[4] فالدولة الفاشلة هي التي تخرج فاقدة السيطرة علي وسائل العنف الخارج عن الإطار القانوني، وتعجز عن تحقيق السلام والاستقرار لشعوبها وممارسة السيطرة علي سيادتها وتحقيق اشكال النمو المختلفة[5].

 

 

المحور الثاني: الدوافع الدولية للتنافس في الساحل الإفريقي.

 

 

رغم وقوع منطقة الساحل الإفريقي في نطاق الدول الفقيرة والمجتمعات المتصارعة سواء بسبب الخلافات العرقية والدينية، وهو ما سبب العديد من الأزمات والتقلبات داخل المنطقة، إلا أنها أصبحت منطقة جذب واستقطاب للعديد من القوى الإقليمية والدولية التي تحاول الاستفادة من الموارد واستغلال الطاقات، كما تسعى الدول الكبرى في فرض سيطرتها للتأثير على ما يدور داخل المنطقة وبما يخدم المصالح والأهداف، منطقة الساحل الإفريقي تعتبر امتداد جغرافي جعلها تمتع أهمية استراتيجية كبيرة وأصبحت محط أنظار للعديد من القوي الكبرى، لكل قوى دوافعها المختلفة لبسط نفوذها، الجانب الفرنسي الذي يعتمد على الإطار التاريخي ونفوذه القديمة بالمنطقة منذ وقت الاستعمار، الولايات المتحدة الأمريكية والتي تسعى للهيمنة من خلال استعراض قوتها ونفوذها القوية على الساحة العالمية، أما الصين فتعد الشريك الاكبر في القرن الافريقي بالمشروعات المختلفة والاستثمارات داخل المنطقة الإفريقية، وكذلك علاقاتها في دول غرب افريقيا، إيران التي تسعى لتأكيد تواجدها في المنطقة الإفريقية وبعد اقامة علاقات اقتصادية وتجارية مع دول كينيا واوغندا وإريتريا وبناء قاعدة لها في إريتريا، وروسيا التي تسعى لإيجاد دور فعال لها في الداخل الإفريقي من خلال فتح القنوات الدبلوماسية، والتي تحاول إبراز صورتها كدولة داعمة لدول افريقيا مثل العمل على استقرار السودان ومالى والحفاظ على التوازنات الدولية بالمنطقة، ولعل أهم الدوافع للدول الكبرى داخل المنطقة هي:

تزايد أهمية الموارد البترولية في منطقة الساحل.

الموارد البترولية هي محور الاهتمام للدول الكبرى، والتي تسعى لبسط نفوذها داخل المناطق التي تتميز بإحتوائها على الموارد النفطية، في ظل تزايد الطلب العالمي على البترول ومحاولة القوى في تأمين احتياجاتها لموارد الطاقة أصبحت المنطقة ذات أهمية استراتيجية لهم وبروز البترول كواحد من أهم الدوافع للقوى الكبري نحو الساحل الإفريقي[6]، كما برز أهمية مفهوم أمن الطاقة والتي أصبح من المحددات الهامة للحفاظ على التوازنات الدولية، وأصبحت القوة الصناعية من أهم عوامل تشكيل السياسة الخارجية، والتي أبرزت الصراعات الدولية داخل المنطقة الإفريقية بين القوى المتصارعة في الداخل الإفريقي[7]، وجود الموارد النفطية داخل الساحل الإفريقي فرض على المنطقة استراتيجية خاصة للتعاملات الدولية وهو ما زاد من حدة التنافسات الكبرى، خاصاً في ظل تمتع البترول بمنطقة الساحل بالعديد من المزايا  منها جودته العالية والتي يعد أفضلها داخل الشرق الأوسط بإحتوائه على نسبة من الكبريت، كما يتميز بقربه من أسواق الأستهلاك داخل أمريكا ودول أوروبا، حيث الساحل الغربي لإفريقيا يقع بالقرب من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعني إنخفاض تكلفة نقل المواد البترولية، في ظل الأوضاع المضطربة داخل الشرق الأوسط وانتشار أعمال القرصنة، كما يتركز إحتياطي النقط في مأمن بعيداً عن كل الاضطرابات التي تتعرض لها دول المنطقة[8]، كما أن بعض دول المنطقة لا تلتزم بقرارات منظمة الأوبك وهو ما يعطي لها الحرية الكاملة في انتاج النفط، وهو الذي أعطي للمنطقة أهمية انتاجية كبيرة.

ضعف المؤسسات السياسية في منطقة الساحل.

ضعف الأنظمة السياسية من الساحل الإفريقي وغياب التوافق ودور المؤسسات السياسية من أهم دوافع القوى الكبرى لفرض نفوذها داخل المنطقة، كما هو الحال في النيجر ومالي وموريتانيا وكذلك انتشار الإنقلابات العسكرية في بوركينا فاسو، غياب الفاعل الداخلي في المجتمعات أدى إلى غياب العدالة وضعف الحياة التشريعية أظهر ضعف دور الدولة وزيادة أعمال العنف وبروز دور الجماعات الإرهابية والمسلحة مثل ما يحدث في شمال مالي والنيجر[9]، وجماعة بوكو حرام في نيجريا، لعل هذه من إحدى اهم الدوافع الدولية في الساحل الإفريقي مع ضعف دور الدولة في الساحل، مع انتشار العديد من الأنشطة غير المشروعة بالساحل كالاتجار بالبشر وزيادة معدلات الجريمة مع وجود انتشار واسع لأعمال القرصنة.

الموقع الجغرافي المتميز لمنطقة الساحل الإفريقي.

تُعد منطقة الساحل الإفريقي واحدة من أهم المناطق الجغرافية والاستراتيجية، ليس فقط في افريقيا ولكن في العالم، تستحوذ هذه المنطقة علي موقع جغرافي متميز التي تمتد من المحيط الأطنطلي غرب حتي البحر الأحمر شرق بشكل أفقي، تعتبر حلقة وصل قوية وفعالة بين الشمال والجنوب للقارة الإفريقية، حيث تعتبر هذه المنطقة البحرية واحدة من أهم طرق الملاحة التجارية للعالم والتي تحمل حركة التجارة النفطية والعسكرية وتقع بالقرب من دول الخليج حيث حركة التجارة النفطية إلى الدول الأوروبية، كما أن الساحل الغربي لإفريقيا يقع بالقرب من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية مما يعني سهولة نقل التجارة من وإلى القارة، ومن ثم إنخفاض تكلفة نقل الموارد البترولية التي تنتجها منطقة الساحل، وكذلك سهولة عبور التجارة الأمريكية عبر الدول الإفريقية التي تقع بالقرب من دول الساحل الإفريقي.

الموقع الجغرافي لمنطقة الساحل جعلها من أبرز مقومات جذب الدول الكبرى والتي حاولت منذ فترات بعيدة فرض سيطرتها على المنطقة أو التدخل السياسي أو العسكري بالمنطقة، واقامة العديد من المشروعات على أراضي الساحل، فالمنطقة هي امتداد حضاري كما تعتبرها فرنسا، وهي نقطة وصل بين الشمال الإفريقي ومناطق ما وراء الصحراء، وهو ما أعطي أهمية كبرى للمنطقة.

 

 

المحور الثالث: التنافس الدولي داخل منطقة الساحل الإفريقي.

تعتبر منطقة الساحل الإفريقي من أهم المناطق التي تشهد صراع دولي كبير بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الصين، كما هو حال التنافس بينهم داخل منطقة القرن الإفريقي، منطقة الساحل الإفريقي تاريخياً إحدى مناطق النفوذ الفرنسي، الذي تحظى باهتمام بالغ من جانب رؤساء فرنسا منذ تحقيق الإستقلال عنها، فالاهتمام الفرنسي ليس فقط منطقة الساحل فقط، لكن يمتد ليشمل دول الغرب الإفريقي الذي ترتبط بينهم مصالح قوية وحيوية، فتعمل فرنسا على تهدئة الأوضاع واستقرار المنطقة لحفظ المصالح، كما أن فرنسا من خلال هيمنتها بالمنطقة كونت ما يعرف برابطة الفرنكوفونية وهي الدول الناطقة بالفرنسية، ومن ثم إنشاء القمة الفرنسية الإفريقية وهي قمة تعقد بشكل دوري، والتي بدأت في فبراير 1973، أما عن أمريكا فالوضع مختلف، والتي تخشى من انتشار الجماعات المسلحة والمتطرفة داخلها، فبعض المسئولين الأمريكيين حذر من تواجد المتطرفين داخل منطقة الساحل الإفريقي، كما أن أعضاء البنتاجون طالبوا بتدخل الدولة ضد المتطرفين بالمنطقة، إلا أن مستشاري البيت الأبيض وجدوا أنه ليس لديهم دراية كاملة بتواجد المتطرفين، وأن الأمر مختلف تماماً عن حالة أفغانستان[10].، أما الجانب الصيني التي تعتبر واحدة من أكبر الدول المستثمرة أفريقيا، والشريك الاقتصادي الأكبر داخل منطقة القرن الإفريقي والتي تسعى منذ فترات طويلة لتمديد وتوسيع نفوذها داخل القارة[11]، كما تستحوذ الصين على نحو ما يقرب من 25% من إجمالي واردات الصين من داخل القارة الإفريقية، وهي كذلك أكبر منتج ومصدر للنفط من السودان، مقابل حجم استثمار يزيد عن أربعة مليار دولار[12].

الاستراتيجية الأمريكية في الساحل الإفريقي.

تتميز الاستراتيجية الأمريكية في الساحل الإفريقي بالتمدد والتحرك والأعتماد على المدخل العسكري والدبلوماسي والاقتصادي، والتي برزت الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الساحل الإفريقي عقب أحداث سبتمبر 2001 والتي أصبحت منطقة أهتمام بالغ من جانب الإدارة الأمريكية والتي وضعت عدة برامج لمد نفوذها في عدة دول أهمها مالي وتشاد والنيجر وموريتانيا بسبب كثرة نفوذ الحركات المسلحة في هذه الدول في ظل تقاسم حدود هذه الدول مع ليبيا والجزائر والسودان، ومع تزايد الأهمية الاستراتيجية التي يمثلها خليج غينيا بالنسبة لأمن الطاقة للولايات المتحدة الأمريكية.

ترابط المصالح الأمريكية في القرن الإفريقي، لن يغفلها عن التواجد في الغرب الإفريقي ومنطقة الساحل، والتي أصبحت أمريكا من الدول صاحبه النفوذ بالمنطقة، والتي أحتلت أهمية كبيرة في ظل تمددها الكبير من المحيط الأطلنطي حتي البحر الأحمر، حيث عملت الادارة الأمريكية على وضع يدها على مخزون دول غرب افريقيا من النفط والعمل على زيادة الكميات المستخرجة، والتي كانت بداية التفكير في تواجد شركات النفط الأمريكية موبيل وشيفرون في خليج غينيا[13]، كما أن قرب المسافة بين مناطق البترول والساحل الأمريكي يوفر النفقات المتعددة للشحن وكذلك الحصول على النفط بأسعار منخفضة، وكذلك يضمن لها السلامة وعدم التعرض لهجمات القراصنة عبر البحر الأحمر وسواحل الصومال.

الأستراتيجية الفرنسية في الساحل الإفريقي.

تسعى فرنسا لتثبيت نفسها أكثر كقوة دولية فاعلة داخل منطقة الساحل الإفريقي، كما تسعى لإيجاد فرص لإنشاء قاعدة عسكرية، في ظل الحصار الأمريكي الصيني لقاعدتها العسكري في جيبوتي والمعروفة بقاعدة كامب لموان[14]، كما أن منطقة الساحل الإفريقي هي أحدى مناطق النفوذ الفرنسية التاريخية الإستعمارية جعلها مؤهلة عن غيرها في فرض سيطرتها والتعاون مع حكومات الدول في غرب افريقيا من أجل تحقيق المصلحة، وتواجد الكثير من ناطقي الفرنسية، وكذلك الحكومة الفرنسية على تواصل تام ومتابعة لما يدور داخل المنطقة من أحداث، كما أن الادارة الفرنسية أعتمدت على عدة عوامل، العامل الاقتصادي والقائمة على محور الموارد المعدنية والبترولية وكذلك الحيوية، العامل الثقافي هو القائم على غرس القيم والمبادئ الفرنسية في المجتمعات الإفريقية ومناطق النفوذ الفرنسية، العامل السياسي وهو العمل على التنسيق بين الحكومة الفرنسية مع حكومات دول افريقيا من أجل الحصول على تأييد هذه الدول في المحافل الدولية وبما يخدم المصالح الفرنسية[15].

حيث تعمل الحكومة في باريس على زيادة المقاربة بينها وبين دول الساحل وذلك لضمان استمرار حماية المصالح الفرنسية بالمنطقة وكذلك حماية نفوذها التقليدية داخل الساحل الإفريقي، كما تسعي لوضع العراقيل لمنع متدد نفوذ الحركات الارهابية والمسلحة في الداخل الإفريقي ولا سيما جماعتي بوكا حرام وتنظيم القاعدة، مع استمرار العمليات العسكرية التي تقودها باريس في الغرب الإفريقي خصوصاً تلك العمليات في شمال دولة مالي لمنع تمدد وتوسع حركات التمرد والانفصال وتثبيت أركان الدولة خاصاً بعد الطاحة بالرئيس المالي كيتا واعتقاله هو ورئيس وزاءه.

الأستراتيجية الصينية في الساحل الإفريقي

الصين واحدة من أكبر الدول المستثمرة أفريقيا، والشريك الاقتصادي الأكبر داخل منطقة القرن الإفريقي والتي تسعى منذ فترات طويلة لتمديد وتوسيع نفوذها داخل القارة[16]، كما تستحوذ الصين على نحو ما يقرب من 25% من إجمالي واردات الصين من داخل القارة الإفريقية، وهي كذلك أكبر منتج ومصدر للنفط من السودان، مقابل حجم استثمار يزيد عن أربعة مليار دولار، كما شرعت الصين في بناء قاعدة عسكرية داخل جيبوتي عام 2016، والتي تعتبر المرة الأولى التي ترسل فيها جنود خارج أراضيها، والتي تمت خلال اتفاق بين الجانب الصيني والجيبوتي حتي 2026، وهي تعبد عن قاعدة ليمونير الأمريكية بما يقرب من ثلاثة عشر كيلومتر، وهو ما جعل القلق الأمريكي جراء هذا الاتفاق الذي قد يضر المصالح الأمريكية.

رغم الشراكة الأمريكية النيجيرية خصوصاً في المجال العسكري والأمني في القضاء على الإرهاب، لكن حدثت فجوة في السياسة الأمريكية أدت إلى تغير خريطة التحالف بينهم وتشتت العلاقات بينهم، كان نتيجة لك تعزيز العلاقات الصينية النيجيرية في ظل سعي الصين في مد أطرافها داخل المنطقة الإفريقية، كما قدمت الصين بعض الاستثمارات للشركات النيجيرية ، كما تقدم بعض الاستثمارات في العديد من المجال الاقتصادية وتكنولوجية الاتصالات، كما أن الحكومة النيجيرية تفكر في سن بعض القوانين على غرار الموجودة داخل الصين.

التواجد الصيني داخل نيجيريا يمثل قوة ناعمة وضاغطة على دول الغرب، والتي تسعي الصين في ضرب المصالح الفرنسية الأمريكية في وقت واحد من خلال ورقة الغضط النيجيرية وإقامة التحالفات وتحقيق المصالح الخاصة.

المحور الرابع: تأثير الإنقلاب العسكري في مالي على منطقة الساحل الإفريقي ومجموعة إيكواس.

الانقلاب العسكري الذي حدث في مالي أغسطس 2020 يعتبر الحالة الرابعة للإنقلابات العسكرية داخل مالي، والذي أٌعلن عنه عقب تبادل لإطلاق النار وتمرد عسكري داخل القصر الجمهوري ومن ثم القيام بإعتقال الرئيس المالي ابراهيم بوبكر كيتا “إبيكا” الذي تم انتخابه في 2013، وتولى فترة رئاسة أخري عام 2018، وانتهي بإجباره على تقديم الاستقالة، كما أعلن قادة الانقلاب أيضاً أنهم يريدون تحقيق تبادل سلمي للسلطة وتحقيق الإنتقال السياسي المدني، هذا الانقلاب الذي فتح الكثير من التدخلات في المنطقة وسعي الكثير من القوى لبسط نفوذها بالمنطقة.

مالي واحدة من أكثر الدول الإفريقية التي تعاني من انتشار الفقر والجماعات المسلحة والحركات التمردية، ترتبط مالي بسبع دول جوار تربطهم علاقات متوترة تارة ومستقرة نسبياً تارة أخري، فدول الجوار المالي هي الجزائر وموريتانيا والنيجر، وكذلك السنغال وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا، وكذلك واحدة من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وكذلك مالي هي إحدى الدول الخمس لدول الساحل الإفريقي، فذلك السرد يوضح مدى ارتباط مالي بالعديد من القوى، وحدوث مثل هذه الظواهر داخلها يؤثر بالتالي على مستقبل هذه التكتلات، ويجعل التعامل مع الدولة بشئ من الحذر حتى لا تؤثر في الدول الأخرى خصوصاً في ظل ما تتعرض له قارة أفريقيا من تحديات ومخاطر على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي.

أولاً تأثير الانقلاب علي دول غرب أفريقيا.

قبل الإنقلاب بما يقرب من شهر، وعقب زيادة حدة الصراعات والاحتجاجات التي تطالب الرئيس إبيكا بتقديم إستقالته، ومع إصرار كل طرف برأيه ورفض إبيكا الإستقاله، قام وفد مع مجموعة إيكواس بزيارة عاجلة إلى باماكو، والتي سعت إلى تهدئة الأوضاع ومحاولة الوصول لحل ووقف الصراع وأعمال العنف والنزاعات القائمة، كما أن دول الجوار المالي قلقه بشأن ما يحدث من صراعات وفوضى، إلا أن هذه الوساطة الطارئة من جانب دول غرب إفريقيا فشلت في تحقيق الوساطة[17]، وحل الأزمة السياسية الناشئة بها.

ومع زيادة حدة الصراع وإصرار المعارضة المالية على إستقاله إبيكا من منصبه، نتيجة تدهور الوضع الأمني ومع عجز السلطات عن التصدي للعنف القائم والفساد السياسي والإداري، ومع حالة الركود الاقتصادي، وما حدث خلال الإنتخابات البرلمانية لم تجد مجموعة الوساطة إلا أن ترجع دون تحقيق أي فائدة تذكر.

أما عن موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا، فقام وفد من مجموعة “إكواس” بالسفر إلى باماكو وذلك للوساطة في الأزمة التي تعيشها المجتمع المالي، ويقود هذه الزيارة الرئيس النيجيري السابق جوناثان، والذي كان قد ألتقى بقادة اللجنة الوطنية التي شكلها المتمردين، وقد تناولت بعض التقارير لقائه مع المعزول كيتا داخل محبسه[18]، ويتضمن أيضاً برنامج وفد إكواس لقاء أيضاً مع سفراء دول الفيتو بمجلس الأمن داخل مالي، لكي يتم التعرف إلى نتائج الزيارة، وتحقيق للمصالح والتطلعات، ومن جانبها أعلنت فرنسا دعمها الكامل لوفد الإكواس وتقديم كافة السبل لتعزيز التعاون وتذليل العقبات لكي يتم التوصل لحل الأزمة[19].

الخاتمة.

ظلت منطقة الساحل مهمشة فترات طويلة، لكن من ظهور اهمية موقعها الاستراتيجي بدأ اهتمام القوى الكبرى، بالنظر إلى دول الساحل الإفريقي نجدها دول غنية بالثروات الطبيعية وهو ما جعلها منطقة نفوذ للدول الكبرى التي تسعى لفرض سيطرتها وهيمنتها على دول الساحل، وأصبحت منطقة تنافس للقوى الدولية، خصوصاً بعد التحولات والأحداث التي جدت على النظام العالمي، وأوجد الحاجة إلى المزيد من التحول في سياسات الدول الكبرى، وظهور الحاجة إلى توسيع نطاق النفوذ لخدمة المصالح والتطلعات المستقلبية، وهو من أعطى المنطقة أهمية للقوى الخارجية وعلى رأسها فرنسا الشريك وصاحب النفوذ التاريخية داخل المنطقة، والولايات المتحدة الأمريكية الدولة صاحبه السيطرة والهيمنة في الساحة العاليمة، وكذلك صاحب أكبر استثمار في منطقة القرن الإفريقي والقارة وتركيا وايران وكذلك روسيا، كما أن الأزمة في جمهورية مالية كان لها أثر بالغ في التدخل الدولي في المنطقة وحرص الأطراف الدولية على الحفاظ على مصالحها الحيوية والقوية.

[1] التنافس الدولي في السياسة العالمية دراسة في منطقة الساحل الافريقي، المركز الديمقراطي العربي ببرلين

[2] حمدي حسن عبد الرحمن، عسكرة العولمة ومخاطر التنافس الدولي في السودان، قضايا معاصرة.

[3] نعوم تشومسكي، الدول الفاشلة- اساءة استعمال القوة والتعدي علي الديمقراطية، ترجمة سامي الكعكي، (بيروت، دار الكتاب العربي، 2007)، ص8

[4] Ahmed Rashid Jamal, Identifying Causes of State failure: the case of Somalia failed: states in sub-Saharan Africa, the Atlantic, 13 August 2013.

[5] عزة هاشم، أزمة الدول الهشة في القرن الافريقي، السياسة الدولية، ابريل 2018

[6] محمود أبوالعنين، الولايات المتحدة وافريقيا بعد أحداث سبتمبر 2001، التقرير الاستراتيجي الافريقي، مركز البحوث الإفريقية.

[7] التنافس الدولي في السياسة العالمية دراسة في منطقة الساحل الافريقي، مرجع سابق.

[8] خالد عبدالحميد، النفط في أفريقيا محور متجدد في اهتمامات السياسة الامريكية 2018.

[9] عبدالغفار الديواني، الأدوار الإقليمية والدولية في الساحل الأفريقي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

[10]   فاروق حسين أبوضيف، تداعيات الإنقلاب العسكري بجمهورية مالي إقليمياً ودولياً دراسة حالة: دول الساحل الإفريقي، وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، المركز الفرنسي الإفريقي للدراسات السياسية والاستراتيجية.

[11] د. سالي محمد فريد، الصراع الاقتصادي في القرن الإفريقي جيبوتي نموجاً، مجلة السياسة الدولية، ابريل 2018.

[12] تداعيات الإنقلاب العسكري بجمهورية مالي إقليمياً ودولياً. مرجع سابق

[13] د. حمدي حسن عبدالرحمن، السياسة الأمريكية تجاه افريقيا من العزلة إلى الشراكة، السياسة الدولية.

[14] د. أماني الطويل، مسارات تهديد الأمن العربي في جنوب البحر الاحمر، السياسة الدولية، العدد 212،ابريل 2018، المجلد 53.

[15] إجلال رأفت: السياسة الفرنسية في إفريقيا جنوب الصحراء، السياسة الدولية.

[16] د. سالي محمد فريد، الصراع الاقتصادي في القرن الإفريقي جيبوتي نموجاً، مجلة السياسة الدولية، ابريل 2018.

[17] فشل الوساطة الإفريقية لحل الأزمة في مالي، جريدة العرب الدولية – الشرق الأوسط، 25/7/2020.
https://aawsat.com/home/article/2409841/%D9%81%D8%B4%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A

[18] وفد من إكواس يصل باماكو للوساطة في الأزمة السياسية التي تعيشها مالي، PanaPress، 23 أغسطس2020.

[19] Mali: Isolation beckons as ECOWAS piles pressure on junta leaders, DW RECOMMENDS, 21/8/2020.

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=89807

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M